طب وصحة

ذلك الألم الذي ينهك صاحبه ويشل قدراته
إعداد: روجينا خليل الشختورة


الصداع النصفي: هل تنجح حقن البوتوكس في القضاء عليه؟
«لم أعد أحتمل آلام رأسي»... «لا يمكنني العمل، فعيناي بالكاد أستطيع فتحهما»... «أشعر بالغثيان من شدة الصداع»...
إنّه داء الشـقـيقــة (La Migraine) أو الصـــداع النصفي الذي يحد من قدرة المرء على العمل والأداء السليم، حيث إنّ الألم الذي يسببه ليس ألمًا يمكن تجاهله، وهو أحيانًا يستمر لأيام.
للاستفسار أكثر عن هذا الـ«المرض المزعج»، كان للجيش لقاء مع إختصاصي الأمراض العصبية (Neurologue) الدكتور جورج حنا، الذي شرح لنا أسباب الـ«Migraine»، عوارضه، سبل الوقاية منه وأحدث علاجاته...

 

تعريفه
بدايةً، عرّف الدكتور حنا الـ«Migraine» على أنه من الحالات المعروفة والمنتشرة في العديد من دول العالم وبين شريحة واسعة من الناس، وهو عبارة عن نوبة صداع متكررة، أليمة وحادة تراوح مدتها بين دقائق معدودة و72 ساعة أو أكثر، ناتجة عن توسّع جزء من الشرايين الخارجية للرأس. يسبب الصداع النصفي في معظم الأحيان أوجاعًا تمتد من العين إلى نصف الرأس، وهي غالبًا على شكل نبض، تنتقل من جهة إلى أخرى، ويرافقها غثيان أو تقيؤ وانزعاج من الضوء والضجيج.

 

أسبابه
إنّ الغالبية العظمى من المرضى يعانون النوبات بعد عمر الـ18 سنة، وهي تستمر حتى أواسط العمر، وهذا المرض وراثي عائلي بالدرجة الأولى، والنساء معرضات للإصابة به أكثر من الرجال، وذلك بسبب التقلبات الهرمونية في أثناء العادة الشهرية. كما أنّ تقلبات المناخ، وقلة النوم وقلة الأكل والـ «stress» وتنشّق الروائح القوية، قد تؤدي إلى الصداع النصفي، وكذلك طريقة التغذية فالبعض يعانون هذا الصداع إثر تناولهم الشوكولا، أو الفريز، والبيض والكحول أو عند تناول وجبة ثقيلة.
والأطفال أيضًا، من عمر الـ6 سنوات وما فوق (الذكور والإناث)، معرّضون للإصابة بداء الشقيقة غير أنّ العوارض التي يشعرون بها مختلفة عن تلك التي يحسّها البالغون، منها: ألم في البطن، ثقل في الرأس وفي العينين بالإضافة إلى حالة من الدوار.

 

أنواعه
الـ«Migraine» أنواع، يضيف الدكتور حنا، فهناك الصداع النصفي المصحوب بالأورة (Avec Aura) أو الهالة وهو الذي تظهر فيه، قبل النوبة بما بين 20 و60 دقيقة، الاضطرابات الآتية: تنميل أو خدر نصفي ووجع فوق العين، يظهر على شكل ومضات، بريق، خطوط، أو انعدام الرؤية.
ونجد أيضًا الصداع النصفي النموذجي الذي يتطور بسرعة من دون هالة وهو من الحالات الأكثر رواجًا.
وهناك الصداع النصفي القاعدي «Migraine Basillaire» الذي غالبًا ما تتقاطع عوارضه مع عوارض النزيف الدماغي، إذ يكون الألم عادةً شديدًا ونابضًا ويصاحبه ضياع، هلوسة، تقيؤ، شحوب وتعرّق وبرودة في الأطراف وصولًا إلى الازرقاق وفقدان الوعي. وغالبًا ما نلاحظ بروز الأوعية الدموية السطحية في الرأس ونتنبه لنبضها أيضًا. إنّ هذه الحالة من الألم تنهك قوى المريض وتجعله يأوي إلى الفراش في غرفة مظلمة بعيدًا عن الضوضاء وقد تصل في معظم الأحيان إلى ضرورة إسعافه إلى المستشفى.
من هنا، يجب على المريض الذي يشعر بأيّ من العوارض الآنف ذكرها، عدم تناول الأدوية بطريقة عشوائية ولا سيما المخدرة منها والمسكنة للألم من دون وصفة طبيب، وإلا سيصبح أكثر عرضة للإصابة بالـ«Migraine Chronique». في الحالة الأخيرة تصبح النوبات (من أيّ نوع كانت)، متكررة جدًا ومصحوبة بألم قد يدوم لأكثر من 15 يومًا في الشهر. وبالتالي، يصبح العلاج صعبًا ويحتاج المريض لوقتٍ أكثر للتماثل للشفاء.

