سياحة في الوطن

ديركوشة بوابة الشوف المظلّلة بغاباتها الجميلة
إعداد: باسكال معوض بو مارون

الآباء يحيكون بساط الحرير لمستقبل الأبناء

على بساط الحرير عاش لبنان في الماضي مواسم عز وبحبوبة.
مواسم عمادها دودة القز وشجرة التوت، وعائلات يتضامن افرادها ويتقاسمون العمل لإنجاح موسم عدد ايامه لا يتجاوز الأربعين يوماً في السنة، اما غلّته فتتجاوز الاكتفاء الى البحبوبة.
دير كوشة الشوفية كانت واحدة من القرى اللبنانية التي عرفت الحرير ايام ازدهرت مواسمه في لبنان، وها هي اليوم تسعى لاستعادة الماضي عبر احياء تربية القز من جديد.

 

بوابة الشوف

تعتبر البلدة بوابة الشوف، وهي الحدّ الفاصل بينه وبين عاليه. كانت مكاناً للعبادة والتقوى في ما مضى، فعبارة دير كوشة معناها بيت الرهبان والنسّاك. لكن ثمة من يرى أن كلمة كوشة قد تكون نسبة الى كوش وهي بلاد الحبشة.
اتى ذكر دير كوشة في عدة مراجع تاريخية، وكانت في ما مضى مركزاً مهماً لمعامل الحرير، ايام كانت تربية دود القز مزدهرة في لبنان. وقد أدّت البلدة دوراً اقتصادياً مهماً في المنطقة ككل، من خلال معامل الحرير والفخّار والمطاحن المنتشرة على طول ضفة نهر الصفا. كما انها كانت سوقاً تجارياً كبيراً يزخر بالمنتوجات الصناعية وبالمواسم الزراعية.
منتوجاتها اتجهت نحو سوق دير القمر في المنطقة، وبفضل جودتها تجاوزت الحدود نحو اسواق فلسطين.
يبلغ علو دير كوشة عن سطح البحر حوالى 550 متراً، ومساحتها 5 كلم مربّع تقريباً، وعدد سكانها نحو ألف نسمة.
حدودها الكنيسة شمالاً ونهر الصفا جنوباً، كفرقطرة شرقاً وبشتفين غرباً.
بيوتها قليلة العدد ومعظم مساحاتها مغطاة بالبساتين والغابات ما يجعل منها بلدة نموذجية بجمال طبيعتها ومناخها وبمواسمها.
تمتد بساتين الزيتون بخيراتها المباركة في دير كوشة التي تزخر ارضها بكل انواع الفاكهة الصيفية اللذيذة، من الجنارك الى الخوخ والمشمش والدراق والاجاص، اضافة الى اللوز، وكلها من الأصناف الممتازة.
اما صناعياً فالبلدة ناشطة جداَحيث توجد فيها مصانع الفخّار التي تنتج الأباريق والقدور ومقالي البيض واواني الكبيس وسواها من الأواني الفخارية المتنوعة. كذلك هنالك معامل لصناعة الحلويات، واخرى لتصنيع الجفصين للديكور المنزلي، الى مطبعة وصناعات حرفية كثيرة.

 

عودة الحرير

في دير كوشة موسم طال انتظاره في لبنان بعد ان كان قبلة أنظار المنطقة كلها: انه موسم الحرير الذي كان لبنان قديماً ينتج منه كميات كبيرة. فقد كان موسم الحرير موسم العزّ والبحبوبة. وكانت اشجار التوت ودود القزّ وأنوال غزل الحرير رموزاً لبنانية عريقة تملأ ضياعه ومناطقه وتشغل رجاله ونساءه وأطفاله، كلٌ يؤدي قسطه من العمل في هذا المشروع المتكامل.

أما اليوم فقد بات عصب الحياة الاقتصادية السابق تراثاً مهدداً بالاضمحلال تماماً، الاّ ان بعض الهيئات والجمعيات يسعى الى إعادة إحيائه من جديد ومن بينها «جمعية انعاش القرية» في دير كوشة.
بدأت الجمعية عملها منذ العام 1951 برئاسة السيدة أنيسة نجّار، وهي تواصل سعيها الى الترويج لفكرة إنتاج الحرير بين الناشئة وتشجيعهم على حماية إرث ثمين كان مصدراً لعيش أجدادهم، ويمكن أن يجعلوه مورداً يعتمدون عليه في مستقبلهم.
وتوسّعت فكرة الجمعية لتطال تلاميذ مدرسة دير كوشة، كما تخبرنا مديرتها السيدة إنصاف البيطار. فالتلامذة يتعلمون أصول تربية دودة القزّ وكيفية الاهتمام بها ومعاملتها في أثناء حياتها، ومن ثم طريقة قطف الشرانق ليتم تحويلها الى خيوط من حرير.

تبدأ دورة الحرير مع البذور التي يتم تقطيع اوراق التوت لأجل إطعامها، وبعد 10 أيام تتحول كل منها الى دودة تستطيع تناول اوراق التوت كاملة، وبعد فترة 20 يوماً تحيط نفسها بشرنقة من الحرير تعيش في داخلها وتأكل الدودة خلال حياتها القصيرة كمية كبيرة من أوراق التوت.

 

الأبناء على درب الآباء

يوضع القزّ على أطباق خاصة مصنوعة من الوزال ويتولى كل تلميذ او اثنين من المدرسة الاهتمام بواحد منها، الى ان يحين وقت القطاف. يجني التلاميذ «حريرهم» من على أغصان الوزال. وتهتم المدرسة بتأمين تسويق الموسم. اما المردود فيعود الى التلاميذ أنفسهم الذين تعبوا واهتموا بهذا الموسم.
عاماً بعد عام، يزداد عدد الراغبين بتعلّم تربية دود القزّ، كذلك يزداد عدد المهتمين والمشاركين في موسم القطاف حيث يقام للمناسبة احتفال يشارك فيه سنوياً عدد من سيدات المجتمع وزوجات السفراء العرب والأجانب. ويقام غداء قروي يعيد الحضور الى أجواء تراثية قديمة، تذكّر بما عرفه لبنان من عزّ أيام الحرير.

 

شؤون البلدية

في دير كوشة مجلس بلدي برئاسة الاستاذ وجيه ضو، والمجلس يعمل لنهضة البلدة الطامحة الى مزيد من التطور مع الاحتفاظ بطابعها. وقد اهتمت البلدية منذ العام 2004 بمشاريع كثيرة ومنها تأهيل الطرقات وبناء حيطان الدعم، علماً ان البنك الدولي موّل أحدها.
كما تمّ تأمين الإنارة اللازمة لشوارع البلدة مع متابعة مشروع تركيب محطة كهرباء جديدة للقرية.
دير كوشة البلدة الجميلة بطبيعتها، تزينها شوارع نظيفة بفضل تعاون البلدية والجمعيات الأهلية والسكان، حيث يحرص الجميع على نظافة البلدة بشوارعها واحراجها حرصهم على نظافة بيوتهم.


عائلات دير كوشة

سكان دير كوشة الألف نسمة يتوزعون على العائلات التالية: ضو، مخيبر، دبيسي، القادر.

 

تصوير: المجنّد وسيم المصري