اقتصاد ومال

رفع الدعم كارثة وشحّ السيولة يفاقم الأزمات: ما الحل؟
إعداد: تراز منصور

ينام اللبناني على أزمة ويستفيق على أخرى. فمنذ بداية هذا العام، وهو يعيش قلق تأمين لقمة العيش لعائلته، ولكن القلق الأكبر سيكون لحظة الاستحقاق الكبير، لحظة أخذ القرار برفع الدعم عن المواد الأساسية (الطحين، الدواء، المحروقات...)، الذي سيكون بمثابة قنبلة نووية توازي انفجار الرابع من آب. فقد توقّع صندوق النقد الدولي أن ترتفع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 144,5 في المئة.

هذا الواقع الصعب أضيفت إلى أزماته في الأسابيع الأخيرة أزمة جديدة بسبب شحّ السيولة بالليرة اللبنانية.

 

البروفسور روك أنطوان مهنّا (خبير في الشؤون الاستراتيجية والاقتصادية، وأستاذ جامعي) يوضح لمجلة «الجيش» أنّ احتياطي مصرف لبنان يبلغ 17,5 مليار دولار، وهي أموال خاصة بالمودعين، بينما يوجد أقل من مليار ونصف المليار دولار بتصرّف مصرف لبنان، منها نحو 620 مليون دولار لدعم المواد الأساسية كالسلة الغذائية والمحروقات والدواء والطحين... ولكن نتيجة عدة عوامل أبرزها الاستهلاك المفرط هذا العام الناتج عن التخزين في المنازل (ارتفع ثلاث مرات في بعض الأصناف)، خوفًا من انقطاع السلع أو ارتفاع أسعارها، وتهريب كميات كبيرة من عدة سلع والتضخم المفرط Hyperinflation أنذر الحاكم بأنّ السيولة تنفد من البنك المركزي، وبالتالي قد يتمّ اللجوء إلى رفع الدعم.

 

القرار الصعب

ويشير البروفسور مهنّا إلى أنّ قرار وقف الدعم، هو قرار صعب للغاية، وهو بمثابة قنبلة موقوتة، قد تضاهي بمفاعيلها انفجار مرفأ بيروت، وسوف تولّد ثورة اجتماعية لا يعلم أحد عقباها.

وحاليًا، يتمّ تأجيل هذا القرار على أمل توافر حلّ سياسي من ضمن المبادرة الفرنسية في ظل تشكيل حكومة يوافق عليها المجتمع الدولي، وتقوم بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، إضافة إلى تحديد مؤتمر دولي للدول المانحة، لمساعدة لبنان من خلال مؤتمر سيدر.

ويضيف مهنا: كل هذه الأمور هي بمثابة أوكسيجين لإطالة أمد الدعم الذي تعتريه أساسًا عدّة شوائب. وبرأيي، لن يتمّ وقف الدعم الشامل على معظم السلع. ربما يتمّ تخفيض أصناف من السلّة الغذائية مثلًا، ووقف دعم البنزين، بينما يستمر دعم المازوت والخبز...

وعلى الرغم من ذلك، فالأمور سوف تكون صعبة جدًا على الطبقات الفقيرة وما دون الوسطى.

وعن إمكان اعتماد آلية أخرى، قال مهنا إنّه قد يُصار إلى اعتماد البطاقة التموينية للطبقات الفقيرة وما دون الوسطى، ولكن ذلك لن يمنع التهريب، لأن الذهنية اللبنانية تسودها الاستنسابية والزبائنية السياسية...

 

ما الحل؟

يؤكد مهنا: من الأفضل اعتماد بطاقة دعم، كما هو واقع الحال في أميركا وعدة دول (Food Steps)، على أن يتمّ اعتماد البطاقات المصرفية. وفي حال عدم توافر حسابات مصرفية لدى البعض، يكون الدعم عبر وزارة الشؤون الاجتماعية. وهكذا يمكن ضبط هذه العملية، وتُحصر الداتا لناحية معرفة كلفة دعم كل عائلة شهريًا نسبة إلى ما تحتاجه من المواد الأساسية (نسبة استهلاك المازوت، الخبز، الدواء...)، ويسمى هذا بمعدل الاستهلاك الطبيعي. وبعدها تُضخ الأموال في الحسابات المصرفية للمواطنين. ومن شأن هذه العملية تحقيق ثلاثة أمور:

- ضبط عمليات التهريب.

