في المواجهة

خطة الجيش للحد من انتشار كورونا

قبل أن يصل وباء كورونا إلى لبنان، كانت قيادة الجيش قد أنجزت ٩٠٪ من التدابير والإجراءات اللازمة لمنع الفيروس من التسلل إلى صفوف العسكريين. الخطة الاستباقية التي وُضعت تضمنت بروتوكولات أُعِدت وفق المعايير العلمية العالمية، وهي أثبتت فعاليتها، ونسجت شبكة أمان للمؤسسة العسكرية. كيف عملت قيادة الجيش لتحمي مقراتها وثكناتها وعناصرها من الوباء؟


بدأ الجيش يتحضّر لوجستيًا وتقنيًا للمواجهة قبل وصول الفيروس إلى لبنان، لحماية المؤسسة وعسكرييها، فقد كان الخوف كبيرًا من انتشار الفيروس داخل الثكنات حيث الأعداد كبيرة والاختلاط واسع، كما أنّ الجيش المنتشر على الأرض في مهمة حفظ الأمن يختلط مع المدنيين، ويعود عناصره إلى منازلهم فيختلطون بعائلاتهم ثم يعودون إلى الثكنات... من هنا كان لا بدّ من استدراك الوضع للحؤول من دون وصول الفيروس إلى الثكنات والمراكز والانتشار فيها.
ووفق مرجع في قيادة الجيش قضت الخطة الاستباقية بتخصيص أماكن تستوعب عددًا معيّنًا من العناصر للحجر الصحي، وأماكن أخرى تستوعب عددًا كبيرًا من المرضى، ووضع خطة عملانية لعزل أي سرية أو فوج أو حتى لواء في حال انتشر الفيروس في أي منها. بدأ العمل بإنشاء خلية كورونا صغيرة ضمّت ضباطًا من مختلف قطع الجيش (المخابرات، الطبابة، العمليات...). هذه الخلية التي كانت على اتصال مباشر بمكتب قائد الجيش اهتمت بكلّ الحالات المشتبه بإصابتها بالفيروس في الجيش وبمتابعة أوضاعها. وفي موازاتها أُنشئت مجموعة ضمّت الضباط القادة العملانيين بهدف متابعة التطورات أولًا بأولٍ في مختلف القطع والوحدات، والتواصل مع القيادة عبر خلية كورونا.


على الأرض
يفيدنا المرجع عينه بأنّه قبل أن تُسجّل في لبنان أي حالة، تم تأمين منشآت صغيرة مسبقة الصنع مخصصة للعزل الصحي، وقد جُهِزت بكل الأمور اللوجستية وعُزِلت. كما تم اقفال نوادي الجيش وفنادقه، وعُقّمت الغرف جميعها المتوافرة في الفنادق لتصبح جاهزة للعزل في حال دعت الحاجة. ويضيف المرجع: إضافةً إلى ذلك طلبنا المستلزمات الطبية الوقائية تحسّبًا لأيّ نقص فيه مثل Thermometers Alcohol, Hand Gel, Masks…، وبذلك كنا نعمل على ٩٠٪ من التحضيرات قبل وصول الوباء إلى لبنان.
تأخرت شحنة الكمامات، فبادرت غالبية القطع إلى خياطة كمامات القماش وتأمينها لعناصرها وفق المعايير المطلوبة، وذلك بالتنسيق مع الطبابة العسكرية. كذلك، تم تصنيع نحو ١٠,٠٠٠ قطعة من ماسك Face Shield الذي يصل إلى الصدر، وقد أُنجز كل ذلك خلال ١٠ أيام تقريبًا.
كذلك، جرى تجهيز المختبرات العسكرية بالـ PCR Test (خلال ١٥ يومًا)، وتأمين حوالى ٨٠ جهاز تنفس في المستشفى العسكري المركزي، بالإضافة إلى أمكنة للحجر والعلاج.
 

الوعي سلاح أساسي
سارت هذه الخطوات جنبًا إلى جنب مع توعية العسكريين حول خطورة الوباء وطرق انتقاله والوقاية منه، فقد كان الأهم والأساس وعي الجميع لخطورة وصول الوباء إلى الجيش وضرورة الحؤول دون السماح له بذلك، عبر السهر على التزام قوانين التصرّف التي صدرت عن القيادة ومنظمة الصحة العالمية. هذه التدابير الوقائية سمحت بالحدّ من انتشار الفيروس بنسبةٍ كبيرة جدًا رغم إصابة عدد من العسكريين. وبالتالي يمكننا القول إنّنا نجحنا حتى الآن في مواجهة الفيروس واحتوائه، ولكن هذا لا يعني أن نتصرف كما لو أنّنا انتصرنا عليه وأنهينا المعركة وفق ما يرى المرجع.
 

