دراسات وأبحاث

دافوس 2018 يدقّ ناقوس الخطر
إعداد: د.أحمد علّو
عميد متقاعد

الروبوتات سوف تحتلّ ملايين الوظائف بدلًا من الإنسان


المنتدى الاقتصادي العالمي هو منظمة دولية مستقلة غير ربحية، مقرّها سويسرا، وهي «مكرّسة لتحسين حالة العالم» وفق شعار المنتدى الذي يشارك فيه رؤساء دول ورجال أعمال وسياسيون وأكاديميون، وغيرهم من قادة المجتمعات، وهؤلاء دقّوا ناقوس الخطر...


تأسس المنتدى في العام 1971 على يد أستاذ الاقتصاد والأعمال كلاوس شواب Klaus Martin Schwab (مهندس واقتصادي ألماني وأستاذ محاضر في جامعة جنيف)، واستقر في كولونيي Cologny التابعة لمنطقة جنيف في سويسرا، واعتبارًا من العام 2006، افتُتِحت له مكاتب إقليمية في العاصمة الصينية بكين، وطوكيو في اليابان، ونيويورك وسان فرنسيسكو في الولايات المتحدة الأميركية، وفي دولة الإمارات العربية والهند وأميركا الجنوبية.
دافوس Davos مدينة صغيرة تقع في وسط وادٍ على نهر لاندويسر في منطقة جبال الألب الشمالية الشرقية من سويسرا. وقد اشتهرت بوصفها البلدة المستضيفة للاجتماعات السنوية «للمنتدى الاقتصادي العالمي» الذي يجتمع فيه نخبة من رجال السياسة والأعمال من مختلف دول العالم للتباحث في قضايا سياسية واقتصادية معينة.
 
الأعضاء والمشاركون
يضم هذا المنتدى ألف شخصية من ممثّلي الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى، من أمثال «نستلة» و«نيكي» و«مايكروسوفت» و«بكتل» وغيرها من الشركات العالمية الكبرى، والتي تزيد حركة رأس المال فيها عن 5 مليارات دولارٍ، فضلًا عن القادة السياسيّين، وتركّز النقاشات فيه على المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تواجه العالم وكيفية حلّها. على الرغم من أنّ المنتدى يعتبر رسميًا «منظمة غير حكومية» لا تبغي الربح، ومفتوحة لمن يرغب، إلّا أنّ شروط عضويته تُحتّم أن لا يقلّ دخل الشركة عن مليار دولار في السنة، إلى جانب اشتراك عضوية سنوي قدره 12500 دولار. أمّا الاشتراك في المؤتمر السنوي فيكلّف 6250 دولارًا. إذا أرادت الشركة الاشتراك في وضع أجندة هذا المؤتمر قبل انعقاده، فعليها أن تدفع 250000 دولار، أمّا إذا أرادت أن تكون شريكًا دائمًا فعليها أن تدفع 78000 دولارٍ.
يحضر المؤتمر السنوي عادةً لفيف من النخب الاقتصادية إلى جانب بعض رؤساء الدول والحكومات والوزراء، وممثلي المنظمات الدولية، وبعض المحامين والصحفيين والأكاديميين. وقد رأى بعض قادة العالم أنّ الاجتماعات السنوية ليست كافية لدرء المخاطر والتحديات، لذلك تقرّر عقد اجتماعات إقليمية على مدار العام، في أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرقين الأوسط والأقصى، وذلك من أجل التسريع في عملية «الانفتاح والاندماج الاقتصاديَيْن» والتعبئة لسياسات المنتدى. وقد كان نصيب منطقة الشرق الأوسط ثلاثة اجتماعات إقليمية بين العامين 2002 و 2005 عُقدت في الأردن على التوالي، استهدفت بالأساس دمج المنطقة في الاقتصاد العالمي ومناقشة مستقبل «الشرق الأوسط الكبير» السياسي والاقتصادي، وما يتطلّبه ذلك من استقرار لتنشيط الاقتصاد وجذب الاستثمارات. تناولت تلك الاجتماعات أسباب الإرهاب في المنطقة ومستقبل العراق وتأثيره، إلى جانب مناقشة اتفاقيات تحرير التجارة، فتح الأسواق، وارتفاع أسعار البترول، إلخ...

