ذكراهم خالدة

دموع وصور وكلمات... والأحباء لا يغيبون
إعداد: ندين البلعة

وجوه مليئة بالحزن والأسى تدخل الكنيسة. دموع صامتة تحضن الصور، صورة إبنٍ أو أخٍ أو زوجٍ؛ أحباء استشهدوا وبقيت ذكراهم.
مجلة «الجيش» التقت بعض أهالي الشهداء، فتكلموا وعبّروا عمّا يخالجهم من حزن عميق وألم الفراق.

 

عميد الشهداء
صادف يوم تنظيم هذا القداس، 8/6/2008، ذكرى مرور ستة أشهر على استشهاد اللواء الركن فرنسوا الحاج. وفي حين كانت العائلة تقيم قداساً بهذه الذكرى في رميش بلدة اللواء الشهيد، شارك إبنه إيلي الحاج، عائلات الشهداء الصلاة في حريصا.
«أردت أن أشارك إخوتي في الصلاة لراحة أنفس شهدائنا. وللمناسبة أتوجّه لكل عائلات الشهداء وأقول لهم، شهداؤنا ملائكة ويجب أن نصلي لهم. فصلاتنا بدأت تتحقق وتؤتي ثمارها بعد اتفاق الدوحة، بوصول قائد الجيش الى سدة رئاسة الجمهورية. فلطالما طمحنا الى هذا الهدف وهذا ما كان الشهداء ووالدي تحديداً يطمحون اليه... والآن تحقق حلمهم».
استشهاد والده كان قاسياً جداً وصعباً، ولكن «أجمل ما في هذه التجربة، الإيمان الذي يقرّبنا من الرب، رجاؤنا الوحيد، في لحظات الضعف».
ورداً على سؤال عن كون والده عميد الشهداء، أجاب: «الكل عند الله متساوون ولكن عزاءنا هو أن والدي كان مصدر فخر للمؤسسة العسكرية وكان قدوة ومثالاً صالحاً للجيش والعائلة وسيبقى كذلك. هو رسم هذا الطريق ونحن سوف نكمله لنحقق كل ما تاق اليه قبل استشهاده».

 

الرجل طفل يبكي
أمام فاجعة الإستشهاد وعظمته في الوقت عينه، تسقط كل المعايير فيعود الرجل طفلاً يبكي على أخيه، يفتقده في كل دقيقة وفي كل عمل ومكان.
هذا هو حال لبيب شقيق الرائد المغوار الشهيد ميشال مفلح الذي «كان بطلاً وقدوة للرجال. استشهد من أجل الوطن وهذا فخر لعائلته وأولاده وزوجته».
وعلى الرغم من غياب ميشال عن المنزل، لم يتوانَ أصدقاؤه ورفاق السلاح يوماً عن التردد في زيارة عائلته ومساندتها: «لقد خسرنا أخاً ولكن ربحنا بالمقابل مئة أخ. نطلب من الله أن يحميهم ليحافظوا على ذكرى دماء الشهداء كي لا يذهب دمهم هدراً، هم الذين لولاهم لما اجتمعنا اليوم في حريصا - المكان الأحب على قلب ميشال - نصلي على رجاء القيامة مع المسيح ونقوى بالتسامح».


 
رئيسنا عزاؤنا
السيد كامل الشعار عمّ الرائد الشهيد وليد ياسين الشعار، عبّر عن فخر عائلات الشهداء بأبنائها الشهداء فداءً للوطن والمؤسسة العسكرية في مواجهة التطرف والإرهاب.
وقد دعا الى الإتعاظ والتطلع من خلال الماضي والحاضر الى المستقبل، لتجنيب بلدنا الشر. وأكد أن «الإجماع حول العماد القائد فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان فيه بالنسبة الينا نحن عائلات وأهالي الشهداء العسكريين تعويض وهو مبعث فخر واعتزاز، لأنه صمّام الأمان للعبور بالوطن الى مرحلة الإستقرار وهذا لا يتم إلا بالإرادة السياسية الجامعة».
ولفت ختاماً الى أن أهالي الشهداء هم أول من يقف الى جانب العماد سليمان وخلفه دائماً في مسيرة الإنقاذ... «وهم ايضاً يودون أن يبقوا حاضرين في قلب فخامة الرئيس كما كانوا في قلب حضرة العماد القائد».

