كلمتي

درءاً للفتنة
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

لقد تخطّت صعوبة الأوضاع الأخيرة في البلاد كل صعوبة، بازدياد الاحتقان، واختلاف أساليب الصراع بين الأخوة، وتوالي التحديات، وإطلاق بعض وسائل الإعلام العنان لأبواق متهورة غير مسؤولة أحياناً، ومتعمدة الأذى أحياناً أخرى. وكان دور الجيش أن يلتزم رسالته الوطنية الثابتة، وذلك بالبقاء على مسافة واحدة من الجميع. مسافة تقرّبه كثيراً من كل طرف ولا تؤدي به للانحياز اليه، وتبعده عنه ولا تمنعه من الاهتمام به.
ولم يسلم الجيش من بعض السهام، معنوية كانت أو غير معنوية، واستوعب التشنجات وتحمّل الجراح، تماماً كما تلقاها الكثيرون من الأبرياء، إنما من دون السير في طريق التحدي، ومن دون رفع الصوت صراخاً وعويلاً وتظلماً... أو كفراً بالوطن. لكم سأل سائل: ماذا يفعل الجنود في الشارع يروحون ويجيئون والرصاص فوق رؤوسهم لا يهدأ؟ الجواب: إن الجنود يطاردون الفتنة. ويضيف السائل: هل إنّ الجنود هم على الحياد؟ والجواب: لا يكفي أن يكون الجنود على الحياد، إنهم ضد الفتنة.
لقد اعتبر الجيش أن جرحى المواطنين هم جرحاه، بالرغم من أنه دعا مسبقاً الى عدم الاحتكام للعنف وعدم الاستسلام للغضب. كما أنه اعتبر شهداءهم شهداءه، بالرغم من أنه حذّر، وكرّر التحذير، من مغبة اللجوء الى لغة السلاح، اللغة التي لا ينفع معها أي ندم. لم يعتبر أنّ في الإنذار عذراً أو مدخلاً لعدم تحمّل النتائج، مخالفاً بذلك قاعدة «لقد أعذر من أنذر»، كما أنه لم يُلق المسؤوليات على المجهول. وها هو قد حافظ على وحدة البلاد حفاظه على وحدته، وحرص على ترسيخ وحدته حرصه على ترسيخ وحدة البلاد، ولم يكن ذلك أمراً سهلاً في ذاك الظرف الصعب الذي عصفت فيه الأنواء من كل اتجاه.
إنّ حكمة القيادة، وتماسك الوحدات، وانضباط العسكريين وتضحياتهم، ومساعي الخير من قريب ومن بعيد، جنّبت الوطن ما كانت أيدي الشر تخطط له، وتهيئ وتدبّر، في الخفاء وفي العلن، وها هي السفينة ترسو عند شاطئ الأمان.
صفحات جديدة ناصعة أضافها هذا الجيش الى سجلّه المشرّف، وهذه، في أي حال، سيرته على مدى تاريخه، سيرة لم يَحِد يوماً عن موجباتها، ولم يقصّر في إنجاز مقتضياتها في الداخل أو في الخارج. صمد في مقارعة العدو الإسرائيلي باستمرار، وكان مدفعه جاهزاً في كل موقعة، كما أنه واجه الإرهاب، العدو الثاني، وقدّم في ذلك الدم رخيصاً، وحفظ بالتالي أمن المواطنين بكل وسيلة مناسبة، وكان المبدأ في ذلك أن المدفع يصوب نحو العدو، أمّا سلاح الداخل فهو التفاهم والتراضي وقبول الآخر واعتماد الحرية المسؤولة، والإيمان بلبنان وطناً تتنوع ألوانه في لوحة واحدة، خالدة خلود الأرز، جميلة جمال القمم والسفوح.