تحية لها

رئيس الجمهورية: على المرأة أن تثبت أنّ بإمكانها إصلاح ما دمّره الرجل

بعمق الأبوة الحقة ووضوح الرؤية المسؤولة وقوة الثقة المناضلة، يتحدث فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى «الجيش» عن دور المرأة في الحياة السياسية في لبنان، فيضع النقاط على الحروف في ما خص المساواة كحق كفله الدستور للبنانيين، مؤكدًا أنّ نضال المرأة التاريخي من أجل حقوقها هو الذي أسهم في تطوير أوضاعها، ومشدّدًا على أنّ إيمانه بقدرات المرأة نابع بشكل أساسي من خبرته مع عائلته.
في ما يأتي نص الحوار مع فخامة رئيس الجمهورية.

 

• لطالما كان تولي المرأة في لبنان مناصب سياسية مهمة خجولًا. اليوم وفي ظل أزمة لم يشهد الوطن مثيلًا لها، تشكّل السيدات تقريبًا ثلث الحكومة. كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟

-أي منصب تصل إليه المرأة اللبنانية اليوم، تكون في موقعها الطبيعي. أظن أنّ الزمن الذي كان يسود فيه الاعتقاد بأنّ المرأة تصلح فقط لوظائف ومناصب وأعمال محددة، قد ولّى. صحيح أنّ لديها خبرة أقل من الرجل في الانخراط في الشأن العام، لكن الخبرة تأتي بالمِراس، والنقص في الخبرة لا يعني ضعفًا في القدرة أو الكفاءة أو الإمكانات. كان هناك انكفاء وإبعاد للمرأة عن العمل السياسي لظروف وأسباب شتى، وقد آن الأوان لتشارك المرأة بفعالية في وجوه ومؤسسات الشأن العام كافة. عليها طبعًا مسؤولية في تفعيل دورها ووجودها، ومن واجب المجتمع السياسي أيضًا الإيمان بقدراتها.

 

الثقة والأمل
وجود المرأة غير المسبوق في الحكومة الحالية يُشعرني شخصيًا بالثقة والأمل. أثق تمامًا أنّ هذا الوجود سيفعِّل ديناميكية جديدة في العمل الحكومي، مع تشنّجات أقل في الأجواء، وإنتاجية أكبر. وفي ظل الأزمة الحالية، ستكون المرأة شريكًا فاعلًا في الإنقاذ ومجابهة التحديات.


• ثمة مقولة مفادها أنّ النساء أكثر جدية وتفانيًا وإخلاصًا لمسؤولياتهنّ وأقل فسادًا من الرجال. ما رأيكم؟
- هناك جانب من الدقة في هذه الخلاصة. تفاني المرأة في عملها يعود بشكل أساسي إلى ما وهبها الله من قدرة على البذل والاهتمام من دون مقابل، وهذا هو جوهر أمومتها. وقد تكون هذه القدرة سلاحًا فعالًا في يدها لتحقيق النجاح في تحمّل المسؤولية حين تتاح لها الفرصة، وتزوّد العلم الكافي. إضافة إلى أنّ جدية عمل المرأة نابعة أيضًا من رغبتها في إثبات ذاتها إزاء محيط يشكّك في قدراتها.


ومن اللافت أيضًا أن تكون المرأة أقل فسادًا من الرجل، وهذا الاستنتاج يمكن الوصول إليه بسهولة من خلال استعادة سِيَر الفساد في أنحاء العالم كافة، والتي غالبًا ما يكون أصحابها من الرجال. وهذا ما يجب أن يدفعنا في لبنان إلى فتح أبواب العمل السياسي على وسعها أمام المرأة، للمساهمة في تخفيف حدة الفساد في مفاصل الدولة ومؤسساتها.


 • في نظرة إجمالية، كيف تصفون أداء السيدات اللواتي تولّين مراكز مهمة في الشأن العام في لبنان، وخصوصًا في الحكومة والمجلس النيابي؟
- من المؤسف أنّه ليس لدينا تراكم كافٍ من التقييم لأداء المرأة اللبنانية في الحكومة والمجلس النيابي، بسبب ضعف وجودها في المؤسستين التشريعية والتنفيذية. وباستثناء تجربة الحكومة الحالية والحكومة التي سبقتها، كانت المرأة شبه غائبة عن هاتين المؤسستين. وليس لديّ شك بأنّ النساء القليلات اللواتي تولّين مناصب عامة في السنوات الأخيرة، عملن جاهدات لإحداث فرق في الأداء، لكنّ ظروف البلاد المعقدة، والتناحر السياسي الذي كان قائمًا والذي عطّل بشكل كبير الإنتاجية والإصلاح، طمست بصمات هؤلاء النساء في الشأن العام.
 
