موضوع الغلاف

حقّك تتظاهر ولكن...
إعداد: ندين البلعة خيرالله

إن وقف مراقبًا ومترقبًا علت الصرخات والاستنجادات «أين هو الجيش؟»، وإن تدخّل وفتح الطرقات وأوقف المخالفين، بدأت المعاتبات... موقف فُرض على المؤسسة العسكرية منذ ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، يوم انطلاق التحركات المطلبية والاحتجاجات الشعبية في مختلف المناطق اللبنانية. انقسم اللبنانيون بين مؤيد لهذه التحركات ولقطع الطرقات ومدافع عنها تحت عنوان حرية التعبير والحق بالتجمع السلمي من جهة، ومعارض لها تمسّكًا بالحق في التنقل والعمل من جهة أخرى... وبين هذا وذاك، وتحت وطأة الشائعات المغرضة، تحمل المؤسسة العسكرية راية الواجب الوطني في حماية السلم الأهلي والمحافظة على الاستقرار الداخلي.


على الأرض تنفّذ وحدات الجيش مهماتها بدقة ومناقبية، حافظة حقوق الجميع، ملتزمة أقصى درجات الحكمة وضبط النفس، متقيدة بالقوانين المحلية والدولية. لكن ذلك لا يعني أنّ الحق في حرية التظاهر السلمي هو مطلق، فقد يخضع لقيود بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ما هو دور الجيش في هذه المرحلة تحديدًا؟ ما هي القوانين التي ترعى مثل هذه المواقف؟ متى يفتح الجيش الطرقات ومتى يستخدم القوة؟ وما هي المعايير التي يعتمدها خلال التوقيفات؟ علَّ هذا التحقيق يقدّم الإجابات المرجوة ويضع حدًّا للشائعات التي تستهدف الجيش والقوى الأمنية.


التظاهر بين الحق الطبيعي والموانع القانونية
يعرّف المحامي وليد داغر التظاهر بأنّه «أحد الوسائل الديمقراطية التي قد تلجأ إليها بعض المجموعات أو الفئات الشعبية للتعبير عن الرأي وتسجيل اعتراض على عمل معين، قامت أو تقوم به السلطة الحاكمة. وتتفاقم حالات الاحتجاجات الشعبية عند بروز أزمات سياسية واقتصادية تعجز فئات من الشعب عن مواجهتها إلا من خلال قيامها بحركات احتجاجية منظمة لثني السلطة عن المسار الذي تنتهجه. وقد شهد لبنان كما غيره من الدول احتجاجات شعبية عارمة وصل البعض منها إلى حد إسقاط حكومات وتغيير أنظمة وإجبار السلطات على التراجع عن قرارات أساسية كانت قد اتخذتها».


القوانين المرعية
«القوانين اللبنانية لا سيما قانون العقوبات اللبناني لم يعالج حرية التظاهر والاحتجاجات بصورة مطلقة، إنما اكتفى في المواد ٣٤٥ وما يليها، بتحديد مفهوم تظاهرات وتجمعات الشغب، محددًا عقوبات رادعة لكل مخالفة لهذه النصوص»، كما يوضح الأستاذ داغر.
في المقابل، كرّست المادة ١٣ من الدستور اللبناني «حرية إبداء الرأي قولًا وكتابةً، وحرية الطباعة وحرية تأليف الجمعيات». وهذه الحريات «كلّها مكفولة ضمن دائرة القانون»، أي أنّ الدستور اللبناني عطف هذا الحق على القوانين النافذة لممارسة هذه الحقوق.
ومع أنّه لا يوجد أي نص قانوني واضح يكرّس حرية التظاهر في القانون اللبناني، فإنّ هذه الحرية تتصل بشكل مباشر بحق إبداء الرأي والتعبير عنه بحرية، وهو حقّ مكرّس بموجب أحكام الدستور اللبناني لا سيما المادة ١٣ التي ذُكرت آنفًا. ولهذا يُعتبر التظاهر السلمي حقًا دستوريًا يجب حمايته وتنظيمه ضمن القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
كذلك، كفلت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي شارك لبنان في وضعها، الحق في التظاهر، وفرضت حماية حرية الرأي والتعبير واعتبرتها مصونة بالقانون الدولي العام وبخاصةٍ القانون الدولي لحقوق الإنسان، التي تُعتبر من القواعد الآمرة فيه. فلا يجوز لأي دولة تحترم الشرعة الدولية المذكورة أعلاه وتلتزمها، الانتقاص من هذه الحرية أو الحد منها، كونها من الحقوق الطبيعية اللصيقة بحق الإنسان في التعبير السلمي عن أرائه.

