قضايا إقليمية

خطة إسرائيل المرحلية لأمنها القومي
إعداد: إحسان مرتضى

تقوم نظرية الأمن القومي الإسرائيلي في مفهومها الراهن، بحسب التعريفات الإسرائيلية لمخططاتها الأمنية على: «الاحتياطات الواجب اتخاذها ظرفيًا بغرض تكريس السيادة الوطنية للدولة على أراضيها الإقليمية ومصالحها الداخلية والخارجية المرتبطة ببنائها القومي والثقافي الخاص».
يعتبر الباحث الإسرائيلي تسفي شور أنّ: «الوضع الدفاعي لدولة إسرائيل يختلف عن وضع معظم أمم العالم، فالتهديد العسكري المستمر، الذي تتعرّض له منذ إقامتها يضعها أمام مشكلة وجود أساسية، ويلزمها إقامة هيكلية عسكرية تكون قوية بما فيه الكفاية لمواجهة هذا التهديد والتصدي له». بالتالي، فإسرائيل هي كيان عسكري إسبرطي احتلالي في حالة استنفار عدواني دائم مع جيرانه انطلاقًا من أكذوبة أنّ فلسطين أو (أرض إسرائيل)، بالمصطلح التلمودي، هي أرض بلا شعب، وإذا وجد هذا الشعب فلا بد أن يغيب ويلغى. بتعبيرٍ آخر إنّ مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي ينطلق من إنكار الزمان والمكان العربيين، لا سيما على المستوى الفلسطيني على وجه التحديد.
 

ثلاثية الردع والإنذار المبكر والحسم
لقد تطـوَّر مفـهوم الأمن القـومي لكيان الاحتلال انطلاقًا من نظرية ما يسمى «الحدود الآمنة والقابلة للدفاع عنها»، التي هي نظرية تبريرية لتغطية جريمة الاحتلال والتوسع بذرائع أمنية. وهذه النظرية التي تبلورت بعد حرب العام ١٩٦٧، تقـوم على قاعدة تأمين «حدود يمكن الدفــاع عنهــا من دون اللجــوء إلى حرب وقائية ابتدائية» بحسب تعبيراتهم. لكن حرب العام ١٩٧٣ أكدت فشل هذه النظرية المرتبطة بقضم الأرض تدريجيًا وضمّها، ما استدعى تكوين نظرية جديدة هي نظرية «ذريعة الحرب» وبموجبها يتبنى العدو تدبير الحرب الوقائية التي تستوجب منه توجيه ضربات استباقية للخصوم في حال تعرضه لتهديدٍ خارجي افتراضي، مثل قيامه بضرب المفاعل النووي العراقي (أوزيراك) في الثمانينيات، ومصنع اليرموك في السودان، ومراكز الأبحاث العلمية في سوريا، والتهديد بضرب المنشآت النووية أو الصاروخية الإيرانية الخ... وهذا الاستعداد لاستخدام «القوة الضاربة» إنما يرمي إلى رسم خطوط حمر وتكوين عامل ردع منيع وقوي يحمي الكيان الغاصب، ويمنع الدول أو المنظمات المعادية له من محاولة القيام بأي عمل عسكري ضده. وقد بُنيت هذه النظرية على ثلاثية الردع والإنذار المبكر والحسم. ومن ناحية أخرى، عمل العدو الإسرائيلي من أجل تنفيذ غاياته وأهدافه القومية من خلال استراتيجية ذات مستويين، مستوى أعلى يُطلق عليه (الخطة الكبرى) المتوسطة والبعيدة المدى، ومستوى أدنى يعالج ما يسمى (مشاكل الأمن الجاري). ترسم الخطة الكبرى استراتيجية تدريجية لتحقيق الغايات والأهداف الصهيونية العليا بعيدة المدى، طبقًا لمراحل زمنية خمسية أو عشرية. أما استراتيجية معالجة مشاكل الأمن الجاري فترسم أسلوب التعامل اليومي لتأمين الدولة في كيانها الحالي، وما تحتله من أراضٍ عربية، من خلال مواجهة مشاكلها الأمنية الطارئة. وتدخل في

 

