قضايا إقليمية

حقيقة الانهيار الإجتماعي في إسرائيل
إعداد: إحسان مرتضى
باحث في الشؤون الإسرائيلية

تأثير الثورات العربية
تفيد دراسة نشرها مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية وأعدها مدير المركز البروفسور إفرايم عنبار، بأن الثورات والانتفاضات العربية والتطورات العلمية والتكنولوجية في إيران، قد خلقت وضعًا أمنيًا وسياسيًا واجتماعيًا هو الأكثر خطورة واضطرابًا بالنسبة إلى اسرائيل منذ نهاية الحرب الباردة. «فنحن لدينا القليل من النفوذ بعد التطورات في منطقة الشرق الأوسط، وأيضًا طموحات قليلة للإنخراط في الهندسة السياسية للمنطقة، وكل ما يمكننا القيام به هو الدفاع عن أنفسنا بشكل أفضل» على حد قوله.
إلى جانب ذلك وفى ذكرى مرور عام على الاحتجاجات الإسرائيلية الداخلية ضد الفساد والغبن الاجتماعي، شهد المجتمع الإسرائيلي منذ شهر أيار الماضي محاولات حثيثة من جانب قادة تلك الإحتجاجات لاستنهاضها وإحيائها بوتيرة متصاعدة. وشكّل استمرار التآكل فى الطبقة الوسطى هناك وهبوطها إلى خط الفقر أو ما دونه واحدًا من أهم الأسباب التي أججت هذه الاحتجاجات مرة أخرى، وذلك بناء على ما تضمّنه تقرير أصدره البنك المركزى الإسرائيلي أخيرًا حول هذه  الطبقة، والذي أشار فيه إلى ما طرأ عليها من تقلص ملحوظ منذ العام 1997. فبفعل السياسات الإقتصادية النيوليبرالية تقلصت وباتت تضم ربع عدد السكان فقط، مشيرًا إلى أن غالبية السكان حاليًا تصنّف ضمن الطبقة ما دون الوسطى، هذا فضلًا عن مشكلة البطالة التي سجلت أعلى نسبة لها العام 2012 حيث وصلت إلى 7.2% مقابل 6.5% في نهاية العام 2011، وذلك وفق البيانات التي نشرتها دائرة الإحصاء المركزي يوم 31 تموز 2012.

 

العدالة الإجتماعية!
العرب في إسرائيل، أو عرب 48، هم الذين يدفعون الثمن الاغلى اقتصاديًا لأن 47 في المائة منهم يعيشون تحت خط الفقر. ولا يزيد متوسط دخل العربي في اسرائيل وفي أحسن الحالات عن ثلثي نظيره عند اليهودي، في الوقت الذي يعادل مستوى البطالة بين العرب أربعة اضعاف مستواه بين اليهود.
«الشعب يريد العدالة الاجتماعية لا الإحسان» شعار حمله المحتجون الإسرائيليون في أكثر من عشر مدن إسرائيلية، وصلت أعدادهم إلى 120 ألف متظاهر احتجاجًا على ارتفاع الأسعار وخصوصًا أسعار السكن التي ارتفعت خلال عام واحد بنسبة 32 بالمئة في تل أبيب و17 بالمئة في القدس. وأزمة السكن ذات وجهين، إرتفاع الايجارات وارتفاع أسعار الشقق داخل الخط الاخضر، في حين يتم التدليل على السكن شبه المجاني في المستعمرات المقامة في القدس والضفة الغربية عمومًا. يضاف إلى ذلك كم غير محدود من الامتيازات التي تمنحها الحكومة ومجلس المستوطنات «يشاع» والمنظمات الداعمة للمستوطنين، والتي شكلت حافزًا قويًا للمتضررين من عملية التمييز في أوساط المجتمع الاسرائيلي، للتظاهر وفتح جبهة مواجهة مع حكومة أقصى اليمين برئاسة نتنياهو وحزب الليكود.

 

استياء من إدارة الأزمة
إرتفاع الأسعار هذا، دفع رئيس الحكومة الإسرائيلية نتانياهو إلى تشكيل مجموعة عمل مهمتها إيجاد السبل لتخفيف عبء تكاليف المعيشة، لكنّ 54 في المائة من الإسرائيليين عبّروا عن استيائهم من إدارته هذه الأزمة  في استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ما ينذر بتحديّات عالقة تنتظر الحكومة الحالية في المستقبل. وفي هذا السياق قال نتنياهو: «علينا أن نتلقى توصيات تشمل خيارات محددة. فتغيير الاولويات يؤدي إلى خيار، خيار بين قيود متنوعة».وأضاف «ندرك أمرًا واحدًا: نريد حلولًا سليمة اقتصاديًا، لأن انتهاء كل هذا بالإفلاس أو الانهيار الاقتصادي على غرار ما تواجهه اقتصادات اوروبية كبرى لن يحل مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية». وتابع «إننا نواجه مشاكل معقدة، ونريد نتائج ملموسة لا تعميمات، بل حلولًا ملموسة لمشاكل ملموسة من أجل خفض كلفة المعيشة والتفاوت الاجتماعي في إسرائيل».

