إحتفالات عيد الجيش

رئيس الجمهورية في الأول من آب

أنتم ضمان الوحدة والاستقرار والثقة بغدنا الواعد


الحوار يحصّن لبنان وهو بحاجة إلى أطر تمثيل أكثر دقة وتطورًا

 

أكّد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان خلال رعايته وحضوره حفل تقليد ضباط دورة العقيد الشهيد جورج الرويهب السيوف، أن «لبنان بحاجة إلى أطر تمثيل وتوازن أكثر دقة وتطورًا».
وأشار إلى أنه «إلى جانب الحراك السياسي وواجب الإهتمام بمسار العدالة، وضرورة السعي إلى التوافق على استراتيجية دفاعية وطنية... تتنامى الحاجة إلى مباشرة تحقيق مطالب الشعب الحياتية... ومكافحة الفساد والسرقة والتزوير».
في ما يلي نص كلمة رئيس الجمهورية في الإحتفال.

 

أيّها الضبّاط المتخرّجون
تفتح اليوم أمامكم أبواب مدرسة الشرف والواجب، لتنطلقوا منها إلى مهماتكم ومسؤولياتكم في حماية الوطن، ومكتسبات الأمن والاستقرار، مزوّدين سيوف الحقّ والاستقامة.
بهمّتكم وعزمكم تجسّدون تطلعات أهلكم وشعبكم وفخرهم واعتزازهم؛ فها منذ الآن ستغدون، مع رفاقكم في السلاح، حماة الأرض والديار، ومثالاً لتماسك المؤسسات، وضمانًا لوحدة المجتمع، وأمنه وسلامه ومشروعيّة أحلامه وطموحاته.

 

أيّها الضبّاط والعسكريّون
لم تحيدوا يومًا عن دروب الشرف والتضحية والوفاء. واكبتم، متيقّظين، حكماء، تظاهرات الثامن والرابع عشر من آذار العام 2005، والمراحل الحرجة التي تلتها، فكنتم روّادًا في حماية الديموقراطيّة والحقّ في التظاهر السلمي وحريّة التعبير. وساهمتم، على الرغم من حجم المخاوف والتوترات، في المحافظة على أمن المتظاهرين والمواطنين وممتلكاتهم، وحماية السلم الأهلي. وهو نهج تعتمدونه في كل الاستحقاقات، مع الحرص على التوفيق بين مستلزمات الحزم وموجبات احترام المواطن وخدمته.
وقفتم في ساحة العزّة والإباء، شجعانًا ميامين، فواجهتم العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان صيف العام 2006، ورويتم تراب الوطن بدمائكم الزكيّة، وتمكنتم في مثل هذه الأيّام، مع الشعب والمقاومة، من تحقيق نصرٍ ساطعٍ، رادعٍ، أكيد. وما تسمية دورتكم باسم العقيد الشهيد جورج الرويهب الا دليل على تمسّككم بعقيدتكم العسكرية وبكامل الجهوزية والالتزام.
تفانيتم في التضحية والعطاء في محاربة الإجرام الوحشي والإرهاب في نهر البارد العام 2007، ونجحتم في اجتثاث جذوره، من دون أن يشغلكم هذا الجهد عن واجب السهر والمتابعة لرصد شبكات التجسّس وكشف العملاء وتفكيك حلقات غدر العدو الإسرائيلي ومؤامراته.
وبادرتم بما توافر لديكم من إمكانات للتصدّي لآلة التحدّي والاستفزاز الإسرائيليّة في العديسة، في الثالث من آب 2010، بُعيد عيد الجيش، ولم تهابوا؛ فتراجع العدو أمام عزمكم وتصميمكم وأرسيتم على ارض الواقع عناصر استراتيجية وطنية ممكنة لحماية لبنان والدفاع عنه.
وهو، صبيحة هذا اليوم بالذات حاول تكرار اعتداءاته واستفزازاته في الوزاني، فكنتم له بالمرصاد.

