ناس وحقوق

حماية النساء من العنف الأسري
إعداد: جان دارك أبي ياغي

لا تترددي في طلب المساعدة...


تعرّض المرأة للعنف الأسري ظاهرة باتت معالمها أكثر وضوحًا، وفي موازاة تنامي نسبة الجرأة لدى النساء لكشف ما يتعرّض له، تنشط الجمعيات الأهليّة العاملة في مجال حقوق الإنسان لمكافحة هذه الظاهرة المعيبة، ونشاطها يلتقي مع جهود مؤسسات رسميّة وقضائيّة. لكن في النهاية، الخطوة الأولى لا بدّ أن تخطوها الضحية نفسها. فلا تسكت عن عنف تتعرّض له سواء كان جسديًا أو معنويًا...

 

«إذا مهدّدي ما تتردّدي... اتّصلي على 112»
منذ تأسيسها، عملت منظمة «كفى عنف واستغلال» على إطلاق حملة الـ16 يومًا لمكافحة العنف ضد المرأة، وهي حملة سنوية تبدأ في 25 تشرين الثاني (اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة) وتنتهي في 10 كانون الأول  (اليوم العالمي لحقوق الإنسان). ولكن حملة هذه السنة اكتسبت أهمية خاصة، إذ أنها شكلت إحدى المحطات الأساسية في مسيرة المنظمة لمكافحة العنف ضد النساء؛ فللمرّة الأولى تطلق هذه الحملة، التي أرادتها بعنوان «إذا مهدّدي ما تتردّدي، اتّصلي على112»، بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي، وهذا ما تعتبره تطورًا ملموسًا يعكس قناعة مكتسبة بضرورة مكافحة ظاهرة العنف الأسري، وبالأخص حماية النساء من العنف الحاصل في إطار الأسرة.
في هذا الإطار تقول مديرة «كفى» السيدة زويا روحانا: «نحن نعي بأنه مهما بذلت الجمعيات والمنظمات المدنية من جهود لمكافحة هذه الظاهرة، لن تتمكّن من إحداث تغيير نوعي على مستوى السلوك الفردي والجماعي تجاه ظاهرة العنف، ما لم تُرسم خطط وسياسات عامة من قبل الأجهزة الرسمية المعنية وتُوضع موضع التنفيذ. من أجل ذلك عملنا ومنذ ما يقارب الست سنوات على إقرار مشروع قانون لحماية النساء من العنف الأسري، ولكننا مع الأسف لم نتمكّن لغاية الآن من بلوغ مرحلة إقراره الأخيرة، ومن أجل ذلك، خضنا غمار هذه التجربة مع قوى الأمن الداخلي».

 

أهم إنجازات التعاون بين مؤسسة «كفى» ومديرية قوى الأمن الداخلي
- إنتاج بطاقة تعليمية حول العنف الأسري وأخرى حول مهارات التواصل تم اعتمادهما في معهد قوى الأمن في الوروار.
- إعداد دليل تدريب مدرِّبين حول مضمون البطاقتين المذكورتين.
- إصدار المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي مذكرة خدمة بتاريخ 20\5\2013 حول «أصول التخاطب والتعاطي من قبل العناصر المعنيين في ما خصّ شكاوى العنف الأسري».
- إصدار تعميم عن النيابة العامة التمييزية بتحويل شكاوى العنف الأسري إلى المفارز القضائية بدل الفصائل والمخافر.
- تجهيز المفارز القضائية بغرف تحقيق لائقة مع أسرّة للكشف الطبي السليم.
- تدريب 175 عنصرًا من المفارز القضائية وغرف العمليات، ولا تزال التدريبات مستمرة حتى تطال جميع عناصر المفارز القضائية.

 

بين المسموح والممنوع!
كيف يمكن أن «نقبل بأن تُطبَّق قرارات الحماية التي وُضعت وفق حاجات النساء على جميع أفراد الأسرة من دون دراسة حاجات هؤلاء، وهل أن الرجل فعلًا بحاجة إلى مثل هذه الإجراءات الحمائية، في ظلّ النظام القانوني والإجتماعي القائم الذي يحميه ليس فقط في حال تعرّضه للعنف، بل ويحميه أيضًا في حال ارتكابه للعنف بحقّ النساء في الأسرة؟».
كيف يمكن «أن نقبل بقانون يفرض حصانة على حقوق الرجل فقط لأنه رجل؟ ففي كل الدول التي تجرّم العنف الأسري يتمّ منع الرجل المعنِّف من الاعتناء بالأولاد إلا في لبنان... حيث ارتكاب الرجل للعنف ليس سببًا لأن يشمل قرار الحماية الأطفال مع والدتهم طالما أنهم ليسوا في سن حضانة يسمح لها باصطحابهم؟».
ما سبق يختصر أبرز الاعتراضات على القانون الذي يرفض تخصيص النساء بالحماية. ويقول المعترضون إذا كان في الأسرة أفراد آخرون يحتاجون إلى الحماية، فليجتهد نواب الأمّة لصياغة مشاريع قوانين تتناسب مع خصوصيّة هؤلاء الأفراد؛ لكننا لن نقبل بقانون لا يعترف بالعنف المُمارَس على النساء لأنّهن نساء، ويشرّع الاغتصاب الزوجي تحت مسمّى «الحقوق الزوجية»؛ ولا يشدّد العقوبات على كل الجرائم المنصوص عنها في قانون العقوبات والتي يمكن أن تُرتكب داخل الأسرة؛ ويمنع على المرأة حماية أطفالها إلا في حال كانوا في سنّ حضانتها.

