طريق النجاح

رسالة القائد إلى شباب لبنان

شكّل العام ٢٠٠٨ منعطفًا أساسيًا في حياة العماد جوزاف عون عقب تخرجه من الجامعة اللبنانية الأميركية LAU، حائزًا منها شهادة في العلوم السياسية والشؤون الدولية، ممّا مهّد له الطريق لنيل «الماستر» في الدراسات الاستراتيجية من الولايات المتحدة الأميركية.

فهذا القائد المؤمن بأنّ العلم سراج في الظلمة، أبى إلّا أن ينقل تجربته إلى شباب اليوم، فاختار منبر الجامعة التي يكنّ لها كل الامتنان؛ كيف لا، وهو الذي عمل منذ اليوم الأول من تسلّمه القيادة في اليرزة، على تحفيز العسكريين من الرتب كافة، على الاجتهاد نحو المزيد من المعرفة، فوقّع اتفاقيات مع عدد من الجامعات لتسهيل عملية الانتساب وتشجيع التعليم.

ويبدو جليًا أنّ ما أراد قائد الجيش إيصاله من خلال كلامه، هو قناعته التامة بأنّ تحصيله العلمي وجهوده من أجل تطوير نفسه، قد أسهموا في نجاحه وتفوّقه بدءًا بدراسته في المعاهد العسكرية الأميركية، ولاحقًا خلال حياته العسكرية، إضافةً إلى حسن تقديره للموقف في الظروف الصعبة، التي تولّى خلالها قيادة وحدات منتشرة في المناطق الحساسة.

هو وفاء الطالب لجامعته، ووفاء القائد لأبنائه ورفاقه، وهو الذي قال: «تسلّحوا بالعلم والأمل فتُشرّع لكم أبواب الحياة، لا تهابوا السقوط، فبالعلم وحده تنهضون من جديد، فتزهر أشواك الصعاب نجاحًا، فالمبادئ جليّة وواضحة، والطريق سالكة لمن لديه العزيمة والإرادة».

الجامعة التي افتخرت بكون العماد عون من أبرز خرّيجيها، استعادت في حديث أجرته معه أبرز محطات مسيرته الأكاديمية وصولًا إلى تبوّئه منصب قيادة المؤسسة العسكرية.

مجلة «الجيش» تنشر أبرز ما جاء في المقابلة التي أجرتها معه مجلة الجامعة في عددها الثالث، المجلد ٢٠١٩-٢٠، والتي تحدّث فيها العماد عون بمسؤولية القائد وشجاعة العسكري وحنان الأب، يحثّ الشباب على التحلّي بالشجاعة والإرادة الصلبة، كما على الصراحة والصدق والضمير الحر، متناولًا أبرز محطات مسيرته الأكاديمية والعسكرية، والخبرات التي اكتسبها كما الدروس المستقاة من التجارب.

ويظهر جليًّا إصرار العماد عون على تحفيزه لعسكرييه كما لجيل الشباب على الاستمرار بطلب العلم والمعرفة والسير بخطىً ثابتة نحو القيادة.

 

يُعدّ العماد جوزاف عون من أبرز خريجي الجامعة اللبنانية الأميركية LAU، وقد نال منها شهادة في العلوم السياسية والشؤون الدولية منذ أحد عشر عامًا. يقول إنّ الجامعة تركت أثرًا مهمًّا في مسيرته العسكرية داخل المؤسّسة، وساعدته على تمثيل لبنان بأفضل صورة، كما أنّ دراسته أغنت معارفه، ومهدّت له الحصول على درجة الماستر في الدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الأميركية.

ويضيف قائد الجيش: «إنّ السعي والبحث والاكتشاف وعدم الاستسلام هم من أبرز ما يميّز شعار الجامعة. وأنا ما زلت أحمل هذا الشعار في مسيرتي العسكرية».

