تسلح وتكنولوجيا

رجل آلي مسلح يضطلع بالمهمات الصعبة في العراق

سوردز الأميركي يرى ويسمع ويطلق النار بدقة!

عيناه ثاقبتان في الليل كما في النهار، يحدّد هدفه بدقة مذهلة: إنه الرجل الآلي المسلّح، الذي بدأ ينزل إلى ساحة المعركة ويبشّر بتغيرات في قواعد الحرب وفنونها.

 

أميركي المنشأ

يسمّونه أويو (owo) في أفلام حرب النجوم، أو «تي اكس» (T-X) في «Terminator 3». إنه الرجل الآلي المدمّر الذي احتلّ موقعه منذ فترة طويلة في عالم السينما ومسلسلات الخيال العلمي. لكنه اليوم حقيقة واقعة. اسمه الحركي «سوردز» (SWORDS). بدأ عمله في نيسان 5002 ضمن مجموعة آلية تضم ثمانية عشر نموذجاً، نشرتها القوات العسكرية الأميركية في عدد من المدن العراقية! وتعني كلمة سوردز في اللغة الانكليزية السيوف وهي اختصار لعبارة «نظام الأسلحة الخاص بالمراقبة والاستطـلاع والكشــف» (Special Weapons Observation Reconnaissance Detection System).
ولد سوردز في نيوجرسي، الولايات المتحدة، من «أبوين» أميركيين: ترسانة الجيش الأميركي، وشركة «فوستر ميلر». والجدير بالذكر أن الرجل الآلي سوردز ليس أول رجل آلي يُستخدم في المعارك البرية. فالاستعانة برجال آليين للكشف عن الألغام أمر شائع، سواء كان في مجال مكافحة الإرهاب أو في ساحة المعركة، لكن هؤلاء كانوا «مجرّدين» من السلاح، بينما لا يكتفي سوردز بالنظر والسمع، بل يحمل سلاحاً ويطلق النار أيضاً! غير أنه لا يمكن اعتبار الرجل الآلي المسلّح الجديد، رجلاً آلياً بكل معنى الكلمة، فاليد العاملة البشرية لا تزال تتحكّم به عن بعد.

 

آلة حربية رهيبة

على الرغم من مظهره المخادع الذي يشبه حشرة عملاقة، فإن سوردز يشكّل آلة حرب حقيقية تتفوّق بقدراتها على الإنسان. ونبدأ بنظر هذا الرجل الآلي المسلّح الذي يمكّنه، بفضل أربع كاميرات تلفزيونية حسّاسة للأشعة تحت الحمراء ومجهزة بعدسات تزويم، من مراقبة الأفق ليلاً ونهاراً ضمن مجال رؤية يصل إلى ثلاثمئة وستين درجة. وعند أي حركة مشبوهة، يسدّد سوردز بندقيته الرشاشة آنياً نحو الهدف، بدقة لا تصدّق. ويتميز سوردز بجهوزية دائمة، إذ تضمن له «أعصابه الحديدية» البقاء بعيداً عن التأثر بأي ضغوط جسدية أو نفسية، وهو يستطيع بالتالي، بحسب قول مبدعيه، أن يصيب، برصاصة واحدة، قطعة نقدية من المعدن على بعد ثلاثمئة متر، في حين أن أفضل رام قد يصيب في أحسن الأحوال هدفاً بحجم كرة القدم! وإذا كان سوردز يمشي فقط بسرعة جندي مشاة، فهو لا يخشى الأسلاك الشائكة أو الألغام المزروعة أو القناصة، كما أنه لا يعرف الإحساس بالوحدة أو الشعور بالتعب أو بالضجر، وهي مشاعر سلبية تبقى ملازمة للخفير، في مهام الحراسة. وقد شكّل عدم تأثر سوردز بأي ضغط نفسي أو جسدي، السبب الأول الذي دفع بالقوات العسكرية الأميركية إلى تبنّيه واختباره. وفي العراق، كان أول اختبار للرجل الآلي الجديد، حيث تقضي مهمته بالحلول مكان العناصر البشرية من الجيش، في مراكز المراقبة وحواجز التفتيش في المدن وعلى الطرقات، حيث تحصد السيارات المفخخة، أكبر عدد من ضحاياها وحيث يتسبب أيضاً توتر الجنود واضطرابهم بتجاوزات درامية في بعض الأحيان.

