تكريم

حفل غداء في المجمّع العسكري على شـرف اللـواء الركـن سعيد عيد
إعداد: باسكال معوض بو مارون

كرّمت قيادة الجيش الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء الركن سعيد عيد لمناسبة إحالته على التقاعد. وقد أقيم في المجمّع العسكري في جونيه حفل غداء حضره قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء الركن شوقي المصري ومدير عام الأمن العام اللواء الركن وفيق جزيني، وعدد كبير من قادة الأجهزة الأمنية والسلطات العسكرية وكبار الضباط.
بداية النشيد الوطني ألقى بعدها العماد قهوجي كلمة نوّه خلالها بجهود اللواء الركن عيد.


كلمة قائد الجيش
استهل قائد الجيش كلمته مرحباً بالحضور وقال:
نلتقي اليوم في مناسبة عطرة نكرّم فيها أحد أبناء عائلة الجيش، الذين سموا فوق العادة، علماً وأخلاقاً وإخلاصاً للمؤسسة والوطن، عنيت به اللواء الركن سعيد عيد.
وأن يكرّم المرء ضيفاً عزيزاً، فهذا أمر طبيعي تمليه الأعراف والتقاليد، وأصول اللياقة الإجتماعية، أما أن يكرّم واحداً من أفراد عائلته، فهذا إستثنائي، ولا يحصل إلا في حالات خاصة، ولقاؤنا هذا هو الإستثناء والخصوصية.

 

أيها الرفاق
هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي نودّع فيها رفيقاً للسلاح، فهناك دائماً مَن يأتي ومَن يذهب، وفي كلا الحالتين، يبقى الهدف الأسمى للجميع، متابعة مسيرة الشرف والتضحية والوفاء، وإن اختلفت الطرق وتعدّدت الأشكال. فإذا كانت رسالة الجندي في الخدمة الفعلية هي الدفاع عن الأهل والتراب والذود عن علم البلاد، الى جانب تكريس طاقاته وجهوده لمؤسسته، سعياً الى الارتقاء بها نحو الأفضل، والحفاظ على دورها كمرجعية وطنية موثوقة، وضماناً أكيداً لصون وحدة الوطن ودرء الأخطار المحدقة به، فإن دور الجندي في التقاعد، هو نشر المبادئ والمثل العسكرية في المجتمع المدني والعمل على ترسيخها في نفوس أكبر شريحة من المواطنين، وهو بذلك يجسّد دور الرسول الوفي، الذي على عاتقه تقع مسؤولية التوعية والتغيير.
لقد عرفنا اللواء الركن عيد في أثناء خدمته في مؤسسة الجيش، واحداً من نخبة الضباط، الذين جعلوا من العصامية والتجرّد ونكران الذات والتفاني في أداء الواجب، أسلوب عمل ونهج حياة، فلم يسمح لنفسه بالوقوع في شرك المتاهات من أي نوع كانت، كذلك لم يهن أمام الصعاب، أو يتردّد في تنفيذ المهمات الدقيقة. كما عرفناه ايضاً خلال خدمته كأمين عام للمجلس الأعلى للدفاع، وعضو في المجلس العسكري، خير مؤتمن على الأمانة، ساهراً على تعزيز قدرات القوات المسلحة والتنسيق في ما بينها، منقّباً برجاحة عقله وصفاء ضميره، عن أفضل الأفكار والخطط الكفيلة برسم السياسة الدفاعية والأمنية في البلاد.
لقد كان عمله الصامت هذا، أبلغ متكلّم عن مناقبيته والتزامه، وكانت بصماته المطبوعة في كل الوظائف التي شغلها، أسطع برهان على إنجازاته المضيئة.
وأضاف قائلاً: نغتنم فرصة لقائنا اليوم، لنؤكد مجدداً التزام القيادة ثابتتين أساسيتين، الأولى وهي الوفاء لدماء الشهداء، ولتضحيات أجيال المؤسسة، فالمؤسسة التي لا تحفظ إرث أبنائها، تفقد أصالتها وزخم اندفاعها واستمرار مكانتها المعنوية. أما الثابتة الثانية، فهي الحفاظ على رسالة الجيش، ليس من خلال اضطلاعه بواجباته الدفاعية والأمنية فحسب، بل من خلال استمراره صمّام أمان لوحدة الشعب اللبناني، المتفرّد عن سائر الشعوب بتنوّعه وتوازناته الدقيقة، التي جعلت منه نموذجاً للحرية والانفتاح والحوار، ومركز تفاعل حضاري وثقافي للإنسانية جمعاء.
من هنـا، واجهنـا بكل القوة العدو الإسرائيلي والإرهاب اللذين يشكّلان بطبيعتيهما العنصرية والأصولية، النقيـض الواضح للشعب اللبناني، فأكّـدنا للأول مراراً وتكراراً وصولاً الى المواجهة البطولية الأخيرة في منطقة العديسة، أن الجيش لن يتنازل عن حقه المقدس في الدفاع عن السيادة الوطنية، وأن لبنان لن يكون لقمة سائغة أمام أطماعه، أو مسرحاً لمؤامراته ومرتعاً لعملائه، وأكدنا للثاني أي الإرهاب، في أثناء معركة نهر البارد وما تلاها، وصولاً الى ما جرى في بلدة شتورا بالأمس القريب، رفض الشعب اللبناني بكل فئاته وطوائفه، هذا الجسم الغريب عن تاريخنا وقيمنا، وعزم الجيش على اقتلاع أشواكه الخبيثة أينما وجدت.
وبالتزامن مع جهوزية الجيش الدائمة للتصدي لهذين الخطرين بكل الإمكانات المتاحة ومهما بلغت التضحيات، نتطلع بأمل وثقة، الى الحصول على قدرات عسكرية نوعية، تتيح للجيش القيام بمهماته الدفاعية والأمنية بصورة أكثر فاعلية، مستندين في ذلك الى التوجّه الجديد لأركان الدولة، لا سيما المبادرة التي أطلقها مؤخراً فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان، وباشر بدعمها وزير الدفاع الوطني الأستاذ الياس المر.
وفي ختام كلمته، هنأ العماد قهوجي اللواء الركن عدنان مرعب بمنصبه الجديد، كأمين عام للمجلس الأعلى للدفاع، وقال: «نحن على ثقة بأنه سيكون خير خلف لخير سلف».
ثم قدّم للمحتفى به درعاً تذكارياً تكريماً للجهود التي بذلها خلال خدمته العسكرية.

