- En
- Fr
- عربي
دراسات وأبحاث
القوس الفولاذي من المياه المتجمدة إلى المياه الدافئة
«إن روسيا تبني قوسًا فولاذيًا (Arc of steel) من القطب الشمالي حتى البحر المتوسط».
(الأدميرال مارك فيرغسون قائد القوات البحرية المشتركة لحلف الناتو في أوروبا والمتوسط وافريقيا، 6 تشرين الأول 2015).
في نهاية العام 2013، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قيادة الجيش، توجيهات تقضي بضرورة تكثيف الوجود العسكري في منطقة القطب الشمالي، وذلك بالتزامن مع إعادة افتتاح قاعدة جوية لبلاده في المنطقة. فبعدما كشفت كندا عزمها على إعلان سيادتها على منطقة القارة المتجمدة الشمالية، قال بوتين إنّ روسيا بحاجة لاستخدام كل السبل المتاحة لحماية مصالحها الوطنية.
ثروات تحت الجليد
قبل الـ2013 كان بوتين قد تحدّث عدة مرات عن أهمية القارة المتجمدة الشمالية لبلاده، لكنّ التوجيهات التي أصدرها للجيش في ذلك العام، كانت الأولى من نوعها. ويأتي ذلك في إطار الصراع بين الدول المحيطة بالقارة المتجمدة الشمالية حول الثروات الطبيعية الموجودة هناك، وتحت ثلوج المحيط المتجمد الشمالي. فالتقديرات الأوليّة تشير إلى أنّ المنطقة المتجمدة الشمالية تضم نحو 15% من الاحتياط العالمي للنفط و30% من الغاز الطبيعي والمسال، وسيصبح استخراج هذه الثروات أكثر سهولة خلال الأعوام المقبلة، بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري والارتفاع المستمر لدرجة حرارة الأرض، بالإضافة إلى التقدّم المستمر في تقنيات التنقيب والاستكشاف. ويضاف إلى ذلك عدة أنواع من المعادن الثمينة، كالألماس والبلاتين والذهب والنحاس والنيكل والقصدير وغيرها.
الاستراتيجية البحرية الروسية الجديدة
في احتفال 26 تموز 2015 بالعيد الوطني السنوي للبحرية العسكرية الروسية، حدد الكرملين الاستراتيجية الجديدة التي سيعتمدها الأسطول الحربي الروسي خلال السنوات المقبلة في مواجهة النفوذ المتزايد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في المناطق المحيطة بروسيا. وترتكز هذه الاستراتيجية على نقطتين:
الأولى: زيادة عديد القطع البحرية في المحيط المتجمد الشمالي الذي يعتبر بوابة للأسطول الروسي على المحيطين الأطلسي غربًا والهادىء شرقًا.
الثانية: تعزيز التعاون الاستراتيجي مع كل من الصين في مياه المحيط الهادىء، والهند في مياه المحيط الهندي.
وفي احتفال آخر أقيم في قاعدة بالتيسك الروسية في إقليم كاليننغراد على ضفاف بحر البلطيق، وحضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عُمّم على المشاركين ووسائل الإعلام منشورٌ من 46 صفحة يشرح تفاصيل الاستراتيجية البحرية الروسية الجديدة. وتحدّث نائب رئيس الوزراء الروسي ديميتري روغوزين بشكل ملخص عن أبرز ما ورد في المخطط الجديد، فقال: «ستعزز روسيا قوتها البحرية في المحيطين المتجمد الشمالي والأطلسي كردّ على تحركات حلف شمال الأطسي بالقرب من الحدود الروسية». وأضاف: «سنرسل أسطولًا جديدًا من كاسحات الجليد إلى المحيط المتجمد الشمالي الذي ستكون له الأولوية القصوى في المرحلة المقبلة. فعبره، يمكن للأسطول الروسي الوصول من دون أي قيود إلى مياه المحيطين الأطلسي والهادىء». كما أوضح روغوزين أن «الاستراتيجية الجديدة تسمح لروسيا بتحقيق مرادها على جهتين: الأولى جهة المحيط الأطلسي التي يجب دائمًا الحذر منها، فتحركات حلفاء الأطلسي الأخيرة ونشر قوات الناتو بالقرب من الحدود الروسية، يدفعنا حتمًا إلى الردّ. أما الجهة الثانية فهي المحيط الهادىء حيث سنسعى إلى تعزيز تعاوننا الاستراتيجي وإلى التنسيق التقني مع كل من الصين في مياه الهادىء والهند التي تشرف على مياه المحيط الهندي». وختم نائب رئيس الوزراء بالتأكيد أنّ روسيا ستنشر أيضًا قطعًا بحرية جديدة في قواعدها في كل من القرم وسيفاستوبول، وستعمل على تعزيز الوضع الاقتصادي في هاتين المنطقتين، وستقوم بإيجاد محطات لأسطولها في البحر الأبيض المتوسط.
