تسلّح وتكنولوجيا

حرب الشبكة المركزية
إعداد: كمال مساعد

نحو شمولية تقصّي وتبادل المعلومات

ترددت القيادة الأميركية غداة انتهاء الحرب الباردة باعتماد استراتيجية واضحة المعالم تبني على أثرها قواتها المسلحة. ففي مرحلة أولى كانت الفكرة السائدة تقضي بانتقاء عمليات محدودة تنفّذ بواسطة ضربات جراحية (هجوم بالنار) من خلال استخدام القوتين الجوية والبحرية المتقدمتين تكنولوجياً.
لكن التطورات المتسارعة في الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات، أدت إلى استنباط طرق جديدة لتنظيم القوات المسلحة وتنفيذ العمليات العسكرية، مما دفع عدداً من الشركات الدفاعية الرئيسية في العالم إلى تطوير مفاهيم جديدة تجسد التحوّلات في القطاع الدفاعي، عبر ما يسمى بـ «شبكة معلومات الحرب المركزية»  (Network Centrink Warfare-NCW) أو نظام القيادة والسيطرة والاتصالات والكمبيوتر والاستخبارات (C41) أو شبكة الدفاع.


الثورة في الشؤون العسكرية

تستند الفلسفة الأساسية لهذه الشبكة (NCW) على وصل الأنظمة الدفاعية المختلفة بمساعدة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الحديثة.
وبما أن كل وحدة أصبح بإمكانها الاستفادة من المعرفة الجماعية للشبكة الشاملة، فمن الطبيعي أن تتضاعف القدرات الدفاعية الاميركية عدة مرات ويصبح ممكناً، في شبكة اNCWب، استخدام الوحدة المناسبة في الوقت المناسب لتنفيذ المهمة المناسبة. فكل من الغواصة، والسفينة، والطائرة، وعربة القتال وحتى المقاتل الفردي، يستطيع، وبصورة دائمة، ايجاد مدخل في الشبكة للحصول على أفضل المعلومات المتوافرة.
وطبقاً لهذا المفهوم انكب فريق من الخبراء الاستراتيجيين الاميركيين عـلى دراسة التـغير الجديد في الـفكر العسكري من خــلال مـا عــرف بالـــثـورة في الشـؤون الـعسكـريـة .(Revolution in Military Affairs)
وجاءت توصيات «النظرة الموحدة 2010» ثم «النظرة الموحدة 2020» لترسم الطريق للقوات المسلحة الأميركية حتى العام 2020 وما بعد. وفعلاً حضت حمى التغيير لجان الكونغرس للأمن القومي على اصدار تقرير بعنوان «خطة الطريق للأمن القومي: ضرورة التغيير»، التي شددت على سياسة عسكرة الفضاء ضمن منظومة (C4ISR)، أي القيادة والتحكم والكمبيوتر والاتصالات والمعلومات والرصد والاستطلاع.
وكان العقيد جون بويد من سلاح الجو الأميركي وضع تقارباً نمطياً عقلانياً للستراتيجيا أطلق عليه مختصر اOODAب يرمز بحروفه الأولى إلى: الرصد، التوجيه، القرار، والتنفيذ. وأدت طريقة دمجه لعوامل أربعة أساسية في هذا النمط إلى جعله مختلفاً وملهماً.
إلا أن جاي جونسون هو أول من أطلق تسمية ثورة حرب الشبكة المركزية باعتبارها نتاج تطور قطاعات المجتمع في ميادين الاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات ومؤسسات الأعمال ومعالجتها، معتقداً أن أموراً ثلاثة تجمعها وهي:
- الانتقال بالتركيز من المنصة المستقلة إلى الشبكة المرتبطة.
- تبدّل النظرة إلى اللاعبين واعتبارهم جزءاً من نظام بيئي دائم التكيّف والتبدل.
- أهمية اتخاذ خيارات استراتيجية للتكيّف والاستمرار مع تبدلات هذه البيئة.
أما ثورة تبادل المعلومات، فبعد أن كانت تقتصر عـلـى شـبـكات محــلـيــة  (LAN) وواسـعـة (WAN)، أصبحت ترتكز على تبادل ملفات واستخدام قواعد بيانات موجودة في محطات أخرى. فقد توسعت هذه الاتصالات بواسطة شبكة الانترنت والانترانت والاكسترانت، وهي ترتكز على بروتوكولات متعارف عليها لتبادل الاتصالات (TCP/IP) ولتبادل البيانات والحوار ومحركات الاستقصاء. وأصبح باستطاعة هذه التقنيات، إذا ما اقترنت بتقنيات الدفق العالي والسريع للبيانات التي أتاحتها الاتصالات الليزرية والفضائية والألياف البصرية، أن تؤدي إلى نشأة معالجات الشبكة المركزية. وأضحى بالامكان معالجة محتوى المعلومات، وتوزيعها واستغلالها.
لذا فإن شبكة الحرب المركزية تتألف من ثلاث شبكات:
- شبكة المستشعرات: وهي تتكون عملياً من مختلف أجهزة المراقبة والاستطلاع، والرادارات على مختلف أنواعها، وأجهزة التنصت الراديوية والمراقبة التلفزيونية وأنظمة البصريات الالكترونية، مثل الرؤية الليلية الحرارية وأنظمة المكثفات الضوئية والأنظمة البصرية والسمعية بالاضافة إلى العنصر البشري. إذ انها تركّز على الأرض، في البحر، في الجو وفي الفضاء، بعضها يكون ثابتاً، والبعض الآخر متنقلاً يتحرك تبعاً للطلب والحاجة من مكان إلى آخر.
- شبكة المعلومات: التي قد تكون معظم مكوناتها منتشرة في وقتنا هذا، تشتمل على سواتل الاتصالات، حزم نقل المعلومات والبيانات والتخابر، كمبيوترات متطورة ومراكز قيادة حديثة. من مهمات شبكة المعلومات نقل بيانات المستشعرات، الايعازات والأوامر الميدانية، المعلومات المخابراتية، ومعلومات آنية حول العمليات واللوجستية، ووظائف أخرى، وهي معلومات يحتاجها القادة على مختلف مستوياتهم لتخطيط العمليات بكفاءة عالية ومراقبة تنفيذها والتحكم بها بمرونة.
- شبكة التعامل أو الاشتباك: وهي تسبر شبكة المستشعرات وشبكة المعلومات بهدف ربط الأسلحة المنضوية فيها بأهداف مناسبة ومن ثم توجيه تلك الأسلحة لإصابة الأهداف حسب الحاجة. وهذا ما يتطلب من بعض تلك الأسلحة التوجيه الكامل حتى إصابة الهدف، أما بعضها الآخر فينفرد باقتفاء هدفه من دون الحاجة إلى المساعدة الخارجية.