 

مظلة جامعة

في جولته على عدد في الوحداث العسكرية المنتشرة في مناطق اللبنانية, أكَد قائد الجيش العماد جوزاف عون أنّ هي مظل تعامل الجيش مع المدنيين ينطلق من قناعة المؤسسة العسكرية بحق التظاهر وحرية التعبير عن الرأي، لكن ّوأشار إلى أن بالأمن.ّهذا الأمر لا يعني على الإطلاق التساهل مع أي مخل.

ودعا قائد الجيش إلى الابتعاد عن الشائعات التي تهدف إلى تضليل الرأي العام وإحداث شرخ بين المواطنين والمؤسسة العسكرية، وثني الجيش عن القيام بواجبه، مؤكدًا إنُه سيأتي يوم أقل ما يّقال فيه إنّ الجيش قد أنقذه لبنان.
 
 

حرية مع قيود
من جهة أخرى، يوضح داغر أنّ هذا الحق بالتظاهر في لبنان كما باقي الدول، مقيّد بقوانين كل دولة. وقد حدد قانون العقوبات اللبناني الأفعال التي تحدث أثناء التظاهر والتي تقع تحت طائلة التجريم الجزائي، فنصّت المادة ٣٤٦ منه على أنّ كل حشد أو موكب على الطرق العامة أو في مكان مباح للجمهور يُعدّ تجمعًا للشغب ويُعاقَب عليه بالحبس من شهر إلى سنة.
كما نصّت المادة ٣٤٢ - معدلة وفق المرسوم الاشتراعي ١١٢ تاريخ ١٦/٩/١٩٨٣- على تجريم قطع الطرق العامة من قبل المحتجين أو المتظاهرين، إذ يُعاقَب بالحبس والغرامة كل اغتصاب يقوم به أكثر من عشرين شخصًا ويتبعه المحاولة أو البدء بالتنفيذ بقصد توقيف وسائل النقل بين أنحاء لبنان أو بينه وبين البلدان الأخرى والمواصلات والبريد والاتصالات أو إحدى المصالح العامة المختصة بتوزيع الماء أو الكهرباء.
وإذا اقتُرف الجرم بأعمال العنف على الأشخاص أو الأشياء أو بالتهديد، أو بغير ذلك من وسائل التخويف، أو بضروب الاحتيال أو بمزاعم كاذبة من شأنها أن تُحدث أثرًا في النفس، أو بالتجمهر في السبل والساحات العامة أو باحتلال أماكن العمل، عوقب مرتكبو هذه الأفعال بالحبس ستة أشهر على الأقل.


ضغوطات غير مبرّرة
يلفت داغر إلى أنّه إذا كانت حرية الفرد تقف عند حدود حق الآخر في التنقل، فإنّ الضغوطات التي تعرّض لها لبنان منذ بدء الاحتجاجات ليست مبرّرة، خصوصًا وأنّ معظم قوانين العقوبات في العالم لا سيما قانون العقوبات الفرنسي المأخوذ عنه قانون العقوبات اللبناني يجرّم قطع الطرق، ويحفظ للمواطنين الفرنسيين حقهم في التنقل بحرية بموجب أحكام المادة Article R644 - 2 من قانون العقوبات الفرنسي:


La liberté d’aller et venir est une composante de la liberté individuelle. Elle est inhérente à la personne humaine: se mouvoir, stationner, séjourner fait partie de ses fonctions vitales. Pouvoir se déplacer librement sans contraintes et sans autorisation de la puissance étatique est un privilège des sociétés démocratiques. La libre circulation des personnes est aujourd’hui l’un des piliers de la construction européenne. Son exercice doit se concilier avec la nécessité de préserver l’ordre public.


