من الداخل الاسرائيلي

روح الانتقام تحكم القيادات الاسرائيلية
إعداد: يونس عودة

اولمرت وبيريتس مطلوبان للاقالـة قبـل انتهاء تحقيقات «فينوغراد»

لا يبدو ان الاتهامات المتبادلة بين القيادات الاسرائيلية عن اسباب الفشل الذريع في الحرب على لبنان تنتظر نتائج تحقيقات لجنة «فينوغراد» التي عيّنها رئيس الوزراء ايهود اولمرت، حتى يتقرر مصير الكثير من القيادات العسكرية والامنية والسياسية في اسرائيل.
فالكل يشحذ سكينه للنيل بعضه من البعض الآخر، ولا أحد يريد ان يكون «كبشاً» ولو كان ذلك لمصلحة الجيش الاسرائيلي او الحفاظ على صورته المتهالكة. وقد عبّر الكاتب الرئيس في صحيفة «هآرتس» يوئيل ماركوس عن الحالة المزرية التي وصلت اليها القيادات الاسرائيلية على اختلافها بالقول: «الاسرائيليون انفسهم اكبر اعدائنا في هذه المرحلة.. نحن ضد انفسنا.. الجميع يتآمر على الجميع.. ويلعب دور الآلهة».
واستنتاج هذا الموقف الذي يظهر انه يسري في الشرايين الاسرائيلية تمخض بعد معطيات لم يكتشفها وحسب رئيس الاركان المستقيل دان حالوتس الذي قاد الحرب على لبنان، بل كشفتها محاضر اجتماعات اظهرت مدى الارتباك الذي كانت تعيشه قيادة الجيش الاسرائيلي خلال الحرب.. وفقدان احد اهم عناصر نجاح العمليات العسكرية وهو، الضبط والسيطرة والتنسيق مع القيادة السياسية.

 

.. والحبل على الجرّار
اذا كان حالوتس اول مسؤول على مستوى رفيع اطاحته الهزيمة الاسرائيلية، فإن نائبه الذي كان يتوقع ان يحل محله وهو الجنرال موستيه كابلينسكي اعلن نيته في الاستقالة، ولكنه ارجأها الى فترة لاحقة بعد تمنيات من القيادة السياسية كي لا تتأثر صورة الجيش اكثر، ولا سيما بعد اعلان العديد من الضباط الكبار نيتهم الاستقالة عقب استقالة حالوتس، وتأخر رئيس الوزراء اولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس في الاستجابة للمطالبة الواسعة بضرورة تقديم استقالتيهما فيما الصحافة الاسرائيلية لم تتوقف عن الحديث عن زلزال داخل الجيش.
فالعميد غال هيرش الذي كان في الحرب قائد كتيبة «الجليل» المسؤولة عن الدوريات على طول الحدود مع لبنان ضمن الفرق العسكرية المعروفة برقم 910، فضل الاستجابة بداية لرئيس لجنة التحقيق التي عينها حالوتس، وعرفت باللجنة الداخلية بإمرة الجنرال درون ألموغ، كي يستقيل قبل الاعلان الرسمي عن نتائج لجنة التحقيق وقابل هذا الطلب بغضب شديد قائلاً لألموغ «لن اكون الضحية لتلك الحرب.. واستنتاجات اللجنة غير عادلة انا لن اقبل ان اكون الضحية».. كي لا يتزعزع الجيش.
ولم يكن هيرش الوحيد، فالعشرات من الضباط ومئات من الجنود اتصلوا بوسائل الاعلام الاسرائيلية وابدوا عدم رضاهم عن اختياره كبش الفداء. لكن هيرش وكذلك العقيد صين ليفني قائد الوحدة الغربية دفعا الثمن، بعد تقرير اللجنة التي عينها حالوتس والتي ادانت رئيس الاركان نفسه عندما عدّدت القصور برئاسة الاركان، ما دفع حالوتس الى الصراخ في ألموغ «إن هذا الموضوع ليس من صلاحيات لجنتكم».

 

من يدفع الثمن الباهظ؟
اذا كان حالوتس الى جانب الضباط المذكورين دفعوا ثمن الفشل، فإن مصير القادة السياسيين في اسرائيل ينتظر نتائج تحقيق لجنة «فينوغراد» التي عينها اولمرت نفسه وهو يخشى ان يكون موقفها منه مثلما كان موقف لجنة «ألموغ» التي عينها حالوتس على الاخير، آخذاً بعين الاعتبار نتائج لجنة التحقيق في حرب تشرين 1973 عندما قال افرايم كشير «كلنا مذنبون»، فالخوف ان تكون هذه العبارة هي الموجه امام لجنة فينوغراد والنهج الذي ستسير عليه، وهذا يعني ان اولمرت وبيرتس وحالوتس يتحملون جميعاً مسؤولية الهزيمة بصورة متساوية.
واذا كانت هذه هي الصورة فهذا يعني انه لن يكون هناك «مذنب» يتحمل المسؤولية، انما هناك «فشل»، وليس استخلاصات شخصية بحقه. في ضوء السجالات التي حصلت والاتهامات المتبادلة بشأن المسؤولية خصوصاً بين حالوتس واولمرت، فرئيس الاركان المطاح ردّد انه تحفظ بكل قوة عن خطوة برية واسعة حتى مرحلة متأخرة جداً من الحرب، على الرغم من مناشدات رفيقيه في هيئة الاركان من سلاح الجو - رئيس شعبة الاستخبارات اللواء عاموس يادمين واللواء ايدو ناخوشتان اللذين ايدا الدخول البري الواسع في البداية، ثم غيرا موقفيهما بعد ملاحظات نائب رئيس الاركان كابلينسكي، ورئيس شعبة العمليات غادي آيزنكوت، وطرحا شكوكاً بشأن عملية واسعة.