الإيمان بالقدرات
• قد يبدو مستغربًا ونحن في القرن الواحد والعشرين أن يظل تولّي المرأة لمراكز مهمة في السياسة بمثابة إشكالية. برأيكم إلى أي حد ما زالت هذه الإشكالية مطروحة في لبنان؟

- إذا أردنا توخي الدقة في الحديث عن هذه الإشكالية، عليَّ أن أشير أولًا إلى أنّ المرأة أسهمت في إقصاء نفسها عن العمل السياسي. فلو أجرينا إحصاء عن نسب وجود المرأة في الأحزاب اللبنانية مقارنة بالرجل، لوجدنا بالتأكيد أنّ الكفّة تميل للرجل. بالطبع هناك تاريخ من الإقصاء مارسه الرجل بحق المرأة، قد يكون أسهم في انكفائها الطوعي عن العمل السياسي، ولكنّ الظروف اليوم تغيرت.


المرأة باتت أكثر علمًا وثقافة مما كانت عليه قبل قرن أو نصف القرن. وتمدّد وجودها إلى ميادين العمل كافة، وتعزّزت إمكاناتها وأسلحتها للنجاح وتحمّل المسؤوليات. وهي باتت اليوم قادرة على المشاركة الفعلية في الحياة العامة، من دون أن يكون وجودها مستهجنًا أو مرفوضًا. عليها أن تؤمن بقدراتها، وعلى الدولة أن تعمل على تعديل كل القوانين المجحفة بحقها، لإزالة أي تمييز جندري من هذه القوانين. من جهتي، أسهمت عندما كنت رئيسًا لتكتل التغيير والإصلاح، ثم بعدما أصبحت رئيسًا للجمهورية بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة من خلال سلسلة قوانين باتت نافذة.
كذلك، كانت تجربة ضمّ الفتيات إلى المؤسسة العسكرية التي بدأتها يوم كنت قائدًا للجيش تجربة ناجحة، وقد اعتُمدت قبل أعوام في الجيش والمؤسسات الأمنية على نطاق واسع.


 • برأيكم، إلى أي حد يسهم تولّي المرأة مناصب سياسية في إرساء المساواة بين اللبنانيين، وفق ما يقرّه الدستور؟
- المساواة بين اللبنانيين لا يجب أن تكون مرتبطة بمدى تولّي المرأة مناصب سياسية. المساواة حق كفله الدستور، ويجب أن يكون هذا الحق موجودًا ومطبّقًا بمعزل عن التركيبة السياسية أو الجندرية للحكومات أو الندوة البرلمانية. هذا هو المبدأ. ولكن من حيث الواقع، بالطبع يمكن لتمدد وجود المرأة في العمل السياسي، أن يُصلح أي خلل متعلق بعدم تطبيق الدستور لجهة تحقيق المساواة بين اللبنانيين بمعزل عن الجنس والدين. فتاريخيًا، نضال المرأة من أجل حقوقها عبر العالم، هو الذي أسهم في تطوير أوضاعها، وتعزيز حقوقها، وإن كان هناك على الدوام رجال آمنوا فعلًا بهذا النضال، وكانوا مساندين له إلى أقصى الحدود.

 

تأكيد ورسالة
• لفخامتكم مسيرة استثنائية حافلة بالمخاطر والصعوبات. ما كان دور كل من السيدة الأولى وبناتكم في هذه المسيرة؟
- كرجل محاط بزوجة متفهمة وصبورة وداعمة، وبنات عشن معي كل الصعوبات والظروف والتحديات، وصولًا إلى مرحلة النفي القاسية، يمكنني أن أؤكد من دون أي شعور بالتردّد، أنّني لطالما استمدّيت القوة على الاستمرار من هؤلاء النساء في حياتي. عائلتي كانت هي الحاضن الأول والأساسي لي، في مسيرة سعيت فيها للحفاظ على كرامة وطني، ورسالته، وتعدديته، وحضارته العريقة. وإذا كنت مؤمنًا شرسًا بقدرات المرأة وطاقاتها اللامحدودة، فذلك نابع بشكل أساسي من خبرتي مع عائلتي، وما لمسته في بناتي من قدرة على تحمّل المسؤوليات وجبه التحديات.


 • ما هي الرسالة التي توجهونها للمرأة اللبنانية؟
- أدعو المرأة اللبنانية أولًا وأخيرًا إلى الإيمان بقدراتها ومواصلة نضالها في سبيل تحقيق مساواة ناجزة في المجتمع والقانون. ودعوتي القلبية لها، كأب لبنات ثلاث وكرئيس للجمهورية، أن تقتحم العمل السياسي من كل أبوابه، لأنّ تعاطيها الشأن العام، سيُحدث فرقًا في الأداء والإنتاجية والإصلاح. من واجبها اليوم المشاركة في مرحلة النهوض من هذه الكبوة القاسية التي نعيشها، فتُظهر لنفسها ولمجتمعها أنّ ما دمّره الرجل بإمكان المرأة إصلاحه.
يبقى أنّ الخطوة الأولى على طريق إزالة الإجحاف اللاحق بالمرأة والوصول إلى مساواة فعلية بينها وبين الرجل، تبدأ من خلال إقرار قانون موحد للأحوال الشخصية يحترم كل المواد التي نصّت عليها شرعة حقوق الإنسان.