وكان روغوزين قد توقف في أرخبيل الجزر النرويجية سفالبارد (Svalbard) الواقعة فى وسط المحيط المتجمد الشمالي أثناء توجهه إلى مقر البعثة العلمية الروسية فى القطب الشمالي مطلع شهر نيسان 2015، وقد كتب في وقت لاحق تغريدة على موقع تويتر قال فيها: «أُعلن القطب الشمالي منطقة روسية». ورحلة روغوزين هذه، أتت في إطار تعزيز روسيا لوجودها في منطقة القطب الشمالي، حيث قامت في العام 2014، بتكثيف وجودها العسكري في المنطقة، وزيادة طلعاتها الجوية في سمائها، بالإضافة إلى افتتاح قواعد جديدة، وبناء 10 محطات للبحث والانقاذ، وتجهيز 16 ميناء فى المياه العميقة، و13 مطارًا، و10 محطات رادار للدفاع الجوي والبحري على طول سواحل القطب الشمالي الروسية.
وقد تزامن هذا مع إعادة افتتاح روسيا بعض القواعد العسكرية في الشمال التي كانت قد أغلقت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، بما في ذلك قاعدة منطقة مورمانسك (Murmansk) التي تبعد نحو 31 ميلًا فقط عن الحدود الفنلندية، والتي ستضم أكثر من 3000 عنصر للقوات البرية، و39 سفينة و35 غواصة. ولعلّ هذا ما أثار قلق بلدان الشمال الأوروبي وجعلهم يستعدّون لتعزيز مواقعهم في الشمال أيضًا، فهرع وزراء دفاع النروج والسويد والدانمارك وفنلندا، بالإضافة إلى وزير خارجية أيسلندا للتوقيع في 9 نيسان 2015 على إعلان مشترك مفاده أن سلوك روسيا يمثّل التحدي الأكبر للأمن الأوروبي، وأن الوضع الأمني في جميع أنحاء بلدان الشمال الأوروبي قد ساء بشكل ملحوظ خلال العام الماضي، ونتيجة لذلك، أعلنت الدول الخمس خططًا لتوسيع العلاقات الدفاعية في ما بينها.
دعت دول الشمال الأوروبي، الولايات المتحدة لتكثيف الجهود لمواجهة روسيا في منطقة القطب الشمالي، وعلى هذه الخلفية، قام وزير الخارجية الأميركي جون كيري برحلة طويلة إلى أقصى شمال الأراضي الكندية، إلى منطقة نونافوت (Nunavut) لتولّي الرئاسة الدورية لمجلس القطب الشمالي.
القواعد الجديدة والمتجددة
مع حلول 22 تشرين الأول الماضي (2015)، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن روسيا قد أنهت تقريبًا بناء قاعدة عسكرية ضخمة في جزيرة كوتلني قرب شواطىء شرق سيبيريا، علمًا أنه لم تكن هناك من قبل قاعدة عسكرية حتى في أيام الاتحاد السوفياتي السابق. وجزيرة كوتنلي هي أكبر جزيرة في أرخبيل نوفوسيبرسك في بحر لابتيف، وكانت فقط مركزًا للرصد والمراقبة المناخية، أما اليوم فقد أصبحت مقرًا لـ«مجموعة المحيط المتجمد الشمالي التكتية 99» التابعة للبحرية الروسية، وهي أرض صخرية وجليدية والحياة فوقها لا تحتمل، إلّا أنّها باتت مجهزة بجميع وسائل العيش.
