سياحة في الوطن

حردين صخرة الإيمان وبلدة القديسين
إعداد: باسكال معوض

حصن روماني في أعاليها وآثار الإنـــــسان الأول في مغـاورهــــا

 

ذاع صيت أبنائها في جميع الأنحاء فنشرت عطر قداستها في العالم... على تلالها اختار الرومان بناء معبدهم، وفي بلاطتها الشهيرة تحجرت الأسماك والحيوانات البحرية؛ هي حردين البترون، بلدة الثلاثين كنيسة وديراً، وبلدة المقدم بنيامين الحرديني، وحاضنة الكهوف والتجويفات الصخرية والنواويس الفينيقية... هي اليوم مركز الحدث وبلدة القديس نعمة الله الحرديني الذي وصل بتقواه الى حدود القداسة... حردين بلدة معروفة في التاريخ وآثارها العديدة والمتنوعة تدل على أقدميتها في جبل لبنان منذ الفينيقيين. اسمها لفظة تعني: الورعون، الوجلون والخائفون على الإيمان، كما تعني النظر في القضاء والحكم بين المتخاصمين، ويفسّرها آخرون بأنها تعني حارة الدين أو حار في الدين. ويقول مؤرخون بأن اسمها ورد "حردونا" في لوحات الحثيين من القرن الثالث عشر قبل الميلاد، و"حردو" باللغة العربية على هامش أحد الكتب المقدسة في العام 1245 م. لذلك ورد ذكرها قولاً وكتابة: "حردين صخرة الإيمان والدين، بلدة القديسين والكنائس الثلاثين".

وإذا كانت الحجارة تتكلم الى من يصغي إليها، فإن حجارة الآثار في بلدة حردين تحكي قصص التاريخ منذ وطئت أقدام الإنسان القديم أرضها، حيث ترك في كل بقعة منها أثراً دلّ على مروره عليها، أو خبراً استمر على لسان من سكن فيها قديماً.

 
المعبد الروماني

موقـع بلـدة حردين الطبيعي وصعـوبة الدخـول إليها ­ إلا من جـهة واحدة ­ جعـلها أحد الحصون الرومانية. فقد اتـخذ الرومان لهم فيها مركزاً عسـكرياً ودينـياً حصـيناً. وبنى الأمبراطور أدريان أوغوسطوس (117-138م) على قمـة الجـبل قصراً ومعبداً ضخماً للإله مرقوريوس Mercury) )وزيّنه بثلاثين من الأعمدة الضخمة على الطـراز الايوني النادر والمميز بتيجانه وارتفاعـه، فاحـتل المعبد بذلك المرتبة الثالثة بعد جوبيتر وباخوس في بعلبك. وامتاز عنهما بموقعه الجميل فوق أعلى قمة الجبل المطل على جبة بشري وجبل المكمل وأرز الرب وجـبل المنيـطرة وجبـة تنورين، كما على الساحل اللبناني ­ السوري وبلاد البترون والكورة وطرابلس صعوداً الى زغرتا وإهدن.

لما وقعت الزلازل المدمرة في منتـصف القرن السادس، أسس الرهـبان دير مار ريشـا الرئيس على انقـاض ساحة الهيـكل العـظيم. وفي عهد الصليبيين اللاتين رممـت كنيسـته وأعيد تأهـيله ليصبح مركـزاً للأساقـفة السريان. وظل الدير قائمـاً حتى تعـرّض للحـريق والتدمير في صيف 1640 م وبقي ذكره يتردد: "دير الراس وبيعة حـرديــن الكـبـرى".

 
كهوف ومغاور

حردين بلدة عريقة في التاريخ فقد ظهرت معالمه أولاً في وادي كفرشير المطلّ على نهر وسهل الجوز فوق كفرحلدا وبيت شلالا. ففي مغاور وكهوف هذا الوادي المنعزل عاش الإنسان الأول الذي وجدت آثاره داخل تلك الأماكن.