التعقيم والإجراءات الأخرى
أدّى التعقيم دورًا كبيرًا في الحد من انتقال العدوى إلى ثكنات الجيش ومراكزه، فقد اتُبعت خطط التعقيم اليومي للأسطح بمعقّمات أُثبتت فعاليتها عالميًا في محاربة جزيئات الفيروس. كما أنّ استخدام العناصر الـ Hand Gel بشكلٍ دائم لا سيما في القطع العملانية، حيث يتعذر غسل اليدين باستمرارٍ، أسهم كثيرًا في الوقاية منه.
أما على صعيد الإجراءات الفورية التي اتخذتها القيادة لمواجهة الكورونا، فكانت أولى الخطوات وضع أجهزة قياس الحرارة عن بعد على مداخل المراكز والثكنات العسكرية كافة، جاء بعدها وضع الكمامات إلزاميًا، منع السلام المباشر، المحافظة على مسافات التباعد الاجتماعي وغيرها من الإجراءات الوقائية التي باتت روتينية. كما جرى تعديل جداول الخدمة لتخفيف الاكتظاظ داخل الثكنات، ففي الوحدات الإدارية قُسّم العديد إلى فئتَين: عناصر الفئة الأولى يناوبون مدّة ١٤ يومًا في حين يلازم عناصر الفئة الثانية منازلهم وبالعكس. أما الوحدات العملانية التي تتطلب جهوزية أكبر، فنُفّذت فيها الإجراءات الوقائية الروتينية وخصوصًا التباعد الاجتماعي.
 

المرجعية العلمية
استندت البروتوكولات التي تم اعتمادها إلى عدة مراجع مختصة في القيادة وفي الطبابة العسكرية من اختصاصيين في علم الكيمياء، وفي الصحة العامة، والأمراض الجرثومية وفي البيئة العامة، وبالطبع كان ذلك بالتعاون مع وزارة الصحة.
 

إلى متى؟
إلى متى ستستمر الإجراءات الوقائية؟ سوف يستمر تطبيق هذه البروتوكولات داخل المؤسسة العسكرية حتى بعد انحسار الوباء وإعلان صفر حالات، وذلك طبقًا لإجراءات الحيطة والحذر من عودة انتشاره. ففي الحرب والسلم، الخطط دائمة ومستمرة للمحافظة على الجهوزية والقدرة على المواجهة. وقد تبيّن أنّ فيروس كورونا هو من أسوأ الأعداء ولا يمكن الاستخفاف به. فهو يشبه دودة الصندل التي تأتي على الصنوبر، إذا كوفحت فرديًا، سوف تعود وتظهر، أما إذا تكافلت الجهود، فيتم القضاء عليها. وبالتالي، فإنّ الجهود المشتركة بين أطراف المجتمع أمر أساسي للانتصار على الوباء.
 

كيف؟
كيف استطاع الجيش توفير مستلزمات المواجهة؟ يأتينا الجواب مختصرًا مفيدًا: «سلاحنا السري والأقوى هو محبة الناس لنا والتفافهم حولنا»، كلام لطالما ردّده قائد الجيش العماد جوزاف عون. وبالفعل، فإنّ المساعدات والتقديمات أتت من كل حدب وصوب ولو بـ«فلس الأرملة» الذي يشكل الدعم المعنوي الأكبر. فالضباط المتقاعدون أسهموا بدعم الطبابة العسكرية بشكلٍ كبير، بالإضافة إلى عدد كبير من أصحاب الأيادي البيضاء المحلية وبعض الجهات الأجنبية أيضًا، وذلك على الرغم من مرور الجميع بالأزمة نفسها وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية أيضًا.
في مواجهة الوباء كما في مواجهة كل الأعداء يثبت جيشنا مرة جديدة قدرته على توظيف القدرات والإمكانات في موضعها الصحيح ووفق الخطط الصحيحة، والنتيجة دائمًا على قدر الآمال.