نحن والقانون

حقوق المحتجز في إطار حقوق الانسان
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
دكتوراه دولة في الحقوق محام بالإستئناف


بين النصوص والواقع مسافات وتجاوزات

ان دقَّة التمييز بين ظالم ومظلوم، وبين مجرم وبريء، تستدعي تأكيد قاعدة قانونية جوهرية مفادها «أن الانسان بريء حتى تثبت إدانته». لذلك كان لا بدَّ من إعطاء المشتبه فيه حقوقه الكاملة، التي تنسجم مع حقوقه كإنسان، قبل الملاحقة والاحتجاز والتوقيف والمحاكمة وفي أثنائها، وصولاً الى الحكم ببراءته أو بإدانته. ولا بدَّ أيضاً من التوفيق بين حقوق الانسان من جهة أولى وحقوق المحتجز من جهة ثانية وحقوق المجتمع من جهة ثالثة وحقوق المجني عليه والضحية من جهة رابعة. فلذلك لا يجوز أن تُلقى الاتهامات والشائعة جُزافًا للنيل من كرامات الناس وسمعتهم ومكانتهم، ولا يجوز التفريط بحقوق المجتمع والضحية بتعقيدات وإجراءات تُسهّل إفلات المجرمين من التقصي والتحقيق والاكتشاف والملاحقة والمحاكمة ومن العقاب.


من هو المحتجز؟
المحتجز هو الشخص الذي يشتبه بقوة بارتكابه جريمة محدَّدة، من دون تفريق بين رجل وإمرأة، أو بين راشد وقاصر مع بعض الاجراءات الخاصة المتعلقة بالقاصرين المنصوص عنها في القانون رقم 422/2002 (تاريخ 6/6/2002) لحماية الأحداث المخالفين القانون والمعرّضين للخطر.
لقد خطا المشترع اللبناني خطوات نوعية بإقراره قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 328/2001 (تاريخ 2/8/2001)  وتعديلاته بعد أسبوعين على إقراره بالقانون رقم 359/2001 (تاريخ 16/8/2001) من خلال تأكيده إحترام حقوق الدفاع للمشتبه فيه، فراعى الى حدٍ بعيد الحريات العامة وحقوق الانسان وحقوق المجتمع في جميع مراحل الملاحقة والتحقيق والمحاكمة.
لقد استلهم القانون اللبناني المذكور هذه المبادىء من الاعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان للعام 1948، والمواثيق الملحقة بها، واتفاقية العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي أقرتها الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة (بتاريخ 10/12/1984) وانضمَّ اليها لبنان بموجب القانون رقم 185/2000 (بتاريخ 24/5/2000) وغيرها.

 

حقوق المحتجز لعلَّ أهم حقوق المحتجز وفق القوانين المرعية الاجراء، هي الآتية:
• منع الاحتجاز إلا بقرار من النيابة العامة:
 حظَّرت الفقرة 3 من المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على الضابطة العدلية احتجاز المشتبه فيه في النظارة إلا بقرار من النيابة العامة. وذلك حفاظاً على حقوق الأشخاص وكرامتهم وسمعتهم ، ومنعًا من تعسّف الضابطة العدلية في إتخاذ قرارات خطيرة تتعلق بحرية الأفراد، وضمانًا لبقاء قرار الاحتجاز بيد السلطة القضائية واستمرار التحقيق ونتائجه وتطوّره تحت إشرافها. كما يسمح ذلك بمنع الاحتجاز من دون مسوّغ قانوني، والتأكد من مراعاة الأصول القانونية الجوهرية في التحقيق، وتوفير الضمانات للمحتجز وممارسة حقوقه القانونية، وعدم التعرّض له بصورة تعسفية. إذ أن الهدف الأساسي هو أن تكون الاجراءات الاستقصائية والتحقيقية المُتخذة قد تم تنفيذها وفق الأصول القانونية لجلاء الحقيقة وتحديد كيفية حصول الجريمة وتحديد المجرمين وملاحقتهم وتوقيفهم والتحقيق معهم وإحالتهم أمام المحكمة المختصة لمحاكمتهم والحكم ببراءتهم أو بإدانتهم إذا توافرت الأدلة والاثباتات الكافية.
 

