- En
 - Fr
 - عربي
 
الأول من آب
عشية الأول من آب، زار فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وزارة الدفاع الوطني حيث شارك في إحياء ذكرى شهداء الجيش. حضر الاحتفال إلى وزير الدفاع اللواء الركن ميشال منسى وقائد الجيش العماد رودولف هيكل، رئيس الأركان اللواء الركن حسان عوده وأعضاء المجلس العسكري وأركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة. وكانت للرئيس عون في المناسبة كلمة استهلّها برسالةٍ مؤثرة إلى العسكريين مؤكدًا: أنا هنا، لأقولَ لكم، جنودًا وجرحى وشهداء، لكم كلّ الشكر والجَميل... وفاءً لتضحياتكم، ولطُهر دمائكم، ولصلوات أمهاتكم وقلق الآباء والأهل!
كذلك تحدث رئيس الجمهورية عن الملفات الساخنة في لبنان راهنًا، مشددًا على حصرية السلاح في يد الجيش والقوى الأمنية، ومما جاء في كلمة الرئيس:
أيها العسكريون، يا رفاق السلاح،
قبل نحو أربعين عامًا، أقسمت مثلكم قسمًا صار لي حياةً...
وقبل نحو ثمانية أشهر، أقسمت أمام اللبنانيين، قسمًا لا رجوعَ عنه.
رفاق السلاح والقضية والشرف، بفضلكم أنتم شرّفت قسمي الأول...
وبفضلكم دومًا سأشرّف قسمي الثاني...
وها أنا هنا، لأقول لكم، جنودًا وجرحى وشهداء، لكم كلّ الشكر والجَميل... وفاءً لتضحياتكم، ولطُهر دمائكم، ولصلوات أمهاتكم وقلق الآباء والأهل!
فلأنني أعرف معنى التضحية... وأعرف قدسية الشهادة...
أُدرك أيضًا أنّ شعبًا يستحق الحياة، لا يترك شهداءَه يسقطون مرتين...
مرةً في الدفاع عنه... ومرةً بالنسيان أو الإنكار أو المساومات...
فكلُّ شهيدٍ قاتل وقاوم وسقط من أجل لبنان، أيًا كان مسقط رأسه أو قُبلة ربّه... هو ذِخر لنا، في مسيرتنا نحو تحقيق أهداف هذه الشهادة، ببناء وطنٍ مستقل مستقرّ، مزدهر وعصري... يحضن كل شعبه، وينفتح على العالم...
والوفاء للشهداء ولتضحياتهم وللقضية التي ارتقَوا من أجلها، يقتضي منا جميعًا، أن نوقف الموت على أرضنا... وأن نوقف الدمار... وأن نوقف الانتحار، خصوصًا حين تصبح الحروب عبثية مجانية ومستدامة، لمصالح الآخرين. وذلك حفاظًا على كرامة شعبنا وأرضنا ودولتنا ووطننا.
أيها الجيش الأبيّ،
اليوم عيدك، فافتخِرْ!
افتخرْ، لأن لا مؤسسة في الدولة اللبنانية، يُجمع عليها اللبنانيون، أكثر من الجيش اللبناني.
ولا مؤسسة قدّمت التضحيات، مثل مؤسسة الجيش.
ولا مؤسسة صمدت بوجه الفساد والضيق معًا، كصمود الجيش.
ولا مؤسسة حمت وحدة لبنان، وضمنت أمنه، مثل عناصر الجيش وضباطه.
فقد انهار اقتصاد كامل، ولم تنهَر.
واستُبيحت الحدود والسيادة، ولم تستسلم.
وزرع الأعداء عملاءهم بيننا، ولم يجدوا فيك خائنًا.
فالجيش هو نسيج مصغّر عن الشعب اللبناني بأبهى حلله. ولذلك فمن يحب جيشه، يحب شعبه ووطنه!
وللجيش فضل كبير عليّ ودَين أكبر.
فضله أنّه ربّاني على حبّ الوطن، كل الوطن دون اجتزاء، وعلى حب الشعب دون شعبوية، وعلى حب الله دون طائفية.
ودَيني له كقائدٍ أعلى للقوات المسلّحة، وِفق ميثاقنا ودستورنا، أن أحافظ على هيبته وكرامته وقوّته ودوره، حفاظًا مني على سيادة لبنان، وحُرمة حدوده، ووحدة شعبه، وسلامة أراضيه من حروبٍ لا نريدها واعتداءاتٍ نرفضها.