 

انقلاب على القواعد العسكرية

يبقى الثنائي الذي يشكّله الرجل الآلي والبندقية الرشاشة، هدفاً ضعيفاً أمام هجوم بالذخيرة المضادة للدروع، على الرغم من قدرته المتفوقة ودقته الأسطورية في التسديد، وعدم تأثره بأي ضغوط. ولكن أياً تكن الجهة المهاجمة فسوف تكون عرضة، بعد أن تنكشف، إلى رد مميت يأتيها من رجل آلي آخر يبقى متربّصاً في مخبأه. وغنيّ عن القول، إن إعطاب رجل آلي، يبقى أفضل بكثير من مقتل جندي. هذا على الأقل ما يتوافق عليه جنود المشاة. والجدير بالذكر أنه يمكن إصلاح الرجل الآلي سوردز، مثل أي آلة حربية أخرى.
ويبقى السؤال: لماذا لم يطرح الخبراء العسكريون فكرة الرجل الآلي المسلح قبل الآن؟ للجواب شقان: الشق الأول تقني. فقد كان الرجل الآلي المستخدم سابقاً في المعارك الحربية، ثقيل الوزن، بطيء الحركة، يؤخر العسكريين في مهامهم، أكثر ما يسهّلها لهم. أما سوردز، فهو لا يزن أكثر من خمسين كيلوغراماً ولا يتعدّي طوله المتر الواحد، وتصل سرعته إلى خمسة أو ستة كيلومترات في الساعة، وهي مواصفات قريبة جداً من الصفات البشرية. أما الشق الثاني من الجواب، فيتعلق بالناحية النفسية، فظهور الرجل الآلي المسلح يغير المقاييس في فنون الحرب. والجدير بالذكر أن العسكريين يتحسّبون في المبدأ، من القفزات التكنولوجية الكبيرة التي غالباً ما يقابلونها بالشك، مثلما حصل عند ظهور الغواصة والمدرعة والطائرة. والواقع أن الاستعانة برجال آليين مسلحين، سوف تعيد النظر كلياً بقاعدة استخدام الوحدات القتالية وبتنظيمها. ولكن في أي اتجاه؟ لا أحد يمكنه بعد أن يعطي أي توقعات محددة. ولكن على الرغم مما سبق ذكره، يبدو أن الرجل الآلي المسلح سوف يفرض نفسه في ساحة القتال. فهو يعود على الحكومات التي تتبناه، بفائدة لا بديل عنها، ألا وهي توفير أرواح العسكريين. فحتى لو بلغ ثمن الرجل الآلي المسلح مئتين وثلاثين ألف دولار، فإن أحداً لن يبكي عليه إذا «ما قتل» في المعركة. كذلك، فإن الاتكال على سوردز من أجل تأمين مهام المراقبة، يجعل العسكريين ينصرفون إلى مهام أخرى عملياتية. وهذا أمر لا يمكن تجاهله، لا سيما إذا واجه البانتاغون أزمة في اليد العاملة. وبالتالي، فإن كل هذه الحسنات تضمن للرجل الآلي سوردز مستقبلاً في ميدان القتال. فهل يبقى هذا المستقبل حكراً على الأميركيين، الأمر الذي يوسّع الهوّة التكنولوجية بين ترسانة «العم سام» وباقي الترسانات في العالم؟
يبقى أمر واحد أكيد، وهو أن الجيش الأميركي قام بخطوة عملاقة عندما نشر رجالاً آليين مسلحين في أرض المعركة. وفي هذا المجال، تدرس فرنسا حالياً مشروعاً مماثلاً لمشروع سوردز، يحمل اسم «ميني روك» (Mini Roc)، يتوقع أن يبصر النور في العام 6002. وعلى هذا، فإن تقليد الأميركيين في هذا المجال (إذا نجحت التجربة في العراق)، يبقى أمراً سهلاً، طالما أن عسكرهم الآلي لا يزال في مرحلة بدائية. لكن الأميركيين لا ينوون التوقف عند هذه المرحلة. فقد بدأوا خطواتهم باتجاه إعطاء الرجل الآلي المسلح، استقلاله الذاتي. وهنا تصبح مواكبة هذا التطور الأميركي، أمراً أكثر صعوبة بالنسبة إلى بقية الدول. ومن المتوقع أن يتمكن سوردز في مراحل مستقبلية متقدمة، من الذهاب بمفرده إلى النقطة المحددة على الخارطة الرقمية، متخطياً كل الحواجز التي تعترض طريقه، في حين أنه يتم حالياً توجيهه عن بعد خطوة خطوة. يضاف إلى ذلك، مسألة تطوير الطاقة. فبطاريات الليتيوم (Lithium) الحالية، تضمن للرجل الآلي قوة أربع ساعات من العمل فقط، وهي فترة قصيرة. ويأتي الحل عن طريق بطارية تتغذى بالهيدروجين، وتعمل بصمت واستمرارية. لكن المشكلة تبقى في المدة اللازمة لتحقيق مثل هذه البطارية الموثوقة، والتي قد يستغرق انجازها أكثر من عشر سنوات!

