طب وصحة

رغم توسع انتشاره: تطويق المرض الخبيث لم يعد مستحيلًا
إعداد: روجينا خليل الشختورة

بات مرض السرطان من أكثر الأمراض انتشارًا عالميًا، إذ أثبتت الدراسات أنّ رجلًا من اثنين وامرأة من ثلاثة معرّضون للإصابة به. وعلى الصعيد المحلّي، أظهرت إحصاءات منظمة الصحة العالمية أنّ هناك حوالى 242 مصابًا بالمرض بين كلّ 100 ألف لبناني، فيما سُجّلت في الـ2018 أكثر من 17 ألف إصابة جديدة، ونحو 9 آلاف وفاة بالمرض. هذه الأرقام بدت صادمة للبنانيين، خصوصًا أنّ نسبة التلوّث العالية هي من العوامل المسبّبة للمرض الخبيث.
الأنواع الأكثر انتشارًا من هذا المرض وأعراضه وسبل الوقاية منه، بالإضافة إلى علاجاته وأهميّة التشخيص المبكر يتحدّث عنها رئيس فرع الأمراض المستعصية والاختصاصي في أمراض الدم والأورام في المستشفى العسكري المركزي، الرائد الطبيب أحمد يونس.

 

بدايةً، يشير الرائد الطبيب يونس إلى أنّ نسبة المستفيدين من المستشفى العسكري المركزي ومن طبابة المناطق توازي تقريبًا 13% من الشعب اللبناني. وبالتالي، فإنّ إحصاءات الطبابة العسكرية حول هذا المرض تسهم في رسم صورة لواقع انتشاره. وقد استقبلت الطبابة العسكرية في العام 2017 حوالى 1400 حالة، وهذا رقمٌ كبير مقارنةً بالسنوات الماضية. مع ذلك، ينبغي التنبّه إلى أنّ ارتفاع عدد المصابين لا يعود فقط إلى كون السرطان بات يصيب أعدادًا أكبر. فمن الطبيعي أن ترتفع أعداد المصابين مع زيادة الكثافة السكانية، كما أنّ العلاجات المتطوّرة أطالت عمر المصاب أكثر من السابق، يضاف إلى ذلك الوعي والكشف المبكر على المرض من خلال الفحوصات الدورية التي بدأ يستجيب لها اللبنانيون تداركًا لتفاقم الوضع.

 

الأنواع الأكثر شيوعًا
بيّنت الإحصاءات العالمية أنّ السرطان الأكثر شيوعًا هو سرطان الثدي عند النساء، إذ تشكّل نسبة الإصابة به 29% من العدد الكلي لمصابي السرطان. في الدرجة الثانية سرطان البروستات عند الرجال بنسبة 26%، يليهما سرطان الرئة بنسبة 14% عند الرجال و13% عند النساء، ثمّ يأتي سرطان القولون بنسبة 8% عند الجنسين وبعده سرطان المثانة عند الرجال بنسبة 7%.
أمّا محليًا، فقد سجّلت إحصاءات وزارة الصحة اللبنانية (للعام 2015)، الآتي: من أصل 13.000 إصابة سنويًا، 2000 حالة سرطان ثدي (ما يوازي تقريبًا الـ22%)، يليها 1200 حالة سرطان رئة بين رجال ونساء (10% تقريبًا)، فـ900 حالة سرطان بروستات (حوالى الـ8%). غير أنّ الحالات الأكثر صعوبة في التماثل للشفاء، كانت بالدرجة الأولى حالات سرطان الرئة الذي يعرف بالسرطان القاتل The Killer.

 

العوامل المسرطنة والوقاية منها
بالعودة إلى المرض بحدّ ذاته، عرّف الرائد الطبيب يونس السرطان على أنّه تكاثر غير طبيعي وغير منتظم للخلايا في منطقة معيّنة من الجسم ما يؤدي إلى تشكّل كتلة يُطلَق عليها إسم «ورم». يبدأ «الورم» بدوره بالتكاثر ليؤثّر على أنسجة مجاورة، ويمكن أن ينتشر في الجسم كلّه من خلال الأوعية الدموية واللمفاوية.
ليس هناك سبب محدّد للإصابة بالسرطان، بل هناك عوامل مسرطنة Carcinogens مختلفة قد تؤدي للإصابة به، ويأتي في مقدّمتها التدخين (وهو العامل المسؤول عن حوالى 30% من الأورام الخبيثة و90% من حالات الموت في سرطان الرئة)، والإفراط في شرب الكحول (قد يؤدي إلى الإصابة بسرطان الفم والبلعوم والحنجرة والمريء). كذلك، العوامل البيئية كتلوّث الهواء والمياه والتربة يمكن أن تكون مسؤولة بدورها عن العديد من السرطانات، والدخان المتصاعد من المعامل والمصانع يؤدي إلى خطر الإصابة بسرطان غشاء الرئة Mesothelioma. وتؤدي الالتهابات المزمنة كالتهاب الكبد الوبائي مثلًا إلى الإصابة بسرطان الكبد، والفيروسات، كالفيروس الحليمي البشري HPV الذي يسبّب سرطان الرحم وعنق الرحم عند النساء، التعرّض لأشعّة الشمس المضرّة قد يؤدي بدوره إلى سرطان الجلد، ويضاف إلى ما سبق ذكره الاستعداد الوراثي والجيني، وتناول الأطعمة غير الصحيّة والبدانة، وغيرها من الأسباب التي قد تؤدي للإصابة بالمرض. مع ذلك، هناك أشخاص يصابون بالمرض من دون أن يكون لديهم أيّ من هذه العوامل المعروفة كعوامل مسرطنة. ولكن تبقى الوقاية «خشبة الخلاص» إذ تمنع الإصابة بالمرض إلى حدّ 40%.

