محطّات

رئيس الجمهورية: بتكريمك منحتنا فرصة الإضاءة على وجه لبنان المشع
إعداد: جان دارك أبي ياغي

قلّد الفنّان إيلي شويري وسام الأرز الوطني


قلّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الفنان إيلي شويري وسام الأرز الوطني من رتبة كومندور، في حفل أقيم في القصر الجمهوري في بعبدا، وذلك في بادرة تكريم خاصة بأحد رواد الفن اللبناني الأصيل الذي تنوّع عطاؤه صوتًا وألحانًا وقصائد وأناشيد وطنية، من هياكل بعلبك والأرز إلى الدول العربية ومسارح العالم، وبنى لنفسه على مدى نصف قرن عمارة من أجمل التجارب الفنية الغنية والأصيلة.
حضر الحفل وزيرا الثقافة غطاس خوري والدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول، والسيدتان ميراي عون هاشم وكلودين عون روكز وكبار المسؤولين في رئاسة الجمهورية، ومدعوو المحتفى به من أفراد عائلته المكوّنة من بناته الثلاث وأحفاده وأصدقائه.


الرئيس عون
استهلّ الحفل بكلمة للرئيس عون أشاد فيها بمزايا المحتفى به، مؤكدًا أنّ: «كل تكريم لفنان من لبنان هو إعادة خلق لهوية هذا الوطن الأصيلة، فكيف إذا كنا اليوم في حضرة نسيم من نسائم بعلبك، ولحن محفور في الوجدان الوطني والشعبي، وقصيدة مشبعة بالعنفوان، وصوت يختزن حنين الماضي في خواب من تراث. إيلي شويري، بك يليق التكريم وأنت الآتي من زمن الكبار. انطبع فيك حب الوطن، فسخرت له كل مواهبك، لتظل الأرض مسيّجة بالعسكر الذي غنيت له، واسم لبنان مكتوبًا على شمس لا تغيب. طلّتك بيننا تخبرنا الكثير عن عظمة الفن اللبناني، وعن مسرحيات تحتل الذاكرة، وأصوات عشقناها، وحوارات مغناة ترفع الروح إلى حيث يعلو الحلم والحياة. وفي قلب هذه العظمة، يحتفظ اسم إيلي شويري بمكانته. لم تحجبه زحمة عباقرة لبنان، ومبدعي اللحن والكلمة، ومحترفي الخلق الفني، بل انصهر بوهجها وانصهرت بفرادته، فتمايزت بصماته منذ أكثر من خمسين سنة في خط فني له في رصيد الأغاني الوطنية المتوهجة، ما له من أغاني الفرح والحب والاحتفاء بالحياة».
وأضاف: «شكرًا لك أيها الفنان الكبير إيلي شويري، لأنّك بتكريمك منحتنا فرصة الإضاءة على وجه لبنان المشع، وسط المصاعب والتحديات التي تشغلنا وتشغل الشعب اللبناني عن الأنوار الكثيرة التي ما زالت تتدفق من أعماق أبنائه، وتجعل منه شعبًا عظيمًا قادرًا على اجتراح حياة أفضل».


شويري
بعد تقليده الوسام، ألقى الفنان شويري كلمة جاء فيها: «كنت دائمًا عندما يسألونني إذا ما كان لدي من عمل جديد أعددته للجيش أو للعهد، أجيبهم بأن حياتي كلها وعطائي كله، بقدر ما منحني الرب من مواهب، هما كرمى لعيون هذه الأرض وهذه الدولة وهذا الوطن».
وأضاف: «كتبت وغنّيت طوال حياتي من دون أن يطلب أحد مني ذلك. وهذا كان أكبر وسام لي وأكبر تكريم. واليوم يشرفني أن أتكرّس إلى جانب رئيس بلادي، أطال الله بعمره، الذي أنشدت له منذ 15 سنة «عرسك جايي يا بطل» و«الدنيي مضوايي» و«حصانك بيرق جبل»، «نجومك مرايي»، «إنت البطل» و«نحنا أهلك»، «شعبك كلو عم يندهلك»، «رد وقلو جايي»».
وتابع: «إن وسام الأرز اليوم هو عيد لكل الأغاني التي غنيتها. وإني أشكر من عاد وقربني من الأرز، أشكر فخامة رئيس بلادي وأقول له: ألف شكر، أطال الله بعمرك وعمر هذا البلد، مع الدعاء أن يشهد على إيامك العز والفرح والبحبوحة».
في الختام، أقيم كوكتيل للمناسبة، والتقطت الصور التذكارية، فيما كانت أغاني الفنان شويري تصدح في أرجاء القصر الجمهوري.
 
