دراسات وأبحاث

دماء الفقراء أموال في حسابات الأقوياء
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

تجارة الأسلحة في العالم

 

يشمل مصطلح الإنفاق العسكري ما تنفقه الدولة على الشؤون العسكرية، من إنشاء الجيوش والتصنيع العسكري وشراء العتاد والأسلحة وإقامة القواعد والمعاهد والانشاءات وإجراء التجارب، إلى تأمين الرواتب والألبسة والتدريب والتغذية والطبابة وغيرها.
ووفق الكتاب السنوي الذي يصدره معهد ستوكهولم لبحوث السلام «سيبري»، بلغت نسبة الإنفاق العسكري العالمي في العام 2014 نحو 1776 مليار دولار، أي ما يمثل نسبة 2.3% من الدخل القومي العالمي، أو 245 دولارًا لكل فرد على هذا الكوكب. أما في العام 2015 فقد حقّق هذا الرقم مزيدًا من الارتفاع مع احتدام العديد من النزاعات.


الأوائل إنتاجًا وتصديرًا
يشير كتاب «سيبري» إلى أنّ الإنفاق العسكري ازداد في كل من أفريقيا وشرق أوروبا والشرق الأوسط، بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط (حتى منتصف العام 2014)، واندلاع النزاعات في عدد من دول هذه المناطق. كما أن استمرار النزاعات في أوكرانيا والعراق وسوريا واليمن وغيرها من الدول رفع هذا الإنفاق في الـ2015 وسيرفعه مجددًا في المستقبل.
في قارتي آسيا واوقيانيا, أدّى الإنفاق العسكري الصيني إلى زيادة الأرقام عالميًا خلال الـ2014، أما في أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي فقد ظلّت الأرقام على ما كانت عليه تقريبًا في الـ2013.
الدول التي احتلّت مراكز الصدارة في توريد الأسلحة خلال العام 2014 وفق الكتاب، هي على التوالي: الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، الصين، ألمانيا، وفرنسا. وتحتكر هذه الدول وحدها ما نسبته 73 إلى 74% من قيمة صادرات الأسلحة في العالم.
إحتلت الولايات المتحدة الأميركية المركز الأول في حجم مبيعاتها من الأسلحة في الفترة الممتدة بين 2010 و2014 وبزيادة عن السنوات الخمس التي سبقت 2010 قدرها 23%، وبلغت حصتها نحو 31% من مبيعات الأسلحة التي شملت 94 دولة. حصة دول الشرق الأوسط من هذه المبيعات بلغت حوالي 32%، وتصدرت كوريا الجنوبية ترتيب الدول المستوردة للسلاح الأميركي بحصة إجمالية بلغت تقريبًا 9%.
أما روسيا فقد حافظت في الفترة نفسها على المركز الثاني في التصنيف العالمي لأكبر مصدري الأسلحة التقليدية (27%)، علمًا أنها رفعت حجم صادراتها من الأسلحة بنسبة 37% مقارنة بما كانت عليه بين 2005و2009. وقد باعت روسيا أسلحة لنحو 56 دولة في العالم، كان نصيب الهند والصين والجزائر منها 60%.
وجاءت الصين في المركز الثالث (6%) متجاوزة بقليل ألمانيا وفرنسا، بعد أن كانت في المرتبة التاسعة في الفترة الممتدة بين 2005و 2009. فقد تمكنت في السنوات الخمس الأخيرة من رفع حجم صادراتها من الأسلحة بنسبة 143%. وأشار كتاب «سيبري» إلى أن وجهة ثلثي صادرات الأسلحة الصينية كانت ثلاث دول آسيوية، هي باكستان (41%) وبنغلادش وبورما، أما الباقي فكانت وجهته 18 دولة أفريقية.
وحلّت ألمانيا في المركز الرابع بعد الصين (5% تقريبًا) بعد تراجع حجم صادراتها من الأسلحة في الفترة المذكورة بنسبة 43%.
أما فرنسا فقد جاءت في المركز الخامس في قائمة مصدّري السلاح بنسبة تقل عن 5%، ووفق الكتاب، كان يفترض أن تحتلّ فرنسا المركز الثالث، لو أنها سلّمت في نهاية العام 2014 حاملتي المروحيات من طراز «ميسترال» إلى روسيا، لكنها جمّدت الصفقة على خلفية الأزمة الأوكرانية وحظر تصدير السلاح إلى روسيا.
وبالنسبة إلى الدول المستوردة للسلاح الفرنسي، فقد حلّ المغرب في المركز الأول (18%) وأعقبته الصين (14%). وقد أشار كتاب «سيبري» إلى أن الجهود التي بذلتها فرنسا لزيادة صادراتها من الأسلحة تكلّلت بالنجاح مع صفقة التسلّح التي أبرمتها مع القاهرة في شباط 2015.
وهكذا كسبت الولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا نحو 74% من حجم تجارة الأسلحة في العالم، في حين تقدّمت الولايات المتحدة وروسيا (58%) على بقية المنافسين بفارق كبير.
في المحصلة, ازداد حجم تجارة السلاح في العالم في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 16% مقارنة مع الخمسية التي سبقتها (2005- 2009).

