ضيف العدد

رســالـة الى أخي الجندي
إعداد: نقولا زياده
دكتور

أنت أخ لي وأنا أخ لك؛ وكذلك الأمر مع كل لبناني. نحن أخوة في المواطنة, في اللبنانية.
والأخوّة لها معان كثيرة.
فهناك وحدة الشعور وهناك وحدة العمل وهناك وحدة الهدف.
والشعور أمر شخصي لا تحدده قواعد ولا قوانين.
ووحدة الهدف أمرها واضح, فنحن, كما ننشد في بدء إجتماعاتنا وإحتفالاتنا, كلنا للوطن, للعلى, للعلم.
لكن وحدة العمل, بالنسبة للوطن, مع أنها تبدو واضحة فهي تتطلب أصولاً وقواعد.
الأصول تعين المبادئ التي يقوم عليها العمل؛ والقواعد هي القوانين والأنظمة التي تبيّن لكل حقوقه وواجباته نحو وطنه.
فما هي هذه الحقوق والواجبات؟
لنا, كل واحد منا, حق أن نتعلــم وأن نعيش حياة كريمـة, واضحـة المعالم بيّنــة الحـدود.
ولكن ما هي هذه الحدود والمعالم التي تبين للمواطن حقه في الحياة الكريمة؟
أولها, في ما اعتقد, أن تكون القوانين والأنظمة ­ جميع القوانين والأنظمة ­ تنظر الى المواطن على أنه مواطن لا خادماً للدولة وأجهزتها.
وهذه أمور طبيعـية, ولكن يبدو أن هنـاك خلافاً في تفسير هذه الناحية. فنحن, في لبنان وسواها من الأقطار التي ننتسب إليها, ورثنا من عصور سحيقة إرثاً سخيفاً أساسه أن الحاكم هو الأصل, وأن الشعب يتحتم عليه أن يقبل بالأمر الواقع.
ومع أن تاريخنا فيه كوات نور تطل علينا عبر القرون, كان فيه الحكم يعتبر الناس مواطنين, فالغالب على الإرث التاريخي هو إعتبار الناس رعايا.
هذه واحدة.


ثمة أمر آخر هو أن الناس, المواطنين, لم يثقفوا بما فيه الكفاية كي يحسبوا أنفسهم مواطنين. إذ لا يزال كثيرون منا يقولون “اللي بياخد امي هو عمي”, ويأملون, أن يكون هذا العم في تصرفه كريماً رحوماً عطوفاً.
لذلك فعلينا, كلنا, أن نغرس في نفوس الناس أن هذا خطأ عقلي روحي نفسي فظيع الأثر, لأنه يترك الناس مستعدين للقبول بالأمر الواقع. لكن هذا الأمر الواقع هو خطأ في أصله وتنفيذه. إذ أنه ما دام القوم يقبلون بالأمر الواقع من حيث التنفيذ, فهم يخالفون الأصل.
وثمة أمر ثالث مرتبط بهذه القضية, وهو أن السلطة تستمرئ هذا الوضع القائم, ولا ننتظر منها أن تبدل الأحوال, بحيث تخسر ما لها من نفوذ وتسلط.
وإذن فمن هو الذي يزرع في نفوس الناس المواطنة بمعناها وحقوقها وواجباتها؟
المدرسة لم تنجح بعد إلا في ما ندر.
والجامعة الوطنية لا تُعنى ­ رسمياً ­ بهذه النواحي, لأنه ينظر اليها من قبل السلطة على أنها دائرة من دوائر الحكومة, تديرها الدولة كما تدير الجمارك والماء والكهرباء ­ مرة باسم القانون القائم ومرة باسم الوصاية. وفي الحالين “تضيع الطاسة”.
لعلك تستغرب أخي الجندي, إذا قلت لك, أنّك الشخص المؤهل للقيام بذلك.
فأنت, إذ تقيم في ثكنتك أو تكون مكلفاً بمهمة في جهة ما, يمكنك أن تكون نموذجاً يحتذى في المواطنة. لا أقصد مواطنة الشعور, ولكن أقصد المواطنة العملية.
إذا استطعت أنت أن تدل “إخوانك” في الوطن, عبر تصرفك, في أي رتبة كنت, على أنهم “إخوانـك” حقاً, قلبـاً وقالباً, بحيث تزرع في نفـوسهم إحترامك لهم وحبك إياهم, وعندها يبادلونك الإحترام بالإحترام والحب بالحب ويدركون أن هذا الذي يملك السلطة والسلاح هو واحد منهم وليس سيـداً عليهـم, عندها تنشـأ في نفوسهـم فكـرة “المواطنين لا الرعايا”, وتنتقـل هذه الفكرة الناشئة من هذه العلاقة القائمـة بينك وبينهـم الى النواحي الأخرى في الحياة.
أطلب منك, وانت أخ لي وأنا أخ لك, أن تسأل نفسك خلال تنفيذ أي عمل يمليه عليك الواجب:
هل اريد أن أُحترم أم أن أُخيف؟
إسأل نفسك هذا السؤال في ساعة من التأمل والهدوء, وأنا واثق أنك تحب أن تُحتَرَم وأن تُحَبّ وأن لا تُلعَنَ في السر, وأن لا تثير عتب المواطن عليك بل أن تنعم بصداقته.
قبل أن تنتظر منه ذلك قدّم له نفسك على أنك تريد هذا بتصرفك معه, باحترامك له, بحبك له وبإثارتك لصداقته.
لا تحسب يا أخي الجندي أن الأمر هذا يجب أن يأتي من فوق؛ “الحجرة الصغيرة هي التي تسند الصخرة الكبيرة”.
أنت وأنا, يا أخي الجندي, حجران صغيران, لكن دورنا كبير, والعمل المطلوب منا أيضاً كبير, والمسؤولية علينا جسيمة.


لكن:
تذكّر أنك تستطيـع أن تعمل وتصلح وترشـد وتقوّم عملياً, ويكون أثرك بذلك أكبر من عشرات المحاضرات والمقالات والعظات التي مللنا سماعها.
فلنصمّ آذاننا عن هذا الكلام الذي يكاد يصبح هراء, ولنعمل
اليوم قبل الغد
والساعة هذه قبل الساعة التالية.
إنوِ, إعمـل واستمر في العمل, وستجد أنـك أنت, العالـم الصغير, فيـك انطـوى عالم أكبـر, هو عالم صفـاء النيـة والقصــد والعـزم على الشغل ­ والشغل المستمـر!