 

عطشان لولدي...
السيد خليل سمعان والد الرائد الشهيد طوني سمعان، وبصوته المخنوق الخافت، عبّر عن اشتياقه لغياب ابنه: «كما يشتاق الإنسان العطشان للماء، هكذا نحن نشتاق لطوني. لقد كان رأس بيتي وقلبي... وألمي على غيابه يزيد يومياً. ولكن العزاء الوحيد الذي اكتسبناه من هذا الجحيم الذي جرى في نهر البارد هو تبنّي رئيس الجمهورية مسألة تحقيق العدالة لهؤلاء الشهداء القديسين».
يهدأ قليلاً، وينظر الى حفيده بعينين دامعتين، يحمله بين يديه ويتابع: «اليوم حفيدي عمره سنتان وأربعة أشهر، وسوف نربيه بإذن الله، على خطى والده، نعلمه أنه لولا دماء والده لما بقي لبنان. نشرح له أن الشهادة مباركة من ربنا. فيسوع المسيح استشهد والأنبياء ايضاً استشهدوا».
ودعا كل آباء الشهداء أن يفخروا بأولادهم الذين قدّموا قرباناً على مذبح الرب وفداءً للوطن.

 

من أجل وطن
ونسأل السيدة حنان الليطاني والدة النقيب المغوار الشهيد مارون الليطاني، عمّا إذا خفّ ألمها على غياب ابنها بعد مرور سنة فتقول: «كل يوم يمرّ يزيد الألم في قلبي ولن يفارقني أبداً. فلا شيء يعزّي أماً فقدت فلذة كبدها». وعن مارون الشهيد الذي سقط فداءً للوطن قالت: «إن ابني استشهد تشبهاً بالسيد المسيح الشهيد الأول في الكنيسة. استشهد من أجل وطن كنا سنخسره على يد الإرهابيين. أطلب من العذراء مريم أن تعطيني نعمة الصبر على فقدانه كما هي تحمّلت آلام ابنها وموته».
وتمنّت السيدة حنان الصبر لأهالي جميع الشهداء. ودعت للصلاة على نيّة العسكريين الذين ما زالوا يواجهون المخاطر كل يوم ليدافعوا عن الوطن وشعبه.

 

شمعة البيت
تُظهر السيدة نسيبة أبو عرم والدة النقيب الشهيد حسام أبو عرم، عزماً على متابعة الحياة للمحافظة على ذكرى جميلة لابنها البطل. «كان حسام شمعة البيت، فالله سبحانه وتعالى جمع كل الصفات الحسنة فيه. عند استشهاده شعرت أنني خسرت حياتي، فما الفائدة منها بعد غيابك يا بني. ولكنني هدأت بعدها وأدركت أن الوطن لا يدوم ولا يحيا إلا بالشهادة، وحسام استشهد ليبقى الوطن، ليعيش لبنان صامداً في وجه كل المصاعب التي تدهمه.
لقد ضحّى إبني كما كل رفاقه الشهداء، بشبابهم وحياتهم وأحلامهم وتعبهم... ولكن كل ذلك يرخص من أجل لبنان. وهذا ما يعزّينا، فالجيش انتصر على الإرهاب، وقائد هذا الجيش الأبيّ وصل الى سدة الرئاسة».
ووجّهت السيدة نسيبة رسالة الى عائلات الشهداء طلبت فيها أن يُحكى عن هؤلاء الأبطال لكل الأجيال القادمة فتبقى ذكراهم خالدة. وشدّدت على ضرورة دعم العسكريين الذين يحمون الوطن في ظل الظروف الصعبة.


