كلمتي

ربيع الأمـهات
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

ما بين إطلالة الربيع وعيد الأم لقاء ولقاء، فلا تُحسب للربيع زهور، ولا تُعدّ، ما لم ينبت منها ما يليق بالأم تقدماتٍ وهدايا، ولا يثبت للعيد يوم ما لم تجرِ أيام الربيع ضاحكة مع السواقي والجداول.

والربيع في الفصول هو الخصوبة والشباب والقدرة على التجدّد، وهذا ما تؤديه الأم كاملاً في حياة الوطن، إذ تمدّه بالسواعد الفتية التي تؤسس للمستقبل، وتحافظ على الماضي، وتنطلق في الحاضر عملاً وأملاً، متجاهلةً التعب، لاغيةً الشكوى، ضامنةً وعد الأمنيات. وكما أن شباب الشجرة لا ينتهي في سنة أو سنتين أو سنين، كذلك فإن شباب الأم يدوم ويدوم، بحيث يبقى وليدها فتياً يافعاً على مدى عمرها؛ أما نسمع الأم، في كل مكان، تنادي ابنها مهما بلغ من العمر: يا ولدي، يا ولدي الصغير...

وكانت الأم على مدى التاريخ، ولا زالت تبارك أبناءها، وهم ينطلقون للدفاع عن وطنهم، مهيئةً لهم الزاد من الدعاء والصلاة، متمنيةً رجوعهم سالمين منتصرين، محتضنةً جراحهم بعاطفتها وحنانها، ومدوّنةً أسماءهم في فؤادها أبطالاً خالدين حين يستشهدون في ساحات الوغى فداءً لتراب الأجداد.

أما رسالات السماء فقد كرّمت الأم، وبيّنت لأبناء الدنيا قيمتها العالية ومنزلتها المرموقة ودورها في بناء المجتمع. ولم يخطئ الإنسان، بدوره، في أن يختار يوماً ربيعياً لعيدها، وفي أن يحصر المعايدة بها على مدى حقبة طويلة من الزمن، قبل أن يشاركها في الأعياد، الأب والإبن والأخ والجار والصديق...

في عيد الأم هذا، وفي عيد الربيع، يهبّ العسكريون لتكريم أمهاتهم في كل بيت، وفي كل مكان، ويجدّدون في الوقت نفسه العزائم للدفاع عن أمهم الكبرى - أرض الوطن - والسهر على أمن أبنائها، ومنع الطامعين من التعرّض لكرامتها والنيل من حبات ترابها. كما أنهم يشاركون آباءهم في تكريم تلك الأرض وزيادة ألوانها وحماية أغراسها، مؤكدين لهم أنه في مقابل كل فلاح يضرب معولاً في البقعة «البور»، هناك جندي يسهر مع بندقيته في المتراس الخطر في مواجهة العدو الإسرائيلي، وجندي آخر يصل الليل بالنهار في أرجاء الوطن مانعاً عبث العابثين مواجهاً طيش الطائشين.

إن الأم هي الأمة وهي الأمم، لا بل هي الدنيا، والجندي هو أحد أبنائها الأوفياء، يطلب ابتسامتها في الربيع، وفي الصيف... وفي بياض الثلوج.