 

تأثير الاختراع الجديد على الميدان

لا يمكن تقدير مدى التأثير الستراتيجي للرجل الآلي المسلح في ميدان القتال. وحيث أن هذا الاختراع يضمن لمالكه توفير الأرواح البشرية، فقد ينتفي الرادع الإنساني عند السياسيين ويميلون أكثر إلى اعتماد الحل العسكري في النزاعات الحاصلة بين الدول. وهذا أمر لا بد من أخذه بعين الاعتبار.
وفي مطلق الأحوال، فإن التجربة التي تحصل اليوم في العراق والتي تضع الإنسان للمرة الأولى، في مواجهة مع الرجل الآلي المسلح، سوف تكون تجربة غنية بالمعلومات، لا سيما على الصعيد النفسي.
وإذا كان العسكريون يجمعون على التصويت للرجل الآلي المسلح توفيراً لدمائهم، فإن ردة الفعل الشعبية تجاه هذا المقاتل الحديدي، لا تزال مجهولة حتى الآن. وإذا قرّرت الجموع تصفية هذا الخصم غير البشري، فقد يكون سلوكها تجاهه، أقل إنسانية من سلوكه.

 

ثلاثة أسئلة يجيب عليها خبير فرنسي في تقنية الرجل الآلي

* السؤال الأول: ما هي التأثيرات على الخصم، التي قد تنتج عن ظهور رجال آليين مسلّحين؟
الجواب: سواء تعلق الأمر بمقاتلين أو متظاهرين مدنيين، فإن ردة الفعل سوف تكون على أساس، أنه يتم التعامل معهم بطريقة لا تحفظ كرامتهم وحتى لا تراعي انسانيتهم. وقد يؤدي هذا الأمر إلى حالة من المواجهة الدفاعية أو حتى الهجومية والعدوانية.
* السؤال الثاني: كيف يمكن تجنب مثل ردات الفعل هذه؟
الجواب: تقوم دراسات حالياً للسماح عبر جهاز ميكروفون ومكبّرات للصوت، موصولة بالرجل الآلي المسلح، بتبادل كلامي بين العامل وراء الرجل الآلي وبين الخصوم البشريين. ويقوم الرجل الآلي بعملية الترجمة، في حال كان أحد الفريقين يتكلّم بلغة أجنبية.
* السؤال الثالث: ما الذي يمكن أن يتغير في سلوك من يملك الرجل الآلي المسلح؟
الجواب: لا شك أن الرادع المرتبط بمخاطر خسارة الأرواح البشرية، سوف ينتفي، الأمر الذي سوف يشجع أكثر فأكثر على التدخل العسكري. وهنا لا بد من مراقبة الانحراف في السلوك، الذي قد نواجهه عند استعمال الأسلحة عبر الشاشة. ولا بد أن يُصار إلى تنبيه العامل وراء الرجل الآلي المسلح، أنه يتحمل مسؤولية السيطرة على أعمال العنف التي قد تحصل في حال وقوع حادث.


ماذا يتغير؟

تحصل المعارك الحالية أكثر فأكثر، في أروقة المدن وشوارعها، ويشكل ذلك صعوبة خاصة، بالنسبة إلى العسكريين الذين يتعرضون باستمرار إلى مخاطر الكمائن ورجال القنّاصة. وبفضل الرجل الآلي المسلح، أصبح من الممكن من الآن وصاعداً، التوفير في الخسائر البشرية التي تسبّبها المهام الأكثر خطورة، مثل الاستطلاع في المناطق المعادية، وتفتيش المباني، والمراقبة في مراكز معينة، لا سيما تلك المعرّضة لعمليات انتحارية.