المخططات المرحلية للخطة الكبرى الأهداف الآتية:
أ- العمل على استكمال فرض شرعية الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية على شعوب المنطقة بكل السبل المتاحة. الأمر الذي أوضحه تصريح الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريس في العام ١٩٩٤ حين قال: «لقد قادت مصر العرب لمدة ٥٠ عامًا ولم تحقق التقدم المطلوب، فليجرب العرب قيادة إسرائيل للمنطقة ليعرفوا الفرق».
ب- تأمين المجال الحيوي للكيان، الذي يحقق له مستلزماته الجيوسياسية والجيوستراتيجية على حساب الأرض والحقوق والخيرات العربية.
ج- استمرار العمل على جذب الجزء الأكبر من يهود العالم للهجرة إلى الكيان.
د- ضمان استمرار التفوق الحضاري للكيان الغاصب في منطقة الشرق الأوسط، وجعله الدولة المركزية الفعّالة دائمًا في المنطقة، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وعسكريًا وتقنيًا.
هـ- المحافظة على التحالف الاستراتيجي الوثيق، مع إحدى الدول العظمى (الولايات المتحدة حاليًا).


ستبقى هذه الأهداف ثابتة في مكونّات معادلة الأمن القومي الإسرائيلي، لكن الوسائل التي يمكن أن تتحقق بها تتغير وفق الظروف والمؤثرات الدولية والمحلية. ففي الوقت الحالي، تقوم المعادلة الاستراتيجية الصهيونية للتعامل مع العرب على تطبيق نظرية «الفوضى الخلاقة» التي ابتدعتها إدارة الرئيس بوش الابن ووزيرة خارجيته كوندوليسا رايس. وتسعى هذه النظرية إلى تكريس حالة التجزئة في الوطن العربي وتعميقها باتجاه مزيد من الحروب الأهلية، وتفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية وطائفية ومذهبية، وذلك باستغلال مشاكل الأقليات التي تدعو إلى الانفصال والاستقلال ورفع الضيم، مما يسهل فرض الوجود الصهيوني وشروطه، من خلال ترسيخ المحددات الحيوية لأمن العدو القومي ومن أبرزها:

أ- بذل كل جهد مستطاع للمحافظة على انفراد الولايات المتحدة الأميركية بقمة النظام العالمي، ذلك أنّ صورة الولايات المتحدة الواهنة والمستنكفة عن التورطات الخارجية، إلى جانب التوتر الذي ساد بين إدارة أوباما السابقة وحكومة نتنياهو، انعكست سلبًا على هيبة وقوة إسرائيل، التي ترى أنّه لا بد لها من أن تتمتع بعلاقة استراتيجية قوية ومميزة مع واشنطن، إلى جانب البحث عن قوى عظمى رديفة بديلة للاستناد إليها على المدى البعيد فى إطار النظام الدولي المتعدد الأقطاب.
ب- تعزيز نظام الشراكة الإسرائيلي مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ج- دعم الوجود الإسرائيلي في أفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز.
د- السعي لعدم تعرض إسرائيل لأي ضغوط دولية، تحدّ من تنفيذ أهدافها الاستراتيجية القومية التي إنّما تتحقق بناءً على تصفية القضايا الإقليمية والاستراتيجية طبقًا للأمر الواقع المفروض ميدانيًا لمصلحتها والابتعاد عن استدراج أي حل خارجي للصراع الإقليمي، والتحول فقط إلى إدارته خصوصًا لناحية تصفية القضية الفلسطينية.
هـ- ضمان بقاء الدولة العبرية في الشرق الأوسط داخل «حدود آمنة» معترف بها دوليًا، في ظل تفوّق حضاري، وعلاقات عميقة مع جيرانها العرب ودول الجوار الجغرافي الأخرى، بما يؤمّن سيادتها على المنطقة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وعسكريًا، ويمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة وفاعلة مجاورة لكيانها، ويضع السلطة الذاتية الفلسطينية في مناطق الحكم الذاتي تحت الهيمنة الإسرائيلية بصورةٍ مباشرة عسكريًا، وغير مباشرة سياسيًا واقتصاديًا.