ترسيم الحدود

خطوط وحقوق
إعداد: ندين البلعة خيرالله

متسلّحًا بالصلابة والخبرة، وبالمهارات التفاوضية والدراسات والحجج التقنية والقانونية الثابتة، وبقرارٍ من رئاسة الجمهورية اللبنانية وقيادة الجيش، انطلق الجيش اللبناني في معركة التفاوض غير المباشر لترسيم الحدود البحرية، وتحصيل كل شبرٍ هو من حقّنا. يصرّ الجيش على اعتماد الخط 29 كمنطلق للمفاوضات بعد أن تبين أنّ الخط 23 لا يعطي لبنان حقوقه. ما هو الخط 29 وما هي أهميته؟ وما هي الخطوط الأخرى؟

 

في العام 2007 وقّع لبنان اتفاقية مع قبرص لترسيم الحدود البحرية بينهما. وترك تحديد موقع طرفَي هذه الحدود، أي النقطتَين (1) و(6) بشكل نهائي من جهة الشمال والجنوب لحين التّوافق على ترسيم الحدود البحرية مع كلٍّ من سوريا وفلسطين المحتلة.

 

الخط (23)
في العام 2008، تمّ تشكيل لجنة مشتركة لوضع تقرير مفصّل حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللبنانية، توصلت بنتيجة أعمالها بتاريخ 29/4/2009 إلى وضع تقرير عُينت بموجبه إحداثيات الحدود البحرية الشمالية مع سوريا والجنوبية مع فلسطين المحتلة، فكانت النقطة (23) هي النقطة الثلاثية بين لبنان، قبرص، وفلسطين المحتلة بدلاً من النقطة (1). وبتاريخ 14/7/2010 أودع لبنان الأمين العام للأمم المتحدة لوائح إحداثيات نقاط الحدود البحرية الجنوبية المتمثلة بالخط 23.

 

الخط (1)
بتاريخ 17/12/2010 وقّع العدو الإسرائيلي اتفاقية لتعيين حدود منطقته الاقتصادية الخالصة مع قبرص، وذلك من دون أن تتشاور قبرص مع لبنان بهذا الخصوص كما نصّت على ذلك الاتفاقية الموقعة بين الجانبَين في العام 2007. وبدلًا من أن ينطلقا بهذه الحدود من النقطة (23)، انطلقا من النقطة (1) التي كان متفقًا مع قبرص على أنها نقطة مؤقتة. ثم قام العدو الإسرائيلي بترسيم حدوده البحرية مع لبنان من جانب واحد فانطلق من نقطة سُمّيت النقطة (31) في رأس الناقورة الى النقطة (1)، وهكذا كان الخط الإسرائيلي الذي سمى بالخط (1). وقد اعترض لبنان على الترسيم الاسرائيلي بموجب رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

 

خط هوف (Hoff Line)
في العام 2012، قامت الولايات المتحدة الأميركية عبر سفيرها فردريك هوف بتقديم اقتراح لحل النزاع الحدودي البحري مع العدو الإسرائيلي، وذلك بتقاسم المنطقة التي يدّعي هذا العدو النزاع عليها من خلال رسم خط عُرف في حينه بخط Hoff يقع بين الخط اللبناني (23) والخط الإسرائيلي (1). هذا الخط يعطي لبنان حوالى 490 كلم2 والعدو الإسرائيلي حوالى 370 كلم2 من أصل كامل مساحة الـ860 كلم2 «المتنازع» عليها. إلا أنّ اقتراح هوف لم يمر للعديد من الأسباب: أولها أنّه خط يعطي لبنان الحد الأدنى من حقوقه ويعطي إسرائيل الحد الأقصى. وثانيًا بسبب انطلاقه من ثلاثة أميال من الشاطئ ما يترك قنبلة منفجرة للتوافق على ترسيم هذه المنطقة المتبقية فيصبح لدينا «مزارع شبعا بحرية» يصعب حلها.

