دراسات وأبحاث

درع الدفاع الصاروخي الأميركي في أوروبا
إعداد: الدكتور احمد علّو
عميد متقاعد

المشكلة قــائمـة والحل مؤجل

واجه سعي الولايات المتحدة الأميركية إلى توسيع مشروع الدرع الصاروخي ليشمل أوروبا، اعتراضات كان أبرزها من روسيا، التي اعتبرت أن وجود صواريخ ورادارات أميركية على مقربة من أراضيها، يشكل تهديداً لأمنها القومي.
في ما يأتي أضواء على الدرع الصاروخي الذي تسعى الولايات المتحدة بمقتضاه إلى بناء قواعد أرضية في أوروبا إضافة إلى تلك التي أقامتها في ألاسكا وكاليفورنيا.

 

ما هي نظرية الدفاع الصاروخي؟
ترتكز نظرية الدفاع الصاروخي الأميركية على «مبادرة الدفاع الاستراتيجي» التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في 23 آذار العام 1983 وعُرفت باسم حرب النجوم (Stars War)، واستمر العمل بها حتى فترة إدارة الرئيس بوش الأب، وقد أسهمت في تسريع إنهيار الإتحاد السوفياتي السابق العام 1991.
وتقوم نظرية الدرع الصاروخي على بناء قواعد ومنصات صاروخية وتجهيزها في البحر والفضاء الخارجي، مزودة أجهزة تكنولوجية متطورة، وفي طبقات متعددة، تكون جاهزة لاعتراض وتدمير أي صاروخ يطلق من الأرض أو الفضاء ضد الولايات المتحدة وقواتها وحلفائها في أنحاء العالم.
ويعـود سبـب إعادة إحيـاء فكــرة الدرع الصاروخي الأميركي إلى التهديدات التي ترى الولايات أنها تواجهها بعد أحداث 11 أيلول العام 2001، وغــزو أفغانستــان، واحتــلال العراق، وخوفها من أن تمتلك دول (تعتبرها أميركا عدائية، وتطلق عليها لقب «الدول المارقة»)، أو «منظــمات إرهاب دولية» صواريخ عابرة أو بعيدة المدى، برؤوس تقليدية، أو تمتلك أسلحة دمار شامــل، ووسائل إيصالهــا إلى الأرض الأميركية أو أراضي الحلفاء، أو قواعد قواتها المنتشرة حول العالم.


• ما هو الصاروخ البالستي؟
يرتكز بناء الصاروخ البالستي الحديث على تصميم الصاروخ الإلماني V2 الذي أطلقه هتلر خلال الحرب العالمية الثانية على بريطانيا، مستخدماً رأساً حربياً تقليدياً من المتفجرات بلغ وزنها في الصاروخ الواحد حوالى 1000 كلغ من مادة T.N.T. (أطلق منه عدة آلاف خلال الحرب).
يعتبر الصاروخ البالستي، مدفعية بعيدة المدى في حروب اليوم، كما أنه يمتاز بتأثيرة المعنوي البارز على الآخرين، وتكمن فعاليته وفائدته في عدم فاعلية الدفاعات المضادة له حتى الآن.


• كيف يتم إطلاق الصاروخ البالستي؟
يتم اطلاق الصواريخ من:
- القواعد الأرضية:
- العنابر (السلوات) الخاصة به تحت الأرض (Silo).
- المنصات المتحركة على عربات أو قطارات.


- القواعد البحرية:
- الغواصات حيث يطلق من تحت الماء.
- البوارج، في البحر أو في المرافئ.


- القواعد الجوية:
- بواسطة الطائرات أو المحطات الفضائية.
يسمى الصاروخ بالستياً لأنه يخضع في سيره وهبوطه لمبدأي الدفع والجاذبية، كرمي الكرة أو الرمح في الجو، فهو يحتاج الى قوة دافعة هي المحرك الذي يرفعه إلى الفـضاء ومن ثم يسقط بقوة الجاذبية، أي أنه لا يطير منفرداً، إنه ببساطة يرتفع إلى الأعلى، وبعد بلوغه النقطة القصوى يهبط على الهدف المحدد. ومن هنا يجب أن نميز بينه والصاروخ الجوال «كروز» (Cruise) الذي هو طائرة بدون طيار، يتم توجيهه عن بعد. أو هو مبرمج مسبقاً باتجاه الهدف، فيطير في الهواء فقط يحرق محركه الأوكسجين كباقي الطائرات، بينما نرى أن الصاروخ البالستي يرتفع من خلال محرك يعمل بوقـود خاص سائل، أو صلب، أو الإثنين معاً، وعملية الاحتراق تتم داخل محرك الصاروخ، ولا يستخدم الأوكسجين من الهواء الخارجي.
- تبلغ سرعة الصاروخ كروز ضعفي سرعة الصوت (2000 كلم/ساعة) بينما تصل سرعة البالستي إلى حوالى 25 ألف كلم/ساعة (حد أقصى).


