وجوه

داليا فريفر في «غينيس»: إنجاز إعلامي لبناني راقٍ
إعداد: جان دارك أبي ياغي

ببصيرتها الثاقبة وابتسامتها الواثقة خاضت المغامرة وربحت الرهان


القدر وضعها في مواجهة تحديات صعبة، فواجهت بعزم وثقة، وربحت الجولة تلو الأخرى. آخر جولة ربحتها كانت كسر الرقم القياسي في استضافة أكبر عدد ممكن من الشخصيات ومحاورتهم مباشرة على الهواء. إنها الإعلامية داليا فريفر التي بات اسمها في كتاب غينيس.

 

التحدّي ومواجهة الصعوبات
ولدت داليا فريفر في بلدة ميروبا (كسروان) وترعرعت وسط عائلة مؤمنة. هذا الإيمان كان له الأثر البالغ في شخصيتها، وكان أبرز أسلحتها في مواجهة الصعوبات التي اعترضتها في مرحلة لاحقة من حياتها.
تلقّت علومها الابتدائية والثانوية في مدرسة راهبات الصليب في حراجل التي اكتشفت جمال صوتها، وضمتها إلى جوقة المدرسة لإحياء نشاطاتها الفنية إلى جانب الاحتفالات الدينية.
بعد أن أنهت المرحلة الثانوية، تعرّضت داليا لمشكلة في شبكة العين إثر عملية جراحية (ليزر)، ما أفقدها نظرها وهي في عمر الورود (18 عامًا). إلا أنّ هذه الحادثة التي كانت كفيلة بتوجيه ضربة قاسية إلى مستقبلها، لم تستطع النيل من عزيمتها. بإيمان كبير تابعت طريقها، تقدّمت بطلب خاص إلى وزارة التربية والتعليم العالي للتقدّم من الامتحان. فتمّ تعيين مندوب خاص لهذه الغاية.
عمدت إلى تسجيل الدروس وحفظها من خلال السمع. في ذلك الوقت، لم تكن قد تعرّفت بعد إلى البرامج الناطقة المتوافرة على الكومبيوتر أو عبر الأجهزة الخلوية الذكية، فابتكرت طريقة خاصة بها لمراجعة الدروس، ونجحت. لم تتوقف عند هذا الحد، فهي اختارت التحدّي عنوانًا لمسيرة حياتها الجديدة، لأنّ إرادتها كانت أقوى من كل الصعاب التي واجهتها. صممت على المتابعة، ودخلت إلى مدرسة تختص بتعليم المكفوفين، وتابعت فيها دورة تعليمية لمدة أربعة أشهر، قبل أن تنتسب إلى الجامعة اللبنانية للتخصص في علم النفس العيادي. في الوقت ذاته، تابعت دروسًا موسيقية لتهذيب صوتها وصقله (غناء شرقي حديث) في المعهد الوطني اللبناني للموسيقى، لتنطلق بعد ذلك إلى عالم الغناء.
باكورة أعمالها الفنية كانت إصدار CD بعنوان «رسمتك غنية» (احتفلت بتوقيعه في 10 كانون الأول 2016 في جامعة سيدة اللويزة). وإلى إحيائها العديد من الريسيتالات في الرعايا، شاركت في العام 2008، في برنامج «غنّي مع غسان» (غسان الرحباني) الذي عرض على شاشة الـOTV.

 

تجربة الإعلام
تعشق داليا فريفر مهنة الإعلام التي كانت حلمًا يراودها، فخاضت التجربة مجددًا من باب التحدّي، وكسبت الرهان. تجربتها الأولى في هذا المجال كانت في العام 2012، عندما شاركت في مسابقة «الهوا إلك» على إذاعة «صوت لبنان» (الأشرفية)، وهو برنامج أتاح لطلاب الإعلام وللهواة اكتشاف مواهبهم الإعلامية. يومها كان عدد المشتركين 500 متسابق، بقي منهم 16 فقط، تباروا على مدى أربعة أشهر في حضور لجنة حكم، وحصلت داليا على المرتبة الثانية في التصفيات النهائية مع جائزة أفضل حوار.
سبق هذه التجربة، تقديم برنامج بعنوان «إيدك بإيدي» (13 حلقة) على شاشة TV Charity، توجّهت فيه إلى ذوي الاحتياجات الخاصة (أفراد وجمعيات)، وتناول البرنامج دور الإيمان والأهل والمجتمع ووزارة الشؤون الاجتماعية والدولة في دعم هذه الشريحة من الأشخاص.