• حق المحتجز في طلب الوقت الكافي لتحضير دفاعه:
أقرَّت غالبية المواثيق الدولية حق المحتجز في طلب الوقت الكافي لتحضير دفاعه على ما هو منسوب اليه من إتهامات، باستثناء حالة الجرم المشهود وبعض الجرائم الخطيرة التي تستوجب طبيعتها سرعة التحقيق لكشف المجرم والأدلة الجرمية قبل اختفاء معالمها أو تشويه مسرح الجريمة. وبالرغم من أن القانون اللبناني لم ينص على هذ الحق بشكل واضح وصريح، إلا أن التعامل درج على الاتصال بالمدعى عليه لإبلاغه بوجوب المثول خلال مهلة لا تقل عن الـ 24 ساعة أمام الضابطة العدلية للتحقيق معه في شكوى مقدَّمة ضده بجرم معين. فإذا تمنع المدعى عليه أو المشتبه فيه عن الحضور، يصار الى إحضاره قسرًا بعد الحصول على إذن من النيابة العامة بموجب إشارة شفهية أو خطية يتم تدوينها في محضر التحقيق. وفي حال تواريه عن الأنظار يُطلب إلى مكتب التحريات التابع لوحدة الشرطة القضائية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تعميم بلاغ بحثٍ وتحرٍ عن المشتبه فيه بناء لإشارة النيابة العامة التي تشرف على التحقيق، ويبقى هذا البلاغ ساري المفعول لمدة عشرة أيام قابلة للتمديد لمدة شهر واحد كحدٍ أقصى، يُخوّل بموجبه جميع رجال السلطة العامة توقيف المشتبه فيه وسوقه فورًا إلى القطعة التي سطَّرت البلاغ لاستكمال إجراءات التحقيق أو إحالته على النيابة العامة للتحقيق معه أو إحالته على المرجع الذي يضع يده على الملف للتحقيق معه واستجوابه وإتخاذ القرار المناسب بحقه.
 

• حق المحتجز في الاتصال بمن يحدِّده:
 يحق للمشتبه فيه أو المشكو منه، فور احتجازه لضرورات التحقيق، الاتصال بأحد أفراد عائلته أو بصاحب العمل أو بمحام يختاره أو بأحد معارفه، سنداً إلى المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
 

• حق المحتجز في الاستعانة بمحامٍ:
يحق للمشتبه فيه أو المشكو منه، فور احتجازه لضرورات التحقيق، مقابلة محام يعينه بتصريح يدون على المحضر من دون الحاجة إلى وكالة منظمة وفق الأصول، سنداً إلى المادتين 32 و47 أ.م.ج. إذ أن هذا الحق يضمن للمحتجز الاطِّلاع على حقوقه كافة وممارستها، ويجعله أكثر اطمئنانًا عليها، فلا يعترف بأفعال نتيجة إخضاعه لإكراه مادي أو معنوي أو تغريره بمساعدة على الافلات من العقاب في حال الاعتراف بوقائع غير صحيحة بصورة غير مشروعة.
ويعتبر حق المحتجز بتعيين محامٍ له بتصريح على المحضر من دون حاجة الى وكالة منظمة وفق الأصول لدى الكاتب العدل، تسهيلاً للدفاع عنه، وتخفيفًا للمصاريف المادية، وتوفيرًا للجهد والوقت. ويسمح للمحامي المُكلَّف المباشرة بمتابعة ملف موكله فور تعيينه في محضر التحقيق من دون انتظار الاجراءات لأخذ موافقة النيابة العامة لانتقال الكاتب العدل الى مركز التحقيق، ويسمح للمحتجز بتبادل المعلومات المتعلقة بالدفاع عنه وفق الأصول القانونية.
إلا أن القانون لم يسمح لمحامي المحتجز حضور جلسة التحقيق الذي يتم أمام الضابطة العدلية بحجة منع التأثير سلبًا على مجريات التحقيق أو الخشية من تنبيهه الى مخاطر الاقرار بجريمته أو ببعض الحقائق التي قد تدينه أو تساعده في التهرب من تبعات أفعاله الجرمية التي اقترفها. لكن مبررات هذا المنع غير منطقية ومنتقدة خصوصًا أن المادة 49 أ.م.ج. سمحت بحضور محامي المحتجز عندما يتولى النائب العام التحقيق الأولي بنفسه، حيث يكون لوكيل المشتبه فيه أن يحضر مع موكله في أثناء استجوابه. فتولي النائب العام بنفسه التحقيق الأولي يُشكل بحد ذاته ضمانة للمحتجز أكثر من التحقيق الذي يتم أمام الضابطة العدلية، وهذا ما أثبتته التجارب العملية على أرض الواقع.
 