 

أيّها الضبّاط والعسكريّون
واجب المحافظة على الأمن الداخلي لا يقع في نطاق مهماتكم الأساسيّة.
إلا انّكم، الى جانب القوى الامنية الشرعية، وبتكليف من الدولة ودعمها، تسهرون باستمرار على سلامة المواطنين، ولا تتوانون عن مواجهة أيّ مؤامرة أو محاولة لزعزعة الاستقرار وتهديد السلم الأهلي.
كذلك فإنّ الشعب اللبناني الذي بات شديد الوعي، يرفض الفتنة والاقتتال الداخلي، ويتوق إلى قيام الدولة العادلة والقادرة التي تحقق أحلامه وتطلعاته في العيش الهانئ الكريم.
ويبقى على القادة السياسيين وقادة الرأي واجب العمل الدؤوب على تهدئة الخطاب السياسي – وهو مرتفع وحادّ – وتغليب نهج التهدئة وتعزيز المناخ الديموقراطي والروح الميثاقيّة ومنطق الحوار.
آمل في أن يساهم شهر رمضان المبارك، شهر الصوم والتأمّل والصفاء، في تعميق فكرة هذا الحوار، والفائدة المرجوّة منه، وهو الهادف في مقاصده النهائيّة لحماية لبنان وتحصينه في مواجهة المخاطر والمتغيّرات والتحديات الداخليّة والخارجيّة التي تتهدّده، ولتحقيق المصالحة الوطنيّة الحقيقيّة، وتعزيز العيش المشترك؛ حوار لا يسعى إلى حلّ المسائل العالقة والشائكة فحسب، بل كذلك إلى تلافي النزاعات بصورة استباقيّة، وتدعيم ركائز الاستقرار الدائم، وبالتالي، تبديد الشعور المحبط السائد لدى البعض، بأنّ لبنان في حال هدنة بين نزاعين مسلّحين، أو في حال حرب أهليّة باردة. وهذا ما لا يمكننا القبول به أو الموافقة عليه، رحمةً بشعبنا الطيّب، وبأجيالنا الطالعة التي يُخشى أن تطغى عليها مشاعر اليأس والقنوط والرغبة في الاستقالة من الوطن والهجرة والاغتراب.
ما أراه في عيونكم، وأقرأه على جباهكم، وما يعتمر في قلوبكم أيّها الضبّاط المتخرّجون، هو نقيض ذلك، ويشكّل عنصر أمل ورجاء وخلاص للوطن. فكونوا على العهد أوفياء، وتقدّموا بلا تردّد على دروب التضحية والعطاء، بأيدٍ متشابكة وصفوف متراصّة، جنباﹰ الى جنب، مع شباب لبنان النابض بالحيوية والايمان، ولا تتراجعوا.
أنتم، في كنف الشرعيّة والمؤسسات، ضمان الوحدة والاستقرار والثقة بغدنا الواعد.

 

أيّها اللبنانيّون
النظام الديموقراطي وحريّة الرأي والتداول الدوري للسلطة، من شأنها نزع مبرّرات العنف والاعتراض المخالف للقوانين.
إلا أنّه في ضوء التجربة السابقة، ونظرًا إلى الطابع التعدّدي للبنان، وسهولة استنفار العصبيّات، تبرز الحاجة الى أطر تمثيل وتوازن أكثر دقّة وتطوّرًا، خصوصًا من خلال اعتماد قانون انتخابي جديد، عصريّ وعادل، من شأنه أن يشكّل مدخلاً رئيسًا للتغيير ولتثبيت الخيار الديموقراطي وتعزيز السلم الأهلي. وقد تكون النسبية التي قد لا تكتمل من دونها الديموقراطية الميثاقية في لبنان، النظام الذي يمكن أن يتفاهم عليه اللبنانيّون، شرط تحديد مفاهيمه وأطره الفضلى.
وإلى جانب الحراك السياسي، على أهميّته، وواجب الاهتمام بمسار العدالة، وضرورة استمرار السعي إلى التوافق على استراتيجيّة دفاعيّة وطنيّة، والمضيّ قدمًا بالتعيينات الإداريّة وفق الآليّة التي أقرّتها الحكومة السابقة تغليباً لمبدأ الشفافيّة والكفاءة، بعيدًا من الكيديّة والمحاصصة، تتنامى الحاجة الى المباشرة بتحقيق مطالب الشعب الحياتيّة وحقوقه الاجتماعيّة من دون إبطاء، ومكافحة الفساد والسرقة والتزوير. وستوجّه عناية المسؤولين المعنيين إلى ضرورة قيام مراقبة أكثر صرامة لنظافة البيئة وسلامة الغذاء والدواء في لبنان، واتخاذ تدابير عقابيّة ورادعة بحقّ المخالفين تتخطّى مواقف الاستنكار والتحذير.