ويشير إلى أنّ الجامعة اللبنانية الأميركية، ومنذ تأسيسها عام ١٨٣٥، عملت على تكريس مبدأ خدمة الوطن من خلال نشر التعليم لمختلف الأجيال، ويقول: «شرف لي أن أخدم في المؤسسة العسكرية التي يبلغ عمرها ٧٤ عامًا، هي التي قدّمت التضحيات الجسام على مذبح الوطن، وأن أتخرّج من صرح تربوي عمره ١٨٤ عامًا، قادر على تغيير العالم».

وعلى حد تعبير «العماد»: «لا يقتصر التعليم على تحقيق مستوى عال من المعارف وحسب، بل يتعدّاه إلى تسليح الطلاب بالأدوات الضرورية التي يحتاجونها ليشقّوا طريقهم نحو هذا العالم، ويصوغوه كما يحلمون به، كما أنّ التعليم يُسهم في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال زيادة الابتكار والإنتاجية ورأس المال البشري».

 

بين القائد والمدير

لا يزال كتاب «فن الحرب» الذي كتبه «صن تزو» منذ نحو ألفَي عام وهو مرجع للقادة العسكريين، يحظى بأهميةٍ لافتة حتى يومنا هذا من المؤسسات العسكرية كما في إدارة الأعمال.

وبحسب العماد عون، الذي استند إلى هذا الكتاب لمقاربة ميزات الإدارة والقيادة وشرْح أوجه الشبه بين المدير والقائد كما أوجه الاختلاف، فإنّ «المدير يفكّر في المنطق فيما القائد يفكّر في الحلول. يلتزم المدير القوانين فيما القائد يعتمد على الإبداع. المدير ينفّذ فيما القائد يتفوّق. يتمسّك المدير بما يمكن تحقيقه فيما يسعى القائد لتحقيق أهداف أسمى. يشرف المدير على عمل الموظفين ويتأكد من القيام بواجبهم، فيما القائد يحث مرؤوسيه على تنفيذ المطلوب منهم. باختصارٍ، إنّ الشجاعة والتضحية هما أبرز سمات القائد».

ويتابع أيضًا في هذا السياق: «يتدرّب الضابط ليصبح قائدًا، فيما يتلقّى الفرد في المجتمـع المدني تدريـبًا مختلفًـا ليصبـح مديرًا. لا شـك في أنّ لبنان يحتاج إلى القائد والمدير سويًا لأنّهما يكمّلان بعضهما البعض. وهما قادران معًا على إعادة بناء وطننا الحبيب واستعادة موقعه التاريخي السابق. وفي هذا السياق يمكن القول إنّ العبر المستخلصة من زمن الحروب يمكن اعتمادها في علم الإدارة، كما أنّ بعض النتائج تكتسب أهمية قيّمة للمدراء يمكنهم الإفادة منها».

 

إدارة الخسائر

«الحياة مليئة بالتحديات، وستواجهون الفشل حتمًا». يقولها قائد الجيش بحزمٍ لجيل الشباب، لكنّه يعقّب على ذلك مؤكدًا أنّ «الفشل يحفّز الإنسان على العمل بجهدٍ للتغلّب عليه وتحقيق النجاح، لذا فهو أهم محرّك لتحقيق هذه الغاية، علمًا أنّ ذلك قد يكون مؤلمًا. يعيش العسكري اختبارات قاسية قد تضع عزيمته تحت المجهر، كفقدان أحد رفاق السلاح مثلًا، لكن عليه مواصلة تنفيذ مهمّته لإنقاذ أرواح عسكريين آخرين». ويتابع متوجهًا إلى أي ضابط: «في الأوقات الحرجة والصعبة، عليك تحفيز جنودك والعمل على رفع معنوياتهم. ساعدهم على مواجهة التحديات والتغلّب عليها. يجب أن تبقى حازمًا خلال هذه التجربة، ومُثبتًا قدرتك على فرض قيادتك».

ويختم هنا قائلًا: «علّمتني الحياة أنّه بالإرادة الصلبة المزوّدة بالشجاعة والتحفيز والشغف يمكن التغلب على الصعوبات».

