وقفة وفاء

دم الشهادة رواها فنمت وازداد عددها
إعداد: ندين البلعة

غابة الباروك أرزات جديدة تخلـيداً لذكرى الأبطال

شامخٌ الى علوٍ كأرز لبنان بعنفوانه والشهامة... سار في دربه الى الحرية غير آبهٍ بالمخاطر، فهل يحني الثلج رأس أزرةٍ شامخةٍ صامدةٍ في وجه أقسى العواصف وأعنفها؟!.. إنه يزيدها بهاءً وتألقاً فتغدو ومثيلاتها في عرسِ مجدٍ يرفع إسم لبنان بالكرامة عالياً
هو الشهيد، «فالأوطان الحرة لا تُبنى إلاّ بدم الشهداء الأبطال»... ضحّوا بدمائهم وحياتهم وشبابهم ليبقى الوطن ويبقى أهله. فارتأت بلدية الباروك - الفريديس، أرض الأرز الخالد، أن تكرّم الشهداء - شهداء الجيش اللبناني والصليب الأحمر اللبناني والقوى الأمنية - كافة الذين سقطوا في حرب تموز 2006 وفي معركة نهر البارد 2007.

 

خلود الأرز وخلود الشهادة
ما السبيل؟
تخليد روح كل شهيد بأرزة تحمل اسمه، مغروسة في أرض الأرز، تبقى شاهدة على عظمة تضحيات شهدائنا الأبرار.
والد الرقيب الأول الشهيد رامي صعب، المؤهل الأول المتقاعد حسن صعب، أخذ على عاتقه تنظيم حفل التكريم ليليق بالمعنيين، خصوصاً وأن توقيت هذا الحفل يقع في فترة تحتفل بها المؤسسة العسكرية بعيد تأسيسها.
27 تموز 2008 الساعة الخامسة بعد الظهر، كان الموعد مع الهواء النقي، وكأن نسماته رسائل آتية من علّ من حيث هم الشهداء...
أقيم الحفل في غابة أرز الباروك برعاية قيادة الجيش، فمثّل قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري، العميد الركن سمير شيري. كما حضر رئيس رابطة المحاربين القدماء قائد الجيش السابق العماد ابراهيم طنّوس، بالاضافة الى ممثّلين عن الأجهزة الأمنية كافة، وعن جهات سياسية ودينية وهيئات تربوية واقتصادية ومصرفية وإعلامية، ووفد من أهالي الشهداء.
بدايةً دقيقة صمت عن أرواح الشهداء على ألحان النشيد الوطني اللبناني ونشيد الموتى عزفتها فرقة موسيقى الجيش بقيادة الملازم الأول جوزف يعقوب.
«قدَرُنا في هذا الوطن أن نتصدّى دائماً للأزمات والتغيّرات الكبرى. وقدَر أولادنا أن يكونوا شموعاً تحترق لتنقذ الوطن من العتمة». مقدمة افتتح بها الممثل جهاد الأطرش الاحتفال.

 

العميد شيري: عهد للشهداء
بعدها كانت الكلمة لممثل قائد الجيش بالنيابة، العميد الركن سمير شيري الذي أشاد بمبادرة أهل الباروك الى تكريم شهداء الجيش «بأسمى ما يحمله التكريم من مشاعر عميقة ومعانٍ نبيلة».. هم «أبناء هذه المنطقة العريقة من جبلنا الأشم، جبل التاريخ المفعم بالبطولات والأمجاد المتراكمة، وقلب لبنان النابض، الذي قُدّر له أن يبعث باستمرار روح الحياة في جسم الكيان، ويشكّل ميزان وجوده واستقراره على مدى العصور».
وأضاف العميد الركن شيري متوجّهاً الى أهل الباروك: هذه المبادرة «هي تأكيد على رسوخ ولائكم الوطني، وتجذّركم بالأرض التي تعتبر الركن الأساس والعنصر الأهم في مقومات وجود الوطن، كما هي فعل تضامن مع الجيش، ووفاء لشهدائه الأبرار، ودليل رغبة صادقة في أن تبقى ذكرى هؤلاء الشهداء خالدة في القلب والعقل والروح، ومآثرهم شعلة تستنير بها الأجيال جيلاً بعد جيل».
ودعا الحضور عموماً وأهل الشهداء خصوصاً أن يعلموا بأن «دماء شهدائنا الذين نحتفي بتكريمهم اليوم، لم تذهب هدراً، فبفضل هذه الدماء، استطعنا الانتصار على أخطر عدوَين وهما إسرائيل والإرهاب، وخرج الوطن موحّداً قوياً، من كل التجارب القاسية التي مرّ بها، محقّقاً إنجازات هامة، في طليعتها التوافق الوطني الذي توّج مؤخراً بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإطلاق عهد جديد بخطى واثقة واعدة، تلمّس فيه اللبنانيون جميعاً بشائر الأمل على أكثر من صعيد.
وختم بعهـد للشهداء في عليائهـم «أن يبقى الجيش أمينـاً على تضحياتهـم، وعلى مبادئهـم التي بذلوا حياتهـم في سبيلها، وعهدنا لكم أن نمضي معاً في مسيرة العطاء، ونزرع يداً بيد أغراس الإيمان بوطـن يستحق أغلى التضحيات».