كما جرّم القانون اللبناني تظاهرات الشغب وقطع الطرق وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وإحراقها، في المواد ٣٤٥ و ٥٧٨ و٥٩٥ و٧٣٠ و٧٥٠ و٧٥٣ منه.
من هنا يجد داغر أنّ الضغوط التي تعرّض لها لبنان هي سياسية، تهدف إلى ثنيه عن تطبيق القوانين النافذة على أرضه. علمًا أنّ ممارسات بعض المتظـاهـرين مـن خلال تعرّضهم للقوى العسكرية المولجة حفظ الأمن والنظام، والتهجّم عليها في أثناء تأديتها مهماتها ومقاومتها مقاومة سلبية أم إيجابية، تقع تحت طائلة التجريم الجزائي، لا سيما المادة ١٥٧ من قانون القضاء العسكري.
هذه المادة أنزلت عقوبة السجن بكل شخص يُقدم على تحقير العلم أو الجيش أو المسّ بكرامته وسمعته أو معنوياته، أو يُقدم على ما من شأنه أن يضعف في الجيش النظام العسكري أو الطاعة للرؤساء والاحترام الواجب لهم.
كذلك، تعاقب هذه المادة كل من يُقدم في زمن السلم على نشر أو إبلاغ أو إفشاء كل ما يتعلق بالجيش أو بالحوادث العسكرية داخل الثكنات أو خارجها، أو بالإجراءات التي تتخذها السلطة العسكرية بحق أحد أفرادها، أو الأوامر أو القرارات الصادرة عن هذه السلطة، وكل ما يتعلق بتنقلات الوحدات والمفارز وبالترقيات والتشكيلات وبتوقيف المشبوهين وبتعقب المتمردين، أو بالعمليات التي تقوم بها قوى الدولة، ويستثنى من ذلك التبليغات والإذاعات التي تسمح بنشرها السلطة المختصة. وتقضي بالحد الأقصى للعقوبة إذا حصل الجرم في أثناء الحرب.
من هنا يتوجب على القوى الأمنية بمقابل سماحها للتجمعات السلمية وضرورة حمايتها، أن تمنع تجمعات الشغب ولو بالقوة متى:
- شكّلت مخالفة لأحكام القانون من خلال أساليب التعبير التي قد تؤدي إلى فتنة أو تهديد الأمن، أو كانت تشكل تعدّيًا على حياة العناصر العسكرية والأمنية المولجة حفظ الأمن والنظام.
- هدّدت حياة المواطنين أو عرّضتهم لإصابات بليغة.
- اتخذت منحًى عنفيًا وتخريبيًا للممتلكات الخاصة والعامة، يصعب استيعابه أو إيقافه دون استعمال القوة.
 

التراخي ممنوع
• كيف يجب التعاطي مع الأساليب التي يبتكرها المتظاهرون في الساحات، وهل هي قانونية؟
- إنّ استعمال المتظاهرين أساليب جديدة لقطع الطرق بأجسادهم أو بالشاحنات أو بالسيارات أو عبر الاستعانة بطلاب المدارس أو رجال الدين، يُعتبر مخالفة لأحكام القانون، بحيث تقدّر القوى الأمنية العاملة على الأرض طريقة التعامل معها، وفق الحالة الراهنة، إن لناحية التوقيف أو استعمال طرق الإقناع معهم أو حجز السيارات المركونة وسط الطريق...
وهنا يرى الأستاذ داغر أنّه لا بد من الإشارة إلى أنّ التراخي وغض النظر عن بعض الممارسات المخالفة قد شجّع بعض المخالفين على التعدي على القوى العسكرية والأمنية العاملة على الأرض. لذا يتوجب على القضاء الاستمرار بملاحقة المخلين بالأمن المُخلى سبيلهم، لأنّه لا يجوز أن تخضع الدولة بأجهزتها القضائية والأمنية لضغط الشارع، فتزيل الصفة الجرمية عن أفعالهم، بمنع الملاحقة عنهم. وحرية التعبير وإن كانت مقدسة، فهي تتناقض تناقضًا كليًّا مع مفهوم تدمير هيبة الدولة ومؤسساتها.
ويشدّد داغر في هذا الإطار، على مسؤولية وسائل الإعلام بالعمل على توعية المواطنين حول مفهوم الحق في التظاهر والاحتجاج السلمي، والفارق الشاسع بين هذا الحق الذي يكفله الدستور والمواثيق الدولية، وبين مفهوم الشغب والتعدي على المواطنين والقوى الأمنية وعلى الأملاك العامة والخاصة الذي يعتمده بعض المتظاهرين أسلوبًا، والمعاقب عليه قانونًا، بهدف ضرب هيبة الدولة.

