تحت الضوء

خبز.. وملح
إعداد: جورج علم

بين لبنان.. وأنطونيو غوتيريز

 

خابز لبنان، ومالحه، تنسّم هواءه، وغبّ من مياهه، تعرّف إلى أهله، تفقّد ساحله، وجبله، وسهله، خاض في عاصمته مباحثات، تحسس الأوزار الضاغطة التي يلقي بها النازح السوري على كاهل المواطن اللبناني.
إنه الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريز، الذي وصل إلى بيروت قبل سنوات كمفوضٍ سامٍ للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأجرى محادثات مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وزار عرسال، وعقد مؤتمرًا صحفيًا في مخيّم للنازحين.
اختير لمهمة إنسانية صعبة، من عناوينها معالجة ملف اللجوء الذي يقلق واشنطن، ويربك العواصم الأوروبية، ويتلاعب بميزان الاستقرار في العديد من دول العالم.
جاء من المنصب الرفيع إلى المنصب الأرفع. اختاره مجلس الأمن، أمينًا عامًا للأمم المتحدة، خلفًا للمنتهية ولايته بان كي مون. إنه التاسع الذي يعتلي عرش المنظمة الدوليّة، والرابع من أوروبا.


المتنافسون... و«مراسم» الاختيار
يشغل منصبه الجديد اعتبارًا من أول كانون الثاني 2017 لمدّة 5 سنوات قابلة للتجديد، بعدما وافقت عليه الجمعيّة العامة للمنظمة الدوليّة، وأقرّت بالإجماع توصية من مجلس الأمن بتعيينه.
وتنص المادة 97 من ميثاق الأمم المتحدة على أن «يكون للهيئة أمانة عامة تشمل أمينًا عامًا، ومن تحتاجهم الهيئة من الموظفين. وتعيّن الجمعية العامة الأمين العام بناءً على توصية مجلس الأمن. والأمين العام هو الموظف الإداري الأرفع في الهيئة».
وكان مجلس الأمن قد عقد منذ أيار الماضي جولات من الاقتراع السرّي لاختيار واحد من 10 مرشحين تنافسوا على المنصب، هم بالإضافة إلى غوتيريز، وزير الخارجية السلوفاكي ميروسلاف لاجاك، والمديرة العامة لليونيسكو البلغارية إيرينا بوكوفا، ووزيرة خارجية الإرجنتين سوزانا مالكورا، ومسؤولة المناخ سابقًا في الأمم المتحدة كريستينا فيغيريس (كوستاريكا)، ووزير خارجية ماكدونيا السابق سرغان كريم، ووزيرة خارجية مولدوفيا سابقًا ناتالي غيرمان، ورئيسة البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة، رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة هيلين كلارك، ووزير خارجية صربيا السابق فوك برميتش، ورئيس سلوفينيا السابق دانيلو تورك. وقد حظي أنطونيو غوتيريز بدعم 11 عضوًا من أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وغير الدائمين.
تتم عملية الاقتراع السريّة بأن يمرر إسم كل مرشّح على جميع الأعضاء في مجلس الأمن، ويضع كل عضو أمام الإسم عبارة «أشجّع» أو «لا أشجّع». ويمكن ألاّ يضع أيهما، ويحتفظ برأيه.
وحسب القواعد المتبعة في مجلس الأمن، يقوم رئيس المجلس بإبلاغ نتائج التصويت السرّي فقط إلى الدول التي رشحت مواطنيها لمنصب الأمين العام، أما رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فيتم تبليغه بأن الاقتراع قد حصل من دون تزويده النتائج. وهذا ما أثار حفيظة رئيس الجمعية العامة، موغنس ليكيتوفت على ما وصفه بتصرف مجلس الأمن «بطريقة خالية من الشفافية والانفتاح، ولا تضيف أي قيمة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة».

 