 

الدروس المستقاة

يؤمن قائد الجيش بأنّ القائد العسكري يجب ان يستخدم مهاراته التكتيكية وقدرته البدنية وقوته الداخلية لتنفيذ مهمته، وبخاصة في الأوقات الحرجة والدقيقة. والدروس المستقاة هي الحصيلة الطبيعية للأخطاء التي يمكن أن تُرتكب خلال المسيرة العسكرية. لذا، يجب على القائد العسكري أن يتعلّم من أخطائه من أجل تحسين أدائه.

 

تعزيز الثقافة الإيجابية

في هذا السياق، يوضح «الجنرال» أنّ مهمة الجيش اللبناني لا تقتصر على التدريب العسكري فحسب، إذ تركز المؤسسة العسكرية حاليًا على تنمية ما يسمّى بـ«رأس المال البشري». ويضيف عون أنّ الجيش يجب أن يكون قادرًا على التفاعل مع المواطنين لافتًا الى أنّ التعليم يؤدي دورًا حيويًا في تعزيز التفكير النقدي وصنع القرار وصقل المهارات التي نحتاجها لحل المشكلات وإضافة قيمة إلى معرفتنا.

ويتابع أنّ «الضابط يجمع بين القدرة البدنية والتعليم»، مشددًا على أنّ الضباط بأمسّ الحاجة إلى التعليم المناسب الذي يتيح لهم التفاعل مع المواطنين وتعزيز قدراتهم العقلية، وبالتالي اتخاذ القرارات العسكرية المناسبة. لذلك، تحث قيادة الجيش اللبناني كلّ ضباطها على متابعة دراساتهم العليا، وهي أبرمت مؤخرًا لهذه الغاية اتفاقيات ثنائية مع أرقى الجامعات في لبنان لتزويد العسكريين التعليم العالي.

 

مكافحة الفساد وبناء الثقة

يقول العماد عون: «خلال لقائي مع التلامذة الضباط الذين اجتازوا امتحان الدخول إلى الكلّية الحربية، كانت الرسالة واضحة: كونوا فخورين بأنفسكم، لأنّكم نجحتم بفضل قدراتكم الشخصية وكفاءاتكم. نريد جيشًا قويًا للأجيال القادمة، لأنّ من يلتحقون بالمدرسة الحربية هم قادة المستقبل في لبنان، بمن فيهم قائد الجيش الجديد»، مضيفا: «إنها أيضًا رسالة موجّهة إلى كل شاب لبناني ليُدرك أنّ السبيل الوحيد للدخول إلى الكلية الحربية هو الكفاءة».

 

عن رحلته العسكرية

«بدأت مسيرتي العسكرية ضمن وحدات قتالية كانت منتشرة في جميع أنحاء لبنان، ممّا مكّنني من صقل مهاراتي العسكرية، وصولًا إلى تسلّمي قيادة الجيش». بهذه الكلمات «يؤرّخ» قائد الجيش مسيرته العسكرية، مستذكرًا مرحلة قيادته للّواء التاسع في الجنوب، ثمّ تعيينه قائدًا لجبهة عرسال، الأمر الذي ساهم في توسيع آفاق معرفته وتعمّقه في الميدان وفي ساحة المعركة، وقاده إلى التخطيط لعملية «فجر الجرود» واتخاذ القرارات الحازمة للقضاء على الإرهاب، بعد تعيينه قائدًا للجيش.

 

ماذا عن الإستراتيجية؟

برأي قائد الجيش: «الاستراتيجية هي الجسر الذي يربط القدرات بالأهداف المرجوة»، لافتًا إلى أنّ الجنرال الصيني Sun Tzu طوّر في كتابه ستة مبادئ محددة تجسّد فلسفته الاستراتيجية والتي ترتكز على الذكاء التنافسي بالإضافة إلى استراتيجية العمل. والمبادئ هي:

- الفوز بكلّ شيء من دون قتال.

- تجنُّب القوة ومهاجمة مكامن الضعف.

- الخدعة والمعرفة المسبقة.

