بحث

خطة تطوير الطبابة العسكرية على ضوء الحاجات والتحديات المرتقبة
إعداد: ندين البلعة الحاج موسى

ضمن البحوث العسكرية التي تقدّم في إطار خطة التعليم والتدريب للعام 2010، قامت الطبابة العسكرية ومقر عام الجيش بتقديم دراستين تحت عنوان: «الطبابة العسكرية: خطة التطوير على ضوء الحاجات والتحديات المرتقبة»، وذلك في قاعة العماد نجيم في وزارة الدفاع الوطني بحضور عدد من ضباط الطبابة العسكرية من مختلف المناطق، وضباط من مقر عام الجيش.
أهمية هذا البحث في معالجته الموضوع من خلال وجهتَي نظر، الأولى تمثّل المستفيد من الخدمات والثانية تمثّل الطبابة العسكرية.
النقيب الطبيب رامي الصدّيق، من مقر عام الجيش تولّى عرض وجهة النظر الأولى، بينما عرض العميد الصيدلي الدكتور سعيد أسمر (المعاون التقني لرئيس الطبابة العسكرية) وجهة نظر الطبابة.


المستفيد... الحكم الأول
استهل النقيب الطبيب رامي الصدّيق عرضه بلمحة شملت الخدمات الطبية التي تقدّمها الطبابة العسكرية والآلية الإدارية المعتمدة لتقديم هذه الخدمات. ومن خلال هذا العرض انتقل ليركّز على المشاكل التي تعانيها الطبابة العسكرية بالتفصيل، مقدّماً اقتراحات حلول لكل مشكلة.
أولى المشاكل التي عرضها النقيب الطبيب الصدّيق تمحورت حول الإنتظار الطويل للحصول على المعاينة الطبية، ما يستوجب إلزام الأطباء التقيّد بالمواعيد وتنظيم الأدوار بشكل صارم، بالإضافة الى زيادة عديد الأطباء وخصوصاً الإختصاصيين منهم. كما أنّ عدم تمكّن الأطباء الإختصاصيين من متابعة مرضاهم يتطلّب إلزام المستفيدين متابعة أوضاعهم الصحية عند طبيب إختصاصي واحد، مع التنبّه الى مسألة فرض بعض الأطباء على المستفيدين الإنتقال الى عياداتهم الخاصة.
وهناك مشكلة أساسية أخرى يسبّبها عدم توافر الأدوية في الصيدليات المجانية المركزية إلا خلال فترات محددة فقط، لذا يجب السعي الى تأمينها على مدار السنة.
وتطرّق البحث الى مشكلة الإمكانات المحدودة والآلات الطبية القديمة (كالتصوير الشعاعي وغيره)، ما يتطلّب تدخلاً سريعاً لتحديثها وتوفير معدات طبية وإختصاصيين لها لمجاراة التطوّر العلمي ومتطلباته. كما أنّ الضغط الكثيف على المختبرات الطبية يستلزم توسيعها... الى ذلك من المشاكل الأساسية التي تحتّم بناء مستشفى عسكري حديث، والتنبّّه الى ماهية المستشفيات المدنية التي يتم التعاقد معها، وتفعيل دور جهاز مراقبة الإستشفاء وتفعيل دور الضباط الأطباء من خلال تكثيف معارفهم ومتابعتهم دورات في الداخل والخارج.
أما على صعيد المشاكل الإدارية، فأشار المحاضر الى تباعد منشآت الطبابة مما يكبّد المستفيد عناء إنجاز المعاملات. لذا يجب النظر في الروتين الإداري وتفعيل اللامركزية الإدارية وتطبيقها، بالإضافة الى إنشاء مكتب مراجعات.

 

خلاصة أولى
إن عدد المستفيدين من الطبابة العسكرية في تزايد مستمر، وعلى الرغم من الصعوبات التي تعانيها، تسعى هذه الطبابة الى تقديم أفضل الخدمات ضمن إمكاناتها. من هنا خرج النقيب الطبيب الصدّيق ببعض التوصيات التي ترتكز في الأساس على: دراسة الهيكلية التنظيمية للطبابة العسكرية وتطويرها، إنتهاج سياسة جديدة في تحقيق الدواء، تحرير المستشفى العسكري المركزي من البيروقراطية الإدارية المعتمدة في الجيش، تحسين شروط التعاقد مع الأطباء المدنيين وتطوير العلاقات الطبية بين هذا المستشفى والمستشفيات المدنية وخصوصاً الجامعية منها. فالطبابة الناجحة هي عامل أساسي في بناء الجيش وتطوره في أوقات السلم، وفي رفع مستوى الجهوزية لدى الوحدات وقدراتها القتالية في أثناء الحرب.

 

الطبابة عالم آخر
العميد الصيدلي سعيد أسمر قدّم البحث من وجهة نظر مختلفة، وتناول بنظرة إيجابية واقع الطبابة في الجيش مركّزاً على أنها مؤسسة عامة رسالتها تأمين الخدمات ولا تبغي الربح. وهي بالتالي تتميّز بخصوصية تتّسم بدورَين متكاملَين ومتناقضَين: فهي في الوقت عينه جهاز منتج للخدمات وضامن للمرضى.
إنّ التحديات التي تواجه الطبابة العسكرية عديدة، أولها تأمين الإدارة الذاتية للمجتمع الطبي العسكري ضمن استقلالية إدارية ومالية، يتبعها دراسة تحليلية للموارد البشرية التي أظهرت قلة عدد أطباء الصحة العامة، ونقصاً في الأطباء الإختصاصيين الأكفياء، وايضاً نقصاً في عدد الممرضين الذكور.
والحل برأيه في تطويع تلامذة ضباط وضباط متمرنين من كليات الطب في لبنان. وهذا يتطلب مقاربة داخلية من خلال التركيز على نقاط القوة لمواجهة الفرص والإغراءات الموجودة في السوق وإيجاد الحوافز للشباب للإنتساب الى الجيش.
وأشار الى ضرورة تطوير الطب التشخيصي والمعاينات والفحوصات، مما يقتضي مزيداً من الأطباء الإختصاصيين والتقنيين، علماً أن الإستغناء عن القطاع الخاص في هذا المجال مستحيل.
 

البعد التوفيري
يُفصح العميد الصيدلي أسمر عن مشاريع مستقبلية لتأمين الخدمات الطبية خارج المستشفى العسكري المركزي، بدءاً بتطويع أطباء واستحداث ألوية طبية لصالح القطع والأفواج العسكرية كافة، بالإضافة الى استحداث جهاز الإسعاف العسكري الذي يسمى حالياً فرع الإخلاء والإنقاذ، والذي ما زال حبراً على ورق ولا يستطيع القيام حالياً بأي دور. ولكنه سيؤمن مستقبلاً جهوزية مطلقة لتوفير تغطية طبية في زمني الحرب والسلم (مثل الصليب الأحمر)...
وخلُص المحاضر الى عدة توصيات تبدأ بوجوب إنشاء مجمّع طبي عسكري مركزي، واعتماد سياسة تطويع طلبة جامعيين من الجسم الطبي والتمريضي وتطويع ضباط إداريين ورتباء إختصاصيين والتركيز على تأمين الموازنة اللازمة.