تعاون وصداقة

رئيس أركان الجيش الإسباني: الجيش اللبناني ينفّذ مهمات لا تتحضر لها الجيوش
إعداد: إلهام نصر تابت

تنشط الكتيبة الإسبانية ضمن قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) على الساحة الجنوبية وتتفاعل بسهولةٍ مع الجيش اللبناني والمواطنين من خلال عدة نشاطات ومشاريع تجسّد التزامها حيال لبنان. رئيس أركان الجيش الإسباني الجنرال Teodoro E. Lopez Calderon الذي زار لبنان يُرجع هذا التفاعل إلى الثقافة المتوسطية التي تجمع الشعبَين اللبناني والإسباني. وهو يتحدث إلى مجلة «الجيش» متناولًا مجالات التعاون بين جيشَي البلدَين، ويُعرب عن إعجابه بحرفية الجيش اللبناني الذي يؤدي مهمات كثيرة لا تتحضر لها الجيوش عادة.

 

الزيارة التي قام بها الجنرال Teodoro E. Lopez Calderon مؤخرًا ليست الأولى إلى لبنان، فقد زاره سابقًا واطلع على ما بلغه من تقدّم في مجالات مختلفة، لذلك يشعر بالقلق حول ما آلت الأوضاع إليه خصوصًا بسبب الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا وانفجار المرفأ على الساحة اللبنانية. رغم ذلك، يشير القائد الإسباني إلى أنّه من خلال لقاءاته ومحادثاته مع مسؤولين في اليونيفيل، كما مع السلطات اللبنانية، لمس أملًا في تحسّن الوضع.

«العلاقة التي تربط جيشَيْنا هي دائمًا مميزة، لأنّنا نتشارك الجوانب الثقافية عينها وهي ميزة الشعوب المتوسطية، وهذا الأمر يسهّل تعاوننا بشكلٍ يومي»، يقول Calderon. وهو يوضح: «نطاق التعاون بيننا واسع، فهو يشمل التعاون المدني - العسكري، وأمن المنشآت، والدعم اللوجستي، والدوريات والمواكبة، إضافة إلى المهمات الخاصة لليونيفيل، ومكافحة وباء كورونا».

 

مهمات لسنا محضرين لها

وفي سياق متصل، يُعرب الجنرال Calderon عن اعتقاده القاطع بأنّ «المهمات التي يضطلع بها الجيش اللبناني لمواجهة التحديات والأوضاع والسيناريوهات، تتسم بكثيرٍ من الحرفية والمهنية. وهو يشير إلى أنّ هذا الجيش يواجه مهمات لا تتحضّر لها وتتدرّب عليها الجيوش عادةً، مثل دعم السلطات المدنية في مكافحة وباء كورونا، أو تنفيذ مهمات هي من اختصاص قوى أمنية أخرى. وهنا لا ننسى الدعم السريع الذي قدّمه الجيش للشعب اللبناني للتخفيف من حدة انعكاسات انفجار المرفأ».

تتعدد المهمات الملقاة على عاتق الجيش اللبناني ما يدعو القائد الإسباني إلى الاعتقاد بضرورة دعمه، وهو مقتنع بأنّه يمكن دائمًا إيجاد سبل للتحسين والتطوير في هذا المجال. كما يعتقد أيضًا أنّ كل اللاعبين الدوليين، ومن بينهم بلاده، يعملون على أمل الإسهام في تحسين الوضع في لبنان، ويبذلون أقصى الجهود من أجل ذلك. وهو يؤكد أنّ النشاطات المشتركة في مجال الأمن والتدريب، وتنسيق هذه النشاطات العملانية إضافة إلى ما يقدّمه المجتمع الدولي للجيش اللبناني، يندرج في إطار تعزيز قدراته وكفاءاته في تنفيذ مهماته.

قدّمت إسبانيا في الفترة الأخيرة إلى الجيش اللبناني مساعدات طبية لمواجهة انتشار وباء كوفيد-19، ويرى Calderon أنّ «إسبانيا تؤكد من خلال هذه الهبة التزامها تجاه لبنان، وتسعى إلى دعم الجيش اللبناني لتحسين قدراته ومهماته، وبخاصةٍ في هذه المرحلة التي تشهد انتشارًا لوباء كورونا الذي يؤثّر فينا جميعًا».