 

أكبر المستوردين
تصدّرت الهند قائمة الدول المستوردة للأسلحة ما بين 2010 و2014 بشرائها 15% من الأسلحة المباعة عالميًا، كما تصدّرت ترتيب الدول المستوردة للسلاح الروسي، إذ إن 70% من الأسلحة التي استوردتها خلال هذه الفترة كانت روسية. في المقابل، أظهرت دراسة سابقة صادرة عن شركة IHS للأبحاث، أن المملكة العربية السعودية تقدّمت على الهند وأصبحت أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال العام 2014، وأنّ مشتريات السعودية من الأسلحة ما بين 2013و2014 ارتفعت بنسبة 54%، وبنسبة أكبر خلال العام 2015.

 

أرقام 2013
استنادًا إلى المعطيات الرسمية التي تقدّمها الدول المصدّرة للأسلحة إلى الأمم المتحدة، قدّر «سيبري» صادرات الأسلحة بنحو 76 مليار دولار، لكنّه أشار إلى اعتقاده بأن المبلغ هو أكبر من هذا الرقم بكثير.
كذلك، قدّر الكتاب عائدات أكبر مئة شركة تنتج الأسلحة وتقدّم الخدمات العسكرية في العالم (ما عدا الصين) بنحو 402 مليار دولار في العام 2013، علمًا أن هذا الرقم يقلّ بنسبة 2% عن مثيله في العام 2012.
في ما خص الشركات المصنّعة للسلاح، تحتكر الولايات المتحدة الأميركية 38% من الشركات المئة الأكبر عالميًا، أما النسبة  الباقية (أي 62%) فتتقاسمها روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وجنوب أفريقيا وغيرها.
وقد احتلت شركات «لوكهيد مارتن» و«بوينغ» و«ريثون»  و«جنرال ديناميكس» و«نورثروب غرومان» الأميركية و«بي أي إي» البريطانية، صدارة قائمة «توب تن» كأكثر عشر شركات مبيعًا للأسلحة، وتحقيقًا للأرباح في العام 2013، إذ تجاوزت قيمة مبيعاتها 200 مليار دولار وبلغت أرباحها الصافية أكثر من 20 مليار دولار.

 

تجارة الأسلحة: الأرباح والدماء...
تتم تجارة السلاح فى العالم وفق ثلاث طرق: من الصانع إلى المشتري، مباشرة أو بواسطة طرف آخر، وبشكل علني أو سرّي. وهاتان الطريقتان متعارف عليهما بين الدول، وهما ضمن شرعية القانون التجاري والدولي، وترعاهما عقود وشروط ما بين البائع والمشتري.
أما الطريقة الثالثة، فهي سرّية وغير شرعية وغير قانونية، وتتم بين أطراف آخرين، حيث يتوافر لها الدعم من بعض الدول ذات المصلحة أو مراكز صناعة القرار، أو أجهزة المخابرات.
ويرى آندرو فاينشتاين، صاحب كتاب العالم الخفي – نظرة من داخل تجارة السلاح (لندن 2012)، أن تجارة السلاح (الشرعية وغير الشرعية) تهيمن على السياسات الخارجية لمعظم الدول المنتجة والمصدرة له، وأنّ التجارة غير الشرعية تحتل حيزًا كبيرًا في صادرات هذه الدول وسياساتها مع الخارج... وهو يضيف، أن تجارة الأسلحة تمنح قلّة من الأشخاص أرباحًا كبيرة في الوقت الذي تدمّر فيه حياة ملايين البشر.
ويبحث الكتاب بعمق، في العلاقات بين المؤسسات العسكرية والحكومات وأجهزة المخابرات في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، ويشير إلى دورها جميعًا في نمو تجارة الأسلحة، كما يبحث في دور دول توصف بالرائدة في مجال تجارة السلاح، ومن بينها الكيان الإسرائيلي والسويد. كذلك يوجّه الكتاب أصابع الاتهام بالمشاركة في تجارة السلاح نحو تنظيمات يصفها بالإرهابية، ومنها القاعدة، لكنه يوسّع الدائرة لتشمل العديد من أجهزة المخابرات الغربية والشرقية، ويتهمها بالضلوع (المباشر وغير المباشر) في تجارة الأسلحة وإيصالها إلى أماكن التوتر وساحات الحروب. ويكشف الكتاب أيضًا خفايا تجارة الأسلحة والأرباح الناتجة عنها على حساب معاناة ملايين البشر، كما يكشف أن كثيرًا من الشعارات التي ترفع هنا وهناك باسم العدالة والحرّية، تخفي أحيانًا هدفًا رئيسًا هو الحصول على الأرباح بغض النظر عن النتائج.
ويرى بعض المحلّلين السياسيين أن نجاح تجارة السلاح (الشرعية وغير الشرعية) وازدهارها، هو سبب استمرار معظم الأزمات التى يعانيها العالم اليوم. إنّ نسبة كبيرة من شركات تصنيع السلاح في العالم تنفق مليارات الدولارات من العمولات والرشاوى للحكّام ولكبار المسؤولين وصنّاع القرار ليس في دولها فقط، ولكن في بعض الدول الأخرى، بل إنّها تصل إلى حدّ دفع الرشاوى لتأجيج الصراعات بين الدول وإشعال الحروب الأهليّة والنزاعات الداخلية، لتسويق منتجاتها.