 

الرقم الصعب
حلم داليا في كسر الرقم القياسي العالمي من خلال الدخول إلى كتاب «غينيس» للأرقام القياسية، فكرة راودتها منذ سنة تقريبًا (كانون الثاني العام 2016)، فعرضتها على صديقتها أمينة سر «المجلس الوطني للإعلام» جاكلين جابر التي شجعتها. ولهذه الغاية، تواصلت في الصيف المنصرم، مع المسؤولين في «غينيس» عبر السيد نبيل كرم (صاحب أكبر متحف للسيارات) الذي ساعد كثيرًا وكان صلة وصل مع مندوب «غينيس» في دبي. بعد ذلك، طرحت الفكرة على رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان طلال المقدسي الذي رحّب بها وتبنّاها منذ اللحظة الأولى، وكانت برعاية «شركة ألفا للاتصالات» التي تعمل فيها منذ أربع سنوات. وكان اليوم الحدث في 28-29 كانون الثاني 2017 (من الساعة الثامنة من صباح يوم السبت، ولغاية الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد).
خلال 24 ساعة من البث المباشر عبر تلفزيون لبنان، وفي حضور مندوب «غينيس» أحمد جابر من مصر الذي قام بتسجيل فترة البث المباشر، استضافت داليا 75 شخصية، (خمسة أسئلة لكل ضيف في 15 دقيقة، من دون تكرار الأسئلة)، كاسرة بذلك الرقم القياسي في الولايات المتحدة العام 1914، حيث تمت استضافة 72 شخصية.
ضيوفها كانوا من كل المجالات السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الإعلامية، الدينية، الفنية، وجمعيات أهلية. عاونها في اختيارهم فريق عمل مؤلّف من: الإعلامية هلا المرّ، الإعلامية جاكلين جابر، غرازيلا وميريــلا ودانيــلا بــو خليــل، مــاري وريتــا سعــاده، شقيقهــا أنطونــي وخطيبتــه.
 

..وربحت الرهان
مرّت فترة الـ24 ساعة كالحلم بالنسبة إلى داليا من دون أي صعوبات تذكر، وأثبتت خلالها مهنية عالية، إذ حافظت على هدوئها واتزانها واحترامها للضيف. وحاورت برقي متسلّحة بثقافة شاملة، وكفاءة نوّه بها كبار الإعلاميين في مجال البث التلفزيوني. شروط «غينيس» سمحت باستراحة مدتها 5 دقائق كل ساعتين لتناول الماء أو أنواع محددة من العصير والطعام، خلال فترة البث. تجاوزت داليا فريفر الصعوبات وربحت الرهان فلمعت عيناها فرحًا.
في صباح اليوم التالي، وبانتظار إعلان النتيجة، غصّ الاستديو في تلفزيون لبنان بأصدقائها المقرّبين الذين أتوا للاحتفال بنجاحها. أعلنت النتيجة بتحقيق الفوز، فقدّم المندوب إلى داليا شهادة «غينيس». بدورها، أهدت هذا التحدّي إلى نفسها، وإلى ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يحق لهم العيش بكرامة مع كامل الحقوق، من خلال تطبيق القانون الخاص بهم الذي أبصر النور منذ حوالى 17 سنة، ولم ينفّذ لغاية اليوم. ووعدت على الهواء، أن تكون صوت كل فرد في مجتمعنا يعاني من إعاقة تمنعه من الوصول إلى أي مكان، وأملت في تحقيق الكثير من الإنجازات (على صعيد الطبابة والتعليم وغيرها...). ثم شكرت كل من آمن بمشروعها ودعمها، معربة عن امتنانها لكل ضيف حضر إلى الاستديو وشجعها. فلولاهم لما حققت هذا الإنجاز ولما أصبحت رقمًا صعبًا في الـ«غينيس بوك». كذلك، شكرت وزير الإعلام ملحم الرياشي الذي بارك لها بالفوز.

 

رسالة
وجّهت داليا رسالة إلى الزملاء الإعلاميين مفادها أن الإعلام رسالة هدفها إظهار الوجه الحقيقي للمجتمع، بعيدًا من التحديات وهوس «الريتينغ» الذي نشهده كل يوم على شاشاتنا. فيجب أن نسعى إلى خلق هوية جديدة للإعلام اللبناني من خلال البرامج الثقافية والاجتماعية والترفيهية والفنية الهادفة، والتي تقدَّم بطريقة راقية تظهر وجه لبنان الحضاري.
كما حيّت عبر مجلة «الجيش» كل جندي على أرض لبنان يؤدّي رسالة مقدّسة عنوانها الشرف والتضحية والوفاء للوطن. فلولا هؤلاء الجنود، لما كنّا ننعم بالأمن والاستقرار.