رحلة في الإنسان

دروس في الحياة يجدر بنا تعلّمها
إعداد: غريس فرح

السعادة والصّحة الجيّدة هما جل ما نسعى إليه في حياتنا اليوميّة، لكن الجهل ببعض المعارف يجعلنا عمومًا عاجزين عن تحقيق مبتغانا...
وضع باحثون في علم النفس والاجتماع دروسًا من شأنها أن تسهم في جعل حياتنا أفضل إذا طبقناها. هذه الدروس قد تبدو بدهية للوهلة الأولى، لكن تطبيقها يحتاج إلى مرونة ورغبة في تصحيح الذات.
يعتقد كثيرون أنهم على صواب وأن الآخرين على خطأ. ومن هنا إصرارهم على تغيير الآخرين، وخصوصًا أفراد عائلتهم من أجل التحكّم بتصرّفاتهم.
إنّه توجّه مستهجن كما يؤكد الإختصاصيون النفسيون لأنه يولّد ردّات فعل معاكسة على جميع المستويات. فالانتقاد الدائم للشخص المراد تغييره يجعله يشعر بأنه غير كفوء، وبالتالي غير محبوب، فيتمرّد من أجل التعبير عن وجوده كإنسان مستقل. وهذا ما يشحن الأجواء، ويعكر صفو السعادة والوئام.
لذا، ينصحنا الاختصاصيون بالاعتراف بالفوارق الموجودة بيننا وبين الغير وخصوصًا الشريك والأبناء، والقبول بها. أما إذا أردنا تحقيق التقارب المنشود، فمن الأفضل البدء بتغيير ذواتنا.


 

حماية الطفل الزائدة تفسد سعادة العائلة
يشبّه الباحثون النفسيون الآباء والأمهات الذين يبالغون في حماية أبنائهم بالطوافات التي تحوم حولهم بدون انقطاع للتأكد من أنّهم على ما يرام. فهؤلاء يغمرون أطفالهم بالعاطفة ولا ينقطعون عن زيارة المدارس للتأكد من نجاحهم. إلى ذلك، فهم يقدّمون لهم كل ما يريدون من أجل إسعادهم في عالم مشحون بالمخاطرة والمنافسات.
في حال كهذه، لا يقدّر الأهل رغبة الأولاد في خوض معركة المنافسة والتحدّي. كذلك فهم لا يدركون أن أطفالهم ينمون في هذه الأجواء وهم معتمدون عليهم من أجل تأمين الراحة والطمأنينة، ما يتسبّب بأذيتهم في ما بعد. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأولاد المبالغ في حمايتهم قد يصابون لاحقًا بالإحباط والإكتئاب، وخصوصًا إذا كانوا معرّضين وراثيًا للأمراض النفسية.
إذن فإن حرمان الأطفال من مواجهة الصعوبات ينزع ثقتهم بأنفسهم ويمنعهم من تطوير مهاراتهم والانخراط في المجتمع، وهو ما يحرمهم السعادة ويعكّر أجواء العائلة.
بالمقابل فإن الإهمال المقصود للأطفال إلى حد ما، يعلّمهم طرق المواجهة ويكسبهم الثقة بالنفس، ما يقودهم لاحقًا إلى تحقيق السعادة والنجاح والتمتع بالصحّة الجيدة.

 

إنتقاء الشريك المناسب
من أجل علاقة زوجية ناجحة وسعيدة، ينصح الاختصاصيون بتحكيم العقل، لعدم الوقوع ضحيّة التناقض مع شخصية الشريك وميوله.
لذا فهم يشـددون على ضـرورة وجود التقارب بين الزوجين، وخصـوصًــا لناحية البيئة الاجتماعية والدين. فالتقارب يبعد شبح المشاحنات، ويولّد المحبّة التي هي أضمن من الحب الجارف.
صحيح أن البعض يؤمن بنظرية نجاح علاقة الشخصين المتناقضين، لأنهما يكمّلان بعضهما بعضًا، لكن التجارب أثبتت أن التناقض في العلاقة الزوجية يؤدّي إلى المشاكل، ويتسبب عمومًا بالطلاق.

 

العلاقات الاجتماعية المتينة ضرورة للصّحة والسعادة
النصيحة المعروفة لضمان الصحّة والسعادة وطول العمر، هي تناول الطعام الصحي المتوازن، والابتعاد عن التدخين، إضافة إلى ممارسة الرياضة البدنية. لكن يبدو أن في حوزة الاختصاصيين النفسيين وصفة سحرية مكمّلة للنصيحة المشار إليها وهي، بناء شبكة متينة من الصداقات والعلاقات الاجتماعية الحيّة.
فهذه الشبكة تؤمن التوازن النفسي الذي يعززه التواصل الضروري مع الغير، وتبعد الضغوط المؤذية للصّحة والتي تتسبّب بها الوحدة.
أما الأهم فهو التشديد على بناء علاقات حيّة، وهذا يعني أن تلك التي تؤمنها الهواتف النقالة والحديث عبر الإنترنت، لا تعطي النتائج المرجوة.
هذه المعلومات أكّدتها أبحاث أجريت على مجموعة كبيرة في الناس، من أجل المقارنة بين الناشطين إجتماعيًا ومحبّي الوحدة. وكانت النتيجة أن صحّة الفئة الأولى كانت أفضل بكثير من صحّة الفئة الثانية.
وهذا يعود إلى التأثير الإيجابي الذي يحدثه التواصل الاجتماعي على جهاز المناعة، ما يؤمّن التغلب على الالتهابات ونزلات البرد، وحتى الأمراض المستعصية.
كما سبق وذكرنا، فإن تطبيق المبادئ المشار إليها، يحتاج إلى اقتناع ورغبة في الانفتاح والتغيير نحو الأفضل، وهذا لا يتم إلاّ نتيجة تقييم ذاتي يبلور معرفتنا بأنفسنا وبالعالم من حولنا.