• حق المحتجز في الاستعانة بمترجم:
قد لا يجيد المحتجز اللغة العربية، وهي اللغة الرسمية التي يجب على القائم بالتحقيق إعتمادها في الإجراءات القانونية، لذلك أعطى القانون للمحتجز حق الاستعانة بمترجم محلَّف إذا لم يكن يحسن اللغة العربية (المادة 47 أ.م.ج.). فيقوم المحقّق بتعيين شخص يتولى مهمة الترجمة، على أن يوافق عليه المحتجز قبل المباشرة بالترجمة. أما إذا كان المُحتجز أبكمًا أو أصمًّا، فيجب الاستعانة بمن يمكنه مساعدته على الفهم ما لم يكن يحسن الكتابة فيمكن التعامل معه وإطلاعه على ما هو منسوب اليه بواسطة الكتابة، على أن يتم ضم الأسئلة والأجوبة الى محضر التحقيق، بما يحفظ حقوقه.
 

• حق إطِّلاع المحتجز على الأدلة المساقة ضده:
يحق للمشتبه فيه الاطلاع على ما يُساق ضده من أدلَّة وإثباتات وقرائن وأدوات جرمية يُعتقد أن الجريمة ارتُكِبت بواسطتها، ليتمكن من الدفاع عن نفسه والرد عليها ومناقشتها وإثبات عدم صحتها أو عدم علاقته بها.
 

• حق استجواب المشتبه فيه فور احتجازه وعدم إطالة مدة إحتجازه:
فرضت المادة 32 أ.م.ج. استجواب المشتبه فيه فور احتجازه. ولا يجوز إحتجازه تعسفيًا أو إطالة مدة إحتجازه من دون سبب مشروع. وفي جميع الأحوال لا يجوز إحتجازه من قبل موظفي الضابطة العدلية لأكثر من 48 ساعة قابلة للتمديد لمدة مماثلة ولمرة واحدة، بقرار خطي معلَّل من النائب العام الاستئنافي الذي يصدره بعد اطلاعه على الملف وتثبّته من مبررات التمديد، حيث يُحظَّر على الضابطة العدلية احتجاز المشتبه فيه في نظاراتها إلا بقرار من النيابة العامة وضمن مدة لا تزيد على ثماني وأربعين ساعة، يمكن تمديدها مدة مماثلة فقط بناء على موافقة النيابة العامة. وفي مطلق الأحوال تحسم مدة الاحتجاز من مدة التوقيف ومن العقوبة التي قد يحكم بها، سنداً إلى المواد 32 و42 و47 أ.م.ج.
 

