إقتصاد ومال

دخلت حيز التنفيذ مطلع نيسان الماضي
إعداد: تريز منصور

الشراكة الأوروبية في وجهتي نظر
 د. غالب: لبنان حقق خروقات من خلال اللائحة السلبية
عبود: تنافس غير عادل

وقّع لبنان إتفاقية الشراكة الأوروبية بالأحرف الأولى في منتصف العام 2002، وأصبحت حيز التنفيذ في آذار 2003، وبالتالي أصبحت الأسواق الأوروبية مفتوحة أمام السلع اللبنانية كافة، زراعية كانت أم صناعية. ولكن هذه الإتفاقية كانت تحتاج الى موافقة الاتحاد الأوروبي باسم المجموعة الأوروبية على الاتفاق الأورو متوسطي، لإقامة شراكة بين هذه المجموعة ودولها الأعضاء والجمهورية اللبنانية. ومع إنجاز الأطراف كلها الإجراءات الضرورية للإبرام، بدأ تنفيذ هذه الإتفاقية في الأول من نيسان الماضي.
منحت هذه الإتفاقية لبنان فترة سماح مدتها خمس سنوات يسعى خلالها الى تأهيل صناعته وتطويرها ،والقيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية، واستحداث تشريعات تتماشى وتشريعات الاتحاد الأوروبي، قبل البدء بتحرير التخفيضات الجمركية وفق الجدول المخطط.
حصل لبنان من الاتحاد لغاية الآن على مساعدات فنية ومالية في مجالات مختلفة، زراعية، صناعية، بيئية، اجتماعية، وتربوية. ومن المتوقع أن يحصد من إتفاقية الشراكة فوائد عديدة، تتمثل بتعزيز التكامل الإقليمي بين دول المنطقة وتفعيل دور لبنان كمحور إقليمي، وتعزيز مناخ الأعمال فيه، الى تعزيز دوره التجاري وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة اليه، وتمكينه من التصدير إلى دول الاتحاد. وسوف تسهّل الإتفاقية نقل التكنولوجيا والخبرات الأوروبية الى لبنان، وتسهم في توفير المساعدة الفنية والمالية، وكذلك في زيادة الانتاجية الإجمالية وتعزيز التعاون الصناعي وتعزيز المنافسة وتخفيض الأسعار المحلية.
ولكن الواقع عكس المرتجى، فالقطاعات الانتاجية، الصناعية والزراعية على حد سواء، تعاني كلفة إنتاج مرتفعة ومن ضرائب ورسوم تثقل كاهل الصناعيين والمزارعين غير القادرين على الإستمرارية، وعلى مواكبة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية. وبالتالي فإن المنافسة غير العادلة، سيكون موعد امتحانها الصعب العام 2012، عام التحرير الكامل للسلع الأوروبية. ما هي الشراكة الأوروبية؟ ما أهميتها بالنسبة الى لبنان؟ ما هي التدابير المتخذة لحماية أسواقنا وصناعتنا وزراعتنا؟ أسئلة عديدة عالجتها مجلة «الجيش» مع كل من الخبير الاقتصادي د. جوي غالب، ورئيس جمعية الصناعيين فادي عبود.

 

الدكتور غالب: علينا تطوير قوانيننا

الدكتور جوي غالب (مستشار إقتصادي شارك في الفريق الذي واكب التحضير للشراكة الأوروبية من المراحل الاولى إلى مراحل التنفيذ)، قال:
«إن اتفاقية الشراكة، إتفاق إقتصادي بالدرجة الأولى، يشمل تحرير التجارة والاندماج الاقتصادي البيني على صعيد دول المنطقة والاتحاد الأوروبي، والتقارب بين التشريعات وغير ذلك...
كما انها إتفاق سياسي، إجتماعي وثقافي، تتتوّج بسياسة الجوار كتكملة لمبدأ الشراكة. فقد جاءت هذه الاتفاقية لتكمّل إتفاق التعاون الموقع العام 1977 من قبل معظم الدول العربية، وهو اتفاق محض تجاري يسمح بدخول السلع الصناعية الى الاتحاد الأوروبي من دون أية  تعرفة، وضمن شروط معينة. ولكن وكما هو معلوم، فإن الإتحاد الأوروبي توسع، وتغيرت سياسته، إزاء نشوء تكتلات تجارية في معظم دول العالم. فقد ارتأى الاتحاد إنشاء تكتلات جديدة مع المناطق أو الدول التي تتم بينها تبادلات تجارية مختلفة، من مواد أولية وسلع صناعية إضافة إلى اليد العاملة...
تم التوقيع على إتفاقية الشراكة بالأحرف الأولى في كانون الثاني 2002 في لوكسمبورغ. وبالمبدأ، أي إتفاق يوقع بين الاتحاد الأوروبي وأي دولة أخرى، يجب أن يمر عبر برلمانات 15 دولة أعضاء في هذا الإتحاد للتصديق عليه، فيدخل فعلاً حيز التنفيذ. ولأن هذه العملية تستغرق وقتاً، فقد وضع إتفاق إنتقالي متعلق بالتجارة طبّق في آذار 2003. أما الإتفاقية الأصلية فقد تم إبرامها من قبل الدول الأعضاء كافة في الأول من نيسان الماضي. وبذلك باتت قيد التطبيق، بكامل بنودها التجارية، السياسية، الاقتصادية والثقافية. وان أي تأخير يصدر عن أية دولة في توقيع هذه الإتفاقية، يكون نتيجة ضغوطات سياسية معينة، مثل قانون الإعدام في لبنان...».
وعن الإمتيازات التي حصل عليها لبنان في هذه الاتفاقية قال الدكتور غالب: يأتي لبنان في أسفل قائمة الدول التي وقّعت على إتفاقية الشراكة. ما يعني أنه أفاد من تجارب الدول التي سبقته في المفاوضات، إن لناحية الوقت أو لناحية طرق التفاوض وأساليبه، والإحاطة بخلفية تفكير الاتحاد الأوروبي. كما أن لبنان دولة صغيرة لا تؤثر مثلاً على الاتحاد الأوروبي في الصناعات الزراعية... وبالتالي فإن عملية التفاوض معه كانت سهلة ومريحة بأمور عديدة، ولا تؤثر على سياسته الاقتصادية، عند تنفيذ التحرير الكامل في الصناعة.

 

لائحتان سلبية وإيجابية
 
ادكتور غالب تابع موضحاً: لمن المعروف أن الإتحاد الأوروبي يدعم القطاع الزراعي والمزارعين الى أقصى الحدود من خلال التكتلات الزراعية في فرنسا مثلا، وعلى الرغم من ذلك فقد تمكن لبنان من تحقيق بعض الخروقات على الصعيد الزراعي خلال المفاوضات، وبالتالي سمح له بتصدير المنتجات الزراعية والصناعات الزراعية التي قد تستحدث مستقبلاً، مثل الأجبان والألبان والعصائر... من دون أية تعرفة.
وهذه الأصناف موجودة أصلاً بما يعرف باللائحة السلبية، وممنوع إدخالها الى الأسواق الأوروبية، إلا بموجب تعرفة مرتفعة جداً.
أما المفاوضات التجارية مع الدول الأخرى الموقعة لإتفاقية الشراكة كمصر وتونس وغيرها فقد جرت في المبدأ، على لائحتين للسلع، واحدة إيجابية والأخرى سلبية، وكانت الدول تعتمد على الإيجابية في المفاوضات، ولكن لبنان ،ممثلاً بوزير الاقتصاد (في حينه) الشهيد باسل فيحان، اعتمد اللائحة السلبية والتي تتضمن سلعاً ممنوع دخولها الاتحاد الأوروبي إلا لقاء تعرفة مرتفعة، أما باقي السلع (اللائحة الايجابية) فيمكن دخولها من دون تعرفة، وتندرج في هذا الإطار سلع قد تستحدث وليس لها إسم أصلاً على اللائحة الإيجابية، وقد تشمل هذه السلع القطاعات الصناعية والزراعية كافة، وبالتالي لا يمكن للإتحاد رفضها.
وفكرة الوزير فليحان كان الهدف منها تشجيع المزارعين والصناعيين، وتحفيزهم على الإبتكار والمنافسة في الأسواق الأوروبية، بموجب إتفاقية الشراكة التي شرّعت الأبواب أمام طموحاتهم.

 

المساعدات ومعوقات استثمارها
 
عن مساعدات الإتحاد الأوروبي للبنان قال: مساعدات الإتحاد الأوروبي للبنان سبقت توقيع إتفاقية الشراكة وما زالت لغاية اليوم. وهذه المساعدات هي عبارة عن هبات تقدم بناء على قدرة لبنان الإستيعابية، وذلك وفق خطة يتم وضعها بالتنسيق مع الدولة. وكان جرى الحديث عن خطة 2002-2004، لتقديم مساعدات بقيمة 80 مليون يورو، ولكني أعتقد أن لبنان لم يستفد من المبلغ كله.
وهناك مساعدات قدمت لدعم مشروع الشركات الصغيرة بقيمة 17 مليون يورو،ومشروع دعم الجودة بقيمة 15 مليون يورو، من أجل مكننة الوزارات، ومشاريع لدعم القطاع الزراعي بقيمة 10 ملايين يورو.
ولقد تم التوقيع على عدة مشاريع مع بعض الوزارات ومنها مشاريع خاصة بوزارة الاقتصاد. كما ان الاتحاد التزم للأعوام 2005-2006-2007 مبالغ معينة. ولكن القضية تكمن في التزام الاتحاد تمويل مشاريع تتقدم بها الدولة (زراعية، ادارية، صناعية..). وفي حال عدم تقيد الدولة بوقت التنفيذ المحدد للمشروع، يسحب الإتحاد المبلغ، لعدم الدقة والجدية في التنفيذ.
والجدير ذكره هنا، أن هذه المشكلة يواجهها الإتحاد الأوروبي مع معظم الدول العربية، نظراً لعدم قدرة هذه الدول على استيعاب المبالغ المخصصة لها كمساعدات في مشاريع متعددة. مثلاً، ليس في الوزارات اللبنانية كافة، العدد الكافي من الموظفين القادرين على تحويل الفكرة الى مشروع قابل للتنفيذ. وبالتالي فإن القطاع العام غير قادر على استيعاب المشاريع.
وعمّا إذا كان هناك من مذكرات تفاهم وإتفاقات قد تم توقيعها بين صناعيين أو مزارعين لبنانيين وأوروبيين أمثالهم قال: هناك مذكرات تفاهم تم توقيعها بين إتحاد غرف التجارة في لبنان واتحاد الغرف التجارية في بعض الدول الأوروبية. وقد يكون هناك العديد من الاتفاقات الثنائية بين شركات خاصة ومصانع لبنانية وأوروبية. ولكني أعتقد أن هناك عراقيل كبيرة تحدّ هذه الإتفاقات الثنائية ،لا سيما أن الاتحاد الأوروبي يصدر قوانين جديدة بصورة مستمرة وبشروط معينة تحول دون تطور التبادل التجاري، ومعظم الشروط لا علاقة لها بسلامة الغذاء وبسلامة البيئة. مثلاً قضية إنفلونزا الطيور... أو مثلاً رفض بعض السلع التي لا تتطابق والمواصفات العالمية.
في المبدأ، هناك مركز تحكيمي لحل النزاعات، ولكن الواقع صعب، ففي معظم الأحيان، لا تستحق أية صفقة تجارية، خوض غمار المحاكم والتحكيم من ناحيتنا، بحيث أن كلفة المحامين قد تفوق الأرباح، هذا عدا عن الوقت الضائع... بينما هناك عدد كبير من المحامين من جانب الاتحاد، حاضر لمتابعة أية قضية تجارية، ولديهم القدرة الكافية لتمويل حل النزاعات.

 

اصلاحات وخطوات مستقبلية
 
عن الإصلاحات التي تمت لغاية الآن في الإدارات اللبنانية وفي القطاعات كافة، أكد الدكتور غالب «أن لبنان قام بمجهود كبير في مختلف قطاعاته، من إصلاحات وتأهيل وإصدار تشريعات حديثة ومتطورة مثل قانون حماية المستهلك... ولكن هذه الأمور غير كافية وتحتاج الى المزيد من العمل، لأن تغيير الذهنية يحتاج الى الوقت الكافي، إضافة إلى أن تطبيق القوانين قد يكون صعباً في بعض الأمور، كتطبيق قانون مصلحة حماية المستهلك، الذي يحتاج الى عدد كبير من المراقبين المزودين أجهزة كومبيوتر وغيرها... كما وأن القوانين التي صدرت جيدة جداً ولكن المراسيم التطبيقية قد تتأخر أحياناً سنوات، وبالتالي عند إصدار هذه المراسيم يكون القانون بحد ذاته أصبح غير صالح للتطبيق ويحتاج الى إعادة تطوير وتعديل...».
وأكد أن فترة السماح التي منحها الإتحاد للبنان تنتهي في آذار 2008، لتبدأ تدريجاً عملية تحرير التجارة (أي دخول السلع الأوروبية الى الأسواق اللبنانية) إلى أن يتم العام 2012 تحرير السلع كافة من الرسوم الجمركية. وقد منح الإتحاد لبنان فترة السماح هذه بهدف تحسين صناعته وزراعته وتعزيز قدرته التنافسية مع السلع الأوروبية.
وعن الخطوات المستقبلية التي سوف يتم تحقيقها في ظل تنفيذ إتفاقية الشراكة اعتبر الدكتور غالب «أنه من المبكر جداً الحكم على جدوى هذه الإتفاقية، لأن آثارها الإيجابية والسلبية تحتاج الى الوقت. والمساعدات المقدمة من الإتحاد الأوروبي هي من أجل تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، وبالتالي من أجل تحقيق العدالة في المعاملة بين الإتحاد الذي يضم 25 دولة وبين الدولة الصغيرة لبنان».
وأضاف: الخطوة الثانية التي بدأت اليوم هي عملية التفاوض بين لبنان والاتحاد الأوروبي على ما يسمى بسياسة الجوار وهذه الجولة من المفاوضات تستكمل إتفاقية الشراكة. وبالتالي فإن المواضيع كلها التي تضمنتها الإتفاقية بخطوطها العريضة، بدأت تناقش بأدق تفاصيلها. مثلاً، بدأت اليوم تتحدد المشاريع التي سوف تدخل في إطار التعاون الثقافي، والتعاون السياسي.. وسوف يتم وضع برامج عمل محددة بتواريخ لتنفيذ مشاريع.
وختم قائلاً: ثمة من يعملون في الظل لمتابعة موضوع الشراكة، لا سيما وان الأوضاع الاقتصادية تتطور في ظل العولمة التي علينا متابعتها وتحديث القوانين المتعلقة بها.

 