وتنتشر في البلدة النواويس الفينيقية، ومعابد الأصنام الصخرية خصوصاً في محلة "المحليصة والرام" حيث يوجد مذبح فينيقي فوق قمة جبلها المرتفع نحو 1500 متر عن سطح البحر. وفي الوادي ثلاثة تجويفات صخرية ضخمة تقع وسط الجرف المسمى كفرشيرا، الذي يبلغ علوّه نحو 50 متراً. وتوجد مجموعة من الثقوب المربعة المحفورة في الصخر، وخزّان كبير للمياه وقناة جر وأدراج ومقاعد، حفرت بطريقة متقنة. وفي داخل التجويفات والكهوف محابس على اسم مار يوسف ومار افرام البستاني ومار يعقوب...

 
كنائس أثرية

في عهد الصليبيين وعلى امتداد قرون لاحقة، شهدت البلدة حياة دينية ناشطة تدل علىها الآثار والكنائس والأديرة. كنيسة مار جرجس كانت معبداً على اسم البعل الفينيقي، ولما هدمها الزلزال في أواسط القرن السادس بنيت على شكل صليب تزينه قبة مستديرة، ولا زالت آثارها ظاهرة في أبنية الدير الكائن حالياً على اسم مار فوقا ومار جرجس.

والى العهد نفسه تعود كنيسة مار جرجس وإدنا قرب "بلاطة حردين"، وهي تتميز بنقوشها ورموزها المسيحية الأولى (أسماك وصلبان) وقد بنيت بسقف واحد على حائط يحمل عقدين مزينين بحنيتين شرقيتين تختلفان في عمقهما وشكلهما.

والى تلك العهود وربما قبلها (العهد الفينيقي) تعود آثار كنيسة مار شليطا ونهرا المزيّنة بحنيتين شرقيتين تختبئان تحت شير صخري ضخم، وتحوي رموزاً هندسية منقوشة في صحنها الصخري المتدرج وبلاطة عتبة مدخلها الغربي، الى جانب الصلبان المحفورة في حجارة مدخلها الثاني ومن حوله.

وفي زمن لاحق بنيت خلفها كنيسة أخرى مختبئة تحت الشير باسم مار شليطا. وفي بداية القرن العشرين بنيت كنيسة ثالثة على اسم مار نهرا بعد أن طمرت الأتربة والأشجار المرتفعة آثار الكنيسة الأولى والأبنية التابعة لها.

أما كنيسة مار تادروس الأثرية فقد احتفظت بحنيتها المستديرة وطاولة مذبحها منذ القرن العاشر للميلاد. كذلك نجد كنيسة مار سركيس وباخوس التي كانت كنيسة حردين الرعائية والتي شهدت عمادة الطفل يوسف الذي حمل في الرهبانية المارونية اللبنانية اسم نعمة الله كساب الحرديني وأصبح قديساً في وقت لاحق. وقد أعيد مؤخراً بناء عقد الكنيسة السريري التي صارت تعرف بكنيسة "العماد".

في دير مار توما حردين الذي ما زالت آثاره معروفة في طرف حي النواويس ­ استحدثت كنيسته على امتار قليلة منه ­ هنالك نسخ أثرية قديمة تحوي صلوات وذكرى أعياد وعادات للروم الملكيين. ومن خلال قراءة أرشيف اسطنبول للفترة الممتدة بين 1519 و1571 م يتبين أن حردين في تلك الآونة، كانت مأهولة بسكانها الأصليين من الموارنة والسريان والملكيين، وقد اعتبرت آنذاك قصبة هامة لجهة عدد سكانها وانتاجها وأوقافها.

وظهرت معالم للروم الملكيين من خلال مخطوطات حردينية عديدة وصل عددها حتى اليوم الى نحو المئتين، ومنها مخطوطات حفظت في مكتبة باريس الأهلية ومكتبة بطرسبرغ.

 

مار سركيس ­ القرن

يقع دير مار سركيس في الجهة الشمالية الشرقية لجبل حردين على حافة الجرف الصخري المشرف على قرى نيحا ومزرعة بني صعب وقنات وحدث الجبّة؛ وقد سمي بدير مار سركيس القرن نسبة الى أعلى قمة في حردين، والمعروفة بقرن حردين (حيث المعبد الروماني) .