   
«الله بيصبّر...»
يرى والد الملازم الأول المغوار الشهيد جورج فهد أن الوطن يستحق أن يقدّم من أجله الغالي والنفيس. ولكن يتمنى في المقابل ألا تذهب دماء الشهداء هدراً، وتمنى أن يسود الوفاق ويتوحّد اللبنانيون حول جيشهم.
وكربّ عائلة، وسند لهذه العائلة يقول «أحاول، على الرغم من الألم الذي يخالجني دائماً على غياب إبني، أن أكون الدعم المعنوي لعائلتي. وهذه المهمة صعبة جداً خصوصاً وأن كل يوم بعد استشهاده تزيد الدموع والحرقة. ولكن الله هو الذي يعطيني ويعطي كل الآباء الصبر على فقداننا أغلى أبنائنا».


 
«اشتقتلّك»!
السيدة جوسلين حداد عازار، زوجة الرقيب المغوار الشهيد الياس عازار، تغرورق عيناها بالدموع. وبمجرّد النظر اليها يمكن الشعور بالغضب الذي يملأها. «علّمتني الحياة بعد استشهاد زوجي أن أكون أقوى. رحيله عني فَطَرَ قلبي ولكنني تقوّيت أكثر، ولن أسكت أبداً عن إحقاق الحق وسأساهم في كل حركة تهدف الى تخليد ذكرى شهدائنا الأبرار».
تتنفس الصعداء، تتنهّد وتطلب من الله: «أصلي لهؤلاء المجرمين لكي يدركوا ماذا فعلوا». وتتوجّّه ختاماً الى زوجها بغصة وتقول له «اشتقتلك كتير، دمّك كتير غالي!!».
أمّا السيد جوزف شقيق الرقيب المغوار الشهيد الياس عازار فيشير الى أن أخاه كان يقول دائماً «الشهيد يفتدي بدمه الوطن كي لا نخسره على أيدي الإرهابيين. وأنا وُلدتُ لأكون شهيداً!».
هكذا تبقى ذكرى الياس مع شقيقه يخنقه الإشتياق فيؤكد: «أخي لم يمت، فكلما رأيت مجموعة من العسكريين أتخيّله بينهم يرتدي البزّة ويدافع عن لبنان. اشتقت اليه كثيراً، وعلى الرغم من غيابه بالجسد أشعر به دائماً معي».
والتعزية الوحيدة لعائلة الياس عازار هو أنهم ليسوا وحدهم في حمل هذا الصليب بل معهم مئات العائلات التي خسرت خيرة الشباب وصرخ «كفى! كفانا خسارة للشباب، حرام!».
وعلى هامش الأجواء الحزينة في الذكرى السنوية الأولى لشهداء معركة نهر البارد، أرادت السيدة أمال عبد الساتر رئيسة «حركة الأم» أن تعيد تأكيد دعم الحركة لكل عائلات الشهداء. ففي 21 آذار، يوم عيد الأم، كان لها نشاط كبير لأمهات وزوجات الشهداء:
«إن الأهم بالنسبة الينا هو كرامة الإنسان التي لا تبقى إلا بكرامة الوطن المتعلقة بالجيش العظيم الذي يحميه بدماء جنوده. وأتوجّه في هذا الإطار الى الشعب اللبناني لألفت الى أننا مدينون لهذه المؤسسة الشريفة. من هنا أخذنا عهداً على أنفسنا أن نحيي ذكرى الشهداء في كل مناسبة سنوية من خلال دعمنا لعائلاتهم».
وكأمٍ، تقدّر السيدة أمال عبد الساتر «روح الصبر والإقدام لدى والدات الشهداء، والقرار بأنهنَّ سيربينَ الأجيال القادمة على خطى الأبطال».
وختاماً قالت: «سنبقى قربكم لتخطي هذه المرحلة الصعبة وسنبقى نعمل للمحافظة على التفاف الشعب حول جيشنا الأبيّ».