 

الخط (29)
في حزيران 2011، وقبل 4 أشهر من إصدار المرسوم 6433، تبيّن أنّ الخط (23) غير دقيق ويحق للبنان بمساحة أكبر من 860 كلم2 جنوبي هذا الخط، فكلّفت الحكومة اللبنانية المكتب الهيدروغرافي البريطاني UKHO بإعداد تقرير حول تعيين الحدود اللبنانية. وقد صدر هذا التقرير بتاريخ 17/8/2011 مع اقتراح تعديل الخط (23) إلى آخر (يُعرف اليوم بالخط 29).
في العام 2013 أعدّ العقيد الركن البحري مازن بصبوص دراسة انطلاقًا من الاقتراح البريطاني، وبيّن فيها بالتفصيل أحقية لبنان بالخط المسمى اليوم خط (29) الذي يعيد إلى لبنان مساحة تُقدر بحوالى 1430 كلم2. وفي العام 2014 أنشأ الجيش اللبناني مصلحة للهيدروغرافيا التي حصلت على بيانات أكثر دقة مما كان متوافرًا في السابق، ما يسمح بتعديل المرسوم 6433/2011 أي الخط (23) بالاستناد إلى المادة الثالثة منه. وبعد استشارة الخبير الدولي في ترسيم الحدود الأستاذ نجيب مسيحي (عضو الوفد المفاوض)، أعدّت لجنة من الجيش في نهاية العام 2019 ملفًا تقنيًا وقانونيًا متينًا أكّدت فيه أحقية لبنان بالمساحات الإضافية في مياهه البحرية.

 

الأهمية الاستراتيجية للخط (29)
لا مصلحة للبنان بأن يفاوض على 860 كلم2 (وفق الخط 23) بل يجب عليه بدء التفاوض من الخط (29) وذلك للأسباب الاستراتيجية التي تصب في مصلحة الشعب اللبناني وهي الآتية:
• اعتماد موقف يمكن الدفاع عنه على طاولة المفاوضات ويحافظ على صدقية لبنان، فالخط ٢٩ متين من الناحيتين القانونية والتقنية، أما الخط ٢٣ فهو ساقط قانونًا لأنّه لا ينطلق من نقطة رأس الناقورة ولا يتّبع أي تقنية ترسيم علمية معترف بها عالميًا.
• تأمين موقع متقدّم للبنان في المفاوضات.
• تحويل حقل كاريش إلى حقل متنازع عليه، ومطالبة إسرائيل وشركة انرجين بوقف جميع الأعمال في هذا الحقل إلى حين التوصل إلى اتفاق، عملًا بمبدأ منع أعمال التنقيب والاستخراج الأحادي في الحقول المتنازع عليها الذي كرّسه القانون الدولي. هذا الأمر يشكّل عامل ضغط على إسرائيل ويلزمها بقبول الحل المنصف للنزاع.
• حماية حقل الغاز المحتمل الأساسي في البلوك رقم ٩ اللبناني والذي يبلغ حجمه ٣ أضعاف حجم حقل كاريش ويقدّر مخزونه بعشرات المليارات من الدولارات. يتعدّی هذا الحقل الخط ٢٣ بعدّة كيلومترات جنوبًا، وبالتالي لن تتجرأ أي شركة بما في ذلك توتال على التنقيب في هذا الحقل خشيةً من عرقلة إسرائيل لتطويره، كون ربع هذا الحقل يقع اليوم في البلوك رقم ٧٢ الإسرائيلي (أنظر الخريطة) الذي قد تلزّمه إسرائيل في أي لحظة.

أخيرًا، عادت المفاوضات إلى الطاولة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على توقفها، ثم توقّفت من جديد دون أي موعدٍ مرتقب لأي جلسة مفاوضات جديدة. والعين اليوم على جيشنا المتسلّح تقنيًا وقانونيًا، وشرفًا وتضحيةً ووفاءً وطنيًا، يقف بصرامةٍ أمام المفاوضين والوسطاء والراعين، متمسّكًا بموقفه بالتفاوض استنادًا إلى القانون الدولي الذي يبقى الأساس للوصول إلى حلٍّ عادلٍ ومنصف يريده لبنان، حفاظًا على المصلحة الوطنية العليا والاستقرار وعلى حقوق اللبنانيين في استثمار ثرواتهم.