أسماء لامعة

رحّالة في أعماق حضارات المتوسط
إعداد: تريز منصور

أمين معلوف أرق الهوية بات جسرًا ثقافيًا بين ضفّتين

 

وجه من الوجوه العربية الرائدة في المهجر في عالمي الصحافة والأدب. صحافي وكاتب قصصي، وضع قصصه في قالب تاريخي، هادفًا إلى خلق «أساطير إيجابية». أعماله مسرحها حضارات الشرق والبحر المتوسط، التي يتمتع بقدر كبير من معرفتها وينظر إليها كمساحة رمزية للتعايش والتسامح.
إنه الأديب أمين معلوف أحد أكثر الكتّاب المعاصرين سبرًا لأعماق ثقافة حوض المتوسط، والذي تُرجمت أعماله إلى عدة لغات وحصلت على عدة جوائز عالمية.

 

من بيروت إلى باريس
ولد الكاتب أمين معلوف العام 1949 في بيروت، والده الكاتب والصحافي رشدي معلوف. درس الاقتصاد والعلوم الاجتماعية في مدرسة الآداب العليا في بيروت.
عمل بعد تخرجه في جريدة «النهار»، مما جعله على احتكاك مستمر بالحياة السياسية والاقتصادية محليًا وخارجيًا.
مع بداية الحرب في لبنان، هاجر إلى فرنسا (1976)، ولم يزل مقيمًا فيها حتى اليوم.
مارس مهنة الصحافة في عدة صحف ومجلات فرنسية، وشغل منصب رئيس تحرير مجلة «أفريقيا الفتاة» وغطّى العديد من الأحداث الكبرى مثل حرب فييتنام والثورة الإيرانية...
في موازاة عمله في الصحافة انصرف أمين معلوف إلى الكتابة، فتوالت سبحة كتبه ورواياته وأعماله الأدبية، والتي تمحّور عدد منها حول أحداث تاريخية مثل روايته الأولى «الحروب الصليبية كما رآها العرب»، و«ليون الأفريقي» و«إيكونوميا» وروائع «القرن الأول بعد بياتريس» و«موانئ المشرق»، و«صخرة طانيوس» (الكتاب الذي حاز جائزة «غونكور» الفرنسية العام 1993). وقد كان «صخرة طانيوس» بمثابة صرخة مجبولة بالتهّكم تلمّس فيها الكاتب أوجاع الشعب الذي لا يزال أسير الإقطاعيات القديمة والجديدة، والقلق من المستقبل والقلق على عائلته وبلده.
ثم توالى سحر كتابات معلوف: «ماني» الملاحق من قبل أمّته المتطرفة والإرهابية في كتابه «حدائق النور»، نبي فارس يحلم بالمساواة بين البشر، ويطمح إلى عالم خال من الحقد والحرب والبغضاء، ويدعو إلى نبذ السلطة بكل أشكالها والانغماس في عالم الفن، ويحثّ أتباعه على التسامح عبر آلات الموسيقى.
 من خلال «حسان الوزان» الرحّالة الذي لا يهدأ في كتابه « ليون الأفريقي»، نقرأ قصة منفى معلوف الذي لا يزال يبحث عن المرفأ الأخير لرحلته. كما نلتقي في هذا الكتاب شخصية أسطورية، لرجل مثالي حالم بعالم أفضل، بعيدٍ عن الحرب، تتدفق فيه المعرفة، ويتبادل فيه البشر الخبرات، إنه تجسيد للتسامح.
العام 1989، وقبل أن يشرع الباحثون في تحليل أسباب التخلّف والإرهاب في الشرق، كتب معلوف رواية من صلب خياله المدهش، قصة البحث عن المخطوط الأصلي لرباعيات الخيام في «سمرقند» (عنوان الكتاب)، سمرقند غارقة في التخلّف، على  الرغم من محاولات الشاه تطوير مملكته التي يرتع فيها الفاسدون والمتآمرون، واغتيال خبير الاقتصاد الذي يحاول تصحيح الأمور، يعيد الإمبراطورية الشاهنشاهية إلى عصر الجاهلية والظلمات. مسرحيته «الحب عن بعد» تحوّلت إلى عروض أوبرا في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وفنلندا، وهي تتحدث عن غرام نبيل إيطالي بأميرة حسناء من طرابلس، قبل أن يراها.
كتب أمين معلوف متوافرة في كل المكتبات اللبنانية والعالمية، وقد ترجمت إلى العربية والإنكليزية والألمانية والتركية والسويدية والفنلندية وإلى عدة لغات أخرى، كما أنها مدرجة على موقع «أمازون» الإلكتروني المتخصّص بالكتب وبالأبحاث.