 

نلتزم المعادلة
تطبيقًا للقانون، التزم الجيش معادلة حماية حق التظاهر والتجمع من جهة، وحظر قطع الطرق والاعتداء على حقوق الآخرين من جهة أخرى.
في هذا السياق، يحدّثنا مدير مديرية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان العقيد الركن زياد رزق الله الذي يؤكد أنّ «التزام الجيش وتكليفه حفظ الأمن يرتّب عليه مسؤوليات بموجب قانون الدفاع الوطني، المرسوم الاشتراعي ١٠٢ للعام ١٩٨٣، ومن ضمنها حفظ أمن التجمعات والتظاهرات، سواء كانت سلمية أو غير سلمية، ولكن ما تغير اليوم هو طريقة التعاطي مع مثل هذا الحجم من المطالب والتحركات. ودور الجيش في هذه المرحلة هو حفظ أمن التجمعات السلمية، التعاطي وفق القانون مع التجمعات غير القانونية، والتقيّد بتوجيهات القيادة إذا ما تحوّلت إلى ممارسات عنيفة».

 

حين انتفت السلمية
• ما هي التعليمات التي أُعطيت للتعامل مع هذه التجمعات منذ انطلاقتها؟
- صدر منذ اليوم الأول للاحتجاجات بيان عن مديرية التوجيه بتفهّم مطالب المواطنين والسماح لهم بإيصال مطالبهم. ولكن مع استمرار قطع الطرقات واحتكاك المتظاهرين بالمواطنين الذين يمارسون الأنشطة المتعلقة بحياتهم اليومية ومحاولة منعهم من العبور باستخدام وسائل عنيفة، وبالتالي انتفت صفة السلمية عن هذا التجمع.
بعد ٦ أسابيع من التظاهرات، أعطى العماد قائد الجيش أوامر واضحة بمنع إقفال الطرقات، وذلك عندما بدأ المس بحريات الآخرين التي يتناولها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالإضافة إلى الحفاظ على الأمن العام والسلامة العامة والحقوق وحريات الآخرين (ممارسة الحقوق من دون هدر حقوق الآخرين).
شـدّدت توجيهات القيادة على التزام خطوط حمراء أهمها: تجنّب وقوع الضحايا أو استخدام السلاح الناري، وحرصنا على هذا الأمر يظهر جليًا حين نتحدّث عمّا يفوق المئتَي إصابة في صفوف الجيش.
لقد تلقّينا غضب المدنيين بأجسادنا للحد من الإصابات والأضرار في صفوفهم، وبالتالي فإنّنـا تجنّبنـا حتى استعمال حقنا المشروع باستخدام القوة بحسب المعايير الدولية، التي تعطينا الحق بالرد عند خطر الإصابة البليغة أو الاعتداء المفضي إلى الموت، باستخدام القوة القاتلة إذا لم تفلح الوسائل الأقل ضررًا في وقف الاعتداء.
لم نتدخل لمصلحة أي طرف، حتى إنّنا غضينا الطرف عن الكثير من الممارسات التي تخالف المعايير القانونية الدولية، لماذا؟ لأنّ التدخل أحيانًا يوتّر الوضع، وحنكة قائد القوى على الأرض تفرض أداءً معينًا لإنقاذ الموقف وعدم تفاقمه.