 

الأسلحة المنضوية في الشبكة

الأسلحة ونظم الأسلحة التي يمكن أن تحتويها شبكة التعامل هي في تزايد مع تطور تصميم الشبكة. وتشمل لائحة الأسلحة البرية التي بوسعها الارتباط مع الشبكة مثل، نظام الصواريخ التكتيكية للجيش الذي يمكنه اطلاق صواريخ برؤوس حربية تحوي قنابل عنقودية ذكية مضادة للدروع، بالاضافة إلى أسلحة المدفعية المختلفة المزودة بذخائر ذكية، والدبابات الحديثة من نوع «ابرامز M1A2». وتشمل اللائحة أيضاً السفن المزودة بمدافع 5 إنش/62 التي تستعين بنظام (GPS) لتنفيذ رماياتها، وصواريخ «توماهوك» الجوالة وصواريخ بحر-ارض الهجومية. أضف إلى ذلك غالبية الطائرات المقاتلة وأسلحتها الحديثة إلى جانب الطوافات الهجومية المزودة بصواريخ مضادة للدبابات من الجيلين الثاني والثالث، لأن حرب الشبكة المركزية تؤمن ميزات المرونة واليقظة الشاملة المطلوبة للعمل على كافة الصعد العملانية والستراتيجية والتكتيكية في آنٍ واحد. وهي توفر لوحدات متباعدة ومبعثرة إمكانية مهاجمة مختلف أنواع الأهداف، من مراكز الثقل إلى النقاط الحيوية والوحدات المقاتلة. وهكذا فإن حرب الشبكة المركزية تقدم كماً هائلاً من المعلومات وهو الأساس والعصب في التطبيق العملي لهذه النظرية.
 وليس امتلاك الكم من المعلومات هو النهاية بحد ذاته بل هو البداية بتبادلها وتحليلها للوصول الى نتائج وقرارات ميدانية من خلالها في أقل وقت ممكن (يقاس بالثواني والدقائق).

 

عقود البنتاغون في حرب الشبكة المركزية

أبرمت الولايات المتحدة الاميركية اتفاقيات عدة مع شركات دخلت ميدان حرب الشبكة المركزية من خلال عقود مع البنتاغون تأخذ أشكالاً عديدة منها:
1 - تقوم الشركة المنتجة ببيع برمجيات محددة لوكالة نظم معلومات الدفاع (DISA) التي تقوم بدورها بادماجها وتشغيلها داخل نظمها.
2 - تقوم الشركة المنتجة بتزويد (DISA) بالأجهزة والبرمجيات المطلوبة حيث تقوم هذه الأخيرة بتشغيلها.
3 - تقوم الشركة المنتجة بدمج منتجاتها وبتشغيـلـهـا فـي نــظـم (DISA) مــقـابــل قــيـمـة محددة نهائية أو قيمة تأجيرية.
4 - تقوم الشركة المنتجة بتشغيل خدماتها داخل منشآتها لصالح وكالة (DISA).
قد أدت التطورات التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين أو عصر المعلومات إلى قيام ثورة في الشؤون العسكرية التي تستند على شبكة دولية مفتوحة (OPEN INTERNET) أو شبكة حرب مركزية، ولكن من خلال بنى شبكية ذات مستوى أمان عالية. وفي هذا النظام تتوافر قدرات شبكية شاملة لجمع المعلومات، وتحليلها ومعالجتها وتقديمها وتقييمها وتوزيعها على المستفيدين، والتي من شأنها توفير إطلاع مستديم للسلطات العسكرية والمدنية.
 وتوفر شبكة (WCN) المستقبلية قدرات الجمع بين المعلومات والقيادة والسيطرة وأنظمة الأسلحة ذات الدقة العالية، بحيث يصبح الدفاع أكثر مرونة وكفاءة، وذلك بفضل القدرات اللامتناهية التي توفرها الشبكة المركزية في حروب المستقبل.

المراجع

- تقرير الكونغرس الأميركي، خطة الطريق للأمن القومي - السيناتور غاري هارت والسيناتور نيوث غينغريتش وجيمس شليسنغر (وزير دفاع سابق)، موقع الكونغرس على الانترنت.
- جاي جونسون، حرب الشبكة المركزية، محاضرة في معهد البحرية الأميركية، نيسان 2005.
- مواقع على الانترنت لشركات «هاريس» و«لوكهيد مارتن» و«رايتيون» و«نورثروب غرومون».