وقفة وفاء

دوما تمنح غابة أرزها لمن اتخذوا تراب الوطن فراشاً أبدياً
إعداد: ماري الحصري

لأنهم كالأرز في صمودهم في وجه الشدائد،

لأنهم كالأرز في شموخهم فوق جبال لبنان،
لأنهم كالأرز في تجذّرهم في أرض الوطن يزرعونها فخراً واعتزازاً،
شهداء الجيش اللبناني كرّمتهم بلدة دوما الشمالية، وخلّدت ذكراهم بأرزات في غابتها معلنة إكبارها تضحياتهم، والتزامها الحفاظ على الوطن الذي اتخذوا من ترابه فراشاً أبدياً.

 

شرف الإنسان
«شرف الإنسان التصاقه بأرضه، يبنيها، يزرعها، يحميها جهداً وعرقاً ودماً، وهي تردّ الجميل نتاجاً لا ينضوي. هي الأرض تقول: أنا جميلة الملكات زيّنوني أرزاً فأزداد بهاءً، ازرعوني صنوبراً وزيتوناً وكرمةً فأزداد عطاءً ويمتدّ كرمي أبد الدهر، اسقوني ماء محبتكم الصافية وخذوا غلال الحياة من دون منّة»، بهذه الكلمات استهلّت رئيسة نادي دوما ومهرجاناتها، السيدة حياة الحاج شلهوب، حفل افتتاح مشروع غابة أرز دوما.
حضر الاحتفال الوزير جبران باسيل وممثل قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري العقيد شربل ساسين وممثل وزير الدفاع المدني العميد الطيّار المتقاعد درويش حبيقة السيد أنطوان تاشتاريان، ورئيس بلدية دوما السيد جوزيف خيرالله المعلوف، وممثلو الجمعيات الأهلية والمدنية، وعدد من فاعليات البلدة وأهلها.

 

وقائع الاحتفال
في البداية، كانت الوقفة مع النشيد الوطني عزفته موسيقى الجيش. ثم أزيح الستار عن لوحة المشروع التي تحمل إسمَي المموّل والمنفّذ. وقام الوزير باسيل والعقيد ساسين والسيدة شلهوب والسيد معلوف بغرس شجيرات أرزٍ بأسماء شهداء الجيش، بينما عزفت موسيقى الجيش وغنّى الحضور، «تسلم يا عسكر لبنان».
بعد ذلك، كانت كلمة أمين سر نادي دوما، السيد الياس واكيم، الذي هنّأ الجيش بعيده وهنّأ لبنان بجيشه، فقال: «ثلاث وستون سنة وما زال الجيش حاملاً رسالته في أبهى معانيها - شرف، تضحية، وفاء - من أجل لبنان. ثلاث وستون سنة من البذل والعطاء في سبيل الوطن بعقلٍ يبدع، ويد تزرع وتبني، وبندقية تحمي».
كما وجّه «تحية إكبار وإجلال الى شهداء الجيش الأبرار الذين دافعوا بصدورهم العارية عن شرف الوطن وكرامة أبنائه».
وأشاد بشموخ أرز لبنان وصموده وعنفوانه، مذكّراً بمقولة لامارتين عن الأرز: «إن جذوع هذه الأشجار وأغصانها المقدّسة، ظللت وتظلّل الكثير من الأجيال الإنسانية، لكنها تتلفّظ هنا باسم الله بطريقة مختلفة».
وتابع السيد واكيم متحدثاً عن أهداف المشروع فقال «نحن نحاول أن نواجه الحرائق بالتشجير، وأن نواجه الإهمال بالوعي والتفاني، والتشرذم بإعلاء ونشر رمز الوحدة الوطنية، والهدر بتثمير ما تيسّر من تمويل. فنحن نؤسس لمشروع يتفاعل مع الأرض والناس لمئات السنوات بإذن الله».
في ختام كلمته، وجّّه الشكر الى كل من ساهم في المشروع من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وقيادة الجيش، ومديرية الدفاع المدني، وبلدية دوما، وأصحاب العقارات وشباب البلدة المتطوّعين.
وبعد توزيع شهادات تقدير على المتطوّعين من أبناء دوما وعناصر الدفاع المدني، امتناناً لهم على تعبهم وجهودهم وعطاءاتهم، ألقى رئيس بلدية دوما، السيد شلهوب، كلمة عبّر فيها عن فرحه بافتتاح غابة أرز تزامناً مع عيد الجيش، فقال: «الإنسان امتداد لبيئته، ووجهٌ لها، فكم بالأحرى أن يعكس اللبناني صورة أرزته، صموداً وعنفواناً وشموخاً، تماماً كالجيش، الصامد كالأرز في مهب الحروب والعواصف».
وتابع قائلاً: «هذه الأرزة التي كابدت على مرّ العصور، وجابهت مطامع الملوك المشتهين أن يصنعوا منها عرشاً، وهي التي لم ترضَ إلا عرش  تراب الوطن اللبناني، عسى أن تكون لنا مثلاً مباركاً في التجذّر في الأصالة والتمسك بتراب الوطن».
ورحّب السيد شلهوب بالعقيد ساسين، وشكر بدوره كل من ساهم في المشروع، آملاً أن يصمد الأرز في دوما كصمود الجيش، ويمتد عالياً كالعلم اللبناني.
المتطوع، السيد نجيب الرحباني كانت له بالمناسبة قصيدة ومما جاء فيها:
«يا أرض دوما اسمعيني بهالعشية
          شعر بدي خبرك عن صدق نيّة
زرعت اسمك على شفافي موسيقى
          وصرت غنّيلك النغمة الشجيّة»
وقال:
«تماني بيخلدوا بالكون كلّو
          وإذا عن هالتماني بتسألوني
الأرز والعماد والجيش اللي بجلّو
          غصون الليل وأسرار الطبيعة
    وأنا والصبح واللي بيعرفوني»
وختم:
«سمعت مرة المنادي عم ينادي
          مين بيريد عَ عمرو زيادة
قلتلو أنا. قلّي ولكن
          بدّك موطن جدودك تعادي
وقلّي عَ شرط مطرح ما ساكن
          بدّك فيه تعطيني شهادة
قلتلو أنا ما لي مساكن ولكن
          قبل ما تكفّي بقلّك
    خود العمر وتركلي بلادي»