• حق دفاع المحتجز عن نفسه من دون إكراه:
 يجب إعطاء المشتبه فيه المحتجز الحق بالدفاع عن نفسه والادلاء بأقواله وبكل ما يريده بإرادة حرة وواعية ومن دون استعمال أي وجه من وجوه الإكراه ضده، سواء أكان ماديًا أو معنويًا أو جسديًا؛ كأن ينفي أو يؤكد صحة ما نُسِب اليه، (سنداً إلى المادتين 41 و47 أ.م.ج.). كما نصت المادة 15من إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (تاريخ 10/12/1984)، على أن كل دولة تضمن عدم الاستشهاد بأي أقوال يثبت أنه تم الادلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في أي إجراءات، الا اذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الادلاء بهذه الاقوال.
واستناداً الى ذلك، اعتبر الاجتهاد أن الدليل المنتزع بنتيجة تعريض المشتبه فيه للتعذيب يكون مصيره الإهمال، وفي المقابل، إن ذلك لا يؤدي بحد ذاته الى إهمال الإجراءات الصحيحة التي تمَّت في معرض التحقيقات والتي يجوز الركون اليها بمعزل عما يمكن أن يترتب من نتائج عن فعل التعذيب سواء لجهة ملاحقة من اقترفه أم لجهة إهمال الاعتراض الحاصل في معرضه. وإذا كان لا يعود لمحكمة الجنايات إبطال محاضر التحقيق الأولي في حال تبين وجود عنف وضرب، لأنها ليست مرجعًا تسلسليلاً للضابطة العدلية، خصوصاً بعد انبرام قرار الاتهام، إلا أنه يترتب على محكمة الجنايات إهمال محاضر التحقيق الأولي إذا ظهر لها أن ما تضمنته هذه المحاضر لا يوفر لها القناعة الكافية التي يرتاح اليها وجدانها وضميرها للإدانة أو التبرئة بعد تمحيصها وتقويمها.
إضافة الى ذلك، لا يجوز الاستهزاء بمشاعر المحتجز أو السخرية منه أو تحقيره أو توجيه العبارات غير اللائقة له. ولا يجوز التغرير بالمحتجز أو المشتبه فيه للإيقاع به من أجل حمله على الاعتراف بأفعال تدينه وترتّب مسؤوليته عن الجريمة. كما لا يجوز اعتماد مناورات أو حِيَّل أو خلق معلومات وحجج غير صحيحة للإيقاع به وحمله على الاعتراف، أو ترغيبه به من خلال إغراقه بالوعود والآمال وإيهامه بمساعدته على التخلص من الجريمة أو تخفيف العقوبة عنه، حيث يعتبر الاعتراف المأخوذ بهذه الطرق باطلاً.
ولم ينص القانون اللبناني على إمكان إخضاع المحتجز أو المشتبه فيه لإختبارات معينة في أثناء التحقيق، مثل أخذ البصمات أو الخضوع لبعض الاختبارات العلمية الحديثة كفحص آلة كشف الكذب أو التنويم المغناطيسي أو الاستعانة بطبيب نفسي في أثناء التحقيق أو آلات التصوير في الأماكن العامة أو التنصت على الاتصالات الهاتفية... ويعتبر البعض أنه كان من المستحسن أن يجيز القانون للمحقّق اللجوء الى بعض الوسائل العلمية التي لا تتعارض مع حقوق الانسان، للمساعدة في التحقيق.
ولا بد من الإشارة هنا الى أن اعتراض الاتصالات الهاتفية له أصول خاصة منظَّمة بموجب القانون رقم 140/99 (تاريخ 27/10/1999) المتعلق بصون الحق بسرية المخابرات التي تجري بواسطة أية وسيلة من وسائل الاتصال. وقد نص هذا القانون في مادته الأولى على أن «الحق في سرية التخابر الجاري داخليًا وخارجيًا من وسائل الاتصال السلكية أو اللاسلكية (الأجهزة الهاتفية الثابتة، والأجهزة المنقولة بجميع أنواعها بما فيها الخليوي، والفاكس، والبريد الالكتروني...) مصون وفي حمى القانون ولا يخضع لأي نوع من أنواع التنصت أو المراقبة أو الاعتراض أو الافشاء، إلا في الحالات التي ينص عليها هذا القانون وبواسطة الوسائل التي يحددها ويحدد أصولها». كما نظَّم هذا القانون أصول اعتراض المخابرات بناء على قرار قضائي أو بناء على قرار إداري، ونص على عقوبة التنصت غير الشرعي، وأنشأ هيئة مستقلة للتثبت من قانونية الاجراءات المتعلقة باعتراض المخابرات بناء على قرار إداري.
 