 

التعديلات المقترحة
أبرز التعديلات التي يتمسك التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري بإدخالها في مشروع القانون لتأمين الحماية الفعلية للنساء، تتضمن ما يأتي:
1- المادة 2 في تعريف «العنف الأسري» إضافة جملة: «وفي قانون العقوبات».
إن النص الحالي كما أقر في مجلس النواب لا يشمل جميع الجرائم المنصوص عنها في قانون العقوبات، على سبيل المثال: الضرب والإيذاء، حجز الحرية، التهديد... وهي أكثر أشكال العنف التي تتعرض لها النساء في إطار الأسرة. إضافة الى أن المادة 3 من القانون الذي أقر ركزت على أشكال العنف الجنسي مثل الحض على الفجور وممارسة الدعارة، والتسول الذي حصرته فقط بالقاصر.
2- إضافة فقرة في نهاية المادة 3 تتضمن الآتي:
«تشدد عقوبات الجرائم المنصوص عنها في قانون العقوبات وغير الملحوظة في هذا القانون، وفق أحكام المادة 752 عندما ترتكب داخل الأسرة، ولا يستفيد المحكوم عليه من الأحكام المنصوص عنها في المادة /426/ من قانون العقوبات».
3- إلغاء الفقرة 7 من المادة 3 بجزأيها (أ- ب). على أن يتم تعديل المادة 303 من قانون العقوبات لتجريم إكراه الزوجة على الجماع.
4- تخصيص الشق الخاص للحماية بالنساء، عن طريق إضافة ما يلي:
«يخصص هذا القسم في القانون لحماية النساء ضحايا العنف الأسري» (المواد: 11، 12، 13، 14، 15، 16، 17).
5- إلغاء الجملة الأخيرة من المادة 2 لكي تشمل الحماية جميع أطفال الضحية بغض النظر عن سن الحضانة.
6- إعطاء الصلاحية بإصدار قرار الحماية للنيابة العامة وذلك من خلال إضافة جملة «يقدم طلب الحماية إلى المحامي العام المكلف بالنظر في قضايا العنف الأسري في كل محافظة، كما يمكن أن...» (مقدمة المادة 3).
 