 

الاستفزاز واستخدام القوة
• يستخدم المتظاهرون الأساليب الاستفزازية تجاه العسكريين على الأرض، فكيف تتعاملون مع هذا الوضع؟
- وضعت قيادة الجيش «مدوّنة قواعد سلوك الجيش في إنفاذ القانون» (في عمليات حفظ الأمن)، وذلك بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة - المفوضية السامية لحقوق الإنسان، لضمان التصرف المهني وتطبيق توجيهات المؤسسة.
ونؤكد أنّنا حتى اليوم لم نقم بأي فعل، ولم نستخدم القوة إلّا عند تحقق شروطها. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّه يمكن للقوى استخدام الأسلحة النارية أو ما اصطُلح على تسميته بالقوة القاتلة، في حالات محددة على الشكل الآتي: الدفاع عن النفس أو الدفاع عن الآخرين ضد تهديد قائم بالقتل أو الإصابة الخطيرة، منع ارتكاب جريمة تعتبر خطيرة بما في ذلك التهديد بالقتل، اعتقال شخص يشكل مثل هذا الخطر ويقاوم سلطة الشرطة، أو منع ذلك الشخص من الهرب.
قد تحصل بعض ردود الفعل الفردية، فالعسكري هو إنسان له انفعالاته، ولكنّنا نؤكّد ونشدّد على أنّ الأوامر المعطاة والتدريب والتجهيزات وأوامر قادة القوى على الأرض، تثبت أنّ ما نقوم به في أثناء عمليات استخدام القوة ليس عامًّا ولا ممنهجًا. فمعظم الحالات التي صُوِّر خلالها الجيش يتعرّض بالقوة لبعض الأشخاص هي مُصوَّرة بهواتف المتظاهرين وهذا دليل على أنّ استخدام القوة لم يكن يستهدف التجمع ككل بل كان موجّهًا تجاه أشخاصٍ معيّنين ولسببٍ محدّد.


عمليات ٢٤/٢٤
مع بداية الأزمة وانطلاق التظاهرات في ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩، عُقد اجتماع في وزارة الدفاع الوطني حضره قادة الأجهزة الأمنية، وتقرّر بعده حضور ضباط من هذه الأجهزة المعنية للمناوبة في غرفة عمليات قيادة الجيش وحتى انتهاء الأزمة، يوجدون بشكل يومي على مدار الساعة، حيث يتمّ تحريك القوى بأمر من مديرية العمليات.
 

توقيف الأشخاص
• تُطرح أسئلة كثيرة، لماذا أوقف الجيش أشخاصًا هنا ولم يوقف أحدًا هناك؟
- كل من يرتكب مخالفة أو جرمًا على الأراضي اللبنانية يُلقى القبض عليه فورًا، تتمّ متابعة وضعه وتوقيفه في ما بعد. وبحسب بيانات مديرية التوجيه، فقد تمّ توقيف كل من أقدموا على قطع طريق دولية، أو افتعال أعمال شغب، أو التعدّي على الأملاك العامة والخاصة وارتكاب أعمال التكسير والتخريب، والتعرّض للعسكريين في أثناء محاولتهم فتح الطريق لتسهيل حرية التنقّل...
في هذا السياق، نميّز بين موقفَين: الأول حين تواجه القوى طرفًا واحدًا يرفض الانصياع لأوامرها، والثاني حين يكون هناك جمهوران متواجهان، يعتدي الواحد منهما على الآخر.
في الحالة الأولى يمكننا التدخل والتوقيف، وهنا ننصح الأفراد بعدم مقاومة التوقيف لأنّ ذلك يحتّم استخدام القوة من قبل القوى للسيطرة على الوضع، وإذا شكّل الشخص خطرًا قاتلًا على القوة التي تقوم بتوقيفه، يمكنها الرد بالمثل وفق المعايير الدولية.
أمّا في الحالة الثانية حين تكون المواجهة بين جمهورَين، يكون تركيز قائد القوى الأمنية على الفصل بينهما (سد فاصل) وبالتالي أي عملية توقيف خلال الفصل قد تربك الهدف الأساس من العملية ألا وهو وقف الاعتداء وفصل الجمهورَين عن بعضهما البعض. في الحالة الأخيرة تتمّ متابعة الموضوع وتوقيف المخالفين في ما بعد، كما حصل في عدة مناطق (صيدا، الرينغ...).
تجدر الإشارة إلى أنّه حين تُوقف الوحدات العملانية المشاغبين، تسلّمهم للشرطة العسكرية التي تتواصل مع النيابة العامة العسكرية المؤلفة من قضاة عدليين يتخذون القرار المناسب بشأن الموقوفين. وعلى الشرطة العسكرية العمل على تنفيذ إشارة النيابة العامة المذكورة، وبالتالي لا يأخذ الجيش القرار بإطلاق السراح أو الاحتجاز.
في جميع الأحوال نتقيّد بالمعايير الدولية من حيث عدم التمييز بين مواطن وآخر استنادًا إلى الجنس أو النوع أو الوظيفة أو اللون أو الدين أو العرق. ولكن ذلك لا يمنع أنّ الاعتداء على الجيش يشكّل جرمًا، وأنّ المعتدين سيعاقَبون على حدِّ قول قائد الجيش: «كل من مدّ يده على عسكري سيكون حسابه أمام القضاء والعدالة مهما طال الزمن».