يتألف الدير من أبنية عدة مستقلة: كنيسة ومسكن للرهبان، وكنيسة صخرية صغيرة ومجموعة من الخزانات المحفورة في الصخر. من الجهة الشرقية لهذا الدير، تنطلق درب شديدة الإنحدار مخترقة الجرف عامودياً، أو على حجارة منحوتة مبنية على شكل جدران دعم أو صخور محفورة لتسهيل المرور. المتبقي والظاهر من كنيسة الدير هو آثار لثلاثة أروقة، جدرانها مغطّاة بطبقة من الملاط الجصّي. أما القسم السفلي من حائطها الشمالي فمبني بحجارة ضخمة منحوتة باتقان، وهي تعود حتماً الى مرحلة سابقة ربما كانت بيزنطية. تقع الكنيسة الصخرية الصغيرة داخل تجويف في جرف جبل حردين، وتبعد عن الدير نحو المئة متر، وهي كناية عن غرفة صغيرة تنتهي بشرفة ربع كروية، عقدها مكسور. يشكل التجويف الصخري الحائط الغربي لها، والباقي منها مبني بحجر منحوت مطلي من الجهة الداخلية بطبقات عدة من الملاط الجصي. في محبسة مار سركيس القرن الصامدة حتى اليوم في وسط الجرف الصخري شعّت أنوار الراهبة "سارة الحردينية" التي توفيت عام 1199 م، وما زال ذكرها منتشراً في اللسان المحلي، وهي أولى الحبيسات التي مرّ ذكرها في لبنان. والمعلوم أن عدداً من بطاركة الموارنة سكنوا هذا الدير الاستراتيجي فعرف بـ"دير الرئاسة".

 

ابنة ملك حردين: "سيدة القلعة"

ذكر الأب شيخو في بحث له عن أصل الموارنة أن أول قرية عرفت المسيحية في لبنان هي قرية حردين. ويستشهد المؤرخ بثلاثة مطارنة من السريان جاؤوا من بلاد ما بين النهرين، وسكنوا جبل حردين وبنوا ديراً على اسم القديس فوقا؛ ولا تزال آثاره وكنيسته قائمة حتى اليوم ويضم بين أرجائه سنديانة ضخمة جداً. وقد أثبتت المعطيات التاريخية والمنطقية أن حردين عرفت فعلاً الإيمان الجديد منذ أواسط القرن الخامس ميلادي، وثمة احتمالات عدة في هذا الإطار:

 أولاً: على يد رهبان مار مارون الناسك وعلى رأسهم ابراهيم القورشي الذي قصد تلك القرية الجبلية الغنية بالجوز والمزينة بأحد أعظم هياكل الوثنيين على اسم مرقوريوس الروماني.

 ثانياً: على يد رهـبان مار سمعان العمودي الذي قصده سكان الجبة فنصحهم بإقامة الصلبان على حدود الغابات من حيث تأتي الوحوش الكاسرة ليبعدوها عن نسائهم وأولادهـم. وقد وجد أحدها في محلة تليا (بيت إيليا أي إلهي) في أرض حردين.

ثالثاً: على يد القديس ربولا السمياطي الذي عاش مع رهبانه بين الجبليين في القرية التي تحمل اسمه "دير بلا" حتى اليوم، وهي واقعة الى الغرب من بلدة حردين، وآثار ديره ما زالت ظاهرة للعيان في الحي القديم. ويقال أيضاً أن المسيحية دخلت الى البلدة على يد "سيدة القلعة" ابنة ملك حردين الروماني كما تروي الأخبار، فهي وبعد سقوط قصر أبيها بزلزال مدمّر سببه الكفر الوثني، ذهبت لتعيش داخل كهف مرتفع بين السماء والأرض، ترويها عين ماء تنساب بين الصخور وقد انتشر عطر قداستها في تلك النواحي.

 وإذا صحّ القول بأن التحوّل تمّ على يد ابنة ملك حردين الروماني التي ندعوها سيدة القلعة" فإن المسألة تجرنا الى الجزم بأن حردين إذا لم تكن هي وحدها الأولى، فإنها من غير شك تبقى من بين القرى الرائدة في احتضان أنوار المسيحية، وقد أثبت هذا مخطوط ضخم وجد في كنيسة مار سركيـس وباخـوس القديمة، وقد جـاء في ذيله "حردين المذكـورة أولاً بين الضـيع" ويعـود المخطـوط الى العام 1801 م.