 

الصراع سيبقى محتدماً
هذا التردد كان ناجماً على ما يبدو عن الأداء السياسي الذي تكفله اولمرت الذي اعلن انه المسؤول ولا يرى نفسه مذنباً - قائلاً ان قرار شن الحرب املته المعطيات المتوافرة، مثلما كان الانتقال من العملية الجوية الى العملية البرية اضطرارياً ايضاً. واظهر اولمرت امام لجنة الياهو فينوغراد انه مرتاح النفس معتبراً انه نجح في اقناع اللجنة بأن العملية البرية الاخيرة كانت تستوجب بضعة ايام للسيطرة على المنطقة الواقعة جنوب الليطاني. إلا أنه اوقف العملية في ساعات الليل بحيث ابقى رجلاً في الداخل ورجلاً في الخارج حسب المعلق الاسرائيلي دان مرغليت الذي اشار الى ان وزير الدفاع بيرتس سعى لدى اولمرت الى ان «يرخي اللجام» الا ان اولمرت رفض فسارع بيرتس الى تغيير رأيه واصبح ضد القتال البري.  فالتف اولمرت على قيادة المنطقة الشمالية واتصل بقيادات الفرق مباشرة حتى يحصل على تأييدها لعدم التقدم في العملية والبقاء في المواقع. الا ان ما تسرب الى أحد المعلقين العسكريين للنيل من رئيس الحكومة يفيد ان الصراع سيبقى محتدماً، فقد كشفت رسالة بعث بها اولمرت الى البيت الابيض في 16 تموز تقول ان اسرائيل بحاجة من ستة الى ثمانية اسابيع من اجل تهشيم حزب الله وكسر شوكته، وهي تحتاج خلال هذه المهلة الى «غطاء سياسي» يحبط المبادرات الدولية لوقف اطلاق النار. وقام الملحق العسكري في السفارة في واشنطن، الجنرال دان هارئيل، بتسليم رسالة مشابهة الى وزارة الدفاع الاميركية.
واضاف بن يشاي: «بعد التداول مع مستشاريه في الامن القومي وكبار المسؤولين في البنتاغون، اعطى الرئيس (جورج) بوش رداً ايجابياً. وجاء في الرد الاميركي السري الذي وصل الى تل ابيب: تنال اسرائيل الوقت الذي تريد، ولدى الجيش الاسرائيلي عدة اسابيع، بل وشهور لإنجاز العمل. وكل ما طلبه الأميركيون هو عدم ضرب اهداف بنى تحتية لبنانية، بشكل رئيس». وتابع بن يشاي، في تقريره، إن «الإدارة الاميركية اوفت بوعدها. أما من لم يحقق المأمول منه فكان الحكومة والجيش الاسرائيلي».

 

ما هو الأخطر؟
يقول المعلق العسكري رون بن يشاي استناداً الى شخصيات ضليعة جداً بميدان العلاقات الاستراتيجية بين تل ابيب وواشنطن، ان المبادرة السياسية تلك من جانب اولمرت والتي عقدت عليها آمال عالية من الادارة الأميركية، قادت الى تقويض خطير في مكانة اسرائيل وصورتها الاستراتيجية في نظر حليفتها الأهم. وخلص الى انه وبحجم الآمال التي كانت معقودة كانت الخيبة والصدمة في واشنطن، وليس فقط في اسرائيل.
وهذه الرسالة ستأخذها لجنة «فينوغراد» من ضمن وثائقها اضافة الى ما كشفه وزير الحرب عمير بيرتس بأن الحرب كان معداً لها، وقال تأكيداً على ذلك: «هل هناك من يعتقد حقاً ان حادث اسر الجنديين في الشمال هو الحدث الذي ادى الى الحرب؟ انما كان هناك تراكم للاحداث قبل الحرب التي ادت الى فتح عيون اسرائيل على مخاطر اكبر. وتصوّر لو اننا لم نرد، لكنّا وجدنا انفسنا بعد عدة سنوات امام تعاظم قاس لتهديدات اخطر بكثير مما اكتشفناه».
لقد استغرقت شهادة بيرتس امام لجنة فينوغراد التي تحقق في مجريات حرب لبنان الثانية اربع ساعات. وحسب مصادر امنية فقد كرر حججه المركزية بالنسبة الى الحرب.
فقد ادعى بأن الاهمال الشديـد للجيش الاسرائيلي وقع قبل ان يتسلم مهام منصبه، وانه من اللحظــة التي دخل فيهــا وزارة الدفــاع وبعد انـدلاع الحرب، عمــل بنشــاط كي يعجل اصلاح المشــاكل المركزيــة التي ظهــرت في سياقها.
كما تطرق بيرتس الى عملية اتخاذ القرارات في اثناء الحرب, وادعى بشكل عام بأنه وافق على توصيات القيادات المهنية في الجيش الاسرائيلي وجهاز الامن وسمح للجيش الاسرائيلي بحرية عمل كاملة.
بغض النظر عمّا ستخلص اليه لجنة التحقيق، فإن اولمرت وبيرتس ما يزالان ملاحقين من القيادات الاسرائيلية لا سيما العسكرية والامنية بضرورة تقديم استقالتيهما. حتى ان رئيس الاركان السابق موشيه يعالون هاجم الجميع، فقال ان السلوك العسكري والسياسي في الحرب كان فاشلاً وعلى اولمرت وبيرتس ان يستقيلا ولا ينبغي ان ينتظرا لجنة «فينوغراد».