• حق المحتجز في التزام الصمت:
يحق للمحتجز أو للمشتبه فيه التزام الصمت والامتناع عن الكلام والرد على جميع (أو بعض) الأسئلة التي يوجهها اليه المحقّق، فإذا التزم الصمت لا يجوز إكراهه على الكلام، من دون أن يؤخذ ذلك قرينة ضده أو دليل إثبات على صحة ما نُسِب اليه، سندًا إلى المادتين 41 و47 أ.م.ج. فإذا امتنع المشتبه فيهم عن الجواب أو التزموا الصمت، يشار إلى ذلك في المحضر ولا يجوز إكراههم على الكلام أو استجوابهم تحت طائلة بطلان افاداتهم سندًا إلى المادة 47 أ.م.ج.
 

• حق طلب عرض المحتجز على طبيب لمعاينته:
أعطت المواد 32 و42 و47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية للمحتجز أو المشتبه فيه حق طلب الاستعانة بطبيب لمعاينته، فله أثناء احتجازه أو لوكيله أو لأي فرد من عائلته أن يطلب عرضه على طبيب لمعاينته، فيعين النائب العام أو المحامي العام طبيبًا فور تقديم الطلب إليه. وعلى الطبيب أن يجري المعاينة من دون حضور أحد من الضابطة العدلية ومعاونيهم، ويرفع تقريره إلى من كلفه بمهمة المعاينة وأن يسلم المدعى عليه نسخة عنه في مهلة لا تتجاوز الأربع وعشرين ساعة، ويبلغ النائب العام المستدعي نسخة عن هذا التقرير فور تسلمه إياه. ويكون للمحتجز ولأي ممن سبق ذكرهم، إذا مُدِّد احتجازه، تقديم طلب معاينة جديدة.
 

• حق المحتجز بعدم تفتيشه أو تفتيش منزله إلا بإذن من النيابة العامة:
يجب على الضابطة العدلية أن يطلعوا النيابة العامة على ما يقومون به من إجراءات، ويتقيدوا بتعليماتها، ولا يحق لهم تفتيش منزل أو شخص إلا بعد استحصالهم على إذن مسبق من النيابة العامة. وفي حال الإذن لهم بالتفتيش، عليهم أن يراعوا الأصول التي حددها القانون للنائب العام في الجريمة المشهودة. وكل تفتيش يجرونه، خلافاً لهذه الأصول، يكون باطلاً، غير أن الإبطال يقتصر على معاملة التفتيش ولا يتعداه إلى غيرها من الإجراءات المستقلة عنها، سندًا إلى المادة 47 أ.م.ج. حيث يحق للنائب العام، في الجريمة المشهودة، أن يدخل الى منزل المشتبه فيه للتفتيش عن المواد التي قد تساعد على إنارة التحقيق، وله أن يضبط ما يجده منها، وينظّم محضرًا بما ضبطه، واصفًا إياه بدقة، ويقرر حفظ المواد المضبوطة، ويجري التفتيش بحضور المشتبه فيه أو المدعى عليه أو بحضور وكيله أو اثنين من أفراد عائلته الراشدين أو شاهدين يختارهما النائب العام، ويوقّع معهم على المحضر. وإذا وجد في أثناء التفتيش أشياء ممنوعة فيضبطها، وإن لم تكن ناتجة عن الجريمة أو متعلقة بها، وينظم محضرًا بها على حدة. وللنائب العام أن يكلف ضابطًا عدليًا باجراء التفتيش تحت اشرافه، وفق المادة 33 أ.م.ج.