 

 حريق وانتعاش

تعرضت حردين في صيف 1640 للحريق والخراب على يد عسكر الوالي العثماني محمد الأرناؤوط، إلا أن شيخها "بو داغر" منع الهجرة منها، وبعد أن أوقف المدّ الغريب إليها شجع عدداً من الأسر الجبلية من العاقورة والشبانية ودير القمر وغيرها، على السكن فيها، عن طريق تمليكهم لعقارات واسعة من الأرض، وبذلك استمرت الحياة الزراعية في البلدة وانتعشت من جديد.

في النصف الثاني من القرن الثامن عشر اكتمل عدد الأسر في البلدة بالرقم سبعة الذي يمثل أعمدة الحكمة السبعة التي يقوم عليها البيت الفينيقي اللبناني، فتنظمت حينئذ أملاك القرية المشاعية وأخذت كل أسرة نصيبها الى جانب ما أصاب كنائسها وأديارها، التي انتظمت بدورها بتأليف لجان الوقف.

وقد اكتـظت بيوت البلدة بالسكان العاملين في الزراعة فاتسعت أحياؤها وعُرفت باسمائها القديمة مثل القرقوف والنواويس وموطه وبعكفرا والقاطع والديورة وحسينا والغراقي والبلاط والكفاف والضيعة.

 

هجرة واغتراب

ما إن أطلّ النصف الثاني من القرن التاسع عشر حتى بدأت هجرة عدد من أبناء حردين الى الولايات المتحدة بلاد الثروة، فيما نزح آخرون الى مدن الساحل وخصوصاً ميناء طرابلس. ومع بداية القرن العشرين أحصي من أبنائها المهاجرين الى الولايات المتحدة، وخصوصاً ولاية بنسلفانيا نحو 150 شخصاً أسسوا جالية وصار لهم محلات تجارية كبرى في أسواق الولاية الرئيسية. استمرت هجرة أهل حردين بسبب الحرب العالمية الأولى الى أميركا بالمئات، ثم انفتحت أمامهم أوستراليا حتى قدّر عدد مغتربي حردين اليوم بأكثر من 20 ألفاً، التقى المئات منهم مع أبناء الوطن الأم في ساحة الفاتيكان أثناء تطويب ابن بلدتهم البار نعمة الله كساب الحرديني في العاشر من أيار 1998.

 

المجلس البلدي في حردين

تمتلك حردين من المقومات والمعالم ما يجعلها موئلاً نموذجياً للسياحة خصوصاً السياحة الثقافية والدينية. فما هو واقع الخدمات فيها؟ عن هذا الموضوع تحدث رئيس بلديتها الأستاذ باخوس عسّاف، عن تعبيد طريق تصل الى أجمل مركز في البلدة حيث يوجد المعبد الروماني. كذلك تم تعبيد طرقات البلدة كافة وإنارتها على الطراز الحديث، وتمديد شبكة مياه جديدة. أما المشروع الرائد، فكان إنشاء معمل نموذجي لحرق النفايات بالتعاون مع 6 بلديات في جرود البترون، وتأمين شاحنة لنقل النفايات مجهزة بطريقة خاصة.

ويقدم المجلس البلدي مساهمات في المجالات الاجتماعية والثقافية في البلدة، وقريباً تصدر موسوعة عن تاريخها يكتبها الدكتور رفيق باسيل. الى ذلك، أنشأت البلدية مركزاً للدفاع المدني يضم نحو 50 متطوعاً يقدم خدمات كبيرة للبلدة والجوار، ويلعب دوراً حيوياً في المنطقة.

أما المشاريع المستقبلية فكثيرة وأهمها بناء دار للبلدية يضم قاعة للطوباوي ومكتبة عامة، وأخرى متخصصة بالناحية التراثية. وبعد، فإنه يحق لأبناء هذه البلدة العريقة أن يفتخروا بتاريخ بلدتهم وبآثارها العريقة خصوصاً وأنها عرفت في أديارها وكنائسها ومحابسها عدداً غير قليل من المكرسين لخدمة الكلمة.

