اقتصاد ومال

حول إتفاقية التجارة الحرة بين لبنان والعراق
إعداد: تيريز منصور

عبـــــود: من أهم الإتفاقيات التجارية التي وقّعها لبنان
حبيقـة: الجدوى الإقتصادية الحقيقية بعد رفع العقوبات
يشوعي: الإتفاقيات ضرورية والأهم حماية الإنتاج اللبناني

 

وقّع لبنان والعراق بتاريخ 6 نيسان 2002, إتفاقية لإقامة منطقة التجارة الحرة, على غرار إتفاقيات أخرى وقّعها العراق مع دول في المنطقة كالأردن ومصر وتركيا وسوريا.
وتعتبر هذه الإتفاقية بالغة الأهمية بالنسبة الى لبنان, نظراً الى التاريخ التجاري الهام والمثمر بين البلدين, والى كون الإقتصاد العراقي واحداً من أهم الإقتصادات العربية. فكما هو معروف يتميز العراق بأسواقه الواسعة وثرواته النفطية والمائية وزراعته الممتازة وصناعته المتطورة.
أهم ما تضمنته الإتفاقية, إلغاء جميع الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم الأخرى ذات الأثر المماثل على السلع ذات المنشأ اللبناني أو المنشأ العراقي والمتبادلة بين البلدين, وذلك إعتباراً من تاريخ دخول هذه الإتفاقية حيّز التنفيذ. رغم ذلك, يعتبر بعض الإقتصاديين أنه قد تشوب عملية التطبيق بعض المخاطر, لا سيما من ناحية العقوبات الدولية المفروضة على العراق.
ولا بد من الإشارة هنا, الى أن بعض الصناعيين والتجار اللبنانيين, وقّعوا عقوداً تجارية مع العراق, قبل توقيع لبنان الإتفاقية التجارية معها. وتتجاوز قيمة هذه العقود الـ400 مليون دولار, تم تنفيذ أقل من نصفها, أما الباقي فهو في طور التنفيذ.
لإلقاء الضوء على أهمية هذا الإتفاق التجاري بين لبنان والعراق بالنسبة للإقتصاد اللبناني عموماً والصناعة والزراعة والتجارة خصوصاً, وعلى مستقبل التجارة البينية العربية, ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى, إلتقت مجلة “الجيش” كلاً من رئيس جمعية الصناعيين السيد فادي عبود, وأمين عام غرفة التجارة الدولية الدكتور لويس حبيقة, والإقتصادي الدكتور إيلي يشوعي.


شراكة تاريخية وعلاقات تجارية

أوضـح رئيس جمعيـة الصناعيـين السيـد فادي عبود أن لبنان تاريخياً كان الشريك التجاري الأول للعراق. كما أن السـوق العراقي مهم جداً بالنسبة للصناعة اللبنانية, وهو سوق متعطّش وحاضر, سوق تربطه علاقة حـب مع التاجر والصناعي والزراعـي اللبناني, لا سيما وأن البضائع والمنـتوجات ذات الجودة العالمية والأسعار المدروسة, تتميز عن سواها من البضائع المنافسة بالنسبة للعراق.
وأضاف: نظراً لأهمية هذا الإتفاق, فلقد أخذنا وعداً من دولة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري, بأن تدرسه اللجان النيابية بأقصر وقت ممكن, وأعتقد أنه سوف يكون على جدول أعمال مجلس النواب في أول جلسة تعقد له.
وهنا أحــب أن أشير من ناحية أخرى, الى أن جمعية الصناعيين تدرس اليوم إمكانية فتح سوق للبيـع المباشر في المنطقة الحـرة في العراق. كما تحاول إيجاد سبل معينة للحصول على نفط عراقي (بنزين ومازوت) بأسعار جيدة لإستخدامه في مصانعنا, بغية تخفيض كلفة الإنتاج, خصوصاً وأن هناك عشرة ملايين دولار هبة من الشعب العراقي في هذا المجال.