 

التشخيص المبكر
يعتبر التشخيص المبكر أمرًا في غاية الأهميّة لمنع نمو السرطان وانتشاره، فمن الأسهل علاج المرض في مراحله الأولى إذ يكون أصغر حجمًا وتكون فرص نجاح علاجه أكبر بكثير، لا سيما وأنّ بعض أنواع السرطان تنشأ من مراحل ما قبل التسرطن، أي قبل تحوّلها إلى ورم خبيث. وهذا ينطبق على الكثير من الأنواع، كسرطان القولون، والجلد، وعنق الرحم، والثدي والبروستات...
يعتبر سرطان القولون خبيثًا بشكل خاص، إذ قد يتطوّر وينمو على مدى سنوات من دون ظهور أي أعراض في المراحل المبكرة. ومن خلال تنظير القولون يمكن إزالة الأورام الحميدة إذا وجدت قبل تطوّرها إلى مرحلة الورم الخبيث الذي قد يكون قاتلًا.
الكشف المبكر عن سرطان الجلد ضروري عادةً للأشخاص الذين تظهر لديهم الكثير من الشامات أو البقع الجلدية، ولأصحاب البشرة البيضاء الذين يعانون وجود النمش أو الكلف بنسبة كبيرة.
ويمكن كشف سرطان عنق الرحم في بداياته من خلال إجراء فحص مسح عنق الرحم بشكل دوريّ، ممّا يضاعف فرص علاج أيّ تغيّرات قد تصيبه قبل أن تتحوّل إلى ورم خبيث. كذلك، فإنّ التصوير الشعاعي للثدي، هو الوسيلة الأكثر شيوعًا في الوقت الراهن للكشف عن التغيرات المرضية في الأنسجة في وقتٍ مبكر.
سرطان البروستات يعتبر من الأورام الخبيثة التي لا يمكن تشخيصها إلّا في مراحل متأخرة، لذلك على الرجال في منتصف العمر أن يقوموا بالفحص الخاص به، من دون انتظار ظهور أيّ أعراض.

 

علاجات متطوّرة
يذكّر رئيس فرع الأمراض المستعصية في المستشفى العسكري المركزي، أنّ نسبة الذين يقتلهم مرض السرطان تتناقص من عام لآخر، بينما ترتفع نسبة الذين يشفون أو يعيشون لمدّة أطول. وهذه النسب تظهر واضحة في الطبابة العسكرية على وجه الخصوص، وذلك بعد تطويرها النظام الإلكتروني المستخدم في أقسام أمراض الدم والأورام، والذي يسمح في أيّ وقت الاطلاع على الملف الطبي لأيّ مريض ومعرفة المعلومات الطبية الخاصّة به جميعها.
ويضيف الرائد الطبيب يونس: تشهد علاجات أمراض السرطان تقدّمًا يوميًا بفضل الدراسات المتواصلة والبروتوكولات العالمية التي تتغيّر وتتطوّر بشكل سريع. وهذا ما يتيح تأمين أدوية وعلاجات أكثر فاعلية وبالتالي فرصًا أكبر للشفاء.
لكلّ تشخيص علاج محدّد، ممكن أن يكون جراحيًا، أو شعاعيًا، أو كيمائيًا أو مجموع هذه العلاجات معًا. وبالإضافة إلى هذه العلاجات التي باتت معروفة، هناك العلاج البيولوجي الذي يعمل على خلل محدّد في الجسم من خلال أدوية وعقاقير. وهناك العلاج المناعي السريري الذي يحفّز جهاز المناعة لدى المريض نفسه لمحاربة الورم، وهو يُعتمد لدى المصابين بسرطان الرئة مثلًا عندما تظهر في فحوصاتهم نسبة الـ PDL1 عالية، ما يحسّن من حالتهم الصحية.
أخيرًا، يؤكّد الرائد الطبيب يونس أنّ هذه العلاجات متوافرة جميعها في المستشفى العسكري المركزي وبالنوعية الأفضل، وأطباء المستشفى يبذلون أقصى جهودهم في هذا المجال، ويتابعون آخر التطورات ويشاركون في أهمّ المؤتمرات العالمية لاستقدام أحدث البروتوكولات وتطبيقها بأعلى درجات الاحتراف.