نحن والقانون

دور حضانة الأطفال بين القانون والواقع

يعود التنظيم القانوني لدور الحضانة في لبنان الى العام 1979 (المرسوم رقم 1775/1979)، إلا أنه العام 2004 صدر المرسوم رقم 12286 (تاريخ 15/4/2004) الذي ألغى المرسوم السابق، ونص على الأحكام القانونية والتنظيمية والإدارية التي تحكم شروط الترخيص بفتح دور حضانة الأطفال واستثمارها في لبنان.
وقد عرّفت المادة الأولى من المرسوم 12286/2004 دور الحضانة بأنها مؤسسات للرعاية المتكاملة، تستقبل الأطفال من عمر 40 يوماً ولغاية 3 سنوات، وتعمل على تلبية حاجاتهم ومتطلباتهم من خلال رعايتهم والاهتمام بهم وتنمية شخصيتهم جسدياً ونفسياً واجتماعياً، موفرة لهم البيئة الصحية السليمة والتنشئة التربوية اللازمة، ضمن ساعات محددة من النهار تحدد بقرار إنشاء الدار.

 

شروط البناء وواجبات أصحاب دور الحضانة


وفقاً للقانون يجب أن تضم دار الحضانة ما يأتي:
- غرفة إدارة واستقبال.
- غرفة نوم للأطفال.
- غرف أو قاعات لعب.
- غرفة طعام.
- غرفة عازلة للمرضى.
- مطبخ.
- حمام.
- مراحيض.
- مساحة للعب تستوفي شروط السلامة العامة.
ويجب أن تتوافر في البناء المواصفات الآتية:
- أن لا يقل علو السقف عن ثلاثة أمتار.
- أن تفرش الأرض المبلّطة بمادة لدنة.
- أن تكون التهوئة والإضاءة جيدتين.
- أن تدهن الجدران بمادة يسهل غسلها وتنظيفها.
- أن يحتوي البناء جهاز تدفئة صحياً وميزان حرارة في كل غرفة (م 2).
توضع أسرّة النوم في غرف المنامة على أن يبعد السرير عن الآخر مسافة 33 سم على الأقل، ويجب أن لا يتعدى عدد الأسرّة العشرة في غرف الأطفال الذين لا يمشون، والعشرين في غرف الأطفال الذين يمشون (م 3).
وعلى صاحب دار الحضانة التعهد بضمان سلامة الأطفال ضد الحوادث والأخطار في أثناء دوام الحضانة، وكذلك الأمر بالنسبة الى وسائل النقل التابعة له، على أن يحتفظ ببوليصة تأمين في دار الحضانة (م 4).
تزوّد مراحيض الأطفال كراسي - مرحاض صغيرة الحجم وبنسبة كرسي لكل خمسة أطفال، ويجب أن تكون مستقلة عن المرحاض الخاص بالإدارة (م 5).
في ما خص قاعات اللعب تخصص قاعة لعب واحدة أو أكثر للأطفال الذين يمشون، وتكون مستقلة عن غرف النوم للرُضّع ومزوّدة كراسٍ وألعاب تسلية تتوافر فيها شروط السلامة (م 6)، كما تحدد مساحة للعب بمعدل متر لكل طفل (م 10).
تخصص غرفة في كل دار حضانة لعزل الأطفال الذين يشتبه بأنهم مرضى، بانتظار إبلاغ ذويهم (م 7). وتخصص قاعة للطعام وتجهّز بطاولات ومقاعد مناسبة (م 8). ويجب أن يكون المطبخ مجهزاً بما يلزم لإعداد الطعام، وتعقيم الحليب والأواني الخاصة بالرُضّع وتحفظ المأكولات في براد يتسع لكمية الأطعمة اللازمة لأطفال الدار (م 9).

 

شروط قبول الأطفال ومراقبتهم في دور الحضانة
لا يقبل الطفل في دار الحضانة إلا بعد إبراز سجله الصحي الذي يتضمن جدول التلقيح المعتمد من قبل وزارة الصحة العامة، وتعهد ذويه بمتابعة التلقيح في الأوقات المناسبة (م 11).
عند ظهور مرض معدٍ في دار الحضانة، على الممرضة المسؤولة في الدار المبادرة الى الاتصال بطبيب الحضانة لاتخاذ الاجراءات الطبية والوقائية وإعلام وزارة الصحة العامة (م 12). وحفاظاً على صحة الأطفال يمنع دخول غرف دار الحضانة التي يرتادها الأطفال لغير المستخدمين والعاملين في الدار وذوي الطفل (م 13).