 

معوقات التطبيق

* تشكك بعض الآراء الإقتصادية بجدوى الإتفاقات العربية ­ اللبنانية, سيما وأن لبنان يواجه عوائق أثناء التطبيق. وترى أن ثمة مخاطر تجارية قد تهدد الإتفاق التجاري العراقي, مثلاً كتعرض العراق لضربة أميركية, فما هو ردكم؟
­ بالنسبة لموضوع التشكيك بأهمية الإتفاقات التجارية العربية, قد يكون فيه جزء من الحقيقة, خصوصاً وأن هناك شوائب في التنفيذ سببها أحياناً عدم الوضوح.
فنسبة التصدير من لبنان الى مصر مثلاً انخفضت بعد مـرور سنة على توقيع الإتفاق التجاري معها نتيـجة للعوائـق غير الجمـركية. فالإتفـاق يسمـح للمنتجات البلاستيكيـة بالدخـول الى مصر, ولكن بعد وصولها توضع المواصفات التي لا علاقة لها بالمواصفات العالمية, عندئذ يمنع دخولها الى الأسواق المصرية. أما الخضار والفواكه المصرية فتدخل الأسواق اللبنانية من دون أية عوائق تذكر. ولكن هذا لا يعني أن الإتفاقات العربية هي حبر على ورق.
وهنا تتمنى جمعية الصناعيـين اللبنانيـين على الدول العربية كافة عدم عرقــلة تنفيــذ الإتفاقات التجاريـة, لأن هكذا أسالـيـب لن توصل الصناعـة العربية الى صنــاعة حديثـة متطورة ومنافسـة في العالم العـربي. وعــدم فتح الأسواق قد يضـر بالجودة وبنوعية المنتجات.

 

منطقة التجارة الحرة العربية

* ماذا عن إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى, وهل ترى لها مستقبلاً اليوم؟
­ لقد تم إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبـرى في العام 1998, وأصبحت نسبة حسومات الرسوم الجمركية بمعدل 50 في المئة في مختلف الدول العربية الأعضاء, علماً أنها تنخفض تدريجياً, أي بمعدل 10 في المئة كل عام لإلغائها نهائياً في العام 2005, ولكن هناك مشاكل وعوائق في عمليات التنفيذ أيضاً. وتجدر الإشارة هنا الى أننا إختصرنا الوقت في هذا الإتفاق الثنائي مع العراق وألغينا الرسوم الجمركية كافة, بدلاً من الإنتظار للعام 2005 الموعد الزمني للبرنامج التنفيذي, لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.
وأضاف السيد عبود: للأسف الشديد, أن وحدة التجارة العربية سوف تتم من خلال الإتفاقات العربية مع منظمة التجارة العالمية, ومنها إتفاقات الشراكة الأوروبية. مثلاً إذا كان لبنان عضواً في الشراكة الأوروبية وكذلك مصر, فهذه الشراكة تفرض عليهم التعامل مع بعضهم البعض, من خلال سوق مفتوحة ومن خلال شروط واضحة وصريحة لم يلحظها إتفاق التجارة الحرة العربية. وعند المخالفة, فهناك محكمة مختصة يمكن اللجوء إليها والمثول أمامها.
وتجـدر الإشارة الى أن الدول العربية التي لم توقـع الشراكة ولم تنضم الى منظمة التجارة العالمية (W.T.O.), هي في طريقها الى ذلك, وهذا سيحتم عليها طبعاً إعتماد آليات للتعاون في ما بينها ويفرض مبدأ الشفافية والتنافس كأساس في الإقتصاد.

 