 

دافوس 2018
يرفع منتدى دافوس كل عامٍ شعارًا للبحث والنقاش، وقد رفع هذا العام شعار: «بناء مستقبل مشترك في عالم منكسر» Creating a Shared Future in a Fractured World. وقال لي هاول المدير الإداري للمنتدى، إنّ هدف الاجتماع هذا العام هو «وضع رؤية مشتركة في عالمٍ منكسرٍ»، لمعرفة أين هي هذه الكسور، وللقيام بشيء ما حيالها.
وعلى هذا الأساس ركّزت الاجتماعات على دراسة أسباب الانقسامات واستطلاع الحلول العمليّة لها.
انطلقت أعمال دافوس 2018 بمشاركة نحو سبعين رئيس دولة ورئيس حكومة ونحو 340 وزيرًا من مختلف أنحاء العالم، و3500 من رجال الأعمال والسياسة ورؤساء الشركات العالمية. استمرّت الجلسات نحو 4 أيام، وكان اللافت فيها أنّ النساء ترأّسن معظم محاورها وأدَرْنَ مناقشاتها التي تناولت مواضيع تتعلّق بالعولمة، والتجارة العالمية الحرة، والصناعة، وحرية الاستثمار، والبيئة، والمساواة بين الرجل والمرأة في العمل والأجر، والتضخّم العالمي والتّخوّف من أزمة مالية جديدة هذا العام، وحرب العملات. كما تناولت الجلسات قضايا التربية واختراعات التكنولوجيا الجديدة وتأثيرها في تحسين وسائل العلاج والدواء. كذلك عالج المنتدى عددًا من القضايا السياسية والأزمات حول العالم، كقضايا اللّاجئين والنازحين والهجرة من الجنوب إلى الشمال.

 

الشرق الأوسط ولبنان
عُقِدت في المنتدى جلسة بعنوان «توازن جديد في منطقة الشرق الأوسط» وتمّ بحث تغيّر أنماط الحدود بين دول الشرق الأوسط، والعنف على امتداد هذه الحدود. كما نوقِشت توقّعات إعادة تشكيل المنطقة، وتمّ تسليط الضوء على إمكان ظهور نظام مترابط جديد يعيد رسم ملامح منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا في ظلّ أنماط جديدة من العلاقات الإقليمية والدولية.
وقد شارك رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في المنتدى الذي عُقِدت إحدى جلساته تحت عنوان: «التّحديات التي تواجه لبنان»، وشرح الرئيس الحريري موقف لبنان من قضايا مختلفة وخصوصًا قضايا النازحين والإرهاب والعلاقة مع دول المنطقة وبقيّة دول العالم.

 

أوروبا وأفريقيا والولايات المتحدة الأميركية
أثار المنتدى ملف «أوروبا ومستقبل الاتحاد» وتطرّق إلى موضوع الهجرة الأفريقية إلى أوروبا. وسعى رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب في خطابه إلى طمأنة الشركاء الدبلوماسيين والتجاريين لبلاده، والقلقين من مواقفه السابقة. فأكّد «صداقة الولايات المتحدة وتعاونها من أجل بناء عالمٍ أفضل»، مضيفًا: «سأطرح دائمًا شعار أميركا أوّلًا، كما يتعيّن على قادة البلدان الأخرى أن يفعلوا أيضًا. لكن أميركا أوّلًا لا تعني أميركا وحدها... عندما تنمو أميركا ينمو العالم معها... وأبوابها مفتوحة لرجال الأعمال...».

 

