مشاهدات ملونة

خدمة العلم تجمعهم والمدرسة الحربية تخرّجهم ضباطاً مجندين
إعداد: عبد القادر حمود الأسمر - طرابلس

مهندسون وأطباء وحقوقيون وحملة شهادات في مختلف الإختصاصات

الكتف الى الكتف والهامات عالية والصدور عارمة.............
هذا هو الوطن المنشود مصغّراً

من كل الوطن

مهندسون, أطباء, حقوقيون, وحملة شهادات الماجستير في مختلف الإختصاصات, تقدموا منذ ثلاثة أشهر بشيء من الرهبة والقلق الى مكتب تطوّع الضباط المجندين؛ كثير منهم كان أسير أفـكار وطـروحات, من تيارات وأحزاب ونظـريات متضاربة ومتبايـنة.. وكلهم توجسوا في حينه مشاعر الترقب وإنتـظار الأسابيـع المقـبلة المبهـمة التي سيقضونها في رحاب المدرسة الحربية, مع “زملاء” لهم متنوعي المشارب والإنتماءات.
ولكن... أيام معدودات, أو حتى أقل, هو يوم أو بعض يوم, لتنفرج أسارير الوافدين يتعارفون ويتجاورون في المهاجع وقاعات الطعام وخلال المحاضرات والتدريب, وتزداد الألفة وتهفو المشاعر الى صداقات جديدة ووجوه أليفة في مطهر الوطنية, ولكل منهم حكايته وأحاديثه الحميمة والخاصة لا يطيق احتباسها؛ وتعمر السهرات الأنيسة وتصدح الأجواء بمواهبهم وتتشكل شلل المودة والأنس... هذا هو الوطن المنشود مصغّراً.

 

صهرتهم الدورة

ثلاثة أشهر قضوها يخضعون لبرنامج تدريب مكثّف لا يختلف عن ذاك الذي يخضع له تلامذة المدرسة الحربية, يتعرفون الى مختلف أنواع الأسلحة, تتبدد خشيتها من نفوسهم ويحنون عليها سلاحاً واحداً للدفاع عن الوطن, وليس للتقاتل وشرذمة العباد وتقسيم البلاد.
نظام مرصوص يعقب رفع العلم الموحد لتسقط دونه سائر الأعلام والرايات, ونشيد يجمع بحّات الحناجر من كل حدب وصوب, صوتاً واحداً مدوياً: “كلنا للوطن”. ثم تبدأ المسيرة المنتظمة لساعات, “الكتف على الكتف” في تدريبات وتعليمات تنقيهم وتطهرهم وتعيد قولبتهم, كما زملاء لهم سابقين في خدمة العلم ضباطاً ورتباء ومجندين.
وبعد عناء نهار, انصراف الى قاعة الطعام بعد الإستحمام, ويحلو أي صنف ولون تحت أضراس المتعبين, وقد كان بعضهم الى الأمس يتأنق ويتأفف, وما أحلى المآدب مع رفاق السلاح.
الى يوم تال سيراً على الأقدام مسافة 20 كلم بجعبة على الأكتاف وسلاح, وصعود الجبال وهبوط الوديان بمرح وتحد وتخط لجميع الصعوبات, فقد يئن البعض من الـ20 كلغ على الأكتاف, لكنه يجالد خجلاً من زملائه.
ويستمر برنامج الدورة التدريبية منوعاً, رياضات مختلفة ولياقة بدنية, فتنضح الأجسام بعضلات تطفر منها العروق وتتجدل السواعد وتعلو الهامات وتعرم الصدور... لقد ولد إنسان ثان.

 

تأهيل وطني

في المقلب الثاني, إعادة صياغة أخرى تلامس بعض المفاهيم الموروثة الخاطئة, وتركيز على الدروس النظرية والتوجيهية والمدنية والمعنوية تبدد ما بقي من أدران, يتولاها كبار الضباط الذين استقوا عمق رسالة الجيش من قائد البلاد فخامة الرئيس العماد إميل لحود, ومن عماد الجيش ميشال سليمان, الذي يؤكد ممثله في كل حفل تخرج على المسلّمات والمبادئ التالية:
­ ينبغي أن نكون يداً واحدة وقلباً واحداً لحماية الوطن والحفاظ على كرامة أبنائه.
­ “إسرائيل” هي العدو الأوحد لهذا الوطن.
­ رسالتنا اليوم هي إستكمال تحرير ما تبقى من تراب محتل بدعم وطني شامل.
­ وحدة المسار والمصير مع الشقيقة سوريا للتوصل الى السلام العادل والشامل.

 

معمودية النار

وتمضـي الأشهر الثلاثـة كأنهـا أيام لتخـتتم بمعـمودية الـنار وحفـل التخريج وتوزيع الضباط المجندين على كافة القطع في أنحاء لبنان, وتفرغ المدرسة الحربية الى حين من عجقتهم, تودعهم بحنو, متهيئة لاستقبال آخرين يعيـدون حكاية الألفة والمودة... ويا ليـت هذه الحكايات كانت منذ بدء السبعينات, عندها لوفّرنا على الوطن والمواطنين الكثير الكثير من ليالي الرعب والشقاء.
فما رأي بعض الأصوات التي تنادي بإلغاء خدمة العلم؟!