 

الجهاز الإداري والطبي المسؤول عن دور حضانة الأطفال
حدّدت المادتان 14 و15 من المرسوم 12286/2004 عدد الجهاز الإداري والطبي المسؤول في دار الحضانة والشروط التي ينبغي توافرها في كل منهم، على النحو الآتي:
- ممرضة مجازة واحدة لكل دار حضانة تعمل بدوام جزئي، وبدوام كامل في حال كانت دار الحضانة تضم أكثر من 20 طفلاً دون السنة من العمر، أو 50 طفلاً يمشون.
- مساعدة ممرضة لكل عشرة أطفال لا يمشون.
- حاضنة لكل 20 طفلاً يمشون.
- مساعدة حاضنة لكل 20 طفلاً يمشون.
- خادمة لكل 20 طفلاً يمشون.
- طبيب مجاز بممارسة المهنة على الأراضي اللبنانية حائز اختصاص في طب الأطفال أو طب العائلة، يعاين دورياً وكلما دعت الحاجة.
أما بالنسبة الى الشروط التي يجب أن تتوافر في أفراد الجهاز الفني والإداري، فهي:
- أن لا يقل العمر عن الثامنة عشرة وأن لا يزيد عن الرابعة والستين.
- أن تكون المديرة من حملة شهادة اختصاص في العلوم الاجتماعية أو النفسية أو التربوية أو الصحة العامة، أو إجازة أو امتياز فني في التمريض أو الإرشاد الصحي الاجتماعي، أو دبلوم في التربية الحضانية، وتعمل بدوام كامل.
- أن تكون الممرضة مجازة في التمريض وحائزة إجازة ممارسة المهنة من وزارة الصحة العامة.
- أن تحمل الممرضة المساعدة شهادة التكميلية الفنية في العناية التمريضية مع إجازة ممارسة المهنة من وزارة الصحة العامة.
- يمكن أن تكون نائبة المديرة، الممرضة المجازة أو إحدى الحاضنات.
- يراعى في تكوين الجهاز العامل تنوع الاختصاصات، ويخضع المستخدمون قبل دخولهم الخدمة لمعاينة طبية والى فحوصات شعاعية ومخبرية تثبت سلامتهم من السل والأمراض المعدية، ويجري تكرار هذه الفحوصات كل سنة.
كما يخضع المستخدمون للعزل عند إصابتهم بمرض معدٍ. ويتبعون التعليمات التي يعطيها طبيب دار الحضانة لوقاية الأطفال من العدوى. ويجب أن توضع كمامة على الأنف والفم عند الإصابة بالزكام أو لأي سبب كان.
ويجب وفقاً للمادة 16 من المرسوم ذاته على إدارة دار الحضانة أن تمسك السجلات التالية:
أ- السجل الصحي.
ب- سجل الطفل.
ج- السجل الغذائي.
د- النظام السلوكي.
وتحدد مضامين هذه السجلات بملحق خاص يصدر عن وزير الصحة العامة بناءً على اقتراح مدير عام وزارة الصحة العامة.

إجراءات وشروط الحصول على رخصة فتح واستثمار دار حضانة الأطفال
تُمنح رخصة فتح واستثمار دار الحضانة بقرار عن وزير الصحة العامة. ويتوجب على الوحدة المختصة لدى وزارة الصحة العامة إبداء الرأي في ما يختص بالنواحي الصحية قبل الترخيص، كما يتوجب عليها مراقبة هذه الدور. ويتم تجديد هذه الرخصة كل سنتين بناءً على التقارير المرسلة الى الوزارة واقتراح مدير عام وزارة الصحة العامة (م 17).
ويتوجب على كل دار حضانة إيداع وزارة الصحة العامة تقرير عن سير العمل داخل الدار يبرز فيه الوضع الصحي وكل ما له علاقة بالصحة والسلامة العامتين سنوياً (م 18).

 

جزاء مخالفة الأحكام القانونية  لدور حضانة الأطفال
نصت المادة 19 من المرسوم رقم 12286/2004 على أنه يتم إلغاء الترخيص أو تعليقه بفتح دار الحضانة واستثمارها في حال مخالفة أحكام مرسوم تحديد شروط الترخيص، وبناءً على اقتراح مدير عام وزارة الصحة العامة واستطلاع رأي الوحدة المعنية في الوزارة. المرسوم المذكور لم يتطرق الى الأحكام القانونية التي تطبق على المخالفات والجرائم التي قد تنجم عن الأعمال الجرمية، القصدية وغير القصدية، المتعلقة بممارسة النشاطات المرتبطة بدور حضانة الأطفال.
لكن هذا لا يعني تملص من يرتكب أفعالاً إجرامية من العقاب، عند ارتكابه أعمالاً ناجمة عن تقصير أو إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة التي تنشأ عنها أضرار جسدية أو معنوية أو مادية، حيث تطبق الأحكام القانونية المنصوص عليها في قانون العقوبات وفي القوانين ذات الصلة. فقد نصت المادة 564 عقوبات على أنه «من تسبب بموت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات». أما إذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا إيذاء، فيكون العقاب الحبس من شهرين الى سنة، وكل إيذاء آخر غير مقصود يعاقب بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بغرامة لا تتجاوز 200 ألف ليرة. وتُعلّق الملاحقة على شكوى المجني عليه إذا لم ينجم عن الإيذاء مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تجاوز عشرة أيام، ويؤدي تنازل الشاكي عن حقه الى إسقاط الحق العام، ويكون له على العقوبة ما لصفح المدعي الشخصي من المفعول، أو تخفض العقوبة الى النصف (م 565 و554 و555 عقوبات).