 

المناقبية والمهنية
• من المعلوم أنّ العسكري مُعدّ لمقاومة عدو وإرهاب وحماية حدود، فما هي أهمية إعداده لتنفيذ مهمات حفظ أمن وخصوصًا في وجه أهله؟
- التعامل مع التجمعات يحتاج إلى التدريب بالإضافة إلى المناقبية والشعور المهني، وجيشنا مناقبي ومدرك تمامًا أنّه يقف اليوم أمام أهله.
إنّ الجيوش بشكلٍ عام تواجه صعوبات في التعامل مع التجمعات على عدة مستويات منها: التجهيزات، التكتيكات، والتدريب، كون الوحدات العسكرية تُعد لمواجهة عدو. لذلك، وبسبب الصلاحيات الخطيرة التي كُلّف بها الجيش خلال عمليات حفظ الأمن، ارتفع مستوى التدريب في مجال استخدام القوة خلال عمليات حفظ الأمن، وكيفية التعامل مع التجمعات والفئات المُستضعفة مثل اللاجئين والنساء والأولاد. وفي هذا الإطار، ومنذ حوالى ثلاث سنوات، تمّ تكثيف التدريب على استخدام القوة خلال عمليات حفظ الأمن لما تشكله من خطر على حياة المدنيين. فقد تابع مثلًا حوالى ٦٠ ضابطًا دورات في نقابة المحامين- معهد حقوق الإنسان، ومع منظمات غير حكومية كاللجنة الدولية للصليب الأحمر- بعثة بيروت، ويتمّ التدريب سنويًا في هذا المجال، وكذلك مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان ولشؤون اللاجئين...
أؤكد أنّ التدريب مستمر وخصوصًا للضباط الذين هم على تماس مع المواطنين على الأرض، كما تقوم كل قطعة بتدريب عسكرييها على مدوّنة السلوك بصورة دورية.

 

