بحث عسكري

دفاع المجموعات الصغرى عن قطاع المسؤولية
إعداد: ليال صقر الفحل

تنـظيم بقعة العمـليات ومنظومة القيادة والسيطرة

 

في إطار خطة التعليم والتدريب للعام 2010 عرض كل من العميد الركن أسد الهاشم (اللواء السادس) والعقيد الركن جبرايل معلوف (فوج التدخل الثالث) والمقدم محمد المصطفى والنقيب بهاء الدين حمود (الفوج المجوقل)، بحثاً عسكرياً مشتركاً عنوانه: «المدافعة عن قطاع المسؤولية بالمجموعات الصغرى: تنظيم بقعة العمليات ومنظومة القيادة والسيطرة حتى الرعائل الدنيا»، وذلك في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان.

 

تطوير الوسائل القتالية
إزاء تطور وسائل الحروب بشكل مطّرد أخذ الإنسان يطوّر وسائله القتالية بحيث اتسعت مسارح العمليات براً وبحراً وجواً. وقد أظهرت الحروب الأخيرة في المنطقة أن تمتّع الدول الكبرى بتفوّق عسكري كبير يجعل أية محاولة لمواجهتها بشكل تقليدي من دولة ذات إمكانات متواضعة، محاولة فاشلة تقارب الإنتحار. ثم إن منطقة الشرق الأوسط تشكّل منذ القدم محط أنظار المستعمرين ومسرحاً للمصالح السياسية والإقتصادية للقوى العظمى لما تتمتّع به من أهمية إستراتيجية أفسحت في المجال أمام انبثاق خلل في تحقيق التوازن بين العدو الإسرائيلي من جهة والدول العربية من جهة أخرى.
لذلك فإن مقياس نجاح بناء جيش يتطلّب مهارة عالية من قبل السياسيين والعسكريين للتمكّن من منع العدو من تحقيق أهدافه، أما إذا تعذّر بناء هذا الجيش الكفوء، وجب على المفكرين والإستراتيجيين العسكريين السعي لإيجاد إستراتيجيات عسكرية جديدة تردع بيد من حديد لتحفظ كرامة ومعنويات الجنود وبالتالي المواطنين، وتمنع العدو من تحقيق طموحه وأطماعه، وهو ما ينطبق على الجيش اللبناني وما يجب على الدولة اللبنانية أن تصبو اليه. أكثر الأحداث خطورة والتي دفعت بالقيادة اللبنانية للتنبّه للخطر الإسرائيلي شكّلتها حرب تموز العام 2006 على لبنان، وهي أولى الحروب التي أفضت الى مراجعة نظرية «الحرب من فوق» أي الإعتماد الكلي على سلاح الجو. لذلك حاول البحث فتح الباب أمام التعلُّم من الحروب السابقة كخطوة نحو مدخل لدراسة دفاعية إستراتيجية ومعمّقة.

 

قتال المجموعات الصغرى
هدف البحث بوجه عام كان التعريف بقتال المجموعات الصغرى من جهة، وإظهار الخطر الإسرائيلي على لبنان من جهة ثانية.
من هذا المنطلق سأل المحاضرون عما إذا كان يتوجّب على الجيش اللبناني تغيير عقيدته القتالية، وبالتالي إدخال تعديلات على هيكليته. وعلى مستوى آخر، تطرّق المحاضرون الى كيفية تنظيم بقعة العمليات ومنظومة القيادة والسيطرة حتى الرعائل الدنيا.
تضمّنت المحاضرة شرحاً لاستراتيجية العدو العدوانية وحاولت تفسير قدراته العسكرية وعرضت طريقة تفكيره ومهاجمته على أساس مجموعات صغيرة مستنداً الى عوامل التخفّي السرية، كذلك سعى المحاضرون الى شرح إستراتيجية العدو في تدمير القوة العربية وبناء جيش هجومي، والعمل على أن تكون نتيجة الحرب انتصاراً إسرائيلياً سريعاً وقليل الضحايا، إضافة الى العمل على تكامل أسلحة الميدان والأخذ بعين الإعتبار نظرية مضاعفة القوة اعتماداً على التكنولوجيا الحديثة وأسلحة الدقة العالية.
كما شرح البحث عقيدة العدو العسكرية التي ترتكز على الحشد الكثيف والمتفوّق للقوى والذي يعتمد بشكل كبير على الهجوم السريع والحاسم، وتطرّق ايضاً الى نقاط القوة والضعف في استراتيجية العدو الإسرائيلي.