واجبي وواجب الأطراف السياسية كافة، عبر مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدفاع ومجلس النواب والقوى السياسية كافة، أن نقتنص الفرصة التاريخية، وندفع من دون تردّد، إلى التأكيد على حصرية السلاح بيد الجيش والقوى الأمنية، من دون سواها، وعلى كافة الأراضي اللبنانية، اليوم قبل غد. كي نستعيد ثقة العالم بنا، وبقدرة الدولة على الحفاظ على أمنها بوجه الاعتداءات الإسرائيلية، التي لا تترك فرصة إلّا وتنتهك فيها سيادتنا. كما بوجه الإرهاب الذي يرتدي ثوب التطرّف، وهو من الأديان براء.
وأضاف قائلًا: «نعم، لقد انتهكت إسرائيل السيادة اللبنانية آلاف المرات، وقتلت مئات المواطنين، منذ إعلان وقف إطلاق النار في تشرين الثاني العام 2024، وحتى هذه الساعة. ومنعت الأهالي من العودة إلى أراضيهم، ومن إعادة إعمار منازلهم وقراهم. ورفضت إطلاق الأسرى والانسحاب من الأراضي التي احتلّتها.
وقد وقف الجيش إلى جانب الأهالي بكل شجاعة، رغم كل شيء. وخسر شهداء أعزاء مثل المقدم الشهيد محمد فرحات، ابن بلدة دير قانون رأس العين، من الجنوب وليدًا، والذي احتضنته كنائس زغرتا في الشمال شهيدًا. بعدما تحدّى سابقًا المحتل وجهًا لوجه، أمام جميع العدسات، في وقفةٍ بطوليةٍ هي من بطولة هذا الشعب وتصميمه على الصمود، قبل أن يعود سلاح الجو الإسرائيلي فيغدر به، ليرتقي رمزًا لتضحيات جيشنا وشرفه ووفائه، وتجسيدًا لالتفاف لبنان كله حول الجيش.»
وقال: «أُوكلَتْ للجيش مهمات تطبيق وقف النار، وذلك بالتنسيق مع اللجنة العسكرية الخماسية الأطراف. وتمكّن على الرغم من تواضع الإمكانات وكثرة مهامه الأخرى، من أن يبسط سلطته على منطقة جنوب الليطاني غير المحتلة، وأن يجمع السلاح، ويدمّر ما لا يمكن استخدامه منه، وذلك بشهادة اللجنة العسكرية الخماسية. وهو مصمّم على استكمال مهماته من خلال تطويع أكثر من 4500 جندي، وتدريبهم وتجهيزهم، ليكملوا انتشارهم في هذه المنطقة، على الرغم من عدم التزام إسرائيل بتعهداتها. وقد ساعده في تسهيل انتشاره، أهل الجنوب أبناء الأرض، الذين كانوا دومًا قدوةً في وطنيّـتهم وصمودهم».
وانتقل رئيس الجمهورية إلى موضوع المفاوضات التي باشرها مع الجانب الأميركي، بالاتفاق الكامل مع رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، وبالتنسيق الدائم مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، والتي تهدف إلى احترام تنفيذ إعلان وقف النار، الذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية السابقة بالإجماع. فتحدث في هذا السياق عن النقاط التي طالب بها لبنان ردًا على مسودة الأفكار التي طرحها الجانب الأميركي. وفي هذا الإطار لفت الرئيس عون إلى أنّ تبني بنود المذكرة التي رفعها الجانب اللبناني «يقطع الطريق على إسرائيل، في الاستمرار في عدوانها، ويفرض عليها الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة، ويرسّم حدود لبنان جنوبًا وشرقًا وشمالًا، لأول مرّة في تاريخه، ويضبط مراقبة هذه الحدود، ويمنع الاعتداءات، ويعيد الناس إلى أراضيها، ويؤمّن لهم الأموال اللازمة لبناء البنى التحتية والبيوت، ويعزّز الثقة بالدولة اللبنانية ومؤسساتها، وبالجيش أولًا، ويُعطينا فرصة لإقامة استقرار ثابت ودائم، هو الشرط الأول لازدهار الاقتصاد اللبناني، وللمضيّ في الإصلاحات البنيوية الضرورية، بدعم دولي وعربي».
وإذ قال: «لقد تعبنا من حروب الآخرين وحروبنا على أرضنا»... أكّد أنّ التجربة أثبتت «أنّ سلاح الجيش هو الأمضى، وقيادته هي الأضمن، والولاء له هو الأمتن»...