 

كلمة قيادة الجيش
الختام كان لقيادة الجيش حيث قال العقيد ساسين:
«... أهلنا في دوما، ليس غريباً عليكم أن تبادروا الى تكريم شهداء الجيش والوطن بأسمى ما يحمله التكريم من مشاعر عميقة ومعانٍ نبيلة. وأنتم أبناء دوما الخضراء، دوما السحر والجمال، التراث والأصالة والقيم، دوما الفكر والفن والثقافة، والتي طالما رفدت الوطن والعالم برجالات إعلام كبار، وأعطت أبهى صورة عن لبنان الرسالة والحضارة والإبداع.
إن فرحتنا اليوم عارمة وعامرة بهذا العمل التطوعي الذي قام به نادي البلدة، مشكوراً، وهل هناك أجمل من تخليد ذكرى الشهداء بغرس غابة أرز تحمل أسماءهم؟ والأرز هو رمز لبنان القوي الدائم الاخضرار، الذي يجاري الزمان، ولا يرضى بغير القمم مسكناً، حتى أنزله الناس منزلة التكريم وقالوا فيه أجمل المنظور وأروع المنظوم».
وأضاف قائلاً:
«ثقوا بأن دماء شهدائنا الذين نحتفل بتكريمهم اليوم، من خلال افتتاح هذه الغابة، لم تذهب هدراً، فبفضل هذه الدماء استطعنا الانتصار على أخطر عدوين وهما اسرائيل والإرهاب، وخرج الوطن موحداً قوياً من كل التجارب القاسية التي مرّ بها...».
وختاماً شكر باسم قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري، نادي دوما رئيسة وأعضاء، وأهالي البلدة وكل من أسهم في القيام بهذه المبادرة الطيبة، معاهداً الشهداء في عليائهم أن يبقى الجيش أميناً على تضحياتهم ومبادئهم... والمواطنين أن نمضي معاً في مسيرة العطاء، ونزرع يداً بيد أغراس الإيمان في وطن يستحق أغلى التضحيات.
في ختام الاحتفال قدّمت رئيسة النادي هدية رمزية الى العقيد ساسين، عربون تقدير وامتنان للمؤسسة العسكرية قيادة وأفراداً. كما نال السيد جورج مجيد حنا شهادة تقدير على جهوده في تتبع غابة الأرز في دوما ورعايتها. ورفعت ساريتا علمَي لبنان والجيش على وقع عزف موسيقى الجيش، ودعي الجميع الى كوكتيل أقامه النادي بالمناسبة.