 

المجمّعات العسكرية وصناعة الحروب
في مطلع ستينيات القرن الماضي (وبما يشبه النبوءة)، حذّر الرئيس الأميركي الأسبق  دوايت إيزنهاور في خطاب وداعه للأمة الأميركية، من الدور المتنامي والنفوذ الخطر لـ«مجمّعات الصناعة العسكرية الأميركية» (Military Industrial Complex)، ومن انعكاسه على مستقبل الديمقراطية والسلام في الولايات المتحدة، وعلى مراكز القرار فيها. واعتبر أنّ تداعيات هذا التأثير تشمل السياسات الخارجية للولايات المتحدة وعلاقاتها الدولية والسلام في العالم. وبالفعل فإن العهود التي أعقبت عهده، أثبتت صحّة ما كان الرئيس الأميركي قد حذّر منه. فهناك دراسات وأبحاث كثيرة تؤكّد اليوم العلاقة الوطيدة (العلنيّة والسرّية) ما بين مجمّعات الصناعة العسكرية ووزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الخارجية وأعضاء الكونغرس الأميركي ووكالة المخابرات المركزيّة. لكنّ هذه العلاقة لا تنحصر اليوم في الولايات المتحدة فقط، بل يمكن سحبها على كثرة من الدول الكبرى التي تتوافر لديها مثل هذه المجمّعات الصناعية العسكرية. ويرى البعض أن كثرة من الحروب التي وقعت في أماكن متعددة من العالم أو تلك التي ما زالت مستعرة حاليًا، هي في جانب كبير منها نتيجة السياسات الدولية وتواطؤ أجهزة المخابرات العالمية الغربية والشرقية. وهكذا يستمر شراء السلاح ويستمر استنزاف موارد الدول المتحاربة المادّية والبشريّة، وتنتقل رؤوس الأموال إلى جيوب الوسطاء وأمراء الحروب والدول المصنّعة للسلاح، فتنعكس ارتفاعًا في سوق صناعة الأسلحة، مع ما يتبع ذلك من طلب للعمالة وتخفيض للبطالة وانتعاش في الاقتصاد، فتندفع عجلة النمو والرفاه في مجتمعات مقابل ازدياد الفقر والبطالة والدمار في مجتمعات أخرى.
 

هامش:
يقوم معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام SIPRI بتقدير الإنفاق العسكري لمختلف الدول، وتستند البيانات التي يقدّمها إلى تلك التي تقدّمها الحكومات الوطنية، والتي تتضمّن وثائق الميزانية الوطنية والتقارير الرسمية الخاصة بوزارة الدفاع والإحصاءات المالية العامة التي تنشرها وزارة الدفاع والبنوك المركزية والمكاتب الإحصائية الوطنية.
يقع مقر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام حاليًا في السويد، وهو يقدّم منصّة فكريّة للباحثين من مختلف الدول. ويرتبط هذا المعهد بالعديد من المعاهد الدولية والإقليمية، مثل إدارة الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح DDA ومعهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح UNIDIR، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية OPCW، والوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية OSCE، ومنظمة حلف شمال الأطلسي NATO، والاتحاد الأوروبي EU.

 

المراجع:
- www.sipri.org/.../2015/..  Stockholm International Peace Research Institute.
- https://arabic.rt.com/
- arabic.cnn.com/sipri-arms-exports.
- www.sasapost.com/death-industry-how-to-control-em...
- www.aljazeera.net/.../العالم-الخفي-نظرة-من الداخل.
- SIPRI Yearbook 2015: Armaments-Disarmament and International Security.
- alwafd.org/...تجارة-السلاح.