 

جوائز عالمية
حصل الكاتب أمين معلوف على العديد من الجوائز القيّمة خلال مشواره الأدبي.
فبعد جائزة «الصداقة الفرنسية العربية» (1986) عن روايته «ليون الأفريقي»، وجائزة «غونكور» الفرنسية (1993) عن روايته «صخرة طانيوس»، فاز (2010) بجائزة «الأمير أستورياس» للآداب، والتي تعدّ من أشهر الجوائز في العالم، وذلك على عطائه الأدبي والفكري المتميّز في مجال الكتابة والصحافة.
لجنة التحكيم التي منحته الجائزة اعتبرت في بيانها الختامي بأن «نتاجه الذي ترجم إلى أكثر من عشرين لغة يجعله أحد الكتاب المعاصرين الذين يتمتعون بأكبر قدر من العمق في الثقافة المتوسطية كمساحة رمزية للتعايش والتسامح».  
بعد أيام قليلة من فوزه بالجائزة إنضمّ أمين معلوف إلى الأكاديمية الفرنسية، تلك المؤسسة العريقة في الثقافة الفرنسية، ليشغل بذلك المقعد الذي شغر بوفاة المفكر وعالم الأجناس الفرنسي كلود ليفي شتراوس في تشرين الأول من العام 2009.
معلوف قال عقب تسلّمه هذا المنصب إنها «لحظة مهمة جدًا في حياتي وتحمل معنى مميزًا لأنني لبناني وعربي، ما يخوّلني لعب دور الجسر بين عالمين».
جسر وقنطرة بين أوروبا والعالم العربي
كان أمين معلوف ولمّا يزل، جسرًا وقنطرة بين أوروبا والعالم العربي، على الرغم من إشكالية الصراع الثقافي ونظريات تصادم الحضارات. والحديث عن حدود الهوية ومعالمها وملامح الانتماء وطرائقه، ظلّ من القضايا المؤرقة للكاتب اللبناني الأصل، العربي الهوية، والفرنسي بالانتماء.
في كتابه «الهويات القاتلة» يؤكد معلوف أن الهوية لا تعطى للفرد مرة واحدة وإلى الأبد بل تتشكّل من عدة انتماءات، تتبدل ويختلف تراتب عناصرها، طوال حياته. وبالتالي، فإن الهوية قابلة للتغيير والتبدّل حسب تأثير الآخرين بشكل أساسي على عناصرها. وهو يرى أن الفرد يميل بطبعه إلى التعريف بهويته وتحديد انتمائه من خلال أكثر عناصر هذه الهوية عرضة للخطر، خطر الإهانة والسخرية أو التهميش أو القمع... إلخ.
ويعترف معلوف بأن للعالم الغربي ممارساته الكيدية المزعجة، والتي غالبًا ما تكون عرقية بكل وضوح، خصوصًا في الدول الأوروبية، ضد العمال المهاجرين والأقليات العرقية والدينية. ولمواجهة العقلية القبلية الكونية، يرى معلوف «أنه علينا أن نتوحّد لبناء مفهوم يتيح لكل فرد الشعور بمكونات  انتمائه، لكن أيضا بقوميته ولغته ومعتقداته ومن دون أن يكون ملزمًا على الاختيار».
يعتبر معلوف «أن مسألة الانتماء هي مسألة حساسة، وإن حاولنا الهروب منها خصوصًا في فرنسا وأوروبا، علينا إذًا أن نميّز بين مكونات القيم الأساسية للمجتمعات التي يجب أن تكون مشتركة، وإن ظهرت مختلفة. والعالم القابل للتقدم هو العالم الذي يستطيع كل فرد فيه، أن يعبر عن آرائه وعن المعتقد الذي ينتمي إليه باللغة التي يختارها، وألا يشعر بأي نقص في انتمائه، وعلى السلطات والشعوب ألا تجعل ذلك مقياساً للتمييز، فحين لا يستطيع المرء أن يعبّر بلغته عما يشعر به، وعن معتقداته بحرية، فذلك يعني أن العالم يسير إلى الوراء».