كذلك تناول رئيس الجمهورية الملفات التي حرصت حكومة الرئيس نواف سلام على إعطائها الأولوية، من إعادة الثقة بالقضاء، وضبط الأمن وحصر السلاح، وقضية التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، وتحضير ملفات إعادة الإعمار والتشكيلات العسكرية والأمنية، وحقوق المودعين، بالإضافة إلى التعيينات في مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف وإعادة هيكلة الإدارة، وصولًا إلى الانتخابات البلدية والاختيارية وإعادة لبنان إلى محيطه العربي والمجتمع الدولي...
وتوجّه مجددًا إلى الجيش اللبناني قائلًا: «أنا اخترت العبور معكم، بوطننا لبنان نحو مستقبلٍ أفضل لجميع أبنائه...
معًا، نريد حفظ كرامة كل لبناني. وصون قضية كل شهيد...
معًا نريد استعادة دولة تحمي الجميع.
نريد استعادة دولة، هي خلاصة إراداتنا، وتجسيد لميثاقنا، وثمرة تضحياتنا. وهي وحدها التي تحمينا.
إن الاستحقاق داهم والمسؤولية شاملة.
وطالما أن اللبنانيين معكم، مع صلابة إرادتكم، وحكمة قيادتكم، أنا واثق بأنّ مشروع الدولة سينتصر! فابقَ أيها الجيش على أُهبة الاستعداد للدفاع عن لبنان وعن حياة شعبه ومصالح أهاليه... وأنا لا أنتظر من المكوّنات السياسية في مجلسَي النواب والوزراء، إلّا الاصطفاف خلفك في مهمتك التاريخية، لكي نترحّم في عيد تأسيسك، على المؤسّس الرئيس فؤاد شهاب، لا أن يترحّم علينا العالم متفرّجًا.
لذا، كلّي ثقة بحكمة رجالات ونساء بلادي، من قادة الأحزاب والنواب والوزراء، والمرجعيات الدينية والاقتصادية والفكرية والإعلامية والثقافية وغيرها، ومن كل لبناني حرّ حريص بأن نتّخذ معًا، بشجاعة ومسؤولية، قرارًا تاريخيًا، يقضي بتفويض جيشنا الوطني وحدَه، حمل السلاح عنّا كلنا، وحماية الحدود عنّا جميعًا. فشرعيتنا من شرعية جيشنا، وكرامتنا من كرامته»...
العماد هيكل: نتعهد أمامكم وأمام شعبنا أن نحمي الاستقرار والسلم الأهلي
وقد ألقى العماد هيكل كلمة ترحيبية بالرئيس عون جاء فيها:
«في العيد الثمانين للجيش، يسرني أن أرحّب بكم في مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء التي حملتم شعارها منذ شبابكم، وتربّيتم في مدرستها، وتولّيتم قيادتها، فظلت ساكنة في وجدانكم وقلبكم، حتى وإن غادرتموها بالجسد.»
وأضاف: «إنّ حضوركم اليوم يظهر تضامنكم مع الجيش، وتقديركم المطلق لدوره وتضحياته ووقوفكم إلى جانب عناصره. لقد تحمّلتم منذ بداية عهدكم مسؤولياتٍ جسامًا. وإنّ الخطوات المهمة التي حققتموها حتى الآن تزيدنا ثقة وتفاؤلًا وعزمًا على مواصلة أداء واجبنا، بالتوازي مع متابعة مسيرة تطوير المؤسسة العسكرية، معتمدين على قدراتنا وطاقاتنا الذاتية، وشاكرين الدول الداعمة على مبادراتها تجاه الجيش.»
وختم: «نتعهد أمامكم وأمام شعبنا أن نحمي الاستقرار والسلم الأهلي، ولن نسمح أبدًا بأي تهديد لأمن بلادنا. أجدد ترحيبي بكم، فخامة الرئيس، وأعرب عن شكري لكم ولمعالي وزير الدفاع الوطني، ولكل من يبدي التضامن والدعم للمؤسسة العسكرية. وكلّي أمل بأن تحمل الأيام المقبلة ما نتمناه من استقرار وازدهار لوطننا العزيز.»
ختام الاحتفال كان تحية لشهداء الجيش إذ توجه رئيس الجمهورية ووزير الدفاع وقائد الجيش إلى النصب الذي يخلّد ذكراهم حيث وضع أكيلًا من الزهر وسط مراسم التكريم الخاصة بالمناسبة.






                    
                            
                           
                          
                            
                        