 

موجب التزام سرية التحقيق وأسرار المحتجز
 أوجب القانون على الضابطة العدلية التزام السرية التامة في جميع التحقيقات التي يقومون بها، فلا يحق لهم إفشاء أسرار التحقيق أو ما ضبطوه من أدلَّة أو مستندات أو أسرار خاصة بالمحتجز أو بالمشتبه فيه، تحت طائلة العقوبة الجزائية والمسلكية، حيث يلتزم الضابط العدلي في جميع الإجراءات التي يقوم بها السرية التامة.
وإذا ثبت إفشاؤه مضمون ما ضبطه من وثائق أو رسائل أو أي من الأسرار التي يحرص المشتبه فيه على إبقائها مكتومة، يلاحق أمام القاضي المنفرد الجزائي الذي يقع ضمن دائرته الفعل المشكو منه ويعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مايتي ألف ليرة إلى مليوني ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين، سندًا إلى المادة 42 أ.م.ج.
الشروط القانونية لاحتجاز بعض الأشخاص
إن الشخص الذي يجوز احتجازه هو بصورة عامة كل شخص تتوافر شبهة قوية على ارتكابه جريمة معينة، إلا أنه توجد حالات خاصة لبعض الأشخاص منع القانون احتجازهم أو فرض شروطاً وإجراءات خاصة لذلك، ومنهم على سبيل المثال:
- الحدث: وهو الشخص الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره إذا ارتكب جرمًا معاقبًا عليه في القانون، أو كان معرضًا للخطر. وهو يخضع للقانون رقم 422/2002 تاريخ 6/6/2002 المتعلق بحماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرضين للخطر. حيث منع هذا القانون حجز الأحداث مع الراشدين، واشترط أن يتم الحجز في مأوى احترازي أو مؤسسة متخصصة، واشترط عند توقيف الحدث في جرم مشهود إبلاغ أهل الحدث أو أوليائه أو المسؤولين عنه والاتصال بمندوبة الأحداث لحضور استجوابه وإتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة.
- المرأة الحامل: لم ينص قانون أصول المحاكمات الجزائية على أحكام خاصة بحجز المرأة الحامل، إلا أن المادة 55 من قانون العقوبات قد نصت على أنه لا تنفذ عقوبة الحبس بالحامل غير الموقَّفة إلا بعد أن تضع حملها بستة أسابيع. كما نصت المادة 1003 من قانون أصول المحاكمات المدنية على عدم تطبيق الحبس على المرأة الحامل حتى انقضاء شهرين بعد الوضع، وأم الوليد حتى بلوغه السنة من عمره.
- المحامي: فرض القانون شروطًا وقيودًا للادعاء على المحامي وعلى احتجازه وتوقيفه، حيث نص قانون تنظيم مهنة المحاماة على أنه لا يجوز توقيف المحامي احتياطيًا في دعوى قدح أو ذم أو تحقير أُقيمت ضده بسبب أقوال أو كتابات صدرت عنه أثناء ممارسته مهنته، ولا يجوز أن يشترك برؤية الدعوى أحد قضاة المحكمة التي وقع فيها الحادث (المادة 75). ولا يجوز استجواب المحامي عن جريمة منسوبة اليه، باستثناء حالة الجرم المشهود، إلا بعد ابلاغ الأمر لنقيب المحامين الذي يحق له حضور الاستجواب بنفسه أو بواسطة من ينتدبه من أعضاء مجلس النقابة. ولا يجوز ملاحقة المحامي لفعل نشأ عن ممارسة المهنة أو بمعرضها إلا بقرار من مجلس النقابة بإذن الملاحقة، ومجلس النقابة يقدر ما إذا كان الفعل ناشئًا عن المهنة أو بمعرضها (المادة 79).