وأضاف الوزير الروسي أن روسيا تقوم ببناء عدد آخر من القواعد العسكرية الصغرى في جزيرة رانغل في الساحل الشرقي لبحر تشوكتشي، وكذلك في جزر الكوريل القريبة من اليابان (30 كلم فقط) وفي رأس شميدت. وأعلن أنه سيتم بناء 6 مطارات خلال العامين القادمين (2016 – 2017). وفي موازاة ذلك يجري نشر القوات العسكرية المناسبة في قواعد المحيط، وهي مجهزة بأحدث الأسلحة الضرورية والتقنيات العالية. ويشار هنا إلى أن الروس قد باشروا منذ العام 2012 بناء وإعادة بناء قواعد عسكرية مطلّة على المحيط الشمالي في البحر والبر.
وذكرت مجلة «صنداي اكسبرس» البريطانية في الأسبوع الثالث من شهر تشرين الأول 2015، أن روسيا تبني قاعدة كبرى فوق جزيرة تدعى ألكسندرا تقع بين بحري بارنتس وكارا، أسمتها اركتيك تريفويل (Arctic Trefoil)، مساحتها 14 ألف متر مربع ويمكنها استيعاب وتأمين إقامة 150 جنديًا مع معداتهم، وتموينهم ذاتيًا لمدة 18 شهرًا. كذلك ذكرت المجلة أن لدى روسيا في المنطقة القطبية نحو 41 كاسحة جليد عملاقة جاهزة، منها 8 تعمل بالطاقة النووية، بينما تملك الولايات المتحدة كاسحتين فقط وإحداهما لا تعمل. وتضيف المجلة أن الروس سيبنون ثلاث قواعد جديدة في شرق سيبيريا ومضيق بيهرنغ وأن إحداها لن تبعد عن الأراضي الأميركية في ألاسكا أكثر من 300 ميل، مما دفع السيدة سارة بيلين حاكمة ولاية ألاسكا السابقة إلى القول: أصبح بإمكانك أن ترى روسيا الآن من هنا من أرض ألاسكا...».
قناة السويس الجديدة
يوفّر القطب الشمالي ممرًا بحريًا هو الطريق الذي يصل ما بين المحيط الهادىء والمحيط الأطلسي عبر المحيط الشمالي، على طول امتداد الحدود البحرية الروسية الشمالية، من بحر بارنتس بمحاذاة سواحل سيبيريا، وحتى مضيق بيهرنغ في الشرق الأقصى. وقد قال عنه الرئيس الروسي بوتين «إنه قناة السويس الجديدة». فهو يعتبر من أقصر الطرق البحرية التي تربط شرقي آسيا بأوروبا الغربية وأميركا الشمالية عبر المحيط الشمالي. وعلى الرغم من تجمّد مياه هذا الطريق معظم ايام السنة (10 أشهر)، ومن حاجة السفن أثناء عبوره إلى أدلّاء وكاسحات الجليد في بعض أقسامه، فهو يوفر الوقت ويخفض الكلفة، ويعتبر أكثر أمنًا من المرور في مضيق مالقة أو بحر العرب وخليج عدن حيث حوادث القرصنة المتعددة والمستمرة.
التنافس والتعاون
يتركز النزاع اليوم حول الجرف القاري للمحيط وحتى مركز القطب الشمالي ذاته بين الدول المشاطئة له، وبخاصة بين روسيا والنروج، وروسيا والولايات المتحدة وكندا والدنمارك.