سطور من سيرة
غرق إيلي شويري منذ بداياته في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان. ونبتت في نفوس أبنائه الذين ردّدوها في كل زمان ومكان وصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، «صف العسكر»، «تعلا وتتعمر يا دار»، «يا أهل الأرض»… جميعها أغانٍ شكلت علامة فارقة في مسيرة ايلي شويري الفنيّة فميّزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعًا معتمدًا في قاموس الأغاني الوطنية. فإيلي شويري الذي عرف بأبي الأناشيد الوطنية، كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هوسًا يعيشه وإحساسًا يتلمسه في شكل غير مباشر.
ولد إيلي شويري في بيروت العام 1939. هو الخامس بين أشقائه، بعد صبيين وبنتين. ترعرع بين محلّة المزرعة، مسقط رأس والده، والأشرفية حيث عاشت العائلة في حي مكلّل بالقرميد. في عرزال الساحة، بدأ يكتشف قدراته الصوتية. كان يحفظ أبرز ما غنّاه عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان. في الخامسة عشرة، أسّس مع أترابه جوقة غنائية، كان يردد فيها المواويل البغدادية التي حفظها عن والده. أحد رفاق الكار وجه إليه دعوة لقضاء فترة نقاهة في الكويت، فوافق. هناك وبينما كان يعبر أحد الشوارع، قرأ لافتة كتب عليها «دار الإذاعة الكويتية»، وكانت في مرحلتها التجريبية الجديدة مطلع الستينيات. انتسب إليها مؤديًا في فرقتها الغنائية، بعدما خضع لاختبار أشرف عليه موسيقيون من فرقة أم كلثوم.
صار ينام في الاستديو، بين الآلات الموسيقية، وشجّعه المطرب الراحل عوض الدوخي، إلى جانب الملحن المصري مرسي الحريري على تعلّم العزف على العود. تشاء المصادفة أن تصل إلى الكويت فرقة «الأنوار» لمروان وبديعة جرار مع توفيق الباشا وزكي ناصيف والمخرج نزار ميقاتي، إلى جانب سعاد هاشم ووديع الصافي. قدّموا يومها حفلات في صالة «الأندلس»، وحضرت «الإذاعة الكويتية» لتسجيل الأغاني. فور عودته، كان روميو لحود يستعد لعرض مسرحية «الشلال» في «مهرجانات بعلبك»، فشارك معه. في هذا الوقت، انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى الياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه إلى الأخوين عاصي ومنصور الرحباني وكانت له معهما مسيرة طويلة (أكثر من 25 عملًا). أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» العام 1964، وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كل المسرحيات التي وقّعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، و«ناطورة المفاتيح»، و«صح النوم»… وصولًا إلى «ميس الريم». وهو يعتبر تلك الحقبة وكأنها حلم من قصص الأساطير خوّلته خوض أجمل التجارب الفنية...
مع «بكتب اسمك يا بلادي» تحوّل شويري إلى أب حقيقي للأغنية الوطنية. وقف إلى جانب الشحرورة صباح على الخشبة في مسرحية «ست الكل»، ولحّن لها أول أغنية «تعلا وتتعمر يا دار». كتب أغاني لوديع الصافي، مثل «زرعنا تلالك يا بلادي»، «بلدي»، «إنت وأنا يا ليل»، «من يوم من يومين»، «يا بحر يا دوار».
في العام 1965، تزوج إيلي شويري من عايدة أبي عاد ورزق منها ثلاث بنات: نيكول وكارول وسيلينا. حاليًا لا يكلّف نفسه عناء متابعة مجريات الساحة الفنية، ويقول: «اليوم أنا مش أنا وما يجري لا يعنيني ولا يثير اهتمامي. أعاني بسبب تردّي الواقع الفني، ولا سيما أنني جئت من حقيقة البارحة».