 

الظاهرة «البوعزيزية» في اسرائيل
ضمن هذه الظروف بلغ النشاط الاحتجاجي ذروته مع بروز الظاهرة «البوعزيزية» في اسرائيل، حينما أقدم المستوطن موشيه سليمان على حرق نفسه، خلال تظاهرة في تل أبيب أقيمت ليلة السبت 14 تموز 2012، ولم تكن الحادثة فردية كما حاول نتنياهو الإيحاء بذلك، حيث أقدم على تكرار الفعل ذاته الجندي الإسرائيلي عكيفا مفايتس  يوم 22 تموز، نتيجة للمعاملة السيئة التي يتلقاها من قسم التأهيل في وزارة الدفاع باعتباره محاربًا معوقًا في الجيش. كما أقدم شخص ثالث في الأربعينيات من العمر على حرق نفسه داخل أحد المستشفيات في منطقة هشارون قرب تل أبيب، احتجاجًا على سوء المعاملة الطبية. وعلى الرغم من المفردات القليلة التى تضمنتها الرسالة التي تركها سيلمان قبل الحادث، والتي اتهم فيها رئيس الحكومة بالتقاعس عن وضع حلول حقيقية للأزمة الإقتصادية الإجتماعية التي تمر بها إسرائيل، وإهانته المواطنين وتجاهل مشاكلهم، إلا أنها كشفت ببلاغة ودقة عن الأسباب التي جعلت من حرق النفس وسيلة يائسة للإعتراض على سياسات الحكومة اليمينية المتهورة. وبفضل تكرار الظاهرة البوعزيزية، بدأت الاحتجاجات تشهد زخمًا شعبيًا عبر العديد من المدن إلاسرائيلية، حيث طالب الشباب ونشطاء المنظمات الاجتماعية والأهلية بإسقاط الحكومة إذا لم تضع حلولًا جذرية للأزمة الإقتصادية الإجتماعية وخصوصًا أزمة السكن. وقد تسبب هذا الزخم الشعبي في إحراج الإعلام الرسمي الموجه من قبل اليمين الحاكم، مما أضطره إلى أن يخصص حيزًا كبيرًا من صفحات الصحف لاحتواء مأساة سليمان، حتى صار العنوان الرئيس في هذه الصحف «كلنا موشيه سليمان».
إلا أن ردة فعل الحكومة اليمينية هذه المرة كانت أكثر عنفًا من العام الماضي، حيث اعتبر مدير عام الشرطة الإسرائيلية أن الاحتجاجات ليست شعبية، وأنها مجرد انشطة مدبرة ضد القانون ومحكومة بأجندات خاصة من جانب نشطاء اليسار المتطرف ومنظمات عربية فوضوية تزعم أنها تطالب بالعدالة الإجتماعية. وقد انتقد الناشط اليساري أوري أفنيري مؤسس حركة كتلة السلام في مقال له على موقع الكتلة، الاحتجاج المجرد من السياسة واعتبره هروبًا من الواقع، مشيرًا إلى أن النضال الاجتماعي يجب ألا ينفصل عن الشق السياسي، الأمر الذي يعني النضال لإنهاء الاحتلال والعمل من أجل السلام. واعتبر أن العدالة الاجتماعية ما هي إلا هـدف ســياســي يقتضــي تحقيقـــــه اعـتماد قرارات صعبة مثل اقتطاع أموال من الميزانية العسكرية، ومن المخصصات المالية للمستوطنات والمتدينين، لمصلحة التقديمات الإجتماعية للأكثرية الشعبية.

 

هل تؤدي الإحتجاجات الى تغيير؟
أما بالنسبة إلى نتائج تلك الاحتجاجات، فالرأي السائد هو أنه على الرغم من تكرار الظاهرة البوعزيزية في إسرائيل، فمن المستبعد أن تؤدي إلى المطالبة بإسقاط النظام مثلما حصل في دول «الربيع العربي»، بمعنى استبعاد أن تتصاعد الحالة الاحتجاجية إلى حالة ثورية، ومهما ارتفع سقف المطالب فإنها لن تتجاوز حد إحداث تغييرات طفيفة في النظام الإقتصادي الإسرائيلي، من دون المساس بالنظام السياسي القائم. ويعود ذلك إلى خصوصية نشأة الدولة الصهيونية التي تبدو شبه مستقرة ومتماسكة - بسبب الذرائع الأمنية التي تحقق الإجماع الوطني -  وخير دليل على ذلك سياسة التقشف التي أعلنت عنها الحكومة الإسرائيلية على الرغم من غضب الجماهير. ويؤكد هذا أنه مهما تعاظمت تلك الاحتجاجات فإنها لن تسفر في اسوأ الحالات سوى عن إجراء الانتخابات في موعد مبكر (وهذا ما حصل)، خصوصًا وأن نتنياهو يراهن على تلاشي الزخم الشعبي لتلك الاحتجاجات، وتراجعها مجددًا أمام العديد من الإستحقاقات الأمنية المطروحة أمام الحكومة الإسرائيلية.
ويأتي في طليعة هذه الإستحقاقات الملف النووي الإيراني وترسانة الأسلحة الكيماوية السورية، فضلًا عن الفراغ الأمني في سيناء والتغييرات الجوهرية التى قام بها الرئيس المصري محمد مرسي فى قيادات المجلس العسكري.