 

تقبّل الآخر !
يؤكد أمين معلوف أن مقياس الحضارات اليوم هو قبل كل شيء تقبّل الآخر، خصوصًا الذين يستقبلون مهاجرين ينتمون إلى حضارات أخرى، إذ يجب ألا يكون هذا الانتماء موضع مجابهة، وفي هذه المعركة تتحدّد القيم الحضارية، فإن استطاع الغرب كسب هذه المعركة والانسجام بشكل حقيقي مع القيم التي يطالب بها، وهي قيم حضارية، عندئذ سيكون بمقدوره التغلب على جميع المشكلات التي تعترضه مع المهاجرين.
ويوصي معلوف بأنه علينا أن نشجع المهاجرين على أداء دور أساسي ذي اتجاه حضاري، يسير على مسلكين: الحضارات التي ينتمون إليها، والحضارات التي تستقبلهم. ولكن العامل اللغوي هو من أهم العـوامل، فالمهاجر يجـب ألا ينسى لغة بلده الأصلي وعليـه أن ينقلـها لأولاده مـن بعده.
 إشكالية علاقة أوروبا بالعالم العربي في فكر أمين معلوف، يمكن اختصارها في كون أوروبا قريبة وبعيدة في آن. والذي ساهم في إحداث الشرخ بينهما، هو أن «أوروبا عندما انفجرت نهضتها وثورتها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كان العالم العربي أول من تلقّى الضربة منها بصورة مباشرة، وقد تعذر عليه بعدها النهوض على قدميه، فبعد الضربة أتى الاستعمار. وفي الوقت الراهن ما زالت الهوة عميقة بين العالمين، ومن مظاهرها أن مدينة في جنوب إسبانيا محاذية لمدينة في شمال المغرب، لا يفصل بينهما سوى مضيق بسيط، هي أقرب إلى ليتوانيا منها إلى هذه المدينة المغربية».
اهتمام أمين معلوف بحوار الحضارات، جاء بشكل تلقائي من خلال خلفيته الثقافية والفكرية، وانتسابه إلى بلد حواري بطبيعته كما يقول. وهو يضيف، «هذه الخلفية جعلت مني شئت أم أبيت كاتبًا متنبّهًا لما ذكرت». وفي مرحلة لاحقة اطلعت على نظريات حول هذا الموضوع وصرت أعتبر أن دوري هو إقامة جسور بين الضفّتين، وفي النهاية بتّ أقوم بذلك بشكل تلقائي، انطلاقًا من لبنانية في داخلي تهيئ لذلك، فمن يولد في لبنان، ويتشرّب مناخه الثقافي الذي هو مزيج من ثقافات ومؤثرات وعوامل مختلفة، لا بد أن يضّطلع بهذه المهمة بصورة عفوية».
ويضيف أمين معلوف: «لذلك عندما يلتقي أحدنا شخصًا أجنبيًا، لا بد أن يقول له في البداية، إن ثمة أشياء تتعلق بنا لا بد أن تكون قد وصلت إليك أو فهمتها بشكل غير سليم، كما لا بدّ أن تتكوّن لديك صورة مغلوطة إلى حدً ما عن بلادنا، أو عن تاريخنا، فاسمح لي أن أعرض عليك ما أراه من صورة مصحّحة عن بلادنا».

 

ما كتبته الصحف الفرنسية
في منتصف التسعينيات، كتبت الصحف الفرنسية الكثير عن الأديب والروائي الفرنسي الجنسية اللبناني الأصل، والعربي الهوية، أمين معلوف واحتفت به. ومما قيل: «الأدب الفرنسي كان في طريقه إلى الموت لولا إثنان: فرانسوا ميتران وأمين معلوف»، وهذه العبارة بما فيها من مبالغة أدبية، تكشف عن حجم الدور الذي اضطلع به الرجل في حياة الفرنكوفونيين في العقدين الماضيين.


المصادر:
- مواقع إلكترونية.
- صحف: النهار، السفير، الأخبار، المستقبل.