ومع التنافس على الموارد ونشر القواعد العسكرية في المنطقة، يشكّل القطب الشمالي ساحة صراع محتملة في المستقبل بين الدول الكبرى، وخصوصًا في ظل عدم تحديد هذه البلدان حتى الآن لكيفية استخدام هذه المساحة الشاسعة من الأرض والمياه من دون إثارة الصراعات. حاليًا يدير القطب الشمالي «مجلس القطب الشمالي» الذي تأسس في العام 1996 بعد توقيع 8 دول على إعلان أوتاوا، والذي يضم خمس دول لها سواحل مباشرة ممتدة على المحيط الشمالي القطبي، وهي كندا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا والدانمارك والنروج، بالإضافة إلى ثلاث دول أخرى هي فنلندا والسويد وأيسلندا. كما يضم المجلس 12 دولة تحمل صفة مراقب، ومجموعات من السكان الأصليين تحت اسم: المشاركون الدائمون. ويعدّ هذا المجلس منتدى للتعاون في القضايا الإقليمية الخاصة بالتنمية وحماية البيئة، ويقع مقر أمانته العامة في النروج، ورئاسته دورية تتجدد كل عامين.
البحر ونشر القوة
يعلّمنا التاريخ العسكري أنه لا يمكن لدولة ما مهما كانت قوية، أن تنشر قوتها في العالم بالاعتماد على قواها البرية فقط، فهي بحاجة دائمًا للقوة البحرية وللأساطيل المناسبة لنشر هذه القوة ولحماية أمنها ومصالحها الاقتصادية والتجارية.
تطل روسيا مباشرة على ثلاثة محيطات وثلاث قارات وعلى ثلاثة بحار. كما تطل على المحيط الهندي عبر الاتفاق مع الهند وعلى البحر المتوسط عبر قاعدتها البحرية في سوريا. وهي تعمل على تطوير أساطيلها البحرية وتزويدها بالسفن والأسلحة ونشرها في هذه البحار والقواعد، لأنها تدرك أنها لن تستعيد دور الإتحاد السوفياتي السابق أو تصبح «روسيا العظمى» ما لم تصبح قوة بحرية عظمى، يحسب لأساطيلها وقواعدها ألف حساب، وبخاصة في هذا الوقت.
من هنا، يرى بعض المحلّلين الاستراتيجيين أن روسيا اليوم قد عززت وجودها البحري بقواعدها البحرية في نقاط استراتيجية مهمة على زوايا روسيا الأربع: من قواعدها في القطب الشمالي بطرفه الشرقي المطل على الولايات المتحدة، إلى الطرف الجنوبي الشرقي على حدود اليابان والمحيط الهادىء، ومن الطرف الشمالي الغربي عبر بحري الشمال والبلطيق في كاليننغراد، إلى البحر الأبيض المتوسط مرورًا بالبحر الأسود والقرم. وهي تطمح إلى العودة إلى الطرف الجنوبي الغربي المتمثل في البحر الأحمر ومصر واليمن ومضيق باب المندب، وما وجودها العسكري في سوريا اليوم وتعزيز قاعدتها البحرية والجوية فيها ومناوراتها في البحر القطبي الشمالي والمحيط الهادىء امتدادًا إلى المحيط الهندي، الّا لتأكيد هذا الحضور العملياتي في شرقي البحر المتوسط وشمالي أوروبا والأطلسي وشرقي آسيا وجنوبها. وهذا ما بدأت دول حلف الناتو الـ28 تحسب حسابه وتتدارس الخطط وتحشد القوى، وتجري المنـاورات في البحــر المتوســط وغيره، لمواجهته أو الحدّ من اندفاعته.
المراجع:
- https://www.rt.com/news/319394-arctic-military-base-islands.
- www.allenbwest.com/.../sarah-palin-was-right-look-where-russia-is-build.
- www.express.co.uk › News › World
- www.businessinsider.com/russia-arctic-expansion-2014-11
- news.yahoo.com/russian-ships-old-arctic-nato-set-alarms-bells..
- https://www.rt.com/news/197936-russia-arctic-military-shoigu/
- https://en.wikipedia.org/wiki/Arctic_policy_of_Russia
- www.almustaqbal.com/