تحرير تجارة الخدمات

* يعتبر البعض أن هناك تخاذلاً وعدم جدية في الخطوات التي تتخذها الدول العربية في قضية تحرير تجارة الخدمات والتجارة البينية, وبعبارة أوضح في مسألة الإنضمام الى منظمة التجارة العالمية وتوقيع الشراكة الأوروبية؟
­ لن أعتبر المواقف العربية ناتجة عن تخاذل, بل هي ناتجة عن الخوف والجهل, فالثروات الهائلة التي تحققت في العالم العربي, كانت بفضل الإحتكارات. والأنظمة الإقتصادية الموجهة ساعدت رجال الأعمال على المزيد من الربح من خلال منع الغير من إستيراد نفس الصنف.
وطبعاً هذا الواقع العربي موزّع على مستويات عدة, فمثلاً, نجد أن إقتصاد الدول الخليجية مفتوح, ولكن الخليجيين لا يزالون يمارسون لغاية اليوم نوعاً من الوكالات الحصرية (ممنوع على الأجنبي فتح شركة أو التملك...). ومن الصعب جداً على العرب الخروج من هذه الحصريات على أنواعها وأشكالها كافة. لكن إذا بقي العالم العربي متقوقعاً على نفسه, لن تتحسن جودة صناعته, وبالتالي لن يتمكن من الإنفتاح على بعضه البعض وكذلك على الغرب.
ولا بد من الإشــارة الى قضية هامة وهي قضية النقل العربي أو الشحن, إذ ثمة رسوم ترانزيت على قيمة البضائع, وهذا أمرٌ مخالف لكل الإتفاقـات العالمية. فالشحن في العالم العربــي أغلى شحن في العالم, وإرتفـاع تكلفة التجارة من نقل وإتصال وجمارك تعيــق التجارة البينية العربية التي لا تتعدى فـي الأساس 7­8 في المئة, الأمر الذي يعطي أفضلية في العلاقــات التجارية مع أوروبا لدول المغرب الأقرب الى أوروبا من باقي الدول العربية.

 

“صنع في لبنان”

* ما هي أهم المنتجات اللبنانية التي تلاقي رواجاً في الأسواق العراقية؟
­ تفضل الأسواق العراقية كل المنتجات اللبنانية على مثيلاتها العربية وهي ترحب بكل ما يحمل عبارة “صنع في لبنان”. وكما ذكرت فإن هناك علاقات ود وإحترام بين الشعبين العراقي واللبناني, وبالتالي فإن المستهلك العراقي مستعد لشراء سلعة لبنانية مهما كان ثمنها.

 

* علمنا أن بعض الصناعيين والتجار اللبنانيين بادروا قبل توقيع الإتفاق التجاري, الى تصدير منتجاتهم, وكذلك أقامت جمعية الصناعيين معارض متعددة في العراق, فهل هناك إحصاءات تشير الى حجم هذه الأعمال التجارية؟
­ لا بد لنا هنا من التنويه بجهود جمعية الصناعيين بشخص رئيسها السابق جاك صراف الذي قام بمساع حقيقية للتوصل الى الإتفاق التجاري الثنائي هذا. كما أن معلوماتنا تؤكد أن هناك عقوداً وقّعت مع العراق تتجاوز الـ400 مليون دولار, ثم تنفيذ أقل من نصفها, وهي حالياً في طور التنفيذ الكامل.
وعن إمكانية وجود مخاطر من عمليات التبادل التجاري بين لبنان والعراق, أوضح السيد عبود أنه لا الحكومة ولا جمعية الصناعيين تستطيع التدخل في العمليات التجارية, أو إعطاء النصائح للتاجر أو للصناعي عن أصول التجارة والصناعة, فالمسؤولية تقع على عاتقهم, بحيث أنه من الضروري معرفة الذين يتعاطون معهم معرفة جيدة, وكذلك إجراء عمليات حسابية حول الإعتمادات المصرفية المقررة خارج العراق, وحول ما اذا كانت كل المبادئ الأساسية في التجارة العالمية متوفرة...”.
وتوقّع السيد عبود أن يصبح الإتفاق التجاري العراقي اللبناني حيّز التنفيذ في غضون أسابيع قليلة, مؤكداً أنه سوف يكون من أهم الإتفاقات التجارية الحرة التي وقعها لبنان. وتمنى أخيراً على الأجهزة المختصة تسهيل وتسريع عمل المصدّر, وإعتباره مقاوماً, وذلك لكي نتمكن من تنفيذ الوعد الذي قطعناه على أنفسنا أمام فخامة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود, وهو مضاعفة نسبة التصدير من لبنان الى الخارج خلال الثلاث سنوات المقبلة.

