ناس وحقوق

داعش أكبر المسؤولين عن تنامي ظاهرة الإتجار بالبشر في العالم
إعداد: جان دارك أبي ياغي


سجل المنظمات الإرهابية الحافل بمختلف أنواع الجرائم وأبشعها، يضم في ما يضمه، أقبح ممارسات الإتجار بالبشر. وفي هذا الإطار تكشف التقارير يوميًا، المزيد من الجرائم بحق الإنسانية. فممارسات «داعش» وأخواتها من المنظمات الإرهابية، أعادت البشرية قرونًا إلى الوراء... وأعادت إلى التداول مصطلحات وتسميات لسلوكيات من المفترض أن تكون قد انقرضت ولم يعد لها وجود في قاموس العلاقات الإنسانية.

 

الضحايا: نساء وأطفال ورجال أيضًا
النساء والأطفال في طليعة الفئات الأكثر تعرضًا لممارسات تندرج في إطار الإتجار بالبشر، لكن الرجال والفتيان ليسوا بمنأى عن هذه الممارسات التي تنتهك كرامة الإنسان وتجعل منه مجرد سلعة رخيصة لخدمة النزوات والأهواء والمصالح. وتحفل وسائل الإعلام المختلفة يوميًا بأخبار نساء من أعمار مختلفة. يتركن أسرهن وبلادهن ليتمّ تزويجهن (المراهقات خصوصًا) برجال من «داعش»، واستخدامهن في ممارسة الدعارة المقنّعة المسماة «نكاح الجهاد».
أما الأطفال والذين يصل عمر بعضهم إلى ست سنوات، فيتم استقدامهم وإخضاعهم لبرامج هدفها زرع فكر التنظيم فى عقولهم وتدريبهم على مهارات أولية للقتال. كما أنهم يستخدمون كبنك للدم يوفّر الدماء للمصابين من المسلحين، أو كمخبرين للتنظيم. والأخطر من كل ذلك هو تدريب هؤلاء الأطفال على أن يكونوا انتحاريين.
في هذا المجال، كشف «التقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص»، الذي أطلقه المكتب الأممي في القاهرة، أن 70 بالمئة من الضحايا نساء وفتيات، و30 بالمئة رجال وصبية.
وأوضح مسعود كريمكو، المدير الإقليمي للمكتب الأممي أن مجلس وزراء العدل بالشرق الأوسط، دعا إلى إصدار تقرير لرصد أبعاد هذه الجريمة في المنطقة على أن تشارك الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية في إعداد التقرير.
ودعا دول العالم إلى التفاعل مع حملة «القلب الأزرق» التي أطلقتها الأمم المتحدة لرفع وعي المواطنين والحكومات لمدى فداحة هذه الجريمة، وخلق حشد دولي قادر على التصدي لها.
وفي ما يتعلق بالشرق الأوسط لفت كريمكو إلى أن دول الخليج هي الأكثر كفاءة وفعالية في ما يتعلق برصد بيانات هذا النوع من الجرائم وملاحقة مرتكبيها، معربًا عن أمله في أن تنتهج الدول الأفريقية النهج ذاته. كما أشار إلى أن تجارة الأشخاص مربحة للغاية، وربما تصل أرقامها إلى مليار دولار سنويًا، وفق تقديرات الأمم المتحدة المبنية على شهادات موثقة للضحايا.

 