 

تشخيصه وعلاجه
يشير الدكتور حنا إلى أنّ تشخيص الـ«Migraine» يستند إلى الفحص السريري حيث يقوم الطبيب باستجواب المريض للبحث عن المسببات. وقبل اللجوء إلى العلاج بالأدوية، يفضّل مراقبة العلاقة بين وتيرة تكرار النوبات وأسبابها، فعند تفادي الأسباب يمكن الحدّ من احتمال النوبة. من هنا، يجب على المريض أن يعي جيدًا ما يشعر به قبل النوبة وخلالها وبعدها.
ويلفت الدكتور حنا، إلى أنّ من يصيبه صداع نصفي مرة أو مرّتين في السنة فهو ليس بمريض. فالصداع النصفي يصبح مرضًا يحتاج للعلاج عندما يصاب به الشخص بطريقة دوريّة، أي مرّتين في الشهر أو مرّة في الأسبوع مثلا، وهو الذي تدوم نوبته طويلا مصحوبةً بالأعراض التي سبق وتحدثنا عنها، وإلا فإننا نكون أمام ألم عاديّ في الرأس (قد يدوم لأشهر ولكن يمكن تحمله، ومتابعة ممارسة الحياة الطبيعية).
أما الحالات التي لا يكون لها مسببات واضحة وثابتة، فعلاجها يعتمد مبدأين أساسيين: يقضي الأوّل، بالحدّ من عدد النوبات مع إبعاد فترات حصولها، وهو علاج يعمل على الخلايا الدماغية (كأدوية «الصرع»)، ويدوم لمدّة أقلها 6 أشهر، بالإضافة إلى العلاج بأدوية الأعصاب ومضادات الألم، لحالات الـ«migraine» المتقدّمة.
ويعتمد الثاني، التخفيف من شدة النوبة وحدتها ومن الأعراض المؤلمة. إنّه علاج لحالات الصداع الأقل تكرارًا، حيث يكفي أن يتناول المريض، عند بداية الشعور بعوارض النوبة، دواءً من فئة الـ «Triptans» وهي خاصة بعلاج الـ «Migraine» فقط.

 

العلاجات الحديثة
في العلاجات الحديثة، يشير الدكتور حنّا إلى علاج متقدّم بحقن الـ «Bottox» يدوم مفعوله لـ6 أشهر أو أكثر وفي معظم الحالات يكون حلًا جذريًا، يختفي الألم بعده كليًا. الحقن بالـ«Bottox» يتم في 31 نقطة تتوزّع على عضلات الجبين «Les muscles temporaux»، عضلات أسفل الدماغ «Les muscles cervicaux – paravertébraux» وعضلات أعلى الأكتاف «Les muscles trapèzes».
وأخيرًا، ينصح الدكتور حنا باعتماد نوعية حياة بعيدة عن البدانة والسهر الطويل والضجيج، إلى ممارسة الرياضة بشكل دائم. وإذ أشار إلى أنّ الصداع النصفي لا يعرّض حياة المرضى للخطر، قال إنّه يسبب ضررًا كبيرًا في جودة الحياة ومسارها الطبيعي، ويسبب خسارة أيام عمل وبالتالي خسائر مادية واقتصادية، ففي دراسات أجريت في أميركا، تبيّن أنّ الدولة تخسر 13 مليون دولارًا سنويًا نتيجةً لإصابة المواطنين بداء الشقيقة.