كلمات ليست كالكلمات

رجل سلام أم هولاكو؟
إعداد: الياس فرحات مدير التوجيه
العميد الركن

أوردت جريدة هآرتز الإسرائيلية, في افتتاحيتها في 1 أيار 2001: “تبين أن بعض الجنود الإسرائيليين جلبوا العار لأنفسهم ولجيشهم, من خلال قيامهم بأعمال إنتقام وحشية وسلب ونهب, أثناء عملية “السور الواقي”. وأضافت: “وقد أكّد الجيش ولسوء الحظ, التقارير الواردة حول تدمير الممتلكات الخاصة خارج نطاق الأعمال القتالية. لقد تم تدمير وتخريب ممتلكات خاصة لعائلات فلسطينية من دون تمييز ومن دون أي سبب سوى الإنتقام, وفي بعض الحالات سرق الجنود الأموال والأجهزة الإلكترونية من المنازل والمكاتب. وبشكل خاص في رام الله عاصمة السلطة الفلسطينية, صب الجنود غضبهم على أجهزة الكومبيوتر في مكاتب السلطة والوكالات والمديريات المدنية متجاوزين المهمات العسكرية والإستخبارية”.
هذا الكلام صدر عن وسيلة إعلامية إسرائيلية معادية, وهو يدل بشكل قاطع على الوحشية والهمجية اللتين تتسم بهما القوات الإسرائيلية, وعلى العدوانية واللاأخلاقية في القرار السياسي الإسرائيلي. وما صدر هو من دون أدنى شك غيض من فيض الممارسات العدوانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني, وقبله ضد الشعب اللبناني والشعوب العربية كافة.
وإذا كانت بعض الوسائل الإعلامية العالمية المنحازة تجهد و”تتذاكى” في محاولات إخفاء الهمجية الإسرائيلية, فإنه, وكما أظهرت مجزرة صبرا وشاتيلا ومجزرة قانا وسحمر والمنصوري, وقبلها بوقت طويل مجازر دير ياسين وبحر البقر, قد ظهرت فعلاً ورغم هذا الإنحياز, مجزرة جنين, فتأكدت مرة أخرى حقيقة جيش العدوان.
تتحدث بعض الأوساط السياسية ­ الإعلامية المنحازة, عن سبب قيام بعض ناشطي الإنتفاضة بعمليات إستشهادية, وتعزو ذلك الى التربية والتعليم ومبادئ الدين, حتى أن بعضها طالب بإعادة النظر بالمناهج التعليمية, وكأن الإستشهادي الذي يفجر نفسه بعدوه, هو إنسان يعيش في البفرلي هلز في لوس انجلس, أو على ضفاف نهر السين أو نهر التايمز, أو في ملاهي أوروبا. وتنسى هذه الأوساط أن هذا الإستشهادي يعيش حالة من اليأس والإحباط العام والإذلال, جراء الإحتلال الإسرائيلي وممارساته التعسفية التي لا تلقى رد فعل عندها.


المطلوب ليس إعادة النظر بالمناهج التعليمية للإستشهاديين, بل إعادة نظر بالفكر السياسي والنظام التربوي الذي ينشئ ويربّي طياراً يتمتع بإمكانات عظيمة وذهنية عالية, ويتدرب على طائرة متطورة مثل ف 16 أو أباتشي وغيرها, ثم يطلق منها صواريخ تدمّر السيارات المدنية والمنازل, وتقتل السكان الأبرياء.
هذا الفكر ينتج أيضاً جنوداً يقومون بأعمال السلب والنهب على نطاق واسع, كما ينتج سائق جرّافة يجتاح المنازل على رؤوس سكانها, ويحوّلها الى دمار والناس تحت الأنقاض. هذا هو مكمن الخطر, هذا هو الفكر السياسي والتربوي الذي يهدد الحضارة الإنسانية, والذي يجب على دول العالم الإسراع بإعادة النظر فيه, وإخراجه من زينة الديموقراطية الكاذبة التي تحيط به.
ولعل من أبرز نتاج هذا الفكر الخطير هو آرييل شارون. شارون رجل تقر إسرائيل نفسها بأجهزتها العدلية والقضائية, أنه ارتكب مجازر ثم أصبح رئيساً للحكومة من أجل ارتكاب المزيد من المجازر, من أجل تقويض آمال السلام لشعبه وللمنطقة ولجميع شعوب العالم. جنود شارون سبق أن اجتاحوا لبنان عام 1982 وعاثوا فيه فساداً وتخريباً ونهباً وسلباً. كلنا رأيناهم يقتلون ويدمرون وينهبون المحال والمنازل والمؤسسات, خصوصاً في الجنوب, ثم يرتكبون المجازر الجماعية ويحيلون ذلك كله الى أخطاء فردية أو ردود فعل زائدة, ويجرون التحقيقات محاولين تنفيس الإحتقان الذي تفجّر غضباً عليهم وأطلق المقاومة الشعبية بوجههم. تلك المقاومة استمرت بعزيمة شديدة حتى دحرتهم عن أرضنا.
جنود شارون, كما تقول هآرتس, يسرقون الأموال والكومبيوترات ويدمرون الممتلكات الخاصة لأهالي الضفة الغربية. شارون يمنع لجنة تقصي الحقائق من دخول جنين, مع أنه تم تشكيلها بإرادة تجسدت بإجماع مجلس الأمن الدولي. شارون لا يأبه لهذا القرار ويمنع الإجماع الدولي من تحقيق إرادته الإنسانية لتبيان حقيقة المجزرة, وفوق هذا كله... “شارون رجل سلام”. يرفض الإنسحاب من الأراضي الفلسطينية... وهو “رجل سلام”. يرفض مناقشة وبحث فكرة تفكيك المستوطنات... وهو “رجل سلام”. يرفض القرارات الدولية, السياسية منها والعسكرية والإنسانية... وهو “رجل سلام”. يرسل جنوده ليسرقوا وينهبوا ويقتلوا... وهو “رجل سلام”. يهدد ويتوعد ولا يحترم الحوار... وهو “رجل سلام”. وللناس بعد ذلك الحق في أن يتساءلوا: هل إن شارون هو رجل سلام أم هولاكو؟