 

أيّها الضبّاط والعسكريّون
اذ نؤكد التزامنا الكامل قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، وواجب التعاون مع الأمم المتحدة وقواتها العاملة في جنوب لبنان، مقدّرين لها مشاركتها والتضحيات، فإننا ندين بشدة الاعتداء الآثم الذي تعرّضت له هذه القوات منذ أيام، مؤكدين العزم على العمل على كشف الفاعلين المجرمين وإحالتهم الى العدالة.
وسيستمرّ السعي لإرغام العدوّ الإسرائيلي على تنفيذ كامل مندرجات هذا القرار، وصولاً إلى وقف انتهاكاته اليوميّة السيادة اللبنانيّة وتهديداته المتكرّرة ضدّ لبنان وشعبه ومنشآته الحيويّة، محتفظين بحقّنا في تحرير أو استرجاع كامل أراضينا التي ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانيّة والجزء اللبناني من بلدة الغجر، بكل الوسائل المتاحة والمشروعة.
كذلك سيكون علينا العمل بصورة دقيقة وحثيثة على تحديد حدودنا البحريّة وحمايتها، والمحافظة على كامل حقوقنا في مياهنا الإقليميّة وفي منطقتنا الاقتصاديّة الخالصة.
ومن أجل تنفيذ هذه المهمات، لكم من الوطن وأهله أيّها الضبّاط والعسكريّون، كامل الدعم والمحبّة والاحتضان.
ولكم من الدولة عهد بالمثابرة على الجهد لتزويد الجيش عناصر القوّة والقدرة كافة. وقد جاء في البيان الوزاري للحكومة الجديدة، بأنّ «الحكومة تؤكّد التزامها توفير الإمكانات الضروريّة للقوى العسكريّة والأمنيّة الشرعيّة، عديداً وعدّة، من خلال إقرار خطة تجهيز وتسليح لها، وحمايتها من التدخّلات من أيّ جهة أتت».
وإذ نسعى إلى حماية لبنان واسترجاع سيادتنا على كامل أراضينا، فإننا نتابع، في الوقت نفسه، متضامنين، المسعى الفلسطيني الهادف إلى الإعتراف بكامل الحقوق الفلسطينيّة في الأمم المتحدة، من قيام الدولة المستقلّة إلى حقّ تقرير المصير، بما يضمن حقّ العودة للّاجئين إلى أرضهم وديارهم ومواجهة خطر التوطين.
وسيكون للبنان مساهمة خاصة في هذا المجال، من خلال عضويّته في لجنة المتابعة العربيّة، ورئاسته مجلس الأمن الدولي، طيلة شهر أيلول المقبل.

 

أيّها الضبّاط المتخرّجون
أعرف ويعرف أهلكم ومواطنوكم أنّكم لن تكونوا إلا المثال والقدوة، ولن تبخل سواعدكم بالتعب والعطاء.
هذا الأوّل من آب هو تاريخ ميلادكم في رحم المؤسسة العسكريّة، فهنيئًا لكم، وأنتم تقسمون قسم الوفاء للبنان، حفاظًا على تضحيات الشهيد العقيد جورج الرويهب، وجميع شهداء الجيش الأبرار.
فلتبقَ جباهكم أبدًا مكلّلة بالكرامة والشرف،
وصدوركم عامرة بالتضحية والوفاء،
وسيوفكم مشرّعة لنصرة الوطن والمواطن.

 

عشتم
عاش الجيش
عاش لبنان