ثناء دولي
• شاهدنا احتجاجات وتحركات في عدة دول قوبِلَت بممارسات عنيفة من قبل القوى الأمنية، حتى في أوروبا، ففي فرنسا مثلًا سُجِّل فقدان ١٥ متظاهرًا لإحدى عينيهم بالرصاص المطاطي خلال العام المنصرم. لماذا تُثار الضجة في لبنان في حين تقوم القوى الأمنية بواجبها وتُواجَه بالعنف؟
- الانتقادات الموجّهة ضد الجيش والقوى الأمنية حول حقوق الإنسان هي لأهداف معينة ولم نتلقَّ أي انتقاد من أي منظمة دولية، أو أي تأكيد على حصول انتهاكات.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ المنظمات الدولية التي تُعنى بحقوق الإنسـان تبحـث عادة عن أي انتهاك يحصل مهما كان صغيرًا وتعتبـر عـدم حصولـه هـو مـن واجبـات القـوى الأمنيـة. ولكن المفارقة هي أنّه بعد ستة أسابيع من الاحتجاجات وتعامل الجيش مع المتظاهرين، صدر عن السيدة رويدا الحاج، الممثلة الإقليمية للمفوضية السامية لحقوق الإنسان- مكتب أفريقيا والشرق الأوسط، بيان أثنت فيه على دور الجيش والقوى الأمنية بحفظ أمن المتظاهرين والتعاطي معهم بسلمية «في إطار الضرورة والتناسب، وهما جوهر أداء أجهزة إنفاذ القانون».
كذلك، وصلنا كتاب من ٧ مقرّرين خاصّين في الأمم المتحدة يتضمّن أسئلة حول مزاعم مستقاة من مصادر إعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي. لم يستند الكتاب إلى «تقييم غير منحاز للوقائع» كما تنص الفقرة أ من المادة ٣ من مدوّنة قواعد السلوك الخاصة بالمقررين الخاصين (التي أوجبت حصولهم على معلومات من «مصادر موثوقة» بعد أن يتمّ التأكد من صحتها على أعلى درجة ممكنة)، وكذلك المادة السادسة منه التي نصت على عدم جواز الاعتماد بشكلٍ حصري على التقارير الإعلامية. وعلى الرغم من هذه الأخطاء الشكلية بالبيان، فقد تضمّن الكتاب عبارة تقول: «القوى الأمنية تعاطت مع المتظاهرين على المستوى الواسع بطريقة مسؤولة ومتناسبة»، وهذا هو المطلوب وفق المعايير الدولية ذات الصلة.

 

من الشعب وللشعب
الجيش هو من الشعب وللشعب، كان وما زال وسيبقى دائمًا المدافع الأول عن حقوقه وحرياته، يحميها ويضمن تطبيقها. ولكنّه لم ولن يتهاون مع أي انتهاك أو مخالفة تحت غطاء الحريات...
لم ولن يسمح بالاعتداء لا على المتظاهرين، ولا على التظاهرات المقابلة أو أمن المواطنين الذين لا يشاركون في التجمعات. كما سيبقى مظلة الأمان التي يلجأ إليها اللبنانيون بجميع أطيافهم وانتماءاتهم، و«لن تثنينا الشائعات ولا حملات التجنّي والتخوين عن المضي قدمًا في مسيرة الشرف والتضحية والوفاء، متسلّحين بمحبة شعبنا وثقته بنا».

 

- 13 ضابطًا و241 رتيبًا وفردًا هو عدد العسكريين المصابين خلال عمليات حفظ الأمن  بين 17 /10 /2019 و19 /1 /2020.

- 483 جريحًا لقوى الأمن الداخلي، و١٠٠ أُصيبوا في 18 و19/1/2020، أي ثلث عديد فرقة مكافحة الشغب، فيما بلغ عدد الجرحى المدنيين 453، أي أقل من جرحى القوى الأمنية.

- 268 موقوفًا مدنيًا لدى الجيش و353 ل- دى قوى الأمن الداخلي، في الفترة المذكورة أعلاه.

- ٧١ آلية للجيش و70 لقوى الأمن الداخلي تضرّرت بين 17 /10 /2019 و19 / 1 /2020.

 

قضايا وأحكام
أعطت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الحق لقوات الأمن في العديد من القضايا التي اشتهرت في العالم، يُذكر منها:
- قضية جولياني وغاجيو ضد الدولة الإيطالية (٢٠٠١): خلال الاحتجاج في جينوا ضد قمة الثمانية والعولمة، صدّت القوى الأمنية المتظاهرين بعنف وقُتل شخصان. قدّم أهلهما دعوى ضد الحكومة الإيطالية أمام محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، وقالت المحكمة إنّ منع القوى الأمنية من القتل لا ينطبق مع المادة الثانية من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تعطيهم الحق بذلك في حالات معينة، وبالتالي ردّت الدعوى مع عدم الموافقة على تقييد القوى الأمنية.
- قضية أوتمان ضد تركيا (٢٠٠٦): حين اعترض مدنيون على خطط بناء سجن، فعطّلوا حركة المرور أمام مدرسة وفرّقتهم القوات التركية بالقوة. قدّم هؤلاء شكوى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فخلُصت المحكمة إلى إعطاء الحق للقوى الأمنية قائلةً إنّ تعطيل السير لمدة طويلة في المكان نفسه مضرّ بمصالح المواطنين.