نحن والقانون

حصانة المحامي وأصول ملاحقته
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
دكتوراه دولة في الحقوق، محام بالإستئناف

المحاماة مهنة تهدف إلى تحقيق رسالة العدالة من خلال إبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق (المادة 1 من قانون تنظيم مهنة المحاماة). فهي مهنة تقوم على الثقة والصدق، بعيدًا من الخداع والتضليل، وهي أصلًا مهنة النبلاء والشرفاء الذين كانوا ينبرون متبرعين ليدافعوا عن حقوق الضعفاء والفقراء... لذا، يجب على من يمارس مهنة المحاماة أن يتمتَّع بسمو في الأخلاق، ونزاهة في التصرف، وحكمة في الرأي، وسعة في العلم، وجرأة في قول الحق، وسداد في المنطق، وإيمان بالفضائل، وحسن سمعة في السيرة، وتهذيب في القول، وإخلاص وجدية في العمل... لكن على أرض الواقع قد تحصل تجاوزات وقد يرتكب محام أفعالاً يعاقب عليها القانون، فكيف تتم معاقبته؟ وهل من حصانة تمنع ملاحقته؟

 

الموجبات والضمانات
فرض قانون تنظيم مهنة المحاماة على المحامي التقيّد ببعض المبادئ خلال ممارسته مهنته، إضافة إلى بعض الواجبات المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات المدنية وقانون الموجبات والعقود، وفي مقدمها التقيّد بمبادئ الشرف والإستقامة والنزاهة، وعدم الإتصال بالشهود في القضية الموكلة إليه قبل أدائهم الشهادة، وعدم قبول أي دعوى لخصم موكله أو إعطاء أي استشارة لهذا الخصم، بالإضافة إلى عدم قبول أي دعوى ضد زميل له من دون إذن النقابة، ومبادئ أخرى عديدة.
في المقابل منح القانون اللبناني المحامي حصانات وضمانات، إنطلاقًا من أن هدف مهنة المحاماة هو تحقيق رسالة العدالة ومن أن حق الدفاع مقدس.
فلا يُسأل المحامي، ولا يترتب عليه أي دعوى بالذم أو القدح أو التحقير من جراء المرافعات الخطية أو الشفوية التي تصدر عنه، ما لم يتجاوز حدود الدفاع (المادة 74 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).
ولا يجوز توقيف المحامي احتياطيًا في دعوى قدح أو ذم أو تحقير تقام عليه بسبب أقوال أو كتابات صدرت عنه في أثناء ممارسته مهنته، كما أنه لا يجوز أن يشترك برؤية الدعوى أحد قضاة المحكمة التي وقع فيها الحادث (المادة 75 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).
وكل جرم يقع على محامٍ في أثناء ممارسته مهنته أو بسبب هذه الممارسة، يعرّض الفاعل والمشترك والمتدخل والمحرّض للعقوبة نفسها التي يعاقب عليها عند وقوع الجرم على قاضٍ... (المادة 76 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).
وكل قرار قضائي يقضي بتفتيش مكتب محام أو بحجز أموال موجودة فيه أو بجرد موجوداته، لا ينفَّذ إلا بعد انقضاء 24 ساعة على الأقل على إيداع صورة عنه مركز النقابة التي ينتمي إليها، مع دعوة موجهة للنقيب لحضور الاجراءات بنفسه أو بواسطة عضو ينتدبه لهذه الغاية من أعضاء مجلس النقابة (المادة 77 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).
ولا يجوز وضع الأختام على مكتب محامٍ بداعي تحصيل ضريبة أو رسم إلا بعد مضي مهلة عشرة أيام على الأقل على توجيه صاحب العلاقة إنذارًا خطيًا وإشعار مركز النقابة التي ينتمي إليها المحامي (المادة 87 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).
ولا يجوز استجواب المحامي عن جريمة منسوبة إليه، باستثناء حالة الجرم المشهود، إلا بعد ابلاغ الأمر لنقيب المحامين الذي يحق له حضور الاستجواب بنفسه أو بواسطة من ينتدبه من أعضاء مجلس النقابة. ولا يجوز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها إلا بقرار من مجلس النقابة الذي يأذن بالملاحقة، ويقدر ما إذا كان الفعل ناشئًا عن المهنة أو بمعرضها (المادة 79 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).