 

جزاء مخالفة حقوق المحتجز
فرضت الفقرة الأخيرة من المادة 47 أ.م.ج. على الضابطة العدلية أن تبلغ المشتبه فيه فور احتجازه، بحقوقه المذكورة آنفاً وأن تدون هذا الإجراء في المحضر. ثم نصت المادة 48 أ.م.ج. على أنه إذا خالف الضابط العدلي الأصول المتعلقة باحتجاز المدعى عليه أو المشتبه فيه فيتعرض للملاحقة بجريمة حجز الحرية المنصوص عنها والمعاقب عليها في المادة 367 من قانون العقوبات بالإضافة إلى العقوبة المسلكية سواء أكانت الجريمة مشهودة أم غير مشهودة.
وقد نصت المادة 367 من قانون العقوبات على أن كل موظف أوقف أو حبس شخصًا في غير الحالات التي ينص عليها القانون يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة. بالإضافة الى العقوبة المنصوص عنها في المادة 42 أ.م.ج. في حالة إفشاء أسرار التحقيق وفق التفصيل المذكور أعلاه. بالإضافة الى ما يفرضه القانون من ملاحقة مسلكية وملاحقة جزائية في حالة وقوع جرائم أخرى من أثناء فترة الاحتجاز؛ مثل التهديد أو الإيذاء أو القتل أو السرقة أو غيرها... هذا بالإضافة الى إبطال التحقيق وإنزال العقوبات المحدَّدة في المادتين 42 و47 أ.م.ج.

 

واقع حقوق المحتجز
لعلَّ من يقرأ كل هذه الحقوق التي منحتها المواثيق الدولية والقانون اللبناني للمحتجز أو للمشتبه فيه، يعتقد أن حقوق الانسان مصانة الى أبعد حدٍ في لبنان وأن الضابطة العدلية تقوم بواجباتها على خير ما يرام، وأن السلطات المختصة تراقب كل ذلك على أكمل وجه، وأنه يتم تطبيق كل ما التزمه المشترع اللبناني من مبادىء حقوق الانسان وضمان الحريات الفردية التي استلهمها من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية ذات الصلة.
إلا أن من يراقب التطبيق العملي لتلك النصوص قد يصاب بخيبة أمل وبفاجعة كبرى نتيجة الواقع الأليم. وقد عبّر أحد القضاة عن هذا الواقع، حيث أثار علامات استفهام حول مدى تقيّد رجال الضابطة العدلية بتلك الحقوق والواجبات، وما ينبغي عليهم القيام به لتطبيق هذه المبادىء وفق الغاية التي توخاها المشترع، داعيًا الى إعادة النظر في بعض نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية الأخير المتعلقة بالتحقيق الأولي والاحتجاز.
فثمة انتهاكات عديدة تحصل أحيانًا داخل النظارات والسجون وأماكن التوقيف، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- إحتجاز الأشخاص من دون إذن من النيابة العامة بحجة عدم استطاعة الضابط العدلي الاتصال بالنائب العام في أوقات مخصَّصة لراحته.
- عدم إعطاء المدعى عليه فرصة للدفاع عن نفسه في بعض الحالات، حيث يتم قلب قواعد الاثبات رأسًا على عقب ويصبح عبء الاثبات على عاتق المدعى عليه (بدل أن يكون على عاتق المدعي) ويصبح المدعى عليه مدانًا حتى يُثبت براءته (بدل أن يكون بريئاً حتى تثبت إدانته)...
- منع المحتجز من الاتصال بأحد، بحجة عدم السماح لأحد بتلقينه وقائع خلافاً لما يجب أن يعترف به تحت الضغط والاكراه والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور...
- حرمان المحتجز من الاتصال أو الاستعانة بمحامٍ، بحجة الخوف من قيام هذا الأخير بتلقين المحتجز أقوال مخالفة للواقع.
- حرمان المحتجز الأجنبي، الذي لا يُجيد فهم اللغة العربية، من الاستعانة بمترجم أمام الضابطة العدلية.
- حرمان المحتجز من الاطلاع على ما أُسند اليه من إتهامات وأدلة وحجج.
- استمرار الاحتجاز عدة أيام وأسابيع، وربما أشهر.
- إفشاء أسرار التحقيق وخصوصيات المحتجزين...