 

علاقات تجارية مزدهرة

أمين عام غرفة التجارة الدولية الدكتور لويس حبيقة أكد بدوره “أن العراق دولة تجارية هامة بالنسبة للبنان, والإتفاقية التجارية تعيدنا الى علاقات منتظمة مزدهرة كالسابق, ولكن هذه الإتفاقية لن تحقق جدواها الإقتصادية بالمطلق, إلا بعد إزالة كامل العقوبات الدولية عن العراق”.
وأوضح أن الإقتصاد العراقي يعتبر من أهم الإقتصادات العربية نظراً الى العوامل الآتية:
­- الزراعة الممتازة, نظراً للمساحات الزراعية الشاسعة المتوفرة.
­- اليد العاملة الكفوءة والمتوفرة بأسعار منخفضة.
­- الثروة المائية, فالعراق غني بمياه نهري دجلة والفرات.
­- الجودة العالية للصناعة العراقية.
- ­البترول العراقي.
وبناء لهذه المعطيات يمكن القول أن العراق دولة قادرة ان تكون دولة صناعية متقدمة ومتطورة بإمتياز, إذا توفرت لها الشروط الداخلية والخارجية المناسبة, وبالتالي يمكنها أن تكون دولة عظمى مثل فرنسا وألمانيا...
وأضاف الدكتور حبيقة: “لبنان اليوم يوقع إتفاقاً مع دولة ذات علاقات تجارية هامة وذات مستقبل واعد. ويعتبر هذا الإتفاق التجاري, بمثابة الخطوة الأولى ولكنها ليست كافية, على أن تتبعها خطوات أخرى بين الدول العربية.
إن طموحات لبنان كبيرة ولكن أسواقه صغيرة, وهكذا فإن أسواق العراق الكبيرة والواسعة سوف توفر للصناعة اللبنانية الفرصة النادرة لتصدير الإنتاج”.
واستبعد حبيقة وجود أي مخاطر قد تواجه التاجر اللبناني من خلال تطبيق هذا الإتفاق التجاري, لا سيما وأن لبنان لن يفتح المصانع ويؤسس الشركات التجارية في العراق, بل أنه سيكتفي بالتصدير, علماً أن المخاطر التجارية موجودة في مختلف أنحاء العالم.
وعن مستقبل منطقة التجارة الحرة العربية قال: “سوف يتم إستكمال إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في 2005 كما أعلنت القمة العربية التي عقدت في بيروت, ولكنني أرى أن بعض الدول العربية غير جادة بالتحضير. وأعتقد أن عملية السلام في الشرق الأوسط سوف تؤخر عملية التطبيق.
وتجدر الإشارة هنا الى أن الموارد العربية لا تستثمر كما يجب في الإقتصاد, بل تستثمر في مواجهة المخاطر التي تهدد الدول العربية.
وبالتالي فإن التحضير الإقتصادي لن يكون بالشكل السريع الذي نتوخاه, لأن ذلك يتطلب أجواء سياسية مريحة في المنطقة.
ويمكنني القول أخيراً أن العراق دولة تخيف إسرائيل, إقتصادياً وعسكرياً... كما وأن الشعب العراقي نشيط ومجتهد ويقدر التجار والصناعيين اللبنانيين. ولقد قام اللبنانيون بعمليات تصدير كبيرة وبأرقام خيالية في الفترة الأخيرة الى العراق”.

 

الأهم حماية الإنتاج المحلي

من جهته إعتبر الإقتصادي الدكتور إيلي يشوعي أن وجود الإتفاقات العربية أفضل بكثير من غيابها. ولكن مشكلة هذه الإتفاقات أن بعضها يبقى حبراً على ورق, سيما وأنها تواجه عقبات كثيرة وكبيرة عند التطبيق, كما أن بعضها الآخر لا يتم إحترامه.
وإعـتبر أن الإتــفاق التجـاري الذي وقّـعه لبـنـان مـع دولـة العراق مهـم جـداً, نظـراً لأهمية التصديـر بالنسـبة للإنتـاج المحلي, ولكن عملـية التصدير الـى العراق تشوبها مخاطـر خصوصاً لجـهـة إمكانيـة أو إحتـمال ضرب الولايـات المتحـدة للـعـراق.
ورأى أن إلغاء الحماية أو تحرير التجارة ليس مهماً اليوم في لبنان, بل الأهم هو حماية الإنتاج المحلي من السلع الإغراقية (السلع التي يتم بيعها بأقل من كلفة إنتاجها), ولفت الى أنه لا مستقبل لمنطقة التجارة الحرة العربية, سيما وأن الكلام عنها بدأ منذ العام 1997, وما زالت التجارة العربية البينية لغاية اليوم ضعيفة.