- السرعة والتحضير.

- معرفة الخصم.

- القيادة القائمة على الشخصية.

ويوضح «العماد» أنّ هذه المبادئ الستة هي نفسها التي تُعتمد للمهام الإدارية والعسكرية والمهام اليومية، على الرغم من أنها تحتاج إلى التعديل قليلًا وفق كل مجال، مفصّلًا كيفية ملاءمة هذه المبادئ إذا تم تطبيقها على الحرب:

- الفوز بكلّ شيء من دون قتال: أبلغ الى الهدف من دون تدميره.

- تجنُّب القوة ومهاجمة مكامن الضعف: اضرب العدو عندما يكون بالوضعية الأكثر ضعفًا.

- الخدعة والمعرفة المسبقة: إكسب الحرب بفضل المعلومات المستقاة قبل الدخول في القتال.

- السرعة والتحضير: تحرّك بسرعة للتغلب على أي مقاومة.

- معرفة الخصم: حضّر ساحة المعركة.

- القيادة القائمة على الشخصية: حوّل أسلوب قيادتك الى مثال يحتذى به.

ويعرض قائد الجيش من خلال تصوّر آخر كيفية تطبيق هذه المبادئ في عالم الأعمال:

- الفوز بكلّ شيء من دون قتال: تحكَّم بالسوق الخاص بك من دون تدميره.

- تجنّب القوة ومهاجمة مكامن الضعف: فاجئ رؤساءك وزملاءك في العمل بضربةٍ قاضية.

- الخدعة والمعرفة المسبقة: عزّز معرفتك بالسوق.

- السرعة والتحضير: تحرّك بسرعة للتغلب على المنافسين.

- معرفة الخصم: استخدم استراتيجية محددة لإتقان المنافسة.

- القيادة القائمة على الشخصية: أبرِز قيادتك الفعّالة في الأوقات الدقيقة والحرجة.

 

عن الدروس التي تعلّمها

يقول قائد الجيش: «الحياة حافلة بالتحديات، ويمكن تحديدها ووصفها بكيفية مواجهتك لها. لا يهمّ إذا وقعت مرّة، طالما لديك الإرادة للوقوف مرة أخرى، الخبرة هي عبارة عن تراكم للأخطاء المرتكبة في الحياة، ويجب علينا جميعًا أن نتعلّم منها». ويرى العماد عون أنّ الفشل لا يعني عدم النجاح، إنما هو عدم المحاولة.

وللأجيال الصاعدة يتوجّه العماد عون بالرسالة الآتية: «أنتم جيل المستقبل. أنتم قادة الغد ومدراؤه الذين سيبنون العالم وسيتمكّنون من التأثير على حياة الناس في القرن القادم. لن تكون المهمّة سهلة، لذلك تزوّدوا بالإرادة لتحقيقها». وأضاف: «كونوا أمينين وصادقين ورحومين وأوفياء وشفافين. احترموا زملاءكم وليحْدوكم الشعوب بضرورة خدمة الآخر». تسلّحوا بالشجاعة والدماثة. إعلموا أنّ الحياة قد لا تكون دائمًا عادلة بحقّكم، وقد تفشلون كثيرًا. ولكن رغم ذلك لا تستسلموا أبدًا، بل تغلّبوا على خوفكم وواجهوا الفشل. تحصّنوا بالإرادة لمواجهة التحديات الجمّة.

لذا «اخدموا بنزاهة وقودوا بشجاعة وتصرّفوا بحبّ وتحكّموا بحياتكم بذكاء واحصلوا على ما تتمنّوه من دون أن تتملّكوا وثابروا من دون توقّعات، وقودوا من دون أن تسيطروا»، معتبرًا أنّ هذه هي أسمى الفضائل.

ويختم قائد الجيش كلامه بعبارة شهيرة للفيلسوف والكاتب اللبناني جبران خليل جبران وهي: «لا تسأل عمّا يمكن أن يفعله وطنك من أجلك، بل عمّا يمكن أن تفعله أنت من أجل وطنك».