 

اللواء الركن عيد
بدوره ألقى اللواء الركن عيد كلمة استهلها بتوجيه الشكر الى العماد قهوجي والحضور، وقال:
لقد انقضى حوالى الـ40 عاماً على التحاقي بهذه المؤسسة، مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء، حاولت خلالها القيام بواجبي على أكمل وجه، وكان العطاء بيني وبينها متبادلاً. أعطيتها زهرة شبابي ومعظم أيام حياتي، وأعدها بالمزيد عند الإقتضاء، وفي المقابل أعطتني أكثر مما أعطيتها، أعطتني العلم والثقافة والخبرة في الكثير من المجالات.
لقد تطوّعت شاباً يافعاً يجهل أمور الحياة وأسرارها وها أنا الآن أتركها رجلاً ناضجاً عجنته الأيام والسنون والتجارب.

 

سيدي العماد
يصفني بعض رفاق الدورة بأني صاحب مدرسة تقول بأن العمل الدؤوب والإخلاص له لا بد أن يوصلا الإنسان الى أرفع المراتب والوظائف وأعلاها، وأنا لا أدّعي لنفسي ذلك، ولكنني وبكل أمانة من المؤمنين بهذه المدرسة والمناصرين لها، وتجربتي في الحياة العسكرية تؤيد صحة هذه النظرية، ووقوفي أمامكم الآن بهذه الصفة وهذا التكريم خير دليل على ذلك. إن هذا ليس بالغريب على النهج المتبع في هذه المؤسسة الأم وتميّزها عن سواها من مؤسسات الدولة وإداراتها.
في الختام أقول، ليس بالأمر اليسير مغادرة الحياة العسكرية والإنتقال الى الحياة المدنية، فليس من السهل على المرء الإبتعاد عن الرفـاق والأصدقاء والذكريات. ولكني أقول وبكل صـدق، أنتم باقون في قلبي وفي عقلي الى آخر يوم في حياتي، بارك الله جهودكم والوطن بحاجة لتضحياتكم.