• مواصفات أخرى:
يتخذ الصاروخ البالستي شكل أنبوب اسطواني (Cylinder)، ويبلغ طوله ما بين 10 أمتار و30 متراً، أو أكثر، ويتألف من الأقسام الآتية:
- المحرك: في أسفل الصاروخ وهو الذي يتولى عملية إحراق الوقود اللازم لدفع الصاروخ إلى الأعلى.
- الوقود: قد يكون من السوائل (هيدروجين + اوكسجين + كاربون)، أو من الصلب، كالزنك والمانغنيزيوم وأخلاط معدنية معــينة، + الأوكســجين الصـلب، وبعـض معدِّلات الإحتراق.
- دماغ الصاروخ: يتضمن أجهزة التوجيه والقيادة.
- الحمولة: تراوح بين قمر اصطناعي مبرمج لوضعه في مدار الأرض أو رأس الصاروخ أو رأس حربي قد يتكون من متفجرات عادية، أو سلاح كيماوي أو جرثومي، أو سلاح نووي...


• أنواع الصواريخ البالستية:
تصنف الصواريخ وفقاً لحمولتها، أو لمداها، وذلك كما يأتي:
- صواريخ قصيرة المدى: وهي التي لا يزيد مداها عن 1000 كلم (SRBM).
- صواريخ المدى الوسط: ما بين 1000  و2500كلم (MRBM).
- صواريخ متوسطة المدى: ما بين 2500 - 3000 و 5500 كلم (IRBM).
- صواريخ عابرة للقارات: وهي ما يزيد مداها عن 5500 كلم (ICBM).
- صواريخ الغواصات: وهي عادة ما تكون عابرة للقارات (SLBM) (المصطلح الانكليزي بين هلالين يدل على نوع الصاروخ من حيث المدى في الحرفين الاولين، والحرفين الاخيرين BM هي اختصار Ballistic Missile).


• مراحل تحليق الصاروخ:
- مرحلة الدفع (Boost Phase):
وتستمر من 3 إلى 5 دقائق. ويبلغ الصاروخ في نهايتها ارتفاعاً ما بين 150 كلم إلى 400 كلم، وذلك وفـق المسـار المحدد له، أما سرعته في هذه المرحلـة فتبلغ 7 كلم/ثانية وينتقل فيها الصاروخ إلى خارج الغلاف الجوي (100 كلم).


• مرحلة المسار الحر (Free - Fall):
تدوم هذه المرحلة حوالى 25 دقيقة، وفيها ينتقل الصاروخ في مسار مداري حول الأرض خــارج الغــلاف الجوي ويصل إلى إرتفاع حوالى 1200 كلم فوق سطــح البحر، وهي نقطة الذروة (Apogée)، بعدها يعاود الهبوط الحر.


• مرحلة العودة (Reentry):
وتبدأ هذه المرحلة فوق الأرض بحوالى 100 كلم، أي عندما يدخل الصاروخ جو الأرض، وتدوم دقيقتين قبل بلوغ الهدف بسرعة تفوق 1 كلم في الثانية.


• كيفية عمل المنظومة المضادة للصواريخ:
إن الإعتــراض الأفـضل والأكثر فاعلية للصواريخ، هو ذلك الذي يتم في المرحلة الأولى لإنطلاق الصاروخ، أي مرحلة الدفع والصعود (Boost Phase)، فبذلك يُمنع الرأس الحربي من الوصول إلى الهدف المحدد، ويسقط بفعل الجاذبية إلى الأرض، ولا ينفجر، حتى ولو سقط على مكان إطلاقه، ذلك أن تشغيل الرؤوس الحربية في الصواريخ البالستية لا يتم إلاّ في نهاية المرحلة الثانية، أو بداية المرحلة الثالثة من مسارها.
إن تدمير الصاروخ في مرحلته الثانية أو الثالثة يصبح مهمة صعبة جداً، ومن هنا أهمية اعتراضه في مرحلته الأولى أي بعيد إطلاقه، وأهمية اكتشافه في اللحظات الأولى لانطلاقه، وذلك بواسطة الرادارات المتطورة، أو الأقمار الاصطناعية المنتشرة في المدار حول الأرض، سواء تلك المخصصة للرصد والإكتشاف، أو المزودة مولدات ليزرية (Laser).
لذلك تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة شبكة كونية من الأنظمة الدفاعية ضد الصواريخ تمتد من الأراضي الأميركية، وعبر المحيطات بواسطة أساطيلها البحرية، وتسعى لنشر الأجهزة المضادة من الرادارات وقواعد الصواريخ عبر البر الأوروبي والآسيوي والأفريقي، وذلك بهدف حماية أمنها، وتأمين هيمنتها على العالم من خلال هذه المنظومة المتكاملة حول العالم، والمعززة بشبكة من القواعد والأقمار الإصطناعية في الفضاء الخارجي لتأمين تكامل عمل هذه المنظومة الدفاعية.

