اخبار ثقافية

حرب تموز في لوحات لموسى طيبا: احتجاج لوني
إعداد: جان دارك أبي ياغي

برعاية معالي وزير التربية والتعليم العالي السيد خالد قباني وبدعوة من الجامعة اللبنانية (معهد الفنون الجميلة - الفرع الأول) وجمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت، ومتحف موسى طيبا - قانا، أقام الفنان موسى طيبا معرضاً بعنوان: «صان الله لبنان» وذلك في صالة جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت.
لماذا «صان الله لبنان»؟ سألنا الفنان، لأن شجرة الأرز في لبنان خالدة منذ التاريخ بلونها الأخضر ورمزية عطائها الدائم. وفي ظل هذه الأيام الصعبة والقاهرة التي حملها الإنسان الى أرض لبنان الجميلة، وكفنانين لا نؤمن إلا بالجمال، نعبّر عن معاناتنا الفكرية والفنية والإنسانية بدعاء: «صان الله لبنان».

ولد معرض الفنان موسى طيبا من رحم القلق الذي عاشه خلال حرب تموز الهمجية، خصوصاً أن قانا كانت لها حصتها من المجازر المتفرقة. وكان الفنان المقيم حينها في «شارتر» بفرنسا يتتبّع الأخبار بقلق بالغ وحزن عميق، فإضافة الى الخطر الضارب في الوطن، كان الخوف على جنى نصف قرن من عمره الفني تحت رحمة الصواريخ والقنابل التي كانت تنهال على بلدته قانا (حيث يقع متحفه الخاص). فجاء هذا المعرض ليشكّل التنفيس التعبيري أو النفساني الذي أفرغه الفنان ليعبّر عمّا اختلج داخله في تلك المرحلة الحرجة.
يضمّ المعرض 47 لوحة صغيرة بينها جدارية واحدة، أعمال جديدة بمعاناتها وتقنيتها وتشكيلها، خصوصاً أنها جاءت بعد 50 عاماً من التجربة الفنية وهي اليوم مرايا تحاكي الزمن وكأنها قرابين المحبة على مذبح لبنان. استخدم الفنان لرسم لوحاته ثلاثة عناصر: الرسم والتصوير اللوني، الصورة الفوتوغرافية، والتعليق الكلامي. أما من حيث تراتبية الولادة، فكان في البدء، بالنسبة الى الفنان، اللون، إذ وضع لوحاته قبل ان يأتي الى لبنان ويستعين، لمعرضه بالصور الملتقطة من ميادين الخراب، وكذلك أتت التعليقات وأسماء القرى المنكوبة.
الأشكال التي قدّمها موسى طيبا قد تشبه إنساناً أو حيواناً أو طبيعة أو أرضاً أو مروجاً، أو قد يختلف في تأويل الصورة الواحدة اثنان إلا ان اللوحات لا تخطئ الأحاسيس والانفعالات التي تبرز وجهتها بوضوح وتصوب نحو الهدف بثبات، ويمكن ان نختصرها بـ: القلق والخوف والحزن والتوتر والموت، فليس للأمل إلا فسحات قليلة.
وضع التصوير اللوني والصورة الفوتوغرافية في كادر واحد، يوحي باستلهام الفنان لوحته من الصورة الموجودة الى جانبها، إلا أن عكس ذلك هو الذي حدث، إذ نفّذ أعماله بين التواريخ التي وضعها في أسفل كل لوحة: 2006/7/13 و2606/7/23 و2006/8/23، اي قبل قدومه الى لبنان وأخذ الصور، ما يعني ان وضع الصور كان شكلاً من أشكال المطابقة أو تنسيب صورة الى لوحة مشغولة، وتقريب أخرى، ليس بالضرورة من حيث الشكل والهيكل، وإنما من حيث التشابه بالحس والانفعال.
وبما ان المعرض يتعامل مع حرب مسكونة بالعنف والمجازر، فقد أتت في سياقه جدارية (بعرض يقارب ثلاثة أمتار وارتفاع يقارب متراً واحداً) أطلق عليها عنوان «مروج الدم»، صوّر فيها الدمار والموت اللذين ضربا مدينة بنت جبيل الجنوبية، جدارية تجريدية قاسية التعبير، استخدم فيها الفنان الأكواريل والأكريليك والزيت، وضمّنها أشكالاً تضج بالمعاني التي اختزلها بيكاسو في لوحته الشهيرة. أما الألوان التي اختارها فهي ألوان الحزن والموت، اي الأسود والنيلي والأحمر، بالاضافة الى الترابي الذي يجد للمجزرة أرضاً، واللون الأخضر الذي يرمز للطبيعة المقتولة في الجنوب، والذي يشع منه بعض الأمل.
نجح موسى طيبا في إيصال صراخه عبر الألوان في وجه العدوان، وفي نقل كل هذا الاحتجاج من داخله وحوله وترجمته في لوحات فنية معبّرة.