«ثورة القرنفل»
ولد أنطونيو مانويل دي أوليفيرا غوتيريز يوم 30 نيسان من العام 1949 في العاصمة البرتغالية لشبونة، وهو سياسي، وديبلوماسي لبق، دولي الإهتمام، ويلمّ بعدة لغات.
تزوّج في العام 1972 من لويزا غيمارايز إي ميلو التي توفيت في العام 1998، فتزوج  مجددًا في العام 2001 من كاتارينا فاز بينتو، وهو أب لولد وبنت.
في مرحلة الدراسة الجامعية، درس الفيزياء والهندسة الكهربائيّة، في المعهد العالي للتكنولوجيا التابع لجامعة لشبونة، وتولى بعد التخرج (1971) التدريس فيه برتبة أستاذ مساعد.
بعد ثلاث سنوات، وإبّان فترة مثيرة وحاسمة في تاريخ البرتغال كانت خلالها الديكتاتوريّة تعيش أيامها الأخيرة، شقّ المهندس الشاب طريقه في عالم السياسة عندما انضمّ إلى صفوف الحزب الاشتراكي الديموقراطي (1974). استهوته السياسة فتخلّى عن الهندسة، والتدريس الجامعي، وتفرّغ تمامًا للعمل السياسي الحزبي. وكان إبّان «ثورة القرنفل» من الشبّان الناشطين بقوّة في عمليّة إعادة تنظيم الحزب الاشتراكي. وقد تدرّج في المواقع الحزبيّة، وبسرعة دخل البرلمان نائبًا اشتراكيًّا عن إحدى دوائر لشبونة، ثم دائرة كاستيلو برانكو في وسط البرتغال، والتي احتفظ بمقعد فيها بين 1976 و1995.
في العام 1988، خلف جورج سمبايو في رئاسة الكتلة البرلمانية للحزب، وفي الـ1992 أصبح أمينًا عامًا للحزب، وزعيمًا للمعارضة في مواجهة أنيبال كافاكو سيلفا، رئيس الوزراء اليميني، زعيم الحزب الديموقراطي الإجتماعي الحاكم، كما اختير أمينًا عامًا لـ«الاشتراكيّة الدوليّة»، التجمع الذي يضم معظم الأحزاب الاشتراكيّة في العالم.
وفي أعقاب تقاعد رئيس الوزراء كافاكو سيلفا، نجح الحزب الاشتراكي بقيادة أمينه العام غوتيريز في الفوز بالانتخابات العامة، متغلّبًا على الديموقراطييّن الاجتماعييّن، وتولّى رئاسة الحكومة. وبفضل شعبيته العريضة تمكّن من قيادة الاشتراكييّن إلى انتصار انتخابي آخر في الـ1999، وخلال العام 2000 تولّى رئاسة «مجلس أوروبا».
بدأت شعبية الاشتراكييّن تذوي في ما بعد تحت وطأة الخلافات والانقسامات، وتداعيات هزيمة الحزب في الانتخابات البلديّة، وبعدما حلّ سمبايو، الذي كان رئيسًا للجمهورية يومذاك البرلمان، ودعا إلى انتخابات عامة جديدة، كان غوتيريز قد ترك قيادة الحزب التي تولاّها إدواردو فيرو رودريغيز، وقرر هجر السياسة المحليّة في البرتغال، ليتفرّغ إلى نشاطه في «الاشتراكيّة الدوليّة» التي تولّى رئاستها حتى العام 2005.
انتخب غوتيريز في أيار 2005 مفوّضًا ساميًا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، وأشرف خلال فترة ولايته على عملية الإصلاح الهيكلي داخل المفوضيّة التي يبلغ عدد موظفيها نحو 10 آلاف، يتوزعون في 125 دولة. وشملت العملية تخفيض عدد الموظفين في مقرّها في مدينة جنيف (سويسرا) بنسبة تزيد عن 20 في المئة، وزيادة قدرة المفوضيّة على الاستجابة للطوارىء، ومنذ ذلك الحين، أهّله نشاطه وتفانيه في مشروعات الإغاثة الدولية (كان الكثير منها في العالم العربي تحت وطأة محنة اللجوء من العراق وسوريا، وعبر المتوسط من شمال إفريقيا)، ناهيك عن شبكة علاقاته السياسيّة والاجتماعيّة الدولية على أعلى المستويات، لخوض معركة خلافة بان كي مون في الأمانة العامة للمنظمة الدوليّة.
 

لبنان
عرف غوتيريز لبنان عن كثب، قادته مآسي العراق إلى القيام بجولة في شباط 2008 شملت الأردن، وسوريا والعراق، وكان يومها على رأس المفوضيّة، حيث اطّلع ميدانيّا على أوضاع النازحين، ووجه من بغداد «تحية إكبار وتقدير للشعب اللبناني، وللحكومة اللبنانية على استضافتهما أكثر من 50 ألف نازح عراقي، وتدبير شؤونهم، ومساعدة من يرغب في الإنتقال إلى بلد آخر». وأطلق يومها شعار:«لبنان مساحة حماية للاجئين».
في حزيران 2013، زار بيروت، وأمضى فيها يومين، أجرى خلالها محادثات مكثّفة مع رئيس الحكومة آنذاك - الرئيس نجيب ميقاتي. واختتم زيارته بمؤتمر صحفي في السرايا عبّر فيه مستهلّه باسم الأمم المتّحدة، عن التقدير العميق للدعم السخي الذي يوفّره الشعب اللبناني، والسلطات اللبنانية للعديد من النازحين السورييّن الذين فرّوا إلى لبنان بحثًا عن أمــان فقــدوه في بلدهــم.
وأضاف: «نحن على علم بحجم تداعيات هذا الوجود الكثيف على الاقتصاد اللبناني، والمجتمع اللبناني، والتنافس على فرص العمل، وعلى الحصول على مأوى، والمشكلات الكبرى في ما يتعلّق بالبنى التحتيّة، كما أنّ المدارس، والمراكز الطبّية مكتظّة، ونحن على علم بالتضحيات الكبرى التي يقدّمها الشعب اللبناني، الأمر الذي يزيد من تقديرنا له، ويحضّنا على مطالبة المجتمع الدولي بتقديم المزيد من الدعم للبنان، وليس فقط للنازحين السورييّن في لبنان، بل للبنان والشعب اللبناني، والمجتمعات اللبنانيّة».
وأكّد أن البنك الدولي عرض تقريرًا مهمًا جدًّا يعترف فيه بتداعيات هذه المأساة على الاقتصاد اللبناني، والمجتمع اللبناني، مضيفًا، أنّه من المهمّ أن يقدّم المجتمع الدولي دعمًا كبيرًا للصندوق الائتماني، وللآليات التي أُنشئت من أجل التعبير عن التضامن الدولي مع لبنان.

