متاحف في بلادي

روايات فنية للتاريخ
إعداد: جان دارك أبي ياغي
تصوير: الجندي إيزابيل الخوري

يستعيد متحف مروان الفرّ في عبيه – قضاء عاليه حروبًا وصراعات شهدها العالم ويتوقف عند محطات مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط، تاركًا للمجسّمات حرية رواية التاريخ وكأنّها تنفّذ عملية نقل مباشر للحدث.
بعيدًا عن الرتابة والملل، يُعيد الفرّ كتابة التاريخ بطريقةٍ فنية جديدة ومشوّقة. وهو يأمل أن يتحوّل متحفه إلى مادة ثقافية علمية تضع الجيل الجديد أمام دروس التاريخ بأسلوبٍ مبتكر ينبض بالحياة.

 

هواية وشغف
يمارس مروان الفرّ هواية صناعة المجسّمات العسكرية وهي الأحب إلى قلبه مذ كان عمره ١٥ سنة. والده كان ضابطًا في الجيش هو الملازم أول فؤاد الفرّ الذي تولّى قيادة كتيبة المصفحات في اللواء الثاني قبل أن تنتدبه القيادة لمتابعة دورة في الخارج لمدة سنة، قدّم بعدها استقالته من الجيش في العام ١٩٧٨. رافق الفرّ والده، ما أتاح له زيارة المتاحف العسكرية في أميركا حيث كانت الشرارة الأولى. ثم أصبحت هذه الهواية شغله الشاغل بعد أن أُحيل على التقاعد من وظيفته، فتفرّغ لها. يرتكز الفرّ في تجسيد فكرة المجسّمات على مخزون من المعلومات راكمها البحث الجدي في المراجع التاريخية. ويقول: «الموضوعية تقتضي تقصّي الحقائق والتأكد من الروايات التاريخية ومعرفة خصائص الإطار الجغرافي الذي حصلت ضمنه فضلًا عن الأدوات العسكرية المستعملة، ودور الأشخاص الذين شاركوا في صنع الأحداث التاريخية الكبرى». وهو يوضح: لا أحب الحروب إنّما أجسّد في قالب فنّي المعارك التاريخية.

 

على أرض المعركة
تمتاز المجسّمات الخمسون داخل المتحف بدقةٍ عالية وهي تُظهر أبسط التفاصيل وتعكس وقائع بعض المعارك الشهيرة. هنا جرت الحربان العالميتان الأولى والثانية، وهنالك مجسم يمثّل نكبة فلسطين في العام ١٩٤٨ ببُعدَيها التاريخي والعسكري، وآخر لجيش الإنقاذ العربي في فلسطين بقيادة فوزي القاوقجي. نبتعد بعض الشيء فنجد أنفسنا أمام نهر الدون في الاتحاد السوفياتي سابقًا، ثم تواجهنا أربعة مجسّمات تروي هجوم الروس على موقع ألماني وقصف الطيران الألماني لجسرٍ بهدف منع الروس من العبور.
نتابع تغطية المعارك، فنصل إلى موقع بئر السبع في منطقة الفالوجة في مصر حيث تمركزت كتيبة بقيادة الجنرال جمال عبد الناصر في أثناء حصار الجيش المصري في العام ١٩٤٨ والذي استمر لغاية ١٩٤٩.
يضم المتحف نماذج لساحات معارك كاملة مع عدتها وعتادها استخدمتها الجيوش في حروبها، كمعركة النورماندي شمال أوروبا، أو قلعة فور كابوزو في ليبيا التي جرت أحداثها بين الجيشين الإنكليزي والإيطالي (١٩٤٤)، الإنزال الأميركي في المغرب (١٩٤٢)، انسحاب الجيش البريطاني من فلسطين (١٩٤٨)، معركة العَلَمَين في مصر بين القوات الألمانية بقيادة أرفين رومل، والقوات البريطانية بقيادة برنارد مونتغمري (١٩٤٢)، وغيرها.
في أحد الأروقة، نشاهد مقاومة الفرنسيين للاحتلال الألماني في العام ١٩٤٤، وثلاثة مجسّمات للجيش البريطاني تعود إلى العام نفسه خلال معركة خاضها ضد الألمان. ومن وقائع العام ١٩٤٣معركة بين الأميركيين والألمان في إيطاليا، وأخرى بين الاتحاد السوفياتي والألمان...

 

زاوية خاصة
أفرد الفرّ زاوية خاصة بالجيش اللبناني كناية عن مجسّم لموقع مدرعات اعتمد في تصميمه وإخراجه على تقنيات بسيطة جدًا إنّما مشغولة بِحِرفية عالية. وهو ينوي تجسيد معركة المالكية بأدقّ تفاصيلها كونه سكن ردهة من الزمن في الجنوب، وبحكم مرافقته لوالده الضابط إلى المراكز العسكرية فقد شهد المعركة التي وقعت في العام ١٩٧٠ بين الجيش اللبناني والعدو الإسرائيلي في منطقة كوكبا وسوق الخان.
ويملك الفنان مجموعة نماذج (غير مركبة بعد) عن طائرات سلاح الجو في الجيش اللبناني مذ اقتنى أول طائرة لغاية طائرة الهاوكر هانتر، وهو يعمل على تحضيرها لتُعرض في المتحف.

 

عدة الشغل
كيف يتوصل الفرّ إلى صياغة التاريخ في مجسّمات وما هي عدة الشغل التي يستخدمها؟ عدّة الشغل بسيطة جدًا، غير مكلفة، وبعيدة عن ضجيج التكنولوجيا. فقد اعتمد في تصنيع مجسّماته على المواد الأولية المكوَّنة من الخشب المعاكس، الجفصين، معجون الفخار، معجون السيراميك، أدوات يدوية، الغري، وغيرها. يسبق مرحلة التصنيع تجهيز أرضية المجسّم التي تمثّل المنطقة التي دارت فيها الأحداث وطبيعتها الجغرافية مع الإبقاء على التضاريس التي كانت محيطة بها في تلك الفترة الزمنية.
قد يستغرق تنفيذ مجسّم ما ثلاثة أيام وقد تطول المدة لتصل إلى ثلاثة أشهر كحدٍّ أقصى.
ويحرص الفرّ على أن تعكس الشخصيات بدقةٍ المرحلة التاريخية التي عاشت فيها، من خلال إلباسها الزِيّ الرسمي المعتمد في بلدانها (كالكفية والعقال والدشداشة عند العرب)، أما ساعِدُه الأيمن في هذا المعترك فهي زوجته التي تجيد مثله هذه الحِرفة.

 

طموحاته في سباق دائم
طموحاته كبيرة وأفكاره تتسابق مع وقته المحدود، فهو يطمح أن ينجز في المستقبل مجسّمات فنية تجسّد الفراعنة في مصر، الدولة الفاطمية، الدولة الأموية، الدولة العباسية، الدولة الفينيقية، والأتراك... هدفه جذب السيّاح من كل المناطق اللبنانية والعربية، ودخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية.