إقتصاد ومال

د.خلف: فترة الهدوء الراهنة ستعقبها ارتفاعات جديدة وبورصة بيروت في حالة نمو وترقّب
إعداد: تريز منصور

الأزمة العقارية الأميركية خضّت الأسواق المالية العالمية

شهدت أسواق المال العالمية عدة انخفاضات في السنوات الخمس الأخيرة، ما جعل الأسواق في حركات تصحيحية دائمة. وآخرها كان في بداية العام الحالي، ما تسببت به أزمة الرهن العقاري الأميركية. حيث شهدت الأسواق العالمية انهيارات في الأسهم الأميركية والأوروبية ترجمت خضّات ملحوظة في البورصات العربية وتراجعات كبيرة في الأسهم، بفعل العدوى الأوروبية، وارتباطات هذه الأسهم بالبورصات العالمية.
أما التأثير على لبنان والأسواق المالية فيه، فجاء من خلال خروج بعض المتعاملين في سوق بيروت، بمعنى التخلي عن محفظة أسهمهم، في إطار السعي الى الحصول على سيولة لتعويض خسائرهم في البورصات العربية ولتلافي الخضّات. في ما خلا ذلك فإن بورصة بيروت والأوراق المالية اللبنانية كانتا الأقل تأثراً بتطورات خضّات الأسواق الخارجية، لا سيما العربية، كما أن الأوراق اللبنانية المطروحة في الخارج لم تتأثر بما يتعدى تطور أسعارها في الداخل، لناحية التراجع أو التحسن، ما يؤكد متانتها قياساً الى ما حصل في الخارج. وتتفاعل الأسواق المالية اللبنانية والأسهم المتداولة مع التطورات الإيجابية في الارتفاع، أكثر من تفاعلها مع التطورات السلبية بالتراجع، وهذا واضح من خلال عودة بعض الأسهم الى التحسن.
ولإلقاء المزيد من الضوء على هذه القضية المالية، التقت مجلة «الجيش» مدير عام بورصة بيروت الدكتور فادي خلف، وكان هذا الحوار.

 


أسباب الانخفاضات في أسواق المال
• ما هي الأسباب الرئيسة التي أدت الى الإنخفاضات الحادة في أسواق المال العالمية؟


- لقد ساهم ارتفاع حجم الكتلة النقدية في تحسّن الأوراق المالية وارتفاع أسعار الأسهم في البورصة الى مستويات فاقت قيمتها الدفترية الحقيقية، وتعتبر هذه المستويات، إذا ما زادت كثيراً عن معدلاتها، بمنزلة فقاقيع. إزاء هذا الواقع تلجأ الشركات الى تحقيق المزيد من الأرباح من خلال عمليات البيع. يضاف الى ذلك إدراك المستثمرين الكبار أن الأسعار لن تستقر على معدلاتها الوهمية، لذلك يعمدون الى بيع الأسهم بعد تحقيق الأرباح الكبيرة. وبالتالي يصحح السوق نفسه، وهنا نرى أنه في فترات الإنخفاض تتم عمليات الشراء كما حصل العام 2004 بينما تحققت الأرباح في بداية العامين 2005 - 2006.
وأضاف د. خلف قائلاً:
يمكننا اعتبار الإنخفاض الحاصل اليوم في أسواق المال العالمية والعربية نتيجة سببين رئيسين:
1- الإنخفاض الحاد الذي حصل في الأسواق المالية العالمية والذي بدأ مع ما سمي أزمة «ساب برايم» (Sub Prime)، وهي أزمة التسليفات المصرفية العقارية التي نشطت وبشكل كبير من جراء الفورة العقارية في الولايات المتحدة وفي أوروبا. فالمواطن اشترى الشقق والعقارات بأسعار مرتفعة، وعندما بلغت الأسعار معدلاتها القصوى انخفضت وعرضت للبيع، وكان الطلب عليها ضعيفاً جداً، وكانت النتيجة مطالبة المصارف بالديون المترتبة على المستثمرين الذين باتوا عاجزين عن دفع مستحقاتهم. ولقد وضعت المصارف يدها على هذه العقارات، لكنها لم تستطع بدورها بيعها بالأسعار المتوقعة نتيجة قيمة تخميناتها المرتفعة، فشكّلت عليها وعلى أرباحها أعباء كبيرة.
وقد انعكست هذه الأزمة أيضاً على الأسواق الخليجية التي تتفاعل بطبيعة الحال مع الأسواق العالمية. فعندما انخفضت الأسعار في الولايات المتحدة وأوروبا، سارع المستثمر الخليجي الى تسييل أسهمه بغية إيفاء متوجباته للأسواق العالمية. ومن جهة أخرى، خفّض المستثمر  الأجنبي من حجم استثماراته في منطقة الخليج نتيجة متابعته للأزمة في الأسواق المالية العالمية.
2- كما هو معلوم، بعد كل صعود تتم الحركة التصحيحية، والصعود بدأ منذ منتصف العام 2007 واستمر لنهايته، بعدها جاءت الفترة التصحيحية. ويمكن اعتبار هذا الصعود نسبياً بالمقارنة مع الصعود الذي استمر ثلاث سنوات منذ العام 2003 وحتى العام 2006، وعملية التصحيح خلاله كانت أقصى وأقوى.

 

هدوء تعقبه إرتفاعات جديدة
• هل من علاقة بين ارتفاع أسعار النفط وبين ارتفاع أسعار الأسهم، وكيف سيكون تأثير ذلك على الإقتصاد عالمياً وعربياً؟
- إن ارتفاع أسعار الأسهم ناتج عن ارتفاع أسعار النفط، أما الإنخفاض فهو حركة تصحيحية لأن الإرتفاع يكون سريعاً جداً.
ومنذ العام 2000 وحتى العام 2007 شهدت أسواق المال العالمية ارتفاعات كبيرة، كان من الطبيعي أن يتم الإنخفاض على أثرها، وهذا سوف يستمر لفترة طويلة، تهدأ فيها الأسواق، ما يساعدها على استيعاب الإرتفاع السابق وترسيخه، الى أن تعود الأسعار وترتفع من جديد. والحال هو نفسه في الأسواق العربية التي تأثرت بهذا الإنخفاض مرحلياً، ولكن السيولة ما زالت تضخ في الأسواق، نتيجة ارتفاع أسعار النفط والاستراحة الطويلة بعد عملية التصحيح والتي دامت زهاء السنة والنصف. فالارتفاعات الخيالية السابقة بعيدة عن بورصات بعض الدول مثل الكويت، البحرين، مسقط والقاهرة، وهو عكس ما يحصل في بورصة السعودية. فالأسواق التي ارتفعت أسهمها كثيراً ومن ثم عادت وانخفضت بقوة العامين 2006 - 2007 هي أسواق السعودية، قطر والإمارات، وهي الأسواق نفسها التي تأثرت بقوة بالانخفاض العالمي. والتفاوت في الانخفاضات الحاصل بين الأسواق العربية عائد الى حجم المضاربات الحادة والإرتفاعات الكبيرة التي حصلت في بورصاتها.
واعتبر د. خلف أن فترة الهدوء ستعقبها ارتفاعات جديدة من جراء الاستمرار في ارتفاع سعر النفط، وحاجة الماردين الهندي والصيني الى خيرات الأرض. من ناحية أخرى قد تشهد أسعار النفط استقراراً وجيزاً من جراء الهدوء في الاقتصادين الأميركي والأوروبي، لكن هذه الأسعار ستعود الى الارتفاع وسيرتفع حجم الكتلة النقدية، وبالتالي ستشهد الأسواق المزيد من الاستثمارات العربية والارتفاعات وهذا كله خير للمنطقة. ونأمل أن تتم الارتفاعات هذه المرة بخطى ثابتة، وأن لا تكون فقاقيع مضاربة تؤدي الى حركات تصحيحية كبيرة كالتي شهدناها.

 

لعبة العرض والطلب
• هل يؤثر الانخفاض الحاد الذي شهدته الأسواق المالية بطريقة غير مباشرة على إنتاجية المصانع وبالتالي على ارتفاع أسعار السلع؟
- إن لمجريات الأحداث على الأسواق المالية تأثيرات مباشرة وأخرى غير مباشرة، ولكن الحركة التصحيحية التي حصلت، لم تكن بحجم يتيح تأثيرها على الفرد بطريقة مباشرة، لأن الترددات السلبية استمرت لمدة ثلاثة أيام. ولكنها قد تؤثر بطريقة غير مباشرة، إذ أن الفرد الذي خسر من مدخراته، سوف يخفف من مشترياته، وبالتالي تظهر هنا لعبة العرض والطلب.
• هل للسياسة ولترقبات الحرب في منطقة الشرق الأوسط أي تأثير على أسعار النفط؟
- تؤثر الحرب على أسعار المعادن وعلى النفط، ولكن وقوع حرب يبقى احتمالاً بعيداً. والأسواق العالمية تأخذ في الاعتبار المتغيرات السياسية التي تغير السياسة الاقتصادية العالمية الى حد ما، وكذلك الحروب، ولكنني أرى أن الأسواق المالية لم تلحظ أي شيء من هذا القبيل. فالسياسة الإقتصادية أمر والعوامل العامة أمر آخر. فإذا عاد النمو مجدداً بقوة الى الصين والهند (مليارين ونصف مليار نسمة)، فسوف ترتفع أسعار النفط مجدداً. كما أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية تؤثر لناحية سعر صرف الدولار: ماذا تريد دولاراً قوياً أم ضعيفاً؟ وكذلك ثمة تأثير لعنصر الطلب على الأسهم الأميركية أو الأوروبية.
والسؤال الذي يطرح هنا هو حول العلاقة بين طول الفترة التصحيحية واستهلاك النفط.
وأضاف: «بالنسبة الى البورصات العربية، أنا لست متخوفاً من حركات تصحيحية كبيرة كما كان الحال العام 2005، فقد باتت قدرة السوق على الاحتمال معروفة، وأصبح لديهم من الخبرة ما يكفي، فالخسارة تعلّم الربح».

 


ان الفرد الذي خسر من مدخراته سوف يخفف من مشترياته وبالتالي تظهر هنا لعبة العرض والطلب


تأثير إيجابي وتطوير للأعمال
• هل يحدد علم الأسواق الفترات الزمنية المحددة للحركات التصحيحية؟
- تقنياً، إن النسبة المئوية لقيمة الانخفاض تتحدد من قيمة الارتفاع صعوداً. فالأسعار التي ترتفع بطريقة معتدلة، تنخفض أيضاً بطريقة معتدلة.
• ما هو جديد بورصة بيروت وكيف تلقّفت صدمة الحركة التصحيحية؟
- إن العمل في بورصة بيروت يسير بطريقة طبيعية وجيدة، وآخر جديدها موقع إلكتروني متطور يمكّن المستثمر من مشاهدة تطورات حركة الأسعار والتداول الإلكتروني عبر الإنترنت، وخلال الأيام المقبلة سوف تعود شركات المقاصة الى تقديم الخدمات الى زبائنها. كما أن نظام التداول الإلكتروني المعتمد V3 يتم تطويره الى V3+ وهو النظام الأكثر تطوراً في العالم.
ومن المشاريع ايضاً، نقل البورصة الى بناء آخر جديد، وهو في طور بنائه تقنياً، وسوف يكون جاهزاً لعمليات التداول في حال حدوث أي طارئ.
وأضاف الدكتور خلف: «من فوائد الإدراج على البورصة، تمويل الشركات من خلال الانفتاح على أسواق رأس المال، إطلاق أسهم أو سندات وزيادة رأس المال من خلال الزيادة التنافسية مع شركات إقليمية أخرى. عادة تفوق القيمة السوقية للشركات المدرجة القيمة الدفترية لها، وبالتالي من مصلحة الشركات المدرجة الرفع من قيمة أسهمها. كما أن كلفة تمويل الشركات، أقل من التمويل المصرفي باعتبار أنه لا يترتب على الشركات أية التزامات سنوية تذكر من ناحية الفوائد، إلا في حالة الربح وتوزيعه على المساهمين.
وهناك أيضاً زيادة الأموال الصافية وترتيب الأصول لاحقاً الى قروض، بالتالي زيادة رأسمالها قبل إدراجها على البورصة. وبالتالي مع زيادة رأس المال، تتمكن الشركات من تحصيل سلفات أكبر من المصارف.
من ناحية الحوافز الضريبية وفوائد الإجراءات على البورصة، هناك إعفاء للشركات المدرجة على البورصة (خاضع لقانون تشجيع الاستثمار)، من الضريبة على الدخل لمدة سنتين عى الأقل، إضافة الى خفض الضريبة على توزيع أرصدة الأرباح. وهذه الحوافز شجّعت بعض المصارف على أن تكون مدرجة على البورصة.
• كيف كان وقع الانخفاض العالمي الذي تمّ في البورصات العالمية على بورصة بيروت؟
- في الفصل الثالث من العام 2005، وصل حجم الأسعار في بعض البورصات العربية الخليجية المصدرة للنفط الى تسعة أضعاف لا بل وصلت القيمة الدفترية الى 60 مرة أكثر في بعض الشركات، أي الى أعلى المستويات في الفترة السابقة، في الوقت الذي بلغت فيه بورصة بيروت الارتفاع الكبير في الفصل الرابع من العام 2005. وهذا الأمر دفع بالمستثمرين المراقبين لارتفاع الأسعار الى الاستفادة من كثرة السيولة، بالتوجه الى أسواق مناسبة للاستثمار، حيث الأسعار ما زالت مشجعة للشراء، كالأردن ولبنان ومصر. ومن هنا يبدو لنا الارتفاع المعتدل الذي حصل في الفصل الرابع من العام 2005 في بورصة بيروت واستمر في الفصل الأول من العام 2006، في الوقت الذي كانت فيه الأسعار ترتفع في البورصات العربية الى أعلى مستوياتها، ومن ثم بدأت الحركة التصحيحية، حيث انخفضت بنسبة 75 في المئة في السعودية وقطر، والإمارات 80 في المئة، مقارنة مع حجم الارتفاع. أما في بورصة بيروت فالانخفاض كان محدوداً، نظراً الى حجم الارتفاع المعتدل لقيمة الأسهم الدفترية. وأرى أن الأسعار سوف تعود الى الارتفاع من جديد نظراً الى استيعاب السوق للأسعار من جديد.
الأسعار استمرت وما زالت في بورصة بيروت جاذبة للشراء بحكم القيمة الفعلية للأسهم المدرجة على البورصة. ونلاحظ أنه على أثر أي حدث مؤلم يحصل في لبنان، تتراجع قيمة الأسهم بعض الشيء، ويتهافت المستثمرون وبأعداد كبيرة على الشراء، الأمر الذي يرفع سعرها من جديد وبشكل ملحوظ.
وأخيراً اعتبر د. خلف أن بورصة بيروت قادرة على الإستفادة من الطفرة النفطية بشكل متوازن ولا يؤثر على عملها أو يسبب خضّة مالية في أثناء عملية التصحيح.