 

رئيس بلدية الباروك
ثم توجّه رئيس البلدية السيد عادل صابري حلاوي الى الأهالي بكلمة أيقظ من خلالها شعور الفخر في قلوب الأمهات والآباء والزوجات فذكّرهم بأن شهداءنا «توحّدوا في لبنان، في كل حبة من ترابه، في كل من صَلَّب وبَسْمَلَ أو قال آمين بعد صلاته فاختاروا بملء إرادتهم الواعية، أن يغرسوا أجسادهم في أرضه، كحبّة القمح التي وصفها السيد المسيح... وهذا ما يعطي الشهادة قدسيتها، والوطن حياته وشرفه»...

 

أهالي الشهداء
المؤهل الأول المتقاعد حسن صعب، والد الرقيب الأول الشهيد رامي صعب، ركّز في كلمة أهالي الشهداء على أهمية هذا المهرجان الذي يُقام «احتفاءً بذكرى تأسيس الجيش اللبناني في الأول من آب وتأييداً لهذا الجيش، وتكريماً للشهداء الأبرار الذين ضحّوا بأنفسهم ذوداً عن وطنهم لبنان، ودفاعاً عن الكرامة والحرية، والسيادة والاستقلال ضد كل عدو خارجي».
وفي تذكير بعدد الشهداء قال السيد صعب: «في حرب تموز 2006 تكلّ بإكليل الغار 49 شهيداً في أثناء تصدّيهم البطولي للعدو الإسرائيلي في الجنوب والبقاع وبيروت وجبل لبنان.
وفي معركة نهر البارد 2007 توّج المجد 171 شهيداً من الجيش اللبناني البطل، ثم امتدت يد الغدر والإرهاب الى جسد اللواء الركن الشهيد فرنسوا الحاج.
وواكب هذه القافلة من شهداء الجيش شهيدان للصليب الأحمر اللبناني في أثناء قيامهما بواجبهما الإنساني ومساعدة المحتاجين. واستشهد كذلك عدد من رجال قوى الأمن الداخلي في أثناء القيام بواجبهم للحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي».
وأرسل تحية عزّ وإكبار الى أرواحهم الطاهرة مذكّراً بالإنجازات التي حقّقها الجيش مضحياً بخيرة شبابه الذين دافعوا عن علم بلادهم وأرزتهم التي زرعوها واعتنوا بها لتكبر وتنمو وتبقى جذورها راسخة في الأرض وأغصانها شامخة، ولونها أخضر دائماً وأبداً».
ودعا الى استلهام العبر من هذه المعارك و«الملاحم البطولية» لتصبح درساً لنا في المستقبل «فنعيش مع بعضنا حياة طبيعية».

 

ختاماً: «دويُّك الصمت»
ختام الكلمات كان للشاعر هنري زغيب في قصيدته الرائعة «دويُّك الصمت». وفي مطلعها:
عالٍ على الآن
تواقٌ اليك غدُ
يا جيش لبنان
هذا صوتك الغرِدُ
عمق صعودك في الما بعد
ضجّ به
دويُّك الصمت يوم الصوت
يفتقد...
وتقديراً لأهالي الشهداء، تسلّم كل منهم شهادة تحمل إسم ولده، بالإضافة الى بطاقة عضوية تخوّلهـم الدخول الى غابة أرز الباروك والإهتمام بالأرزة التي تحمل إسم شهيدهم.
في الختام، تمّ تدشين تمثال للشاعر اللبناني، مؤلف النشيد الوطني، رشيد نخلة، وأطلق على الأرض حيث غُرست الأرزات إسم «غابة شهداء الجيش اللبناني في حرب تموز 2006 ومعركة نهر البارد 2007».