من المسؤول؟
حمّل المسؤول الأممي تنظيم «داعش» مسؤولية كبيرة عن تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر، قائلًا: الحرب التي يشنها التنظيم دفعت أعدادًا كبيرة من البشر للنزوح عن أوطانها بحثًا عن مكان أكثر أمنًا، وبالتالي فإن كل هؤلاء النازحين ضحايا محتملون للاتجار بالبشر.
وعن كيفية تنفيذ جريمة الاتجار بالبشر قال: هذه الجريمة لا ترتكب بشكل فردي، وتقف خلف الجناة شبكات من العصابات التي تعمل على تجنيد شخص من البلد المستهدف يعمل على إقناع الضحية بالهجرة بطريقة غير شرعية مثلا.
ورأى أن التصدي لهذه الجرائم يتطلب الإيقاع بشبكات الاتجار بالبشر كاملة وليس بالسماسرة فقط، وهذا الأمر يتطلب بدوره أن تتبع الدول والأنظمة الحاكمة مصادر تدفق الأموال المشبوهة من طرف الشبكة المافيوية إلى قمتها.
وورد في التقرير أن بعض النساء أصبحن متورطات بالإتجار بالبشر بنسبة تصل إلى 30 بالمئة، في حين يمثل الجناة الذكور نسبة 70 بالمئة و78 بالمئة من المتاجرين المدانين هم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتضمّنت أشكال استغلال الضحايا التي عرضها التقرير، الاستغلال الجنسي للنساء بنسبة 79 بالمئة و14 بالمئة للعمل القسري وسرقة الأعضاء، فيما يتعرض 83 بالمئة من الضحايا الرجال للعمل القسري و8 بالمئة للاستغلال الجنسي و1 بالمئة لسرقة الأعضاء.
وذكر التقرير أن 31 بالمئة من الضحايا يُتاجر بهم داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يجلب تجار البشر الضحايا من البلدان الفقيرة إلى البلدان الغنية. ونوّه بأن الضحايا ينتمون إلى 152 جنسية مختلفة في 124 بلدًا من كل مناطق العالم، وغالبيتهم أجانب يعيشون في البلد الذي يكتشفون فيه كضحايا.
وجاء في التقرير أيضًا أن 90 بالمئة من دول العالم، أصدرت قوانين تجرّم الاتجار بالبشر، وذلك منذ بدء تطبيق بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالأشخاص منذ العام 2003، بينما ما زالت هناك 9 دول ليست لديها تشريعات في هذا الصدد على الإطلاق، و178 دولة أخرى لديها تشريعات جزئية تشمل فقط بعض الضحايا أو أشكال الاستغلال.

 

ماذا عن الدوافع؟
في ما يتعلق بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أفاد التقرير أن هناك ثلاث دول فقط تفتقر إلى تشريعات مكافحة جريمة الاتجار بالبشر.
ووفق بروتوكول الأمم المتحدة، فإن الاتجار بالبشر هو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم، أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة، أو استعمالهم قسرًا (بالاختطاف، أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا أخرى). وتشمل أشكال الاتجار بالبشر الاستغلال الجنسي والسخرة والاسترقاق والاستعباد ونزع الأعضاء وتهريب المهاجرين، لكنها لا تقتصر على ذلك فقط.
وتتواصل وتيرة الاتجار بالأطفال في الارتفاع على مستوى العالم لتحتل نسبة الثلث من بين كل حالات الاتجار بالبشر المسجلة، بحسب ما جاء في تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة صدر العام 2014.
فالقاصرون يشكلون معظم ضحايا الاتجار بالبشر في أفريقيا والشرق الأوسط، وفي بعض الدول يمكن أن تصل هذه النسبة إلى 60 بالمئة، بينما لم تكن لتتجاوز الـ20 بالمئة من الحالات المسجلة بين العامين 2003 و2006. وتشكل الإناث 70 بالمئة من ضحايا هذه الجرائم، في انخفاض عن نسبة 84 بالمئة المسجلة قبل 10 أعوام.
لكن تحليل هذه النسبة يظهر انخفاضًا في الاتجار بالنساء، وارتفاعًا في الاتجار بالفتيات والمراهقات من 10 بالمئة قبل عشر سنوات إلى 21 بالمئة اليوم.
وتشكل دوافع الاستغلال الجنسي 53 بالمئة من حالات الاتجار بالبشر، لكن نسبة دوافع التشغيل الجبري تسجل ارتفاعًا، فهي باتت في عتبة 40 بالمئة مقابل 32 بالمئة في العام 2007.
وتختلف هذه النسب بين المناطق، ففي أوروبا وآسيا الوسطى يشكل الاستغلال الجنسي الدافع في ثلثي الحالات، أما في سائر مناطق آسيا فإن الدافع الأول هو التشغيل القسري. وفي بعض المناطق في العالم يشكل تجنيد الأطفال في النزاعات، أو تشغيلهم جبرًا في التسول أو تنفيذ أعمال مخالفة للقانون، دافعًا أساسيًا لهذه الظاهرة. وارتكز التقرير على بيانات من 128 بلدًا، وهي تشكل «غيضًا من فيض» بحسب الأمم المتحدة.

 

كيف نواجه؟
إن مواجهة هذا الواقع الذي استفادت منه المنظمات الإرهابية، وجعلته بممارستها أكثر قبحًا وظلامية، تحتاج إلى معرفة أسبابه وسبل علاجه. فوراء غلاف التطور والاقتصاد الحر وحقوق الانسان ومؤسسات القانون، تتخفى عبودية مرعبة على مستوى العالم ربما لم يسبق لها مثيل حتى فى أعتى عصور الظلمات والعبودية المعلنة. فهناك عالم ثري يستغل الفقراء الذين يريدون نصيبهم من الثروة، وهناك عصابات تستفيد من التطور العلمي والتكنولوجي، وهناك الإعلام الذي يتهمه البعض بتشجيع الهجرة.