 

من يعاقب المحامي الذي يخلّ بواجباته المهنية ؟
في حال إخلال المحامي بواجباته المهنية، يتعرّض للملاحقة التأديبية أمام المجلس التأديبي التابع لنقابته (في بيروت أو في طرابلس). ويتألف المجلس التأديبي من النقيب أو من ينتدبه رئيسًا ومن عضوين يختارهما لمدة سنة (من مجلس النقابة)، ويجوز أن يكون أحد العضوين من المحامين المقيّدين في الجدول العام منذ عشر سنوات على الأقل (المادة 96 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).
ويلاحق المحامي تأديبيًا بمبادرة من نقيب المحامين أو بناء على شكوى أو إخبار مقدم له. ولا تجوز إحالة محام على مجلس التأديب إلا بعد الإستماع إليه من قبل النقيب أو من ينتدبه (المادة 102 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).
يعتمد مجلس التأديب طرق التحقيق والمحاكمة التي يرى فيها ضمانة لحقوق الدفاع وحسن سير العدالة، وللمحامي المحال الحق بتوكيل محام واحد (المادة 105 من قانون تنظيم مهنة المحاماة). أما المحاكمة فتجري أمام المجلس بصورة سرية وتبلغ الدعوات والأحكام وفق الأصول (المادة 106 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).
للمحامي المحكوم عليه غيابيًا حق الإعتراض في مهلة عشرة أيام تلي تبلغه شخصيًا أو بكتاب مضمون مع إشعار بالوصول، وعلى المجلس التأديبي أن ينظر في الاعتراض ويصدر قراره بشأنه في مدة خمسة عشر يومًا تلي تقديم استدعاء الاعتراض.
وللمحامي والنيابة العامة الاستئنافية الحق باستئناف كل قرار يصدر عن المجلس التأديبي، وكلا الاستئنافين يجب أن يقدم في الأيام العشرة الأولى التي تلي التبليغ. ويرفع الاستئناف إلى محكمة الاستئناف التي تنظر فيه بجلسة سرية بعد أن تضيف الى هيئتها عضوين من مجلس النقابة يختارهما المجلس المذكور من بين الأعضاء الذين لم ينظروا في الدعوى بداية، وللمستأنف الحق في توكيل محام واحد عنه (المادة 108).
ويحق لمن صدر حكم تأديبي بشطب اسمه من جدول النقابة أن يطلب بعد مضي خمس سنوات كاملة على صدور ذلك الحكم من مجلس النقابة إعادة تسجيل اسمه في جدول المحامين، فإذا رأى المجلس أن المدة التي مضت كافية لإزالة أثر ما وقع منه قرر إعادة تسجيل الإسم، أما إذا رفض فلا يجوز أن يعاد تسجيله إلا بعد مرور سنتين، كما أنه لا يجوز تجديد الطلب بعد رفضه مرتين (المادة 109).

 

العقوبات المسلكية التي يمكن أن تفرض على المحامي
كل محام، عاملًا كان أو متدرجًا، يخلّ بواجبات مهنته المعينة بالقانون أو يقدم في أثناء مزاولة تلك المهنة أو خارجًا عنها، على عمل يحط من قدرها، أو يسلك مسلكًا لا يأتلف وكرامتها، يتعرّض للعقوبات التأديبية، وهذه العقوبات هي: التنبيه، اللوم، المنع من مزاولة المحاماة مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، وصولاً إلى الشطب من جدول النقابة (المادة 99 من قانون تنظيم مهنة المحاماة).
ولمجلس التأديب عند حكمه على محام بعقوبة المنع مؤقتًا من ممارسة المهنة، أن يقضي بفقرة خاصة من قراره بحرمان ذلك المحامي حق انتخابه عضوًا في مجلس النقابة مدة لا تتجاوز عشر سنوات. وهذه العقوبة الإضافية تكون إجبارية في حالة الحكم على محامٍ بسبب إخلاله عن قصد في واجب تفرضه عليه وظيفة نقابية أسندت اليه (المادة 101).
أخيرًا من الضروري التوضيح أنه لا يجوز التذرّع بحصانة المحامي النقابية إذا لم يكن الفعل الذي ارتكبه ناشئًا عن مزاولته مهنة المحاماة أو بمعرضها، ففي هذه الحالة يتم تقديم طلب للاستحصال على إذن بملاحقته إلى مجلس نقابة المحامين التي ينتسب إليها المحامي المشكو منه، ويتخذ المجلس قراره بما إذا كان الفعل ناشئًا عن المهنة أو بمعرضها، ويصدر قراره بإعطاء الإذن أو رفضه لملاحقة المحامي عن أفعاله وفق الأصول القانونية عبر تقديم شكوى جزائية إلى النيابة العامة الاستئنافية أو إدعاء مباشر أمام قاضي التحقيق أو أمام القاضي المنفرد الجزائي أو أمام المحكمة المدنية المختصة، بحسب موضوع الدعوى وسببها. وجدير بالإشارة أن إصدار القرار بالأذن بالملاحقة أو رفضها يجب أن يتم خلال شهر من تاريخ إبلاغ النقيب وقوع الفعل بكتاب خطي، أما إذا انقضت مهلة الشهر ولم يصدر القرار فإن الإذن يعتبر واقعًا ضمنًا.