رؤى مستقبليّة
قال رجال أعمال شاركوا في مؤتمر دافوس إنّ الاعتماد المتنامي على الذكاء الصناعي في مجال الوظائف، قد يؤدي إلى خسارة الكثير منها. وكشفت دراسة نُشرت في هذا النقاش العالمي أنّ 1.4 مليون وظيفة في الولايات المتحدة وحدها ستكون مهدّدة بحلول العام 2026، بسبب تطوّر التقنيات الجديدة.
ولفت آلان روميلياك رئيس «مان باور» في فرنسا إلى أنّ «المسألة هذه المرّة لا تتعلّق حصرًا بالعلاقة بين العمال والمدراء»، مشيرًا إلى أنّ المهن اليدوية ليست بالضرورة أكثر الأعمال المهدّدة، لافتًا إلى أنّ «المهن القائمة على خطوات متكرّرة سواء كانت يدوية أم إدارية هي التي تواجه خطر الزوال». وهذا ما كرّرته وأكّدته السيدة مينوش شفيق مديرة مدرسة لندن للاقتصاد عندما قالت: «إنّ كل عمل روتينيّ أو متكرّر سيصبح مؤلّلًا».
ورأت مؤسسة «ماكينزي الدولية» أنّ الإنسان الآلي سيشغل نحو 800 مليون وظيفة بحلول العام 2030.
كما رأى جاك ما مؤسس مجموعة «علي بابا» عملاق التجارة الصينية، «أنّ اعتماد المعارف والتعليم الكلاسيكي الثابت منذ 200 سنة سيجعل أطفالنا يفشلون لأنّهم لن يستطيعوا منافسة الآلات، لذلك يجب أنّ نعلّم الأطفال المهارات الناعمة Soft Skills، كالتفكير المستقل، والقيّم، وعمل الفريق». كما رأى أنّ الإنسان أصبح بحاجة لـ«معدّل للحب» Love Quotient LQ عندما يتقدّم للعمل بدلًا من معدّل الذكاء IQ Intelligemce Quotient ليبقى للعمل معنى.

 

الثروة في العالم
ذكرت منظّمة «أوكسفام» في تقريرها أنّ 82% من الثروة العالمية ذهبت في العام الماضي إلى 1% من سكان العالم، في حين أنّ 3.7 مليار نسمة لم يستفيدوا من زيادة ثرواتهم أو تحسّن معيشتهم. كما ذكرت أنّ ثروة الأغنياء ازدادت بنسبة 13% منذ العام 2010، بينما لم ترتفع أجور العمّال إلّا بنسبة 2% فقط. كذلك ارتفع عدد الأثرياء بمعدّل واحد كل يومين، في الفترة الممتدة بين آذار 2016 وآذار 2017. ورأت المنظّمة أنّ هذا التصاعد الكبير يمكن أن يضاعف نسبة الفقر المدقع أكثر من 7 مرات، وأنّ «إعادة تصميم المستقبل الأفضل يكون بمكافأة أصحاب العمل الصعب بنسبة أكبر من مكافأة أصحاب الثروة».

 

الانتقادات
يرى ناشطون في «المعهد العابر للحدود» Transnational Institute أنّ منتدى دافوس ليس إلّا مؤسسة للنخب العالمية الصاعدة، ومنبرًا لـ«عولمة مافيوقراطية» لأصحاب البنوك، والصناعيين، والتكنوقراط، والسياسيين... يتبادلون فيه أفكارهم لخدمة مصالحهم المشتركة، مصالحهم هم فقط... ذلك أنّهم لم يغيّروا شيئًا في مشاكل العالم كتلوّث البيئة، أو الاحتباس الحراري، أو الأمراض المزمنة أو الديون. إنّهم فقط ينقلون عبء حلول هذه المشاكل عن عاتق الحكومات ورجال الأعمال ويحوّلونها إلى مسؤولية مباشرة تقع على عاتق المستهلكين في أسفل الهرم.
كذلك، يتّهم البعض أعضاء المنتدى بأنّهم نخب عالمية غنية تعيش في بروج عاجية خارج مفاهيم الولاء لوطن أو لأمة بعينها، وينظرون إلى العالم من خلال نظّارات مصالحهم الزجاجية الملوّنة، والتي لا تتأثر بما يجري حولها أو تؤثّر فيه، إلّا بما يخدم مصالحها.
ومن المعلوم في هذا السياق أنّ الأصوات المحتجّة على دافوس وسياسات العولمة، أدّت إلى قيام تظاهرات في مدن سويسرية بالتزامن مع انعقاد العديد من دوراته، لكنّها ظلّت بعيدة من التأثير في أعماله.
في المقابل يرى مؤيدو دافوس أنّه يقدّم فرصًا لعقد لقاءات وتفاهمات سياسية واقتصادية واجتماعية ترفع الحواجز وتفتح بعض الطرق والمنافذ المسدودة في العلاقات الدولية، ممّا يسهل الانفتاح على الآخر، ويمدّ جسورًا لوصل ما انقطع بين الدول والأشخاص.
 

المراجع:

• http://www.weforum.org/events/world-economic-forum-annual-meeting
• http://www.weforum.org/about/world-economic-forum
• http://en.wikipedia.org/wiki/world-economic-forum
• http://fortune.com/what-is-the-world-economic-forum-annual-meeting-davos