إصدارات

دور الإدارة العالمية في معالجة التهديدات الأمنية والقضايا البيئية

شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين انتشاراً واسعاً للنزاعات المسلحة وأسلحة الدمار الشامل وظاهرة الإرهاب والجريمة المنظّمة وتجارة المخدرات، بالإضافة الى ذلك، في ظل عصر الثورة الصناعية الثالثة والتطور التقني والعولمة النيوليبرالية، تعاظمت القضايا البيئية، لا سيما ظاهرة الإحتباس الحراري، التغير المناخي، تآكل طبقة الأوزون، ظاهرة التصحّر والجفاف، تلوّث الهواء والمياه العذبة والبحار والمحيطات، ظاهرة الإنقراض الحيواني والنباتي، النفايات الصناعية المشعة والكيماوية والإستهلاك المفرط لمصادر الطاقة غير المتجددة. إنطلاقاً من هذا الواقع الأمني والبيئي العالمي الخطير، وعجز الدول منفردة على مواجهة هذه المخاطر الجديدة التي تتطلب مسؤولية عالمية فعّالة وجدية،  برز مفهوم جديد للتصدي لها وهو الإدارة الجماعية العالمية وهي كناية عن تعاون دولي لحل المسائل الدولية يضم المنظمات الدولية الحكومية (منظمة الأمم المتحدة والوكالات الدولية المتخصصة في إطار هذه المنظمة)، والمنظمات الإقليمية (الإتحاد الأوروبي، الإتحاد الإفريقي، جامعة الدول العربية وغيرها...) والدول المتقدمة والنامية، والمجتمع المدني العالمي (المنظمات الدولية غير الحكومية الإنسانية والسياسية والإقتصادية، والرأي العام العالمي).
يعالج العقيد الركن الياس أبو جودة هذا الواقع في كتابه الصادر حديثاً عن دار «ألفا» باللغة الفرنسية والذي يتناول دور الإدارة العالمية في معالجة التحديات الأمنية والمشاكل البيئية التي تجتاح كوكبنا اليوم، وهو من المواضيع الحديثة التي تستحوذ على حيّز واسع من الإهتمام على الصعيد العالمي. هذه التحديات الجديدة عكست مقاربة شمولية للأمن البشري وأدت الى تطوير مضمونه، فلم يعد يقتصر على الأمن العسكري وحسب، بل أصبح يتضمّن ايضاً الأمن الإجتماعي والإقتصادي والبيئي...
في مجال توفير أمن الأشخاص، قامت الأمم المتحدة والوكالات الدولية المتخصصة والمنظمات الإنسانية الدولية غير الحكومية (منظمة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدوليين، ومنظمتا أطباء بلا حدود وأطباء العالم، ومنظمة العفو الدولية (Amnesty International)، ولجنة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch)، بالعديد من الأعمال والخطوات في مجال حفظ السلام والأمن الدوليين. في الحقل الإنساني والدعم الإنساني (حماية اللاجئين والمشردين ومساعدتهم)، وتطوير أحكام القانون الدولي الإنساني وحماية حقوق الإنسان (إنشاء مجلس حقوق الإنسان) ومحاسبة المسؤولين عن إنتهاكها (إنشاء المحكمة الجنائية الدولية). وتملك المحكمة الجنائية الدولية سلطة المحاكمة على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان. لكن التطور البارز في مجال تحقيق الأمن الفردي أو الشخصي للمواطنين، هو حق التدخل الإنساني العسكري.
أما في ما يتعلق بالتعاون العالمي في مجال الأمن البيئي، وبمبادرة من المنظمات غير الحكومية، فقد أصدرت المنظمات الدولية والإقليمية العديد من الإتفاقيات العالمية بشأن حماية البيئة منها: إتفاقية رامسار للأراضي الرطبة (1971)، إتفاقية السايتس الخاصة بالإتجار الدولي بالحيوانات والنباتات المهددة بالإنقراض (تموز 1975)، إتفاقية ڤيينا الخاصة بحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال الخاص بالمواد التي تعمل على تآكل طبقة الأوزون (22 آذار 1985)، إتفاقية بازل الخاصة بالتحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها في (22 آذار 1989)، الإتفاقية الدولية المتعلقة بالتنوع البيولوجي (حزيران 1992)، إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر في باريس (1994)، إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (21 آذار 1994)، بروتوكول كيوتو (1997)، إتفاقية روتردام الخاصة بالإتجار الدولي بمواد كيميائية خطرة (10 أيلول 1998)، إتفاقية استكهولم الخاصة بالملوّثات العضوية الثابتة (أيار 2001)، إتفاقية «هيوغو» (2005)، لبناء قدرة الأمم والمجتمعات على مواجهة الكوارث الطبيعية للفترة الممتدة بين 2005 - 2015. في المقابل، حالت صعوبات مادية تقنية، لوجستية وإقتصادية جمّة دون تنفيذ الإتفاقات الدولية والإقليمية الخاصة بمعالجة القضايا البيئية. ومن أجل تخطي هذه العوائق، يخلص المؤلف الى بعض التوصيات، ومنها:
- الضغط على الدول الغنية والمؤسسات المالية من جانب منظمة الأمم المتحدة من أجل تنفيذ التزامات تقديم المساعدات المالية والفنية للدول النامية والفقيرة.
- إنشاء مؤسسات جنائية دولية مستقلة، لمساءلة الدول والشركات عبر القومية التي تقوم بجرائم ضد سلامة البيئة والمناخ والطبيعة والإنسان.
- توسيع صلاحية مجلس الأمن بحيث يتسنى له النظر لا في التهديدات العسكرية فحسب، بل ايضاً في ما يواجه السلام العالمي من تهديدات نابعة من المسائل البيئية.