عبود: ما من قانون يحمي المنتجات اللبنانية
 
رئيس جمعية الصناعيين السيد فادي عبود تحدث عن واقع الصناعة اللبنانية إزاء توقيع الاتفاقيات التجارية، ولا سيما اتفاقية الشراكة الأوروبية، وقال: «أعتقد أنه لا بد من توضيح موقف جمعية الصناعيين، في ما يتعلق بالاتفاقيات التجارية كلها، وفي مقدمها إتفاقية الشراكة الأوروبية. هناك لغط حول الموضوع، من ناحية أن جمعية الصناعيين هي ضد هذه الاتفاقيات، وضد التجارة العالمية. فهذا الكلام غير دقيق، ويؤثر على جمعية الصناعيين وأهدافها.
نحن نرى أن مستقبل الصناعة اللبنانية هو في الانفتاح، والاقتصاد الحر، والاقتصاد التنافسي. ولكن الذي حصل في لبنان على صعيد هذه الاتفاقيات عجيب غريب، لم يتم مثيله في أي بلد آخر في العالم. فلقد اختصر موضوع التحرّر على فتح أبواب الإستيراد من مختلف دول العالم، من دون قيد أو شرط، ومن دون أن ترافق هذه الخطوة، خطوات إضافية ضرورية. فكما هو معلوم، تدعم الدول العربية كلفة الانتاج، إن كان لناحية سعر الأرض أو لناحية الفوائد المصرفية، وتسمح باستقدام العمالة الأجنبية، كما تدعم كلفة الطاقة من كهرباء ومحروقات، فأين نحن من هذا؟
والجدير ذكره هنا أنه مع إنشاء السوق العربية المشتركة، كان من المفترض أن يفسح لنا مجال شراء المازوت من جدة ومصر والشام بواسطة صهاريج خاصة وافراغها في مصانعنا، الأمر الذي لم يتحقق. والنتيجة اليوم، ان كلفة الطاقة أصبحت في لبنان ستة أضعاف ما هي عليه في المنطقة العربية. وازاء هذا الواقع، فإن المنطق والعلم يقولان ان هذا لم يعد اتفاقاً حراً، بل اقتصاد أو إتفاقات، تمنح الصناعات الوطنية لبعض الدول فرصة المنافسة وتحجبها عن غيرها. وهذا تنافس غير عادل.
ففي المبدأ، تسمح هذه الاتفاقيات للبنان باللجوء الى طرق متعددة لحماية صناعته، أو ما يسمى بالإجراءات الوقائية، ومنها منع الإغراق. وهذه المواضيع كانت أساسية في نص الاتفاقية، وكان من المفترض منذ العام 2000 أن يتم إقرار قانون منع الاغراق في الأسواق اللبنانية، الذي أعدته وزارة الاقتصاد وكان لجمعية الصناعيين رأي فيه، ولكن للأسف، لم يتم إقرار هذا القانون، والأسواق مشبعة بالسلع المستوردة. ولا بد من الإشارة الى ان هذا القانون يشكل شرطاً أساسياً من شروط انضمام لبنان الى منظمة التجارة العالمية».

 

المستثمر الأوروبي والثقة
 
عبود اعتبر «أن إفادة لبنان من اتفاقية الشراكة الأوروبية، والتي نراها في باقي الدول وعلى رأسها تونس والمغرب، هي في تهافت الشركات الأوروبية المشتركة على الإستثمار وإنشاء المصانع، ما رفع رقم صادرات تونس مثلاً، الى الاتحاد الأوروبي، الى ما يزيد عن خمسة مليارات يورو. ولكن لم نرَ هذه الظاهرة في لبنان لغاية اليوم، ولم تأتِ شركة أوروبية هامة للإستثمار عندنا، باستثناء شركة «هاينكن» للبيرة، وشركة «نسلة» للمياه، منذ بدء تنفيذ الاتفاقية في آذار العام 2003. والسبب كما أعتقد يعود الى عدم ثقة المستثمر الأوروبي بالقوانين اللبنانية الموجودة، وبالحرية الاقتصادية، وبالقضاء على أكلاف الانتاج المرتفعة جداً في لبنان».
وأضاف: «كأن قدر القطاع الصناعي في لبنان، المنافسة وسط ظروف صعبة جداً وغير انتاجية، ووسط أغلى تعرفة هاتف خليوي في العالم، ناتجة عن الاحتكار وغياب المنافسة، في القطاعات كافة، لا سيما المحروقات منها.
وعلى الرغم من اعتماد لبنان ضريبة القيمة المضافة، والتي من المفترض اعتمادها لتحرير السلع من الضرائب الاستهلاكية الاخرى، نرى ان هناك العديد من الضرائب المنتشرة هنا وهناك تحت اسم رسوم مرفئية ورسوم جمركية مرتفعة جداً، هي ليست لقاء خدمة ما.
لذلك فثمة خطورة في تطبيق اتفاقيات التجارة الحرة، في ظل كلفة انتاج مرتفعة، لا تتناسب مع أكلاف العالم العربي فحسب، بل مع أكلاف الإتحاد الأوروبي. ومن هنا فنحن نقول إن الدولة قد تسرعت في توقيع الإتفاقات، قبل توضيب البيت الداخلي واتخاذ الإجراءات الضرورية، لمواجهة التحديات الاقتصادية والتجارية المطلوبة».
وعن المساعدات الأوروبية الى لبنان، استغرب السيد عبود لهجة الأوروبيين المنتقدة للقطاع العام، وتوجيه المساعدات الى هذا القطاع وحسب. فلقد قدم الاتحاد الأوروبي نحو 16 مليون يورو الى وزارة الاقتصاد من أجل تحسين النوعية والجودة، في حين ان الوزارة المعنية بقضية الإنتاج وبقضايا الصناعة هي وزارة الصناعة وليست وزارة الاقتصاد.
ولفت عبود الى أن «السياسات الإقتصادية المعتمدة منذ نحو 15 عاماً، ولغاية اليوم، ليست صديقة للقطاعات الإنتاجية ولا تقدم لها الحماية. وهذه السياسات ربما تظهر أن لبنان غير صالح لإنتاج الحليب مثلاً، بل ربما هو صالح للسياحة وحسب وعلى الرغم من ذلك فالسياحة تشكو من الإحتكارات الكبيرة. وبالتالي يمكننا القول، إن السياسة الاقتصادية في لبنان، مبنية على أساس إحتكارات وعلى أساس جزر إقتصادية يستفيد منها البعض».