مرجع د. رفيق باسيل الحرديني في مؤلفه: "مسيرة البطولات والدين في بلدة الثلاثين ­ حردين".

 
عائلات حردين

 يتراوح علو بلدة حردين عن سطح البحر بين 700 و1460 متراً، فيما تبلغ مساحتها 11 مليون متر مربع، وعدد سكانها نحو 700 نسمة، إضافة لـ25 ألف مهاجر في بلاد الاغتراب. أما العائلات المتحدرة منها فهي: كسّاب، خوري، داغر، عاصي، ديب، باسيل، نمر، سعد، الياس، مخايل، زهر، فاضل، مخلوف، المعلم، بو طنوس، الأشقر، الشنتيري، صالح، رطل، بشاره.

 
بلاطة حردين

تطالع زائر حردين بلاطة صخرية شهيرة بامتدادها الفريد على منحدر يبلغ طوله نحو 300 متر وعرضه نحو 1000 متر، وهي تحوي أعداداً كبيرة من المتحجرات البحرية، وتعتبر من المعالم المميزة في المنطقة. وقد قيل قديماً: "أحلى ثلاثة في جبل لبنان: وادي قنوبين وقصر بيت الدين وبلاطة حردين".

 

المقدم الحرديني

ذكر المطران يوسف الدبس في حديثه عن حملات على لبنان مقدمي حردين الذين اشتهروا في تلك الأيام بدورهم البطولي في تاريخ هذا الجبل وقال: "تنادى المقدمون ونزلوا على رأس ثلاثين ألف مقاتل وقادهم المقدم بنيامين الحرديني الذي انتصر على المماليك (أثناء معارك الدفاع عن مدينتي البترون وجبيل) في جبيل وأسر قائدهم حمدان واسترد منهم مدينة جبيل، لكنه استشهد في هذه المعركة ودفن عند صاحب الأركان في مدينة جبيل". ويضيف المؤرخ أن المقدمين غنموا غنائم كثيرة في هذه المعركة، لكنهم من كثرة الحزن عليه أعلنوا الحداد وامتنعوا عن قرع الطبول ابتهاجاً بالنصر ونكّسوا الرايات، حتى أنهم لما صعدوا الى بلدة معاد لاقتسام المغانم، حسبوا له حصة كاملة وبقي ذكره حياً. ومنذ العام 1963 حمل نادي حردين الرياضي اسمه.

 

نصيب حردين من كارثة "التيتانيك"

في سنة 1912 م فوجئ لبنان والعالم بخبر كارثة غرق سفينة "التيتانيك"، فكان نصيب حردين فيها خسارة أكبر عدد من اللبنانيين: أحد عشر شاباً من أصل عشرين حردينياً كانوا على متنها مع نحو 127 لبنانياً. وقد انتشر خبر غرق أولئك الشبان في صحف ومجلات أوروبا وأميركا والشرق الأوسط التي تحدثت عن بطولتهم النادرة، إذ أنهم ودّعوا الحياة أمام عيون نسائهم وأطفالهم الناجين على أنغام مجوز أحدهم وهم يدبكون مرددين ومنشدين "عالدّيها، الدّيها الدّيها، العصبة انحلت شدّيها..."! أي ما معناه: تماسكوا بالأيدي وشدوها بالكتف على الكتف ولا تدعوا العصبة تنحل.

ولأنهم ماتوا أبطالاً أشدّاء فقد كان لوداعهم الأخير في بلدتهم حردين جنازة مهيبة ما زالت الأجيال تردد صدى أبيات الندبة المحزنة التي رافقتهم بالقول الزجلي:

عالشبان الغرقانين              "ابكي ونوحي يا حردين

كلن بالخمس وعشرين          غرق منك حد عشر (11) شب

والبقية مجوّزين                  منهم سبعة عزّابي

كلّن بالخمس وعشرين".        ما فيهم واحد شايب

تصوير:المجند جورج عيد