 

عرسال
في اليوم الثاني للزيارة، تفقد غوتيريز والوفد المرافق، بلدة عرسال والجوار، وحلّ ضيفًا على مخيّم للنازحين السوريين في البلدة أنشىء بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة. عاين أوضاع من في داخله، واستمع إلى معاناتهم، ومطالبهم، خصوصًا وأن النزوح كان على أشدّه من سوريا باتجاه لبنان. وهو أصرّ يومها على عقد مؤتمر صحفي داخل المخيّم، كررّ خلاله مطالبته المجتمع الدولي بأن يقدّم المزيد، والمزيد من الدعم؟!.

 

فرصة سانحة
رحّبت وزارة الخارجيّة والمغتربين باختيار غوتيريز أمينًا عامًا جديدًا للأمم المتحدة، كون لبنان من بين الأعضاء الذين صوّتوا له. في المقابل، أكّد سفراء «المجموعة الدوليّة لدعم لبنان» بأن اختيار غوتيريز لهذا المنصب الرفيع هو «بمثابة قيمة مضافة للبنان إذا ما عرف اللبنانيون مسؤولين وفعاليات كيفيّة التعاطي معه، لإيجاد الحلول الناجعة لأزمة النزوح وتداعياتها الخطيرة، والتي بدأت ترسم ملامح تغيير ديموغرافي جدّي».


الأمناء العامون السابقون

يحتل غوتيريز الرقم 9 في قائمة من تعاقبوا على منصب الأمانة العامة للأمم المتحدة التي تأسست في العام 1945. والأمناء العامون السابقون هم:
- تريغفي هالفدان لي (النروج): ديبلوماسي، وسياسي، وقيادي نقابي، كان وزير خارجيّة النروج، تولّى منصب الأمانة العامة، بين 2 شباط 1946 و10 تشرين الثاني 1952، وانتهت ولايته بالاستقالة.
- داغ همرشولد (السويد): ديبلوماسي لامع، شغل المنصب ما بين نيسان1952 و18 أيلول 1961، وانتهت ولايته بمقتله في حادث طائرة فوق زامبيا (روديسيا الشمالية في حينه).
- يو ثانت (ميانمار، بورما سابقًا): أكمل فترة همرشولد، وجددت ولايته مرتين، إذ شغل المنصب بين 30 تشرين الثاني1961 و31 كانون الأول 1971، لكنه رفض التجديد مرّة ثالثة. كان أول أمين عام من خارج أوروبا.
- كورت فالدهايم (النمسا): سياسي وديبلوماسي لبق، شغل منصب رئيس النمسا، واتهم بارتكاب جرائم نازيّة في شبابه. شغل المنصب ما بين 1 كانون الثاني 1972 و31 كانون الأول 1981.
- خافيير بيريز دي كوييار (البيرو): سياسي وديبلوماسي، كان أول أمين عام من القارة الأميركيّة، وأول أمين عام لاتيني، شغل المنصب ما بين 1 كانون الثاني 1982 و31 كانون الأول 1991.
- بطرس بطرس غالي (مصر): أكاديمي وسياسي، كان أول أمين عام من دولة عربيّة، ودولة إفريقيّة، شغل المنصب بين 1 كانون الثاني 1992 و31 كانون الأول 1996، ولم تجدد ولايته بسبب معارضة الولايات المتحدة له.
- كوفي أنان (غانا): ديبلوماسي وسياسي، كان ثاني أمين عام من إفريقيا (بعد غالي)، وشغل المنصب بين 1 كانون الثاني 1997 و31 كانون الأول 2006.
- بان كي مون (كوريا الجنوبيّة): هو أيضًا ديبلوماسي وسياسي، وهو ثاني أمين عام من آسيا بعد يو ثانت، شغل المنصب من 1 كانون الثاني 2007، ولغاية 31 كانون الأول 2016، ليخلفه الأمين العام الجديد غوتيريز (البرتغال).