 

الصادرات تضاعفت على الرغم من المعوقات
 
عن القطاع الصناعي اليوم، والتحضيرات التي يقوم بها هذا القطاع لمواجهة التحديات ،على الرغم من الظروف الانتاجية الصعبة، قال عبود «ان نسبة الصادرات قد تضاعفت في السنوات الخمس الأخيرة بقيمة 800 مليون دولار. وهذه النسبة ساهم بزيادتها بعض القطاعات منها، الصناعات الغذائية، صناعة الترابة، المطبوعات، المجوهرات، تصميم الأزياء (الأزياء الباهظة الثمن)، المحولات الكهربائية، صناعة النبيذ (ترفع نسبة الإنتاج نحو 20 في المئة في السنة)، كما وان بعض القطاعات الصناعية جيد جداً.
ولكن هذا لا ينفي حقيقة وجود قطاعات قد تضررت بشكل أساسي اثر توقيع الإتفاقيات التجارية. فمثلاً قطاع الملابس، تضرر بشكل أساسي وتم اقفال نحو 560 مصنعاً، وخسارة نحو 20 ألف فرصة عمل، وذلك جراء تخفيض التعريفات الجمركية عن هذا القطاع بنسبة 30 في المئة دفعة واحدة بدلاً من تخفيضها تدريجاً. وبالتالي فإن العديد من المصانع لجأ الى دول مجاورة، للإنتاج فيها مثل مصر، حيث كلفة الانتاج منخفضة واليد العاملة رخيصة. وهذه المصانع تنتج اليوم في مصر وتصدّر الى أهم أسواق العالم».
واعتبر عبود أخيراً أن الحل يكمن في تطبيق كامل الإتفاقيات واتخاذ الإجراءات الضرورية مثل: وضع رسوم جديدة على سلع منافسة، وإقرار قانون منع إغراق الأسواق بالسلع التي تقل كلفة انتاجها عن مثيلتها في لبنان، المشتقات الزراعية وغيرها... والأخذ في الاعتبار إن الانتاج الزراعي مدعوم بشكل قوي في دول الاتحاد الأوروبي ودول العالم على حدٍ سواء.
الى ذلك فإن قوى السوق سوف تفرض نفسها على نوعية الانتاج وحجمه، ومن هنا ضرورة إنشاء معاهد خاصة بالطباعة وبقطاع المجوهرات. ولا بد للدولة من دعم قطاعات جديدة في الصناعة ذات قيمة مضافة، لا سيما الصناعات الغذائية (زيت الزيتون)، الصناعات الميكانيكية، والآلات الأوتوماتيكية (أفران الخبز)، برمجة الكومبيوتر، والحفاظ على الأدمغة اللبنانية التي تهاجر بالآلاف، اضافة الى تشجيع إصدار براءات الإختراع، وما أكثرها عند شعب أبدع في مختلف دول العالم.
وأخيراً، علينا إعادة تعريف السياسة في لبنان، لأنها في المبدأ لخدمة المواطن وليس العكس. وعلينا السير على خطى ايرلندا بالاصلاح الاقتصادي، وتبنّي نموذج تجربة شركة طيران الشرق الأوسط الناجحة».