 

قواعد وسيطة على الأراضي الأوروبية
تبنت الإدارات الأميركية المتعاقبة فكرة إنشاء منظومة دفاعية ضد الصواريخ البالستية البعيدة المدى، والتي تشكّل «الدول المارقة (في عرف الولايات المتحدة)، مصدراً لها، وتعتقد إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش (الإبن) أن كوريا الشمالية، وإيران تشكلان تهديداً إستراتيجياً للولايات المتحدة، على الرغم من إعلان أجهزة المخابرات الأميركية أن إيران قد أوقفت برنامجها النووي العسكري منذ العام 2003.
قامت الإدارة الأميركية ببناء قواعد مضادة للصواريخ البالستية البعيدة المدى في الأسكا، وكاليفورنيا لحماية الأراضي الأميركية من الخطر الكوري الشمالي الصاروخي، واقترحت بناء قواعد أرضية وسيطة على الأراضي الأوروبية للدفاع ضد التهديد الصاروخي الإيراني.
يتضمن المشروع الأميركي، إقامة منظومة صاروخية دفاعية ترتكز على نشر 10 صواريخ إعتراضية على الأراضي البولندية، وإقامة رادار على الأراضي التشيكية، وآخر على أراضي دولة أخرى تكون أكثر قرباً لإيران، على أن يتم إنجاز هذا المشروع العام 2013 وبكلفة تبلغ 4.8 بليون دولار.

 

بين الصناعة والاستراتيجية
باشرت الولايات المتحدة بتصنيع الصواريخ الاعتراضية منذ تسعينيات القرن الماضي، وأجرت الكثير من التجارب على مدى فاعليتها وأهليتها في التصدي للصواريخ البالستية المهاجمة، وسجل العام 2007 بداية نجاح التجارب على هذه الصواريخ، بعد تجارب فاشلة الأعوام 2004 و2005 و2006، وقد تمّ التعاقد مع بعض مجمـعات الصناعة العسكرية الأميركية لإنتـاج هذه الصواريخ، وبكلفـة تبـلغ بلايين الدولارات. (180 بليون دولار أنفقت حتى الآن على مشـروع الدرع الصاروخي في أوروبا)، ونظراً إلى العلاقة الوطيدة، بيـن مجمعات الصناعة العسكرية الأميركية وواضعي إستراتيجيات الدفاع في وزارة الدفاع الأميركية، وتأثيرهم الكبير في إدارة الرئيس بوش، أو انتمائهم إلى جماعات الضغط السياسية وتأثيرهم في سباق الانتخابات الرئاسية ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وكون أغلب أصحاب المجمعات الصناعية الحربية تدعم الحزب الجمهوري (حزب الرئيس بوش) فإن الإدارة الأميركية الحالية تسعى بكل قوة لإقناع حلفائها الأوروبيين، وروسيا بجدوى نشر منظومة الدفاع الصاروخي هذه في أوروبا، وذلك لتثبيت العقود التجارية لإنتاج الصواريخ والرادارات، وإقامة البنى التحـتية اللازمـة لهـا، والتـي تعـود بالنفـع المـادي على اللوبـي الجمهوري، وقبل انتهاء ولاية الرئيس بوش.

 

موجة اعتراضات
واجهت هذا المشروع، منذ اعلان البدء بتنفيذه، موجة من الاعتراضات من قبل بعض الدول الأوروبية، داخل منظمة الناتو (NATO) كإلمانيا وفرنسا، ولوكسمبورغ، وحتى من قبل القوى السياسية والأحزاب داخل كل من بولندا وتشيكيا،  وهما الدولتان اللتان ستستضيفان المشروع على أراضيهما. إلا أن المعارضة الكبرى لبناء المشـروع جاءت من روسيا التي اعتبرت أن وجود صـواريخ ورادارات على مقربة من أراضيها يشكل تهديداً لأمنها القومي، ويعرض منظومة أمنها الصاروخي الإستراتيجي للخطر والإنكشاف، كما أنها تعتبر هذا العمل المنفرد من قبل الولايات  المتـحدة تهديداً مباشراً لها، قد يؤدي إلى سباق  تسلح جديد في أوروبا خصوصاً وأن الولايات المتحدة قد انسحبت العام 2002 من اتفاقية وقف نشر الصواريخ المتوسطة المدى في أوروبا، والتي كانت الدولتان قد وقّعتا عليها العام 1992، والتي قضت بتفكيك أنواع الصواريخ هذه من أوروبا وإلغائها.
حاول الرئيس الأميركي بوش اقناع زميله الروسي بجدول مشروع خلال مباحثات جرت بينهما في الأعوام 2006، 2007. 2008. لكن المباحثات لم تصل الى نتيجة وتمّ الاتفاق على ارجاء البحث في المشكلة.

 

المراجع

1- Missile threat.com
2- Russia in Global affairs...
3- Threats posed by US missile shield.
4- http:// italy. usembassy. it/pdf/other long-Range Ballistic M. in Europe.
5- http// fas.org/sgp/crs/weapons/CRS Report for congress.
6- U.S Makes its pitch for a missile shield in Europe. International Herald tribune, March 15. 2007.