 

تحية مُتبادلة

سبق أن شارك ضباط من الجيش اللبناني ومجموعة من العسكريين في العيد الوطني الإسباني في 12 تشرين الأول عام 2019 وأتت هذه المشاركة بدعوةٍ من سلطات البلاد، وكان ذلك ردًا على مبادرة الجيش اللبناني إلى رفع العلم الإسباني خلال معركته ضد داعش في العام 2017 تحية لشهداء الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له برشلونة. يتذكر القائد الإسباني هذه الحادثة التي تؤكد عمق العلاقة بين الجيشَين، ويقول: «كما تعلمون، تعرّضت إسبانيا لعدة أعمال واعتداءات إرهابية قاسية، ورفع الجيش اللبناني العلم الإسباني خلال معركته ضد داعش عند الحدود السورية تحية لشهداء الهجوم الإرهابي في برشلونة، كان محط تقدير وترك أثرًا في المجتمع الإسباني. لذا كان لنا شرف دعوة الجيش اللبناني للمشاركة في العيد الوطني الإسباني تحية تقدير له وردّ جميل».

 

المشاركة في اليونيفيل

مشاركتنا في اليونيفيل تؤكد التزام كل فرد انضوى في الوحدة الإسبانية، وهذا الأمر يسعدنا كثيرًا. لا شك في أنّ انتشار وباء كورونا أثّر بشكلٍ كبير في نشاطاتنا اليومية، ولكن يمكنني التأكيد أنّ جنودنا ما زالوا يقومون بالمهمات الموكلة إليهم بتفانٍ وكرم من أجل تحسين الوضع في لبنان، آخذين بعين الاعتبار كل التدابير الصحية الضرورية.

وفي ما يتعلق بالمشاريع التي تنفّذها الكتيبة الإسبانية لمساعدة سكان الجنوب، يقول Calderon: «نقوم بكل ما في وسعنا لتحسين ظروف السكان المحليين حيث تنتشر الكتيبة الإسبانية. والمشاريع التي ننفّذها هي بناء لرغبتهم ورغبة السلطات المحلية. ونعلم أنّهم يرحبون كثيرًا بهذه المشاريع التي تسهم في تحسين أوضاعهم».

ويضيف: «العلاقة بيننا وبين السكان المحليين جيدة جدًا. هم يقدّرون المشاريع التي تقوم بها إسبانيا والتي تشارك فيها حتى جامعات إسبانية. كما أنّ برنامج «ثربانتس» لتعليم اللغة الإسبانية وبرنامج «سانشو بانثا» لتعليم المطبخ الإسباني نالا استحسانًا كبيرًا من قبل أبناء المنطقة».

يؤكد Calderon دور تعليم اللغة الإسبانية للبنانيين في التقريب بين الثقافتَين، ويرى أنّ اللبنانيين يستفيدون من تعلّم الإسبانية التي يتكلم بها أكثر من 600 مليون شخص. وفي المقابل، يساعد هذا الأمر الجنود الإسبان في تعزيز العلاقة والتفاهم المشترك مع أبناء المنطقة.

بدأت مهمة تعليم اللغة الإسبانية بُعيد انتشار الكتيبة الإسبانية في جنوب لبنان في العام 2006، وهي تجربة ناجحة جدًا وفق رئيس أركان الجيش الإسباني بدليل عدد المواطنين في المنطقة الذين باتوا يتكلمون الإسبانية و«يفهمون عقليتنا المتوسطية ويقدّرونها». وثمة عدد من المترجمين الذين يعملون ضمن الكتيبة تخرّجوا من برنامج ثربانتس.

وهو إذ يتوقف بإعجابٍ عند تمتع اللبنانيين بالقدرة على تعلّم لغات أخرى بسهولةٍ، يقول: «أعتقد أنّ مثل هذه النشاطات تفتح آفاقًا جديدة للمستقبل أمام هؤلاء».

 

فخورون بكم

يوجّه القائد الإسباني تحية إلى عناصر كتيبة بلاده العاملين في اليونيفيل، ويؤكد لهم أنّ الشعب الإسباني فخور بهم وبما يقومون به في لبنان، وبخاصةٍ في ظل انتشار وباء كورونا. ويقول: «بعملهم اليومي، هم يساهمون باستتباب الأمن ليس في هذه المنطقة فحسب وإنما على المستوى العالمي أيضًا. وأود أن أشكر أيضًا عائلاتهم التي تحتمل غيابهم لأيامٍ وأسابيع وأشهر...».