 

الإستراتيجية الدفاعية
عرض البحث من المنطلق الثاني للاستراتيجية الدفاعية للبنان من خلال تفصيل الدراسة التكتيكية لجنوب لبنان بقطاعاته كافة (ساحلي، أوسط وشرقي)، مع ما يتضمنه ذلك من دراسة لمحيط القطاع وحواجزه الطبيعية وقطاعاته الرئيسة)، وعرض لأعمال العدو المحتملة في هذه القطاعات ولمفهوم العملية الهجومية لدى العدو ولاستخداماته من أسلحة جوية ومدفعية وصاروخية ولعمليات قواته البحرية والخاصة، ولأنواع الهجوم التي يعتمدها بين هجوم رئيس وخداعي وتثبيتي على هذه المنطقة.
أما عن قدرات الجيش اللبناني، فعرض البحث للتجهيزات التي يترتب على العسكريين في الوحدات الصغرى اقتناؤها، وهذه الإمكانات تشمل أجهزة المعلومات والإتصال والمراقبة والخرائط المناسبة والعتاد والأسلحة المتنوعة. كما لفت المحاضرون الى أنواع التدريبات والتمارين التي يتمّونها من تدريب متقارب وقتال بالحراب واستخدام للقنابل اليدوية، وعرضوا لمختلف أنواع الأسلحة والقوى في القتال.
بيّن البحث في هذا السياق، أن القوات الجوية وسلاح الدفاع الجوي غير قادرين على مواجهة التفوّق المطلق لقوات العدو كونه لا تتوافر لدى الجيش اللبناني منظومة دفاعية جوية متكاملة ما يمنع السيطرة الجوية المعادية.لذلك يبقى دور القطاع الجوي ضمن إطاره النظري. كما بيّنت المحاضرة دور الهندسة في هذا الإطار، وعرضت للأساليب القتالية التي تؤدي الى فشل قتال المجموعات الصغرى وتكتيكاتها.

 

التوصيات
التوصيات التي صدرت عن المحاضرة تمحورت حول وضع سياسة دفاعية ملائمة ومتناسبة مع طبيعة الأرض وقدرات الجيش، على أن ترتكز على مفهوم الدفاع المرن واتباع نقاط ملائمة لتأمين صمود هذا الدفاع، إضافة الى اعتماد بنية تنظيمية للجيش تمكّنه من ممارسة القتال بالمجموعات الصغرى عند الحاجة, مع الأخذ بعين الإعتبار تدريب كل مقاتل في المجموعات الصغرى على أساليب استعمال أكثر من نوع من أنواع الأسلحة, وتنفيذ التمارين في مختلف أنواع الأراضي خصوصاً في منطقة الجنوب, مع ما يتطلبه ذلك من واقعية في تنفيذ التمارين لخلق جندي متمرن ومقاتل خشن ومتمرس.
هذا على مستوى الأفراد، أما على المستوى القيادي فيترتب على القيادة فرض عمليات خاصة لتدريب القادة والأركان وتعليم اللغة العبرية في المعاهد والمدارس العسكرية، ووضع خطط لوجستية وطبية لتأمين حاجات الوحدات المقاتلة من دعم طبي ووسائل إتصال وأجهزة متطورة وتطويع عناصر فنيين من الشباب، إضافة الى كشف استعلام العدو ومحاولة معرفة خططه وتكتيكاته وإنشاء وحدات إستطلاع مخصصة لذلك.
وخلـص البحث الى الإتفاق على أن امتلاك الجـيش قـدرات مدرّبة ومتأهّبة ومجهّزة على مستوى جيد يعدّ عاملاً رئيـساً  في احتواء الصراعات ومنع نشوب الحرب أو تأخيرها.
كذلك، تم التأكيد على انّه لكي تصبح قوة الردع فاعلة، يجب إظهارها ويتحتّم عليها أن تكون أهلاً للثقـة وقادرة على تحقيق الردع على جميع مستويات التهديد المحتملة، واتفقوا على أن كون هذه الدراسة خطوة متواضعة نحو مدخـل لدراسة إستراتيجية معمقة يمكن للجيش اللبناني اعتمادها وتطويرها وإغناؤها بالوسائل والعديد لتكون مرجعاً يمكن الإستعانة به.