بين النص والتطبيق

اللافت في هذا الموضوع، صدور قرار قضائي استنادًا إلى قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة إزاء العنف الأسري، يحظى بأهمية بالغة، ليس لأنه القرار الأول بعد صدور هذا القانون، بل أيضًا لأنه تضمن اجتهادًا يرمي إلى استكمال أحكامه وإلى تصحيح أبرز الشوائب الواردة فيه، وفي مقدمها تعريف العنف الذي يشمله القانون.
ففي تاريخ 31/5/2014، صدر أول القرارات القضائية على أساس قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة إزاء العنف الأسري. وعند قراءة حيثيات هذا القرار، سرعان ما نتبيّن أن قاضي الأمور المستعجلة في بيروت (جاد معلوف) لم يكتف بتطبيق أحكام القانون، بل مارس فضلًا عن ذلك دورًا رياديًا أدى إلى استكمال أحكامه وإلى تصحيح أبرز الشوائب الواردة فيه، وفي مقدمها تعريف العنف الذي يشمله القانون.
فهذا العنف لا يقتصر على حالات العنف التي خصها القانون بالذكر في مادته الثانية بل يشمل حسبما جاء في القرار، تبعًا لتفسير هذه المادة، حالات أخرى لم يذكر القانون أيًا منها، أهمها حالات العنف المعنوي، ككيل الشتائم والتحقير، والاستيلاء على الأوراق الثبوتية والهاتف الخلوي ومنع الخروج من المنزل...إلخ.
ومن هذه الزاوية، جاء القرار القضائي ليقلب تعريف العنف رأسًا على عقب، وتاليًا ليكون بمثابة رسالة مطمئنة إلى الهيئات النسائية والنساء والرأي العام بشأن قدرة القضاء على الإستجابة لعدد كبير من التحفظات أو المخاوف إزاء مدى فاعلية هذا القانون في حماية المرأة. وهي رسالة تلتقي في عمقها مع الرسائل التي كان قضاة وجّهوها قبل صدور القانون من خلال إعلان سلسلة من المبادئ، كمبدأ سلامة الانسان فوق كل اعتبار، أو المواقف كإعلان التمسك بحماية النساء من العنف المعنوي، أو واجب القضاء بالاجتهاد لتأمين حماية فعلية في هذا المجال.
وبالعودة الى تفاصيل القضية، قدمت المستدعية الى قاضي الأمور المستعجلة طلب حماية إزاء العنف الزوجي الذي تتعرض له، لها ولابنتها الرضيعة (8 أشهر). وكان ممثل النيابة العامة في بيروت بلال ضناوي قد أصدر، بناءً على تحقيقات الشرطة، قرارًا بتوقيف الزوج، وذلك على خلفية تعرّضه لزوجته بالضرب والإيذاء ومحاولة القتل والتهديد به، وتم إعلامها بإمكان تقديم طلب حماية. وقد تبين لاحقًا لقاضي الأمور المستعجلة أثناء استماعه إلى المستدعية وإلى شقيق زوجها أن هذا الأخير كان يقدم، فضلًا عما تقدم، على تعنيفها كلاميًا ويمنعها من الخروج من المنزل إلا لبضع ساعات في الشهر. كذلك استعاد القاضي في قراره ما جاء في طلب الحماية لجهة واقعتي استيلاء الزوج على أوراقها الثبوتية وهاتفها الخلوي.

 

استكمال لائحة تدابير الحماية وتوسيعها
لم يقتصر دور القاضي الريادي على إعادة تعريف العنف الأسري، بل تناول أيضًا لائحة تدابير الحماية. فقد سعى إلى إضافة تدابير حماية قد تكون ضرورية إلى لائحة التدابير التي نصت عليها المادة 14 من القانون، التي استند اليها طلب الحماية، بعدما ذكر أن دوره الحمائي يسمح له باتخاذ تدابير حماية بموجب صلاحياته العامة المنصوص عنها في المادة 579 أصول محاكمات مدنية.
واللافت أن القاضي لم يكتف بذلك، بل أخضع أي مخالفة لهذه التدابير المبتدعة منه للعقوبات الجزائية التي نص عليها قانون الحماية من العنف الأسري، والتي قد تصل إلى سنة حبسًا، على نحو يؤشر إلى أنه تعامل مع لائحة تدابير الحماية المنصوص عنها في القانون، على أنها مجرد لائحة إرشادية تضمنت بنودًا على سبيل المثال وليس الحصر، وأن بإمكانه تطويلها كلما رأى حاجة إلى ذلك. ومن أبرز التدابير التي أضافها القرار في هذا المجال: «تكليف مساعدة اجتماعية بالقيام بزيارات دورية لمنزل المستدعية ولمدة ستة أشهر من صدور القرار، قابلة للتمديد، وذلك كلما دعت الحاجة أو بناءً على اتصال المستدعية لمراقبة حسن تطبيق القرار، على أن يمتنع الزوج عن التعرض لها». وقد علل القاضي ذلك باحتمال ألا تكون المستدعية قادرة على تقديم شكوى عند كل مخالفة للقرار.
أما الأمر الثالث الذي تجلى فيه دور القاضي الريادي، فيتصل بإعلان صلاحيته الشاملة لحماية الأطفال. ففيما اقتصر طلب الحماية المقدم من الزوجة على حمايتها وحماية ابنتها ذات الثمانية أشهر، رأى القاضي أن مطالبته بتدبير حماية تخوله كلما رأى حاجة إلى ذلك أن يوسع نطاق الحماية ليشمل قاصرًا من أفراد الأسرة، حتى ولو لم يشمله طلب الحماية، وذلك سندًا للمادة 12 من القانون التي تنص على استفادة سائر المقيمين مع المرأة المعنية من تدبير الحماية إذا كانوا معرضين للخطر.
وانطلاقًا من ذلك، وسع القاضي تدابير الحماية لتشمل قاصرًا آخر هو ابن الزوج البالغ من العمر عشر سنوات (من امرأة غير المستدعية) بعدما تبين له أنه يتعرض أيضًا للعنف، من خلال إقدام والده على تعنيف زوجته أمامه، «وهو ما يشكل كذلك بحد ذاته عنفًا أسريًا يسبب إيذاءً نفسيًا لأفراد الأسرة المذكورين».