 

بعض دور الحضانة في لبنان: واقع مأسوي
إن من يقرأ التنظيم القانوني لفتح دور حضانة الأطفال واستثمارها في لبنان يعتقد للوهلة الأولى أننا أمام نظام قانوني متطور يحاكي الدول المتقدمة التي تهتم اهتماماً كبيراً برعاية الطفل وحقوقه، إلا أن ما نجده على أرض الواقع في بعض دور الحضانة يعيدنا الى القول المأثور: «إقرأ تفرح جرّب تحزن».
فجائع كبرى حدثت لأطفال في دور حضانة عاملة في لبنان، أولها طفلة في بتغرين، وثانيها طفل في النبطية، وآخرها فجيعة وفاة الطفلة بيرلا في المنصورية، ابنة الأشهر الستة التي وجدت جثة هامدة متجمدة في إحدى دور الحضانة بعد ساعات قليلة من وصولها حيث تلقى والدها اتصالاً من إحدى المستشفيات بوجود طفلته فيها بعد ساعات على إيداعها في إحدى دور الحضانة، لكن ذلك الوالد فُجِعَ عندما رأى طفلته جثة هامدة زرقاء اللون، عيناها جاحظتان، فمها مفتوح، ويداها  مشبوكتان. أُدخلت جثة الطفلة الى التشريح لمعرفة سبب الوفاة، فتضاربت التقارير الطبية حول سبب وفاتها، هل هو الاختناق بالحليب أو بكتيريا «الكوكسي»؟! تقدّم والد الطفلة بشكوى ضد تلك الحضانة الى وازرة الصحة العامة، التي أرسلت طبيباً مختصاً وجهازاً للكشف، فتبين أن الحضانة مخالفة لشروط الترخيص المعطى لها، إذ لا تديرها مديرة مسؤولة أو نائبة عن المديرة، أما الممرضة فلا تحضر الى مبنى الحضانة لأنها تعمل في مستشفى خاص، وكذلك الطبيب لم يعاين الطفلة خلال 38 يوماً من وجودها في الحضانة، ما يخالف التعهد الموجود في ملف الرخصة.
وقد صدر عن وزارة الصحة العامة قرار بتعليق ترخيص الحضانة لمدة ثلاثة أشهر، ثم صدر قرار عن النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان قضى بإقفالها.
وعلى أثر هذه الفجيعة صدر عن قاضي التحقيق في جبل لبنان، القرار الظني الرقم 16463/213 بحق أصحاب تلك الحضانة بتهمة الإهمال وعدم مراعاة القوانين ومعايير السلامة في الحضانة، ما تسبب بموت الطفلة بيرلا.
سببت هذه الفاجعة هزة كبرى في عالم دور حضانة الأطفال في لبنان، لكنها لو حدثت في بلد آخر لرأينا المجتمع كله يتحرك...
ويجدر بالتساؤل هنا، لماذا لم تعمد دائرة «الأم والولد» في وزارة الصحة العامة الى الكشف عن المخالفات العديدة لدور حضانة الأطفال لاتخاذ التدابير القانونية والإدارية في حق الحضانة المخالفة، بدلاً من انتظار وفاة طفلة بريئة للقيام بالاجراءات المناسبة؟!
وأكثر من ذلك، ثمة صراع بين نقابة الحضانات المتخصصة ونقابة أصحاب دور الحضانة في لبنان. فالنقابة لا تستطيع القيام بأي دور حيال دور الحضانة غير المرخّصة، حيث يستطيع طالب الترخيص أن يهرب إذا طُلب منه التزام شروط الترخيص والكشف على دار الحضانة. وقد تبين أن هناك الكثير من دور الحضانة في لبنان تستقدم مربيات غير متخصصات للعناية بالأطفال بدلاً من حاضنات مجازات ما يضاعف من مخاطر تعرّض الأطفال للحوادث. فهناك 80٪ من دور حضانة الأطفال لا تلتزم شروط الترخيص القانوني أو أنها غير مرخصة أصلاً وفقاً للأصول القانونية.
ولا يعني ذلك أن الأهل وذوي الأطفال يبقون خارج المساءلة، إذ عليهم قبل وضع أطفالهم في دور الحضانة أن يستعلموا ويدققوا في كفاءتها ومراعاتها معايير السلامة والأمان للعناية بالطفل.
إن ثمن الإهمال يدفعه الأطفال الأبرياء وذووهم. فهل سيموت مزيد من الأطفال إذا لم تتمكن الإدارات المختصة من إغلاق دكاكين الحضانات؟ ثمة الكثير من الحوادث التي تقع في دور الحضانة ولا يُكشف عنها النقاب لأسباب سياسية أو طائفية أو عائلية أو غيرها... وكل ذلك يستوجب إيلاء موضوع دور حضانة الأطفال العناية الكافية، كما يستوجب ضرورة تشكيل هيئات وأجهزة متخصصة لديها صلاحيات خاصة للكشف على دور الحضانة، قبل الترخيص وبعده، وبصورة دائمة ومستمرة.