 

التلقيح ضد كورونا

يوضح Calderon أنّه «في إسبانيا وبالتوازي مع تلقيح الشعب، بدأنا خطة لتلقيح من يقومون بأعمالٍ خاصة، ومن بينهم نحو 2600 عسكري انتشروا في 18 مهمة خارج البلاد». ويضيف: «نسعى بكل ما في وسعنا لاستمرار المهمة التي نقوم بها في لبنان، وتفادي الوقوع في مشاكل صحية. لدينا الآن أكبر عدد من العناصر التي تلقّت اللقاح مقارنة مع دول أخرى مشاركة في اليونيفيل، حتى أنّنا منحنا اللقاح لعناصر من وحدات دولية أخرى تخدم ضمن الكتيبة الإسبانيـة. وأود الإشـارة إلى أنّ الوحـدات التي ستأتي لاحقًا إلى لبنـان ستتلقـى اللقـاح في إسبانيـا قبـل مجيئهـا إليـه».

 

كلمة أخيرة

أود تكرار التزامنا تجاه لبنان والمتمثلة بمشاركتنا في اليونيفيل. تعمل إسبانيا إلى جانب عدد آخر من الدول من أجل هذه المهمة بهدف الوصول إلى حل دائم في جنوب لبنان، ما يسمح بتعزيز الإمكانات التي يتمتع بها بلدكم بسلام وحرية. الاستقرار في لبنان هو أولوية للمنطقة بأسرها ولأوروبا.

تلك كانت الرسالة التي وجهها Calderon إلى اللبنانيين.

 

في سطور

• تنتشر الكتيبة الإسبانية العاملة ضمن قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) في القطاع الشرقي في الجنوب، أي منطقة مرجعيون.

• يتولّى جنرال إسباني قيادة القطاع الشرقي الذي تنضوي تحت لوائه أربع كتائب هي: الإسبانية، الهندية، الإندونيسية، والنيبالية، فضلًا عن وحدات من: الصين (تتولّى المستشفى الصيني الميداني في القطاع الشرقي)، كمبوديا، وكازاخستان.

• يبلغ عدد العناصر الإسبان في اليونيفيل 620 عنصرًا، بينهم 605 يشكّلون قيادة القطاع والكتيبة في القطاع الشرقي، فيما يخدم الباقي ضمن قيادة اليونيفيل في الناقورة.

• 9% من عديد العناصر من النساء ويتولّين مهمات عديدة أسوة بزملائهم الرجال.

• يشارك ضمن الكتيبة الإسبانية: 50 عنصرًا من السالفادور، 130 من صربيا، 7 من البرازيل، والعناصر السلفادوريون يتلقّون تدريبات مشتركة في إسبانيا قبيل مجيئهم إلى لبنان.

• منذ انتشار الكتيبة الإسبانية في الجنوب في العام 2006 وإلى اليوم، استفاد نحو 7000 مواطن لبناني من برنامج «ثربانتس» لتدريس اللغة الإسبانية، واللافت أنّ المدرّسين هم عسكريون من الكتيبة.

• المشاريع التي تنفّذها الكتيبة الإسبانية تأتي بناء على اقتراح السلطات المحلية في منطقة عملها، ويشمل أبرزها قطاعات التعليم وبناء القدرات والبيئة والمشاريع الاجتماعية، ومؤخرًا كل ما يتعلّق بمواجهة وباء كورونا بناء على رغبة السلطات المحلية وبحسب توجيهات قيادة اليونيفيل.

• من البرامج المهمّة التي تنفّذها الكتيبة، زيارة سنوية لأطباء بيطريين إلى منطقة عملها لمساعدة مربّي الماشية وتقديم المشورة لهم، كما الأدوية اللازمة. وهذا المشروع هو ثمرة تعاون مشترك بين وزارة الدفاع الإسبانية وأهم الجامعات التي تدرّس طب البيطرة في إسبانيا.

• تنفّذ الكتيبة الإسبانية يوميًا نحو 27 نشاطًا مشتركًا مع الجيش اللبناني، بناء على برنامج يُعدّ مسبقًا بالتنسيق بين الطرفَين. من هذه النشاطات: دوريات مشتركة، دورات تعقيم، التدريب على الإسعافات الأولية ودورات منوّعة تشمل عدة مجالات. وفي هذا الإطار تابع 186 عنصرًا من الجيش اللبناني خلال العام 2020 تدريبات وتمارين مشتركة ضمن القطاع الشرقي.

• تأثّرت معظم المشاريع والبرامج والمهمات العملانية بانتشار جائحة كورونا، واتّخذت الكتيبة إجراءات مشدّدة للحؤول دون تفشّي الوباء في كل مراكزها.

• تلقّى 460 عنصرًا إسبانيًا أول جرعة من لقاح استرازينيكا المرسَل من إسبانيا، كذلك العناصر السالفادورية والبرازيلية.

• منذ العام 2006 ولغاية اليوم، خدمت 35 كتيبة إسبانية في القطاع الشرقي. وقد نفّذت خلال هذه الفترة نحو 630 مشروعًا في منطقة عملها.