غياب

رحيل عميدة مهرجانات بعلبك

مي عريضة اسم يختزل بحرًا من الحنين


يختزل اسم مي عريضة بحرًا من الحنين إلى زمن مضى. السيدة التي توفيت في 14 أيار الماضي عن 92 عامًا، وصفت بأيقونة مهرجانات بعلبك وعميدتها. تلك المهرجانات التي كانت الأهم ثقافيًا في الشرق الأوسط والأرفع شأنًا بين مهرجانات العالم، وقد رافقتها مي عريضة على مدى خمسة عقود.


ولدت مي عريضة في العام 1926 قبل أشهر قليلة من إعلان المفوض السامي هنري دي جوفنيل الدستور اللبناني من على شرفة قصر الصنوبر. وهكذا عايشت مسيرة لبنان المعاصر من الانتداب، فالاستقلال وبناء الدولة وما أعقبه من عمران ونهضة ثقافية وفنية واقتصادية، وصولًا إلى الحرب والدمار.
كانت ابنة الطبيب حبيب الخوري سعادة والمتزوجة من كارلوس عريضة (بعد زواج أول بإبراهيم سرسق انتهى بالطلاق)، من أبرز الوجوه التي شاركت في صنع الحقبة الذهبية في لبنان، لكن أهم أدوارها على الإطلاق كان من خلال مهرجانات بعلبك. فعلى أدراج قلعة بعلبك قدّمت أهم العروض الثقافية والفنية العالمية، وعلى أدراجها أيضًا ولد الفولكلور اللبناني من جديد حيًّا مبهجًا تردد صداه في كل بيت لبناني وانتقل إلى أرجاء المعمورة.

كانت انطلاقة المهرجان بـ«لياليه اللبنانية» في العام 1957 مع تقديم «أيام الحصاد» أول عمل مسرحي غنائي لفيروز والأخوين رحباني على أدراج هيكل جوبيتير. أطلّت فيروز على تاج من أعمدة الهيكل وكأنها تعتلي غيمة، وانطلق صوتها يشدو «لبنان يا أخضر حلو»... تلك الليلة وصفتها الصحافة بأنها بداية عصر ذهبي لمهرجانات بعلبك في شقّها الشرقي، وهذا ما كان.

 

حلم بعلبك
«مي عريضة حلم بعلبك»، تحت هذا العنوان وضع الشاعر نبيل الأظن كتابه الذي يروي مسيرة سيدة من الرائدات اللبنانيات. وفي الكتاب تروي مي أن الرئيس شمعون قال لها يومًا في لندن، إذا وفقني الله وأصبحت رئيسًا سأفعل شيئًا من أجل قلعة بعلبك. في العام 1956 شكّل الرئيس شمعون لجنة مهرجانات بعلبك الدولية وكان من بين أعضائها مي عريضة التي تسلّمت رئاستها في العام 1973، ثم أصبحت رئيسة الشرف لاحقًا، إلى أن استقالت من منصبها في العام 2016.

بين أواخر الخمسينيات ومطلع الحرب في العام 1975، أدّت مهرجانات بعلبك دورًا محوريًا في الحياة الثقافية اللبنانية، وفضلًا عن ولادة المسرح الغنائي اللبناني في أحضانها، شكلت هذه المهرجانات مختبرًا ثقافيًا شاملًا التقت فيه تيارات الشرق والغرب، والتراث والحداثة. نمت في هذا المختبر أنواع من الفنون، من الرقص إلى المسرح والغناء، وارتقت إلى مستويات عالية، ناشرة الإبداع في لبنان والعالم العربي بأسره.

 

..ورحلت
غابت مي عريضة «سيدة صنعت مجدًا للبنان... رحلت وفي خزنتها مهرجانات فرح وانفتاح وثقافة...»، كما جاء في نعي رئيس الحكومة سعد الحريري لها. غابت «عروس مدينة الشمس...» كما وصفها وزير الثقافة غطاس خوري. لكنّ أمواج بحر الحنين إلى ذلك الزمن البهي المضيء سوف تعيد إلينا دائمًا صورة تلك الجميلة، المثقفة، النشيطة والعاملة في حقول الإبداع.