- منع عمليات التزوير.

- ترشيد الإنفاق، ومنع عمليات التخزين المنزلي، وحصر الأمور بالأساسيات و بالأولويات.

ويشير مهنا إلى أنّه من شأن عملية الدعم هذه تخفيض معدل كلفة الدعم إلى النصف، أي إلى 360 مليون دولار وفق الدراسات.

ويعتبر مهنا، أنّ لبنان اليوم على طريق خطير ومفصلي، وإذا استطاع تشكيل حكومة تُلاقي المبادرة الفرنسية والاستفادة من مؤتمر سيدر، فمن شأن ذلك، بثّ أجواء تفاؤلية في الأسواق، والحدّ من الانهيار. ولكن بات من الضروري البدء بالحلّ السياسي، وإعادة الثقة الدولية بلبنان.

 

شحّ السيولة بالليرة اللبنانية

وعن قضية الشحّ بالليرة اللبنانية، أوضح مهنّا أنّه من ضمن السياسة التي ينتهجها مصرف لبنان وبالتنسيق مع المصارف اللبنانية، تمّ تخفيض سقوف السحوبات بالليرة اللبنانية، ووفق آليات محددة، بهدف لجم وتيرة التضخّم المفرط Hyperinflation، والمساهمة بتخفيض الطلب على الدولار وتخفيض وتيرة صعود سعر صرفه في الوقت عينه. يضاف إلى ما سبق ذكره، الوضع السياسي المتشنّج، والخوف من نفاد الاحتياطي المخصص لدعم السلع الأساسية، وكذلك الخوف من تهريب السلع المدعومة التي تقارب نسبتها الـ 60 في المئة، ناهيك عن تخزين السلع في المنازل خوفًا من فقدانها أو ارتفاع سعرها مستقبلًا...

وأكّد أنّ هذه الآلية «لم ولن تجدي نفعًا، لأنّ تحديد سقف السحوبات بالليرة يضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، ويحدّ من قدرة المستوردين على استيراد كميات وأصناف كثيرة. فالمشكلة الأساسية لصعود صرف الدولار، ليست اقتصادية بل هي سياسية بحتة. وهذا ما أثبته الانخفاض الذي حصل عشيّة تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، وما نشهده اليوم من تقلبات حادة صعودًا في سعر الصرف نتيجة التشنّج السياسي، والتخبّط في سياسة المحاصصة المعتمدة لتشكيل الحكومة».

 

شحّ الليرة ومصير الأمن الغذائي

حذّر رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي «من تداعيات التدبير الذي اتخذه مصرف لبنان والمصارف معًا، والقاضي بخفض السحوبات بالليرة من المصارف». وقال في بيان أصدره إنّ هذا القرار «من شأنه تهديد الأمن الغذائي، وخفض استيراد المواد الغذائية من الخارج إلى أقل من النصف، نتيجة شحّ السيولة بالليرة التي تشكل الأداة الوحيدة في هذه المرحلة الاستثنائية لتأمين السيولة بالعملات الأجنبية، بغية تمويل المستوردات من المواد الغذائية المدعومة وغير المدعومة على السواء».

وأوضح بحصلي أنّ حوالى 50 في المئة من المشتريات في السوبرماركت تتمّ بالبطاقات الائتمانية والنصف الآخر نقدًا بالليرة اللبنانية، ووفق تدبير مصرف لبنان، فإنّ المبالغ النقدية بالليرة فقط هي التي يمكن استخدامها لشراء الدولار من المصرف المركزي ومن السوق الموازية لتمويل المستوردات الغذائية، في حين أنّ النصف الآخر (أي مبالغ البطاقات الإئتمانية) لا يمكن استخدامها، لأنّ هذه العمليات تابعة للمصارف. وبالتالي، فإنّ المصارف ترفض تسييلها إن كان بالدولار أو بالليرة، ما يعني أنّ هذه المبالغ ستبقى محتجَزة بالمصارف، ولا قدرة للمستوردين على استخدامها في عمليات الاستيراد. وبالتالي، فهذا يعني أنّه في كل دورة تجارية، سيفقد المستوردون نصف قدرتهم الشرائية (حجم السيولة التي يمكنهم استعمالها) لتمويل مشترياتهم المقبلة جرّاء حجزها في المصارف، ما سيؤدي إلى خفض كميات